Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عفّاش" الذي فوت الغداء ليغدو عشاء للحوثيين

يقول عبدالله القاضي المرافق المقرب من علي عبدالله صالح في ذكرى مقتله إن الرئيس الأسبق أخطأ بإعلان الانتفاضة من منزله والوساطات القبلية التي سعت إلى تهدئة "أحداث ديسمبر" هدفت لتحديد موقعه لمصلحة الميليشيات

تمر في ديسمبر 2021 الذكرى الرابعة لمقتل علي عبدالله صالح على يد ميليشيات الحوثي في صنعاء (غيتي)

لم يدر في خلد اليمنيين والعالم، ولا الرئيس الراحل علي عبدالله صالح نفسه، أن يحمل ليل ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 القارس نبأ سقوط الفارس من على جواده الذي ظل يمتطيه لأكثر من ثلاثة عقود، على يد ميليشيات أسهم هو بنفسه في دفعها نحو سدة السلطة في العاصمة التي ظلت شوارعها تتزين بصوره العملاقة، لتغدر به براويزها وأعمدتها وأزقتها التي بدت متهالكة أمام هدير العاصفة، فسقط الأصل وبقيت الصورة.

إنه تحول تراجيدي قاس في حياة القابض بزمام الفرس والسلطة، الراقص على رؤوس الثعابين لفترة تزيد على 34 عاماً، لم يصدقه كثير من المحبين وغير المحبين للرئيس المولود في مارس (آذار) 1947، في فترة حكم امتدت بين (1978 - 2012)، كأطول فترة حكم تشهدها اليمن لرجل واحد، ليبرز السؤال حينها: كيف لدغت الأفعى صالح هذه المرة على حين غرة من ترويضاته المعهودة الماكرة لأعتاها سمية، وعقب يومين فقط من دعوته "جميع الشعب اليمني في كل المحافظات وكل مكان أن يهبوا هبة رجل واحد للدفاع عن اليمن ضد العناصر الحوثية التي تعبث باليمن منذ ثلاث سنوات". 

كيف لا يبرز السؤال بينما يتردد صداه من الأسوار والقصور المنيفة التي تركها ورائه بصنعاء، وهو من عرف بدهائه وحنكته في تكريس كل حادثة لمصلحته للإبقاء على كرسيه أطول فترة ممكنة في سدة عرش قصر دار النهدين. 

يبدو أن "صانع الوحدة" أساء التقدير أو لم يحسب حساباً للجرة التي لم تسلم هذه المرة من "حقد الميليشيات الطائفية" التي خاض ضدها ستة حروب ضروس بدءاً من العام 2004 حين كانت جبال مران ورازح وضحيان بمحافظة الرمان في صعدة (شمال) شاهدة على تفاصيلها، وفقاً لتسلسل الأحداث التي بينت أن صالح بات مكشوفاً لقناصة "فرق الموت" الحوثية التي أحاطت الأسوار الحصينة لقصر "الثنية" جنوب العاصمة الذي يقيم فيه منذ مغادرته "قصر دار الرئاسة" في فبراير (شباط) 2012، لتسقط القلاع والأسوار المزخرفة صرعى أمام مدفعية أنساق المقاتلين القادمة بدافع "الثأر للقائد"، فلم تصمد كثيراً في انتكاسة سريعة لم يتوقعها أكثر المتشائمين. 

وعقب موجة رهيبة من العنف ضد المؤتمر ومنتسبيه، في مثل هذه الأيام قبل أربعة أعوام، دانت السيطرة الميدانية والسياسية في العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الشمال اليمني لميليشيات الحوثي، وطي صفحة شريكهم الذي قاد انتفاضة شعبية ضدهم في الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن أعلن فجأة فض الشراكة مع الجماعة الراديكالية المدعومة من إيران في أحداث دراماتيكية بين شريكي "حكومة الإنقاذ" ما تزال كثير من تفاصيلها المثيرة طي التحفظ والكتمان. 

خدمات صالح لا تكفي

كان معروفاً دعم صالح للحوثيين، خصوم الأمس، عندما كانوا "أحفاد الإمامة"، الذين حاصروا صنعاء وسلمهم معسكرات كانت تقع تحت قبضة قوات "الحرس الجمهوري" أعتى القوات الاحترافية المسلحة التي يديرها أبناؤه وأفراد أسرته، بعد أن أوعز لحلفائه القبليين والعسكريين تسليم المقدرات التي تحت أيديهم للحليف الجديد، الذين تحولوا بفعل تقاطع مصلحة الأحداث إلى "شركاء مقاتلين في خندق واحد مع الوطن"، لينشأ إثرها كيان ضد الرئيس الشرعي المنتخب عبدربه منصور هادي والقوى الوطنية ومن يساندها من العرب ضد الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر (أيلول) 2014. 

وعلى الرغم من دعم صالح للحوثيين وترديده خطابات "التشفي" في الرئيس الجنوبي الشرعي هادي ونعته بـ "الفار"، حتى إنه هدده في كلمة له بأنه لم يعد أمامه للهرب سوى منفذ وحيد إلى جيبوتي، إلا أن ذلك لم يكف الحوثيين الذين يضمرون لصالح ثأراً قديماً بمقتل مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي في جبال ضحيان، وعمدوا إلى مضايقة واستفزاز أنصاره المدنيين والعسكريين حتى وصل الأمر حد محاولة اغتيال أبنائهم، تدشيناً لمرحلة دحرجة كرة ثلج الخلاف التي كبرت فتناثرت أشلاؤها لاحقاً. 

عزل هادي

تمكن الحلف الجديد من عزل الرئيس المنتخب ومحاصرة القصر الرئاسي في 20 يناير (كانون الثاني) 2015، وظل هادي قيد الإقامة الجبرية، وهو ما دفعه لتقديم استقالته في الشهر ذاته إلى مجلس النواب بعد استقالة الحكومة برئاسة خالد محفوظ بحاح، ولكن البرلمان لم يعقد جلساته للبت في قبول الاستقالة من عدمها، ليسارع الحوثيون بمعزل عن صالح إلى إعلان دستوري قضى بحل البرلمان وتولي "اللجنة الثورية" برئاسة محمد علي الحوثي رئاسة البلاد.

بقي هادي رهين الحراسة الحوثية المشددة إلى أن تمكن في 21 فبراير (شباط) 2015 من الفرار والوصول إلى عدن، التي أعلن منها سحب استقالته وأصدر بياناً جاء فيه "أن جميع القرارات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها" ويقصد اتفاق السلم والشراكة، ودعا إلى انعقاد اجتماع الهيئة الوطنية للحوار في عدن أو تعز حتى خروج الحوثيين من صنعاء.

كان معلناً أن يتشارك الحليفان (الحوثي وصالح) إدارة شؤون البلاد عقب مغادرة هادي، ولكن تذمر أعضاء وأنصار حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح) ومعهم قوى مدنية وعسكرية أخرى من الحوثيين، واتهامهم بالتفرد بكل شيء وتعمد إقصاء وتهميش كوادر وقيادات وموظفي المؤتمر الذي كان منتسبوه يبسطون سيطرتهم على إدارة شؤون الدولة، خلق شرخاً بينهما. 

الشرر يولد الانفجار

هذا الإقصاء كان بمثابة الشرر الذي ظل يتطاير ويكبر، وهيأ الظروف الكافية للانفجار الدامي لاحقاً. ويوماً إثر آخر تتعالى الأصوات في أروقة حزب صالح بأن التحالف مع الحوثيين بات من سابع المستحيلات جراء الممارسات الحوثية ضد مسؤولي الحزب في مرافقهم الحكومية، واستئثار الجماعة بإيرادات الدولة الضخمة وكافة القطاعات والموارد، وإنشاء أسواق بديلة للنفط والغاز ومراكز جمارك خاصة بها، وعدم توريدها إلى فرع البنك المركزي بصنعاء وحسابات الحكومة.

ومع توسع الخلاف بدأت نيات السباق نحو من ينزع مسدس "الغداء بالآخر قبل أن يتعشى به"، حين دشنه الحوثيون بمحاولة اغتيال صلاح، النجل الأصغر للرئيس صالح، عقب احتفال جماهيري ضخم أقامه حزب المؤتمر الشعبي في ميدان السبعين بقرب منزل الأخير، احتفاء بالذكرى الـ35 لتأسيس الحزب في 24 أغسطس (آب)، وهو الحفل الذي أكدت كل المعطيات أنه كان الفرصة التي يتحين صالح قدومها لقلب الطاولة على شركائه الذين ربما فطنوا لنيات "ثعلب السياسة اليمنية"، فاستبقوا بتضييق الخناق عليه باستحداث نقاط تفتيش مزودة بعربات مدرعة وأطقم قتالية انتشرت بالقرب من منزله ومنازل أبنائه والقادة العسكريين الموالين له، وأمام مقار وسائل الإعلام التابعة لحزبه، ليكتشف أن فوهات الآليات الحوثية باتت مصوبة نحو عنقه من كافة الاتجاهات، فأعلن في كلمة قصيرة أمام جماهيره المحتشدة في الاحتفال إياه "التأكيد على الشراكة مع الحوثيين ودعم جبهاتهم بالمقاتلين"، متلافياً ميزان القوة الراجح للجماعة الطائفية، وهو الخطاب الذي خيب آمال الجماهير المحتشدة.

تحشيد واستحداث

وما إن جاءت الأيام الأولى لآخر ثلاثة أشهر من عمر "عفاش" إلا وبرزت على السطح ملامح انفصال "زواج المصلحة" بين الطرفين بالتزامن مع الاحتفال الحوثي بذكرى المولد النبوي في ميدان السبعين، الذي حشدوا له كل طاقاتهم وشرعوا بتمزيق صور صالح وشعارات حزبه من ساحته التاريخية، وألصقوا مكانها صور زعيمهم وشعاراتهم المستوحاة من شعارات نظام الملالي الإيراني. 

وفي حين دعت قيادات حوثية إلى الانقلاب على حليفهم صالح نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الذي وصفته بـ "الشيطان والعدو الداخلي"، كما ظلت تصف حزبه بـ "الطابور الخامس"، سارع الجانبان إلى مزيد من التحشيد والانتشار في شوارع صنعاء وخصوصاً جنوبها، وتركز بشكل كبير في مناطق الحي السياسي ومحيط منازل العميد أحمد علي عبدالله (نجل صالح الأكبر) بشارع الجزائر، والعميد طارق محمد عبدالله صالح (نجل شقيق صالح وقائد قوات حراسته الخاصة) في شارع بغداد، ومحيط جامع الصالح في "ميدان السبعين" وفي الستين الجنوبي وخولان وغيرها.

شواهد المرافق اللصيق

في محاولة لكشف تفاصيل هذه الأحداث كان لزاماً أن نبحث عن شخصية ظلت شاهدة على تفاصيلها، فكان الاختيار على العقيد عبدالله محمد القاضي، المرافق اللصيق للرئيس الراحل علي عبدالله صالح وابن منطقته الذي رافقه منذ العام 2006.

عبدالله القاضي من مواليد قرية بيت الأحمر بمديرية سنحان، محافظة صنعاء (مسقط رأس صالح) في العام 1982، خريج كلية زايد العسكرية بدولة الإمارات العربية مطلع 2004، تخصص أمن وحماية الشخصيات، وقد ظل بعيداً من الظهور الإعلامي بحكم طبيعة عمله الأمني الخاص. 

 

حاصل على دورات عدة في قيادة القوات الخاصة والتدخل السريع ودورة متقدمة في الأمن والحماية واستخبارات الحماية الجسدية، ودورة قادة كتائب وألوية معهد التطوير القتالي للقوات الجوية. 

عمل ضابطاً في الفرقة الأولى مدرع منذ 2004 حتى تم نقله إلى قوات الحرس الخاص بطلب من رئيس الجمهورية في 2006. 

وفي حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" يروي القاضي سلسلة الأحداث التي كان شاهداً عليها، "ممارسات الميليشيات العدائية كثيرة جداً، ولكنها ظهرت قبيل وبعد فعالية الاحتفال الجماهيري بذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام".

 

يضيف، "جن جنون الميليشيات بعد تنظيمها واستشعروا الرفض الشعبي الكبير لهم من خلال الحضور الجماهيري الحاشد من مختلف فئات الشعب وانتماءاته، وهو ما أشعرهم بالخطر على الرغم من منعهم من وصول معظم المشاركين الذين توافدوا من مختلف المحافظات".

بداية التوتر

عن تفاصيل بداية التوترات يؤكد أن "الحوثيون باشروا بعد انسحاب الحشود الجماهيرية عقب فعالية المؤتمر باستحداث نقاط تفتيش في تقاطع المصباحي بصنعاء، وهو الطريق الذي يربط منزل الزعيم بمنزل العميد أحمد علي".

ويضيف أثناء مرور صلاح نجل الزعيم صالح "اشتبكت النقطة مع مرافقيه، وكان الهدف قتله، فهبت قوة كانت بالقرب من منزل العميد أحمد علي لإخراجه من الكمين لتتوسع منطقة الاشتباكات بعد مقتل العقيد خالد الرضى (رئيس العلاقات الخارجية في الحزب) وكانت الغلبة لنا، ولكن سرعان ماتدخلت وساطة وتم تشكيل لجنة أمنية لاحتواء الموقف". 

هنا يستدرك القاضي موقف الوساطة القبلية التي لم يسم أعضاءها، وكشف أن هدفها لم يكن التهدئة بقدر ما كان "محاولة خبيثة لاكتشاف أمر مهم يخدم موقف الحوثيين على الأرض". ويضيف، "لم نكن ندرك أن هدفهم من هذه التهدئة هو كسب الوقت لإعداد العدة حتى جاءت ذكرى المولد النبوي ليستغلوا هذه المناسبة ويقوموا بمهاجمة جامع الصالح بصنعاء بقرابة 10 طواقم، فيما لم يكن يوجد في الجامع سوى حراسة بسيطة عبارة عن طقم واحد، فتواصل الزعيم بالوساطة ولكن الحوثيين تحججوا بأنهم يهدفون من دخول الجامع لتصوير الفعالية التي ستقام في ميدان السبعين وسينسحبون فور انتهاء الفعالية". 

يسرد ضيفنا الذي ظل يصف صالح بـ "الزعيم" ما جرى إثرها، إذ "تم الاتفاق على هذا الأساس، ولكنهم أثناء انسحابهم عقب احتفالهم بالمولد قاموا بمهاجمة منزل العميد طارق والعقيد محمد بن محمد عبدالله صالح (نجل شقيق صالح الذي ما يزال معتقلاً لدى الحوثيين) في شارع الجزائر ومقر اللجنة الدائمة للمؤتمر في شارع إيران".

خطاب الطلقة الأولى

في ظهيرة الثاني من ديسمبر (كانون الأول) دعا صالح اليمنيين في خطاب متلفز مباشر بثته قناة "اليمن اليوم" التابعة له، "أن يهبوا للدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والحرية ضد هذه العناصر"، وقال إن "الشعب انتفض ضد عدوان الحوثيين السافر بعد ما عانى الوطن منه على مدى ثلاث سنوات عجاف منذ أن تحملوا المسؤولية"، واتهمهم "بتجييش الأطفال الصغار والزج بهم في معارك عبثية"، واتهمهم أيضاً بالخيانة.

وأوضح أنه سيفتح الحوار مع الجميع من دون استثناء، وقال إن الشعب اليمني تحرك وقام بانتفاضة ضد العدوان السافر من قبل الحوثي وعناصره الذين عبثوا باليمن على مدى ثلاث سنوات للانتقام ممن حققوا ثورة سبتمبر ووحدة اليمن، وطالب اليمنيين قائلاً "انتفضوا لوحدتكم ومن أجل دولتكم". وأضاف، "اليمنيون الآن يختارون قيادة جديدة بعيداً من الميليشيات".

ويؤكد مرافق صالح أن انتفاضة الثاني من ديسمبر جاءت بعد أن "وصل الرئيس علي عبدالله صالح إلى قناعة أن هذه الجماعة لا تؤمن بالتعايش مع الآخرين ولا بالديمقراطية وحرية التعبير، وقد جن جنونهم بعد أن أعلن المؤتمر تنظيم فعالية الاحتفال بذكرى تأسيسه". 

كان خطاب صالح، وفقاً لخط سير الأحداث، إشارة البدء لانطلاق قواته ومعها معظم الفئات المؤيدة له في المجتمع اليمني الذين ضاق بهم الحال ذرعاً من ممارسات الميليشيات التي بدأت تأخذ طابعاً عدائياً، وبالفعل نجحت قوات صالح في السيطرة السريعة على العديد من مناطق ومرافق العاصمة صنعاء والمحافظات، تسندها قناعة شعبية كانت جلية بعدم مقاومتها وتأييدها في كثير من الأحيان، بحسب مراقبين. 

كما تبدلت المواقف الدولية مع تغير الموقف الجديد لصالح، فقال التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن إن "استعادة حزب المؤتمر الشعبي في اليمن زمام المبادرة وانحيازهم لشعبهم ستخلص اليمن من شرور الميليشيات الطائفية الإرهابية التابعة لإيران"، وأضاف التحالف في بيانه أنه يثق في أن زعماء المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح سيعودون "إلى المحيط العربي".

انتصار سريع وهزيمة أسرع

وهنا يعلق القاضي، "أعلن الزعيم الانتفاضة الشعبية كبراءة منه للشعب اليمني، ولم يكن معد لها مسبقاً، فهبت الجماهير إلى الميادين وضيقت الخناق على الحوثيين في صنعاء وساندتنا على الرغم من أن قوتنا كانت محدودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، واستطاع المتظاهرون من أنصار الزعيم السيطرة على أغلب المؤسسات والمباني الحكومية وطرد الحوثيين منها، والسيطرة شبه الكاملة على صنعاء باستثناء منطقة الجراف شمال العاصمة ومنطقة حزيز جنوب"، 

وعندما شعر الحوثيون بالخطر سارع زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي في خطاب بثته قناة "المسيرة" التابعة للجماعة "أناشد الزعيم علي عبدالله صالح أن يكون أعقل وأنضج وألا يستجيب لهذه الدعوات التحريضية".

 

وأضاف أن جماعته مستعدة لقبول التحكيم بين الطرفين وأي نتيجة قد يخرج بها قائلاً، "فليتحاكم معنا المؤتمر الشعبي إلى الحكماء والعقلاء، وإن طلع الخطأ عندنا سنتحمل المسؤولية". 

وعقب سيطرة خاطفة سريعة على أهم مفاصل العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، تفاجأ اليمنيون والعالم بتهاوي قوة صالح بالسرعة ذاتها، وخفوت نشوتها وتراجعها شيئاً فشيئاً إلى محيط منزل صالح بحي حدة، بالتزامن مع استعادة الحوثيين زمام المبادرة وإدخالهم قوات مدربة قدمت من صعدة مزودة بأسلحة ثقيلة ومتوسطة، منها الدبابات والمدرعات المجنزرة والصواريخ الحرارية والمقذوفات. 

وعن هذه الانتكاسة المفاجئة يسرد مرافق الرئيس جملة من العوامل التي تسببت في ذلك، منها أن "الحوثيين في بداية هجومهم كانوا يركزون على مهاجمة قناة "اليمن اليوم" كخطوة أولى لقطع أي تواصل بين الزعيم وأنصاره، كما ركزوا هجومهم على منازل أقرباء الزعيم صالح". 

يضيف، "كان أنصار الزعيم يسمعون عن الانتصارات عبر القنوات فاعتقدوا أن الأمور قد حسمت لمصلحتنا فعادوا إلى بيوتهم". 

ويتابع، "أتت أول نكسة للانتفاضة من جهة حاشد (شمال العاصمة) حيث فتحت الطريق للحوثيين القادمين من صعدة، وكان بعض المشايخ من أنصار المؤتمر استطاعوا إغلاق طريق صعدة - صنعاء بداية الانتفاضة، فتوافدت حشود الحوثيين من صعدة إلى صنعاء من دون أن تجد أمامها أي عائق"، ثم جاءت النكسة الثانية "بانسحاب أنصار الزعيم من معسكر السواد (أحد أكبر معسكر لقوات الحرس الجمهوري جنوب العاصمة) من دون أي سابق إنذار، بعد أن كانوا بسطوا سيطرتهم على المعسكر صباح الثاني من ديسمبر". 

انسحاب الهواتف المغلقة

وهنا يروي ضيفنا رد فعل الرئيس اليمني الراحل إزاء سقوط واحد من أهم وأكبر المعسكرات الاحترافية التي كان يعول عليها لترجيح كفته العسكرية، حين "تفاجأ كثيراً عندما أخبرته أن جماعتنا ينسحبون من معسكر السواد، فطلب التواصل مع بعض القيادات هناك، ولكن المفاجأة الثانية أن هواتف بعضهم مغلقة، وحيث كان يفترض بهم إذا ضاق عليهم الخناق، وفقاً للاتفاق، الانسحاب إلى الثنية منزل الزعيم وليس إلى منازلهم".

قاطعته، هل تلمح إلى تعرض صالح لخذلان من أي نوع؟ فقال "لم يكن لديهم أبسط عذر للانسحاب".

أعدت عليه سؤالي بشكل أوضح: هل تلمح إلى احتمال خيانة قائد المعسكر اللواء مهدي مقولة وهو المعروف بقربه الشديد من صالح طوال فترة حكمه؟ فأجاب، "كما قلت بعد أربع سنوات لم نجد مبرراً للانسحاب، ولم تكن هناك أية مواجهات حول المعسكر تبرر هذا الفعل الذي مثل سقوطه الضربة التي قصمت ظهر انتفاضة ديسمبر".

وعن توالي النكوص المؤتمري يواصل سرده للأحداث، "جاءت النكسة الثالثة من جبهة صرواح ونهم حيث ترك الحوثي يسحب معظم مقاتليه من المواقع في تلك الجبهات إلى صنعاء مستغلاً حال الهدوء في الجبهات".

في هذه الأثناء كان الحوثيون قد نجحوا فعلاً في "اقتحام قناة اليمن اليوم وقطع بثها حتى يمنعوا أي تواصل لقيادات المؤتمر بالجماهير، وبعد إغلاق القناة ركزوا كل هجومهم وطاقتهم على منزل الزعيم في الثنية".

المنزل محور النار

كان "الفندم عبدالله" يسرح بخياله ويسافر بنظراته بين تخوم صنعاء، مستذكراً بشيء من الألم الواضح تفاصيل تلك المعركة الدامية التي راح ضحيتها نحو 1000 شخص من كوادر المؤتمر، علاوة على سلسلة الاعتقالات التي طالت قيادات وكوادر حزب صالح التي بلغت نحو 4000 اعتقال.

كان بعد سرحانه يحاول وهو يعدل نظارته استجماع صور المعركة بخيال مكثف، "كان عددنا داخل منزل الزعيم لا يتجاوز 120 فرداً وبسلاحنا الشخصي الخفيف، في وجه الآلاف من زحف الحشود الحوثية التى كانت تتوافد من صعدة ونهم وصرواح، ولم يتوقف قصف منزل الثنية والزحف ولو دقيقة واحدة". 

وعن رد فعل القوات المدافعة والمحيطة بمنزل صالح يقول، "كلما انكسر فوج منهم يكون الفوج الآخر قد جهز للهجوم، وكانت تأتينا الحشود من ثلاثة محاور: جولة الرويشان وشارع مجاهد وشارع صخر ولكن من دون جدوى، فقد واجهوا صموداً كبيراً مما جعلهم يلجؤون لاستخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة من وسط الأحياء، كما قاموا بقطع الاتصالات والإنترنت تماماً والتشويش على الشبكة اللاسلكية، مما جعلنا في عزلة تامة داخل الثنية".

رفض "وجه السيد"

مع تواصل الهجوم الحوثي العنيف على منزله واقتراب الزحف شيئاً فشيئاً، أدرك الزعيم أن المؤامرة ضده أكبر مما كان يتوقع، وجاءت الوساطة الأخيرة عشية مقتله وتقضي بحسب القاضي في أبرز مطالبها بأن "يسلم نفسه وهو في وجه السيد، ولكنه رفض رفضاً قاطعاً وأصر على المواجهة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عقب خروج آخر وساطة بين الطرفين يؤكد أن صالح "كان يجوب داخل حوش منزله بسلاحه الشخصي، ومعه الأمين العام لحزب المؤتمر عارف الزوكا (قتل مع صالح) واللواء محمد عبدالله القوسي وعبدالله أبو حورية واثنين آخرين ما زالوا في صنعاء، وجُرح بعضهم ولم تستطع الميليشيات الوصول إلى بعضنا بسبب مساعدة بعض المواطنين الشرفاء لنا".

أخطاء السقوط 

وعلى الرغم من خوضه العديد من الحروب والصراعات التي تنتهي جميعها بانتصاره التام، يخلص ضيفنا إلى أن صالح أساء التقدير هذه المرة وفقاً لعدد من المعطيات التي يعتبرها، وهو مرافقه الخاص، كافية لخسارته حربه الأخيرة. 

يقول "عندما نعيد حساباتنا ندرك أن أكبر غلطة وقع فيها كانت إعلان الزعيم الانتفاضة من داخل منزله، والغلطة الأكبر هي استقباله للوساطة في المكان نفسه، فكما يبدو أن الهدف الرئيس من تلك الوساطات التي لا تنقطع هو تحديد مكان الزعيم، والتأكد أنه مازال داخل بيته لا أكثر".

ومن الأخطاء التي أسهمت بقوة في "خسارتنا المعركة الدور السلبي الذي لعبه الإعلام بما فيه الناشطون في المواقع الإلكترونية، إذ لم تخدم تناولاتهم الانتفاضة بل أضرت بها كثيراً، بعد أن سارعوا بنشر أخبار الانتصارات وكأن الأمور قد حسمت، مما دفع أغلب أنصار المؤتمر للاعتقاد أن الأمور حسمت وقضي الأمر ليعودوا إلى منازلهم، فيما الحوثي يستنفر أتباعه من كل حدب وصوب". 

عُمان تسعى إلى الصلح

وفيما كانت مجنزرات الحوثيين وميليشياتهم تستعيد زمام المبادرة وتمطر بقاذفات نارها منزل صالح، يكشف القاضي عن وساطة دولية قامت بها سلطنة عمان "بواسطة عارف الزوكا كان آخرها فجر الرابع من ديسمبر (يوم مقتل صالح)، إذ أخبروه أنهم تواصلوا مع محمد عبدالسلام (المتحدث باسم الحوثيين والمقيم في مسقط)، وأبدوا اقتراحهم بعودة الأمور لما كانت عليه". 

يضيف، "لكن الزعيم كان على يقين أن الحوثي لن يقبل بأي حلول مرضية كما أنه رفض أي حلول يراها مذلة، لهذا قام بعمل تسجيله المتلفز الأخير". 

وعن الحلول المذلة التي يقصدها يقول، "طلب الحوثيون أن تغادر الحراسات ويبقى في بيته تحت حراسة يعينونها هم، أي يكون تحت رحمتهم، فرفض".

خطاب الفجر الأخير

وعلى وقع هدير زحف الدبابات التي يؤكد القاضي أن قذائفها لم تسكت للحظة واحدة، استشعر صالح الخطر الداهم فقام "بإجراء خطاب متلفز مسجل بالتحديد عند الساعة الثالثة من فجر الرابع من ديسمبر، فيما كان تحت القصف وكانت الدبابات في ذلك الحين تهاجم منزله من ثلاثة اتجاهات، جولة الرويشان شارع مجاهد شارع صخر".

وكان صالح يهدف من خلال خطابه الأخير الذي لم يُبث إلا بعد مقتله بأيام نتيجة سيطرة الميليشيات على قناة "اليمن اليوم" ومغادرة جميع معاونيه إلى "براءة ذمته أمام الشعب، ويطلعهم والعالم أن هذه الميليشيات لا يمكن أن تقبل بالشراكة والتعايش مع الآخر بأي حال من الأحوال".

وفي الرابع من ديسمبر أعلنت ميليشيات الحوثي مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبثت من خلال قناة المسيرة صوراً ومقطع فيديو يظهر فيه صالح مقتولاً، في مشهد كثرت الروايات حوله ومازالت تروى.

أما آخر شخصية تواصل معها من قيادات المؤتمر فهو "الشيخ ياسر العواضي (برلماني وقيادي في حزب صالح) تواصل مع عارف الزوكا وأخبره أن يتواصل مع صالح الصماد في محاولة منه لإجراء مصالحة مع الحوثيين وإنقاذ الموقف".

وفي محاولة استيضاح التفاصيل كان ضرورياً التعريج على حوار لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر مع جريدة "عكاظ" السعودية عن تواصل جرى بين الأحمر وصالح خلال انتفاضته من خلال وسيط بهدف مساعدته، ويعلق "لقد قرأت حوار الفريق علي محسن الأحمر الذي تحدث فيه عن تواصل مع الرئيس السابق عبر شخصية مقربة، ولهذا أفضل أن ندع الأمر للتاريخ". ويستدرك، "لكن في نهاية المطاف سيكون واجباً علينا أن نطلع شعبنا على كل التفاصيل بكل صدق وأمانة مستقبلاً، لأن شعبنا دفع ثمن باهظاً جداً للخلافات والمماحكات الحزبية". 

قاطعته، هل نفهم أن تواصلهما كان يتم عبرك أو كنت مطلعاً عليه؟ ليرد "لا تعليق، ندع هذا الأمر للتاريخ".

حقد الحروب الستة

وعن مقتل صالح بتلك الطريقة وهل يعتبرها نتيجة حقدهم عليه بسبب حروب صعدة، فيرد بأنهم "حاقدون على النظام الجمهوري ككل وصالح جزء من النظام". 

ولماذا كانت تقف حروب صعدة في آخر أمتارها؟ أجاب، "كان النظام يتلقى ضغوطاً دولية كبيرة وهي الضغوط نفسها التي نشاهدها اليوم وحالت دون تحرير الحديدة وتحرير صنعاء، ولم نشاهدها بالمقابل ضد الحشد الحوثي على مأرب". 

ووفقاً لرؤيته حول كيفية صعود الحوثي يقول، "كانت الخلافات الحزبية بمثابة السلّم الذي أوصل الحوثي إلى صنعاء، وعندما ندوس بأقدامنا على تلك الخلافات سيعود الحوثي إلى مكانه الطبيعي". 

وبشيء من الحسرة يختم، "كان بإمكاننا عدم الوصول لكل هذا الدمار لو تحلت القوى السياسية بالقليل من المسؤولية الوطنية والنزاهة في وجه الحوثي، ولكن ما زالت الفرص سانحة".

وتواصلت "اندبندنت عربية" مع الكيان السياسي للحوثيين في صنعاء لتلقي رد على ما ورد ضدها في حديث القاضي عن دورها في "أحداث ديسمبر"، إلا أننا لم نتلق رداً بعد، ونلتزم بنشره فور وروده.

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات