كشف رئيس وكالة تعمل في توزيع المعونة الغذائية وتابعة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، عن أن جزيرة مدغشقر المنكوبة جراء الجفاف الذي ضربها تشكل "جرس إنذار" عما يمكن للعالم توقع حدوثه خلال السنوات القادمة بسبب أزمة التغير المناخي.
وصرح ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لـ"برنامج الغذاء العالمي" (WFP) في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس" بأن ما يحدث في الدولة الواقعة جنوب المحيط الهندي "نذير لما يمكن" أن نشهده مع تزايد تأثيرات الاحتباس الحراري العالمي.
وأضاف بيزلي واصفاً زيارته الأخيرة إلى الجزيرة بأن الحالة في "مدغشقر تفطر القلوب"، مشيراً إلى أن الوضع "يائس" للغاية، ويبيع السكان أوانيهم ومقاليهم المنزلية في محاولة منهم لشراء بعض الطعام.
وبحسب بيزلي، تسبب التغير المناخي في نزوح ما يناهز 38 مليون نسمة في أنحاء العالم خلال العام الماضي، مما يتركهم عرضة للمجاعة. وفي الإطار نفسه، قد يشهد السيناريو الأسوأ ازدياد هذا العدد ليصل إلى 216 مليون نسمة بسبب التغير المناخي مع حلول 2050.
واستطراداً، تشكل سنة 2050 المهلة التي وضعها عدد من الدول الصناعية، باستثناء الصين وروسيا والهند، لبلوغ هدف تصفير انبعاثات الكربون، ما يعني الحد من انبعاثات غازات الدفيئة إلى مستوى يمكن بموجبه أن تصبح قابلة للامتصاص، بالتالي عدم إلحاق أي ضرر بالغلاف الجوي.
وحينما تولى بيزلي، الذي شغل سابقاً منصب حاكم ولاية كارولينا الجنوبية، قيادة "برنامج الغذاء العالمي" في 2017، أعلن بأن السبب الرئيس الأول في وصول السكان إلى شفير المجاعة يتجسد في النزاع الذي تقترفه أيدي البشر، وتأتي بعده مباشرة أزمة التغير المناخي، بيد أنه منذ ذلك الوقت، غطى التغير المناخي على النزاعات مشكلاً العامل الرئيس في نزوح السكان وتركهم في مهب الريح يجهلون من أين سيأتي طبق طعامهم التالي.
وفي هذا السياق، أضاف بيزلي، أن نحو 38 مليون نسمة نزحوا "بشكل حصري بسبب الصدمات المناخية والتغير المناخي." وتابع، "تستحضرني فكرة أن أسوأ سيناريو على الإطلاق يمثلة نزوح أو تهجير 216 مليون نسمة بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي".
وبحسب أرقام حديثة صدرت من "برنامج الغذاء العالمي"، ونشرت الثلاثاء (الماضي)، فإن نحو 30 ألف شخص في جزيرة مدغشقر باتوا على بعد خطوة واحدة من المجاعة مع حلول نهاية العام الحالي، فيما يعاني 1.1 مليون نسمة من الجوع الحاد. وتشهد الجزيرة ارتفاعاً غير مسبوقاً في درجات الحرارة، فضلاً عن الجفاف والعواصف الرميلة.
وفي الإطار نفسه، أشارت تلك الوكالة المختصة بالغذاء في الأمم المتحدة إلى أن المحاصيل ذبلت، وموسم الحصاد شحيح للغاية. وبدأ الناس يأكلون أوراق الصبار التي تشكل في الأساس علفاً للماشية.
وبسحب بيزلي، "تعتبر مدغشقر بالنسبة لي بمثابة جرس إنذار لسائر دول العالم حول ما يمكن توقع حدوثه في المستقبل في البلدان الأخرى. ليست مدغشقر حادثة معزولة. يحتاج العالم إلى مشاهدة مدغشقر لرؤية ما الذي ينتظركم وينتظر عدد من الدول الأخرى حول العالم".
يشار إلى أن "برنامج الغذاء العالمي" أعطى إمدادات إلى نحو 700 ألف شخص على الجزيرة تشمل الطعام والمنتجات الغذائية المكملة اللازمة للنساء الحوامل والمرضعات والأطفال.
في سياق متصل، لقد حصل العكس في إثيوبيا، إذ إن المجاعة فيها من صنع الإنسان وتأتت جراء النزاع الحاصل هناك.
ويقدر "برنامج الأغذية العالمي" بأن 5.2 مليون نسمة تحتاج إلى المساعدة الغذائية الطارئة في منطقة "تيغراي" في شمال إثيوبيا، التي تشهد نزاعاً ففي الوقت الحاضر. وسبق للمسؤولين في الأمم المتحدة أن حذروا خلال الأسابيع الأخيرة بأن أكثر من 400 ألف شخص يواجهون المجاعة والموت في حال لم يتم توفير المساعدة الإنسانية بشكل طارئ، بيد أنه يتعذر وصول مساعدات غذائية للأشخاص الذين هم بحاجة ماسة إلى تناول الطعام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، يعلن متمردو "تيغراي" بأنهم يضغطون على الحكومة الإثيوبية بهدف رفع الحصار الذي استمر أشهراً طويلة على منطقتهم التي يقطن فيها نحو 6 ملايين نسمة، وحيث قطعت الخدمات الأساسية عنها، وحرمت المنطقة من وصول المساعدات الغذائية والطبية الإنسانية.
وفي هذا الإطار، أشار بيزلي إلى أن "برنامج الغذاء العالمي" تولى مهمة "بعث رسائل إلى جميع الأطراف بما فيها الحكومة الإثيوبية والقيادة، بوجوب إيجاد حل للأزمة الحاصلة"، وضرورة الحصول بشكل طارئ على الطعام. وأضاف، "لكننا لم نلقَ آذاناً صاغية عن ذلك الشأن".
وكذلك نقل بيزلي إلى "أسوشييتد برس" ما مفاده أن (برنامج الغذاء العالمي) "لم يستطع إدخال شاحنات المساعدات الغذائية أو حتى الوقود. إننا لم نتمكن من إيصال الأموال للأشخاص الذين يجب مساعدتهم". ونتيجة لذلك، "يفرض على سكان تيغراي الموت بأعداد غير مسبوقة في حين نمنع من الدخول لتقديم المساعدة. يا للعار".
وأردف بأنه يتحتم على "برنامج الغذاء العالمي" أن يدخل 30 شاحنة محملة بالطعام يومياً و70 شاحنة أخرى محملة بالأدوية والمساعدات الإنسانية الأخرى.. "لم نبلغ حتى إلى 10 في المئة من هذه الشاحنات يومياً"، بحسب مدير الوكالة.
وأضاف بيزلي أنه لم يعد أمام معظم سكان "تيغراي" سوى حلين "إما الموت أو الهجرة".
وبحسب بيزلي، فمن المفارقة أنه في أفغانستان، حيث يتيح زعماء "طالبان" الجدد الذي تولوا الحكم أخيراً في البلاد لـ"برنامج الغذاء العالمي" الدخول إلى مراكز توزيع الطعام وحتى المدارس، التي لا يحصل غالبية الأساتذة فيها على أجرهم، إضافة إلى توفير تلك الحركة (طالبان) الحماية للمخازن التابعة للبرنامج الأممي، توانى المانحون الدوليون عن توفير التمويل الكافي، بالتالي وفق بيزلي، "نصطدم هنا بمسألة عدم رغبة المانحين بأن يظهروا بأي شكل من الأشكال كأنهم يساعدون أو يدعمون (طالبان) في جرائمها".
وبالنتيجة، أشار بيزلي إلى أنه في أفغانستان، يواجه 22.8 مليون نسمة، أي نصف عدد سكان البلاد، تراجعاً حاداً في الأمن الغذائي، أو أنهم باتوا على شفير المجاعة، بعد أن أسهم النزاع والجفاف معاً في التسبب بأزمة الغذاء في ذلك البلد الفقير.
ومن المتوقع أن تتفاقم الأحوال وتزداد سوءاً بدءاً من شهر يناير (كانون الثاني) عندما سيبدأ مخزون غذاء "برنامج الغذاء العالمي" المخصص لأفغانستان بالنضوب، في حال لم يقدم المانحون مزيداً من المساعدات.
وفي سياق متصل، ذكر بيزلي أن "تكلفة توفير الغذاء لهؤلاء الأشخاص تبلغ 230 مليون دولار شهرياً مقابل تغذيتهم" بحصص جزئية، مضيفاً أن "المجاعة تطرق باب 8.7 مليون نسمة في أفغانستان".
يذكر أن "برنامج الغذاء العالمي" نال جائزة نوبل للسلام في السنة الماضية.
© The Independent