Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحق الإلهي والاصطفاء" مدخل حوثي لمناهج طائفية في اليمن

فرضت الميليشيات دراسة "ملازم" حسين بدر الدين مؤسس الجماعة على الطلاب

تنظم الميليشيات عروضاً دينية وعسكرية في المؤسسات التعليمية بمناطق سيطرتها (غيتي)

يبدو أن مشروع ميليشيات الحوثي يرتكز على غرس مفاهيم تمجيد السلالة، ولهذا سعت منذ انقلابها على السلطة في 2014 إلى محاولة التأثير المباشر على الوعي الجمعي للنشء والشباب الذين يشكلون نحو 70 في المئة من التركيبة السكانية لليمن، من خلال تغيير المناهج الدراسية. 

وفي دراسة حديثة تناولت التعديلات التي أجرتها الميليشيات على المناهج الدراسية، أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض دراسة تحليلية بعنوان "المناهج اليمنية والتغييرات التي أحدثها الحوثيون" من إعداد الباحث عبد الكريم بن أسعد اليماني، صدرت في خمسة فصول كشفت قيام الحوثيين بإدخال تغييرات عميقة طالت المناهج الدراسية، مستقاة من"تقديس رموز الأسرة الحوثية وتكريس التبعية لإيران"، كما وصفها البحث.

واستهدافهم من خلال ذلك الجيل الحالي والقادم عبر التأثير المباشر وغير المباشر في التعليم والتربية في المؤسسات التعليمية والإعلامية في اليمن.

تكثيف البعثات الدراسية إلى إيران والعراق

استند البحث الذي ورد في 116 صفحة، على كشف وتفنيد المشروع الحوثي في تغيير المناهج من خلال مسح بحثي أجري مقارنة بين الكتب المدرسية خلال الأعوام من 2014 أي قبل الانقلاب الحوثي إلى 2017، أبرزت تفصيلاً للتغييرات التي أجرتها الجماعة على المناهج الدراسية في اليمن، مع نماذج مصورة منها، تضمنت تفنيداً بحثياً لدلالات التغييرات وأهدافها.

وتطرق المؤلف لعملية تكثيف البعثات الدراسية إلى العراق وإيران، واستشرف آثار تلك البعثات على الساحة اليمنية، كما استعرض ظاهرة "التكفير" للمخالف في المناهج الحوثية ومصادرها القديمة والجديدة، وأوصى بضرورة إجراء دراسة مستقلة عن هذه الظاهرة، ودراسات مستقلة أخرى تحليلية عن المنهج التربوي عند الحوثيين، ومصادر منهجهم. 

علام تستند المناهج الجديدة؟ 

يجيب المرجع عن سؤال حجم التغييرات التي أحدثها الحوثيون على المناهج الدراسية، والصبغة التي استخدموها وأثرها على وعي الأجيال اليمنية. 

وسعى إلى كشف السمات الحوثية والتغييرات استناداً على البعد المذهبي الزيدي في شمال البلاد، من خلال تكريس أفكار ومعتقدات "ملازم" مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي الذي يسمونه "القرآن الناطق" و"الوثيقة الفكرية" التي وقعها زعيمها عبد الملك الحوثي مع عدد من القيادات العليا في الميليشيات، وقبلها مؤلفات والدهما بدر الدين الحوثي المتوفى في عام 2010، مروراً بتعيين شقيقه يحيى بدر الدين الحوثي وزيراً للتربية والتعليم على الرغم من كونه لا يحمل أي مؤهل علمي، وصولاً إلى زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي. 

سمات عنصرية

ووفقاً للكتاب، فإن للتربية الحوثية "سمات عنصرية طائفية عامة تستهدف الصغار والفتيان وتقوم على استجلاب الحشد التعبوي المذهبي (الزيدي) مستفيدة من العمق الاجتماعي الحاضن له الذي نشأت وترعرعت في أوساطه وتنشط في كنفه". 

 

ولم يغفل الباحث الاستشهاد بالأفواج الطلابية التي تبتعثها المؤسسات التعليمية الرسمية الخاضعة لسيطرة الحوثي إلى الجامعات الإيرانية والعراقية في سياق التعليم الطائفي، بحسب تحليل الباحث.

إجراءات إدارية 

مهدت الجماعة لمشروعها، بإحداث تغييرات إدارية، طبقاً لوقائع ميدانية وقرارات رسمية تضمنتها الدراسة، من خلال تعيين يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق زعيم الميليشيات، وزيراً للتربية والتعليم، وإلغاء اللجنة العليا للمناهج وإحلال مسؤولين موالين، وتعيين أحد أتباعها أيضاً وكيلاً لقطاع المناهج، فيما اختير ضيف الله الدريب مديراً عاماً للمناهج، وهو أحد المتشددين في الميليشيات، مع إقصاء الموظفين السابقين، وتعيين فريق من الموالين لمراجعة الكتب المدرسية بهدف إجراء "التعديلات التي يريدونها بسهولة من دون مراعاة للأكثرية السنية من سكان اليمن". 

وتتحدث بعض المراجع أن أغلبية السكان في اليمن من المسلمين السنة، إضافة إلى بعض الأقليات الدينية من اليهود الذين هاجر معظمهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة.

الأقلية على الأغلبية 

وفور مباشرة مهامها، عمدت هذه الإدارات على إحداث تغييرات كبيرة في المناهج الدراسية لعل أهمها الحشد التعبوي "الشيعي" الذي يتسم بالغلو في "تعظيم آل البيت وموالاتهم" وخصوصاً الصحابي علي بن أبي طالب، والتقليل من شأن صحابة آخرين، والترويج لثقافة السلاح والاقتتال وإقحام موضوعات متعلقة بالحرب الدائرة اليوم بترسيخ مفهوم العداء لدول الجوار وفرق يمنية أخرى اصطفت ضد الحوثي، وإدخال كثير من المفاهيم المذهبية كتجسيد ملموس لسعيها الدؤوب "فرض مذهب الأقلية على الأغلبية" وغرسه مبكراً في عقول الصغار. 

التغييرات

كلف الكاتب فريقاً من الباحثين التربويين في صنعاء لإجراء المقارنة المطلوبة، والكشف عن النصوص التي جرى حذفها أو تعديلها أو إضافتها، ثم خلص إلى أنه تم إحداث تغييرات على المواد التالية: القرآن الكريم وعلومه من الصف الأول أساسي إلى الصف الثالث الثانوي، وذات الأمر مع مواد التربية الإسلامية واللغة العربية.

فيما جرت تعديلات على كتب التاريخ من الصف الخامس أساسي إلى الثالث الثانوي، والتربية الاجتماعية للصفين الثالث والرابع أساسي (مقررة لهذين للصفين فقط)، والتربية الوطنية من الصف الخامس إلى التاسع (تدرس في هذه الصفوف فقط)، والجغرافيا للصفين الخامس والسادس، ومادة المجتمع للصف الأول الثانوي.

وشملت أبرز التغييرات حذف أحاديث نبوية والاستدلال بآيات قرآنية انطلاقاً من موقفهم تجاه الأحاديث النبوية. و"التقليل من شأن رواة الأحاديث ومحاولة طمس ذكرهم". ووفقاً للباحث فالسبب أن "للحوثيين موقفاً عدائياً منهم". 

غلو طائفي

احتشدت المناهج المغيرة لمظاهر وعبارات الغلو في تعظيم آل البيت وموالاتهم والاقتداء بهم، كونها أحد مكونات الفكر الذي يسعى الحوثي لتكريسه، والهدف منه "ترسيخ فكرة تقديس أسرة الحوثي بين العوام من الناس". 

كما عمدت إلى "التقليل من الصحابة" ويظهر ذلك من خلال استخدام عبارة "الصحابة المخلصين" للإيحاء للطلبة بأن هناك صحابة غير مخلصين، واستخدام عبارة "الصحابة الأخيار" بدلاً عن "الصحابة أجمعين"، بحسب تفسير الباحث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإمعاناً في الترويج للمفاهيم والأدبيات التي تؤمن بها الطائفة، أضافت لجان المناهج الموالية للجماعة مصطلح "مرقد الرسول" بدلاً من قبر الرسول، وحذفت صيغة التشهد في الصلاة واستبدلتها بالمعتمد لدى "الزيدية". إضافة إلى محاولات التقليل من شأن الدول العربية تماشياً مع النهج الإيراني، وغيرها كثير. 

تمايز سلالي

تطرق المرجع إلى سرد جملة من الأنشطة التعبوية الحوثية المرادفة للمناهج الدراسية المتمثلة في إقامة المراكز الصيفية التي تستهدف الصغار، وفيها يجد الخطباء الحوثيون حرية أكبر في بث أفكارهم الطائفية دون مواربة أو خشية أي مساءلة قانونية أو احتجاجات أولياء الأمور. 

الملازم للجميع 

عندما تكفلت العملية التعليمية والتربوية بحشد أفكارها في عقول النشء والصغار، عمد الحوثيون إلى فرض ما يسمى "الدورات الثقافية" التي تستهدف الصغار والكبار والشباب والفتيان. وفي هذا الشأن تؤكد الدراسة أن هذه الدورات تستهدف كل فئات المجتمع، موظفين، ومعلمين، وخطباء أئمة مساجد، وتجاراً. إضافة إلى طلاب المدارس والجامعات، تشترك جميعها في فرض محاضرات مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي أو ما يعرف بـ"الملازم"، كما يتلقون محاضرة "والذين إن مكناهم" لزعيمها عبد الملك الحوثي. 

عسكرة التعليم

بناء على ما سبق، فقد هيأت جميع  التغييرات التعليمية والفكرية والإعلامية، الظروف الموضوعية لإضفاء الطابع العسكري على معظم الأنشطة الطلابية، تمهيداً لاستقطاب الطلاب وتدريبهم عسكرياً والزج بهم في جبهات القتال، وهي فكرة مستنسخة من التجربة الإيرانية التي تعد القدوة والمثال للجماعة وفقاً للمؤلف. 

وتخلص الدراسة إلى أن المساس الحوثي الطائفي بحق المناهج الدراسية ليس إلا محاولة أولية لقياس رد الفعل المجتمعي إزاءها، وتهيئة الوجدان الشعبي لتعديلات جديدة تعتزم الجماعة إجراءها لاحقاً. 

تطوير لا تغيير

من جانبهم، نفى الحوثيون وقائع تغيير المناهج، واعتبروا ما جرى عملية تطوير لا تغيير. 

وفي حديث نشرته الوكالة الروسية "سبوتنيك"، نفى مستشار وزارة التربية للشؤون الإعلامية في سلطة الحوثيين، قاسم صالح، ما تناولته بعض وسائل الإعلام عن تغييرات جذرية في المناهج التعليمية في المحافظات التي تخضع لسيطرة الميليشيات. 

وقال إن "عملية التطوير كانت في الجانب الفني، وأنه بإمكان الجميع الإطلاع عليها".

وأكد وجود "لجنة مشكلة من جميع الأطراف هي التي تراجع كل ما يرد في المناهج المدرسية، وهذه اللجنة أعضاؤها من حزبي الإصلاح والمؤتمر، مكون من الحوثيين، وهناك إجماع من كل الأطراف على ضرورة تطوير المناهج وليس تغييرها".

تحذيرات أممية

وعقب حملات شعبية إلكترونية عبرت عنها مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر تربويون أن التغييرات التعليمية الحوثية هدفها "تطييف المجتمع" وخلق جيل عدائي مفخخ بالعنصرية متشبع بثقافة السلاح والعنف، ويزيد من وتيرة تجنيد الأطفال، الأمر الذي دفع منظمة "يونيسف" للاعتذار عن طباعة الكتاب المدرسي في صنعاء، بحسب ممثل المنظمة ميتشل ريلانو.

وكان المركز اليمني للدراسات والإعلام التربوي أكد أن الحوثيون يصرون على إعادة تعديل مناهج التعليم المدرسي، ولديهم توجهات جديدة في إعداد مناهج جديدة تخدم أجندتهم الطائفية.

وهو ما دفع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" لإطلاق تحذير من "مخاطر التعديلات التي تجريها الجماعة على المناهج التعليمية في اليمن، واستبدالها بأخرى تكرس التوجهات الطائفية للجماعة، ما قد يخلف أثراً سلبياً طويل الأمد".

استياء رسمي

ردود الفعل الرافضة امتدت إلى هرم السلطة الشرعية للبلاد. إذ ندد وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، معمر الإرياني، بسلوك الميليشيات المدعومة من إيران واستمرارها فيما وصفه بـ"العبث بالمناهج التعليمية لمختلف المراحل الدراسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها".

وقال الوزير اليمني، إن "عبث ميليشيات الحوثي بالمناهج التعليمية يأتي في سياق مساعيها لتزييف وعي الأجيال القادمة، وتعبئتهم بالأفكار الطائفية الدخيلة على البلاد والمجتمع".

واعتبر الخطوات الحوثية "تهديداً خطيراً للسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، ونسفاً لفرص الحوار وإحلال السلام والتعايش بين اليمنيين".

وتابع الإرياني أن "هذا العبث الخطير بالمناهج امتداد لنهج ميليشيات الحوثي منذ انقلابها على الدولة في توظيف العملية التعليمية في الصراع، وتحويل فصول ومقاعد الدراسة إلى مصائد لمسخ عقول الأطفال واستدراجهم وتجنيدهم في جبهات القتال، وتحويلهم إلى أدوات لقتل اليمنيين ونشر الفوضى والإرهاب في المنطقة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات