Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علي عبد الله صالح  (30)

دفع بأبناء أخيه إلى مناصب قيادية بالقوات المسلحة لإضعاف القادة العسكريين

الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح (أ.ف.ب)

كان إعلان قائد الفرقة الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر في 21 مارس (آذار) 2011 نقل ثقله العسكري والقَبلي مع قربه من حزب الإصلاح حدثاً أنهك نظام الرئيس علي عبد الله صالح، إذ كان محسن رجل المهمات الصعبة وبدا للعامة والخاصة في معظم فترة حكم صالح الشخص الثاني في الدولة، وأطلق عليه الكثيرون (الأول مكرر)، ولا يساورني الشك في أن انتقاله إلى معسكر الخصومة والعداء مع صالح كان يدخل في مسار رد الفعل الطبيعي لشعوره بأن حظوظه تتلاشى للوصول إلى الموقع الأول في الدولة مع  تزايد حضور العميد أحمد علي وأبناء عمه الراحل محمد عبد الله صالح المتزايد داخل المؤسستين العسكرية والأمنية وفي المشهد العام.

كان العميد أحمد علي منهمكا في بناء قوة حديثة عبر قيادته للحرس الجمهوري خلفا لعمه العميد علي صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق للرئيس الراحل)، وعمل بجد على تحويل "الحرس" إلى نموذج متطور وحديث مقارنة ببقية أفرع القوات المسلحة، وفي الوقت نفسه كان ابن عمه العميد يحيى صالح يعمل على إعادة تكوين قوات الأمن المركزي بأسلوب عصري، وأمسك العميد طارق بالحرس الخاص و"اللواء الثالث" الأقوى داخل الحرس الجمهوري، في حين تولى العميد عمار صالح بزمام جهاز الأمن القومي بصفته وكيلا فيه رغم أن اللواء علي الآنسي كان رئيسا له. كان الدفع بأبناء صالح وأبناء أخيه إلى هذه المواقع مؤشرا لبداية رغبة الرئيس صالح في إضعاف القادة العسكريين خصوصا الذين كانوا ينحدرون من سنحان، وأيضا الذين ينتمون إلى قبيلة حاشد وهم الذين رافقوه منذ 1978، والاستغناء عن خدماته داخل المؤسستين العسكرية والأمنية مما دفع اللواء محسن لدراسة خياراته السياسية المستقبلية.

كانت حروب صعدة الست عاملا أسهم في تزايد شكوك اللواء محسن تجاه الرئيس صالح وكان يراها محاولة لإنهاكه وإضعاف قوات "الفرقة الأولى"، وتزامنت مع صراع آخر بين أبناء صالح وأبناء الشيخ الراحل عبدالله الأحمر الذين كانوا يعتبرون أنفسهم جزءا أساسيا في قمة السلطة بحكم علاقة والدهم بصالح، وهي التي ظنوا أنها ستمتد إلى الجيل الجديد من الأسرتين، ولكن صالح عمد إلى إضعافها عبر خلق ولاءات تدين له داخل قبيلة "حاشد" وتمكن من إزعاجهم في دوائرهم الانتخابية داخل منطقة نفوذهم التاريخية شمال صنعاء، وهو ما دفع بأبناء "الشيخ" إلى الانضمام للمطالبين بالتغيير في مطلع 2011، وظهروا في الساحات إلى جانب الشباب، ولكنهم في واقع الأمر كانوا قد حسموا أمرهم بالالتحاق باللواء علي محسن كرد فعلي طبيعي لإبعادهم عن دائرة الرئيس التي عمل بعضهم فيها ضمن حمايته الخاصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان صالح يتعامل مع أبناء الشيخ عبد الله الأحمر بصورة متميزة، إذ منح الشيخ حميد حق امتلاك واحدة من شركتين للاتصالات، وكان صالح شريكا بها باسم أحد أقربائه، ثم أعطاه حق بناء أول محطة كهربائية في اليمن تعمل بالطاقة الغازية في مأرب، ثم عددا من الامتيازات النفطية في جنوب اليمن. ولقد سمعت صالح معبرا عن ندمه لإعطاء الشيخ حميد فرصة تكوين مؤسسات اقتصادية ضخمة جعلته غير محتاج لهبات الدولة ومكنته من التعبير عن طموحاته السياسية بحرية.

تصدرالشيخ حميد الأحمر المواجهة العلنية ضد صالح وأبنائه قبل انتخابات 2006، التي دعم فيها علانية وموّل حملة الراحل المهندس فيصل بن شملان مخالفا موقف والده الداعم لصالح الذي لم يجرؤ على معاقبة "حميد" إلا بعد وفاة الشيخ عبدالله الأحمر. وكان من علامات الخلاف حين رست على حميد عملية ترسيم الحدود بين السعودية واليمن على شركة ألمانية حصل منها على عمولة مالية كبيرة، ما جعل صالح يشعر بأنه ارتكب خطأ متجددا أن سمح لحميد بمضاعفة ثروته، لأنه – أي صالح - كان يحرص على محاولة إبقاء الجميع رهائن لحاجتهم إليه. ثم جاءت الشيخ حميد الفرصة لإعلان فراقه السياسي مع صالح والتعبير الصريح عن طموحه في أن يكون صانعا لأي حاكم قادم.

قبل إعلان اللواء محسن فراقه عن النظام الذي كان حصنه الأول طيلة 33 عاما واكتسب نفوذه من الارتباط به، قدم ثلاثة من الوزراء استقالتهم وانضمامهم إلى "الثورة" وبرروها بما حدث في  "جمعة الكرامة"، وكذا فعل عدد قليل من السفراء وضباط الجيش، وأحدث الأمر ضجة كبيرة في وسائل الإعلام، وتراءى الأمر كما لو كان سقوطا للمؤسسات وهروبا من احتمالات غرق كامل لها. وخوفا من استقالة المزيد من الوزراء قرر صالح في 20 مارس 2011 إقالة رئيس الوزراء علي مجور وتحويله إلى حكومة "تصريف أعمال" وهو قرار اعترف لاحقا أنه خطأ سياسي حجبه عن قدرة اتخاذ قرارات تعيين وزراء جدد أو قادة عسكريين أو سفراء.

كان المشهد شديد الضبابية خلال الأيام التالية لإعلان محسن ولم يقدر أحد مآلات الأزمة، وشعر الرئيس الراحل بالقلق من التحول المفاجئ للواء علي محسن والرغبة الداخلية في التغيير والضغط الخارجي الذي مارسته الولايات المتحدة على وجه الخصوص، فقدم مقترحا إلى السفير الأميركي بالتنازل عن السلطة لنائب يعينه مقابل حصوله وأسرته على حصانة كاملة، وتم الاتفاق على اللقاء في منزل نائب الرئيس هادي وحضره الراحلان عبدالعزيز عبد الغني وعبد الكريم الإرياني، وتم اختيار المكان لوقوعه في المنطقة التي كانت تفصل بين المساحتين اللتين يسيطر كل طرف على واحدة منهما، وجرى تفاهم لخروجهما من اليمن، ثم تمت دعوة الدكتور ياسين سعيد نعمان والأستاذ محمد اليدومي للانضمام إلى المجتمعين ولكنهما وصلا بعد أن غادر صالح.

في لقاء مع الراحل الإرياني في 2013 بإسطنبول قال لي إن صالح وبمجرد عودته إلى "دار الرئاسة" تعرض إلى ضغوط شديدة من دائرته العائلية الضيقة، وكان في حالة ارتباك من سير الأحداث وتطوراتها المتسارعة، فأجرى اتصالات مع كل قيادات القوات المسلحة وطرح عليهم سؤالاً واحدا (هل أنت مع الشرعية أم مع المتمردين عليها؟)، وحين أيقن أنه مازال يتمتع بالسيطرة على القوات المسلحة قرر التمسك بشرعيته "الدستورية". وتغيرت نبرة الإعلام الرسمي وصار لقب علي محسن هو "اللواء المتمرد". وبدأ التنافس في رفع أعداد المحتشدين من الطرفين، وانقسمت العاصمة إلى مربعات يتوزع الطرفان السيطرة على منافذها، وكان واضحا أن الأمر لن يتوقف عند حد الحشد الجماهيري، وصار يوم الجمعة عنوانا لاستظهار القدرات، وتحولت ساحة التغيير إلى نشاط يومي تستقبل فيه الخطباء لإبقاء الحماسة "الثورية" لإسقاط النظام، وضمت كل فصائل العمل السياسي بكل تناقضاته وغموض أهدافهم الحقيقية، فدخل الحوثيون والإصلاحيون والاشتراكيون والناصريون والمستقلون، لكن النتيجة التي بدت واضحة لمن كانوا يتابعون ويغوصون في التفاصيل أن الأزمة أصبحت البحث عن وسيلة لتقاسم السلطة بين أحزاب اللقاء المشترك ومعها "اللجنة التحضيرية للحوار الوطني" ومن الجانب الثاني المؤتمر الشعبي العام.

للحديث بقية

اقرأ المزيد

المزيد من آراء