Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفاة نحو 922 طفلاً وشاباً في "القارة الثامنة"... الحصبة تغزو مدغشقر

الطاعون يترصد هذا البلد حيث الغالبية تعيش تحت خط الفقر، ومنظمة الصحة تترجم التفشّي بـ "فاشية"

الطاعون يتفشّى في مدغشقر ومنظمة الصحة العالمية تحدد تسع دول وأقاليم ما وراء البحار كبلدان ذات أولوية في المنطقة الأفريقية لمواجهة التأهب للطاعون (رويترز)

مدغشقر، سلسلة أفلام رسوم متحرّكة، عُرض الفيلم الأول منها في 2005، ونُفِّذ الجزء الثالث منها (2012) بتقنيّة الأبعاد الثلاثة، وقد حقق مئات ملايين الدولارات أرباحاً في الولايات المتحدة الأميركية وحول العالم.

ومدغشقر، التي تقع في المحيط الهندي، في شرق أفريقيا، جزء من مقاطعة غنية بالنفط. وقد بدأ في العام 2008 استخراج النفط، الذي بوشرت عمليات البحث عنه مطلع القرن العشرين.

ومدغشقر، الدولة السادسة والأربعون والجزيرة الرابعة في العالم من حيث المساحة (587000 كم مربع)، غنية بالمعادن و"تسبح في بحر الثروات المنجمية".

ومدغشقر، ذات التربة الخصبة زراعيّاً، تشتهر بإنتاج مادة الفانيلا الغالية الثمن.

وهذه الدولة التي وُضعت تاريخياً على هامش الاهتمام السياسي العالمي والأفريقي، يسميها بعض علماء البيئة "القارة الثامنة"، وقد أسهم "انعزالها" فترة طويلة عن العالم إلى مزيج فريد ونادر من النباتات والحيوانات. فنسبة 90 في المئة من النباتات الـ10000 المستوطنة فيها، لا توجد في أي مكان آخر في العالم.

"فاشية الحصبة"

هذه الدولة، وعدد سكانها 24.895.000 نسمة وفق منظمة الصحة العالمية (2016)، توفي فيها نحو 922 طفلاً وشاباً، بسبب الحصبة، بين أكتوبر (تشرين الأول) 2018 وفبراير (شباط) 2019، وفق ما أعلنت المنظمة في 14 فبراير. ورجّحت طبيبة في برنامج الطوارئ للتطعيمات التابع للمنظمة، كاترينا كريتسينجر، خلال إفادة صحافية أن يكون عدد الوفيات غير مكتمل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العدد الإجمالي لحالات الإصابة والذي يبلغ 66 ألفاً. وقد جرى، في العام 2017، التطعيم من الحصبة لـ57 في المئة من سكان هذا البلد الذي يُعد من أفقر دول أفريقيا والعالم. وبينما يترجم موقع منظمة الصحة العالمية تفشّي (outbreaks) الحصبة بـ "فاشية" الحصبة، يقول إن المنظمة تدعم وزارة الصحة العامة في مدغشقر، وإن "فاشية الحصبة واسعة النطاق بصورة غير عادية". وتقول المنظمة إن "آخر مرة شهدت فيها مدغشقر فاشيات حصبة كانت في عامي 2003 و2004، إذ تم الإبلاغ عن 62.233 و35.558 حالة على التوالي. ومنذ ذلك الحين، طرأ تراجع حاد على عدد الحالات المبلغ عنها قبل اندلاع الفاشية الراهنة".

يضيف الموقع "يمثل الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين سنة و14 سنة في الوباء الراهن 64 في المئة من إجمالي عدد الحالات. والتوزيع العمري في هذه المجموعة هو على النحو التالي: دون الخامسة بنسبة 35 في المئة، ما بين 5 و9 سنوات بنسبة 22 في المئة، وما بين 10 سنوات و14 سنة بنسبة 19 في المئة. ويصاب كلا الجنسين على نحو مماثل بنسبة 1.04 للذكور إلى الإناث. ويوصي البرنامج الوطني للتمنيع بإجراء تمنيع روتيني ضد الحصبة للأطفال في عمر تسعة أشهر". ويُذكَر الموقع بأن "النوع الجيني الدوّار لفاشية الحصبة الراهنة في مدغشقر هو B3، ويوجد عادةً في أفريقيا وأوروبا. إلا أنه لم يُبلّغ عن حالات حصبة لديها سجل انتقال إلى مدغشقر في البلدان المجاورة، ولم تبيِّن الاستقصاءات الأولية في مدغشقر أي صلة بحالات من بلدان مصابة بفاشية حصبة في الإقليم الأفريقي أو الأوروبي". وإذ تعرّف المنظمة الحصبة بأنها "مرض فيروسي حاد شديد العدوى يُمكن أن يفضي إلى أوبئة رئيسة"، ترى أن "قلة التغطية بلقاح الحصبة مقترنةً بتدنّي معدل الإصابة بالحصبة خلال السنوات الأخيرة في مدغشقر أسهما في إيجاد نسبة لا يُستهان بها من السكان القابلين للإصابة بالحصبة".

وتعتبر المنظمة "معدل سوء التغذية عاملاً مساهماً، إذ يؤدي إلى زيادة قابلية الأطفال للإصابة بمضاعفات خطيرة وللوفاة نتيجة العدوى بالحصبة". وتشير تقديرات المنظمة إلى ارتفاع بالغ للمخاطر التي تهدّد مدغشقر بصفة عامة نتيجة فاشية الحصبة. وهناك عوامل عدة متلازمة حالياً يرجّح أن تعوّق أو تؤخّر التدخلات الصحية العمومية وربما أخلّت بالاستجابة، وهي: النزاعات التي أعقبت الانتخابات، العزلة الجغرافية وبُعد الحالات، انعدام الأمن، موسم الأعاصير وتعدُّد الفاشيات". وعلى الرغم من تقليل المنظمة من المخاطر على المستوى الإقليمي، لا تستبعد "امتداد الحصبة إلى جزر المحيط الهندي المجاورة وبلدان أفريقية أخرى". وتوصي بتعزيز الرصد في البلدان المجاورة.

"سياحة نظرية"

الحصبة ليست الشبح الوحيد الذي يخيّم فوق مدغشقر، التي فقدت مساحات هائلة من غاباتها وانقرضت حيوانات عدة منذ وصل إليها الإنسان قبل نحو 2000 عام. فالمنظمة تربط بين انتشار الحصبة و"انبعاث الطاعون الذي يعاود الظهور موسمياً". وتفيد إحصاءات المنظمة بأن في الفترة الممتدة من 1 أغسطس (آب) إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، أبلغت وزارة الصحة في مدغشقر المنظمة عن وجود ما مجموعه 2348 حالة طاعون مؤكدة ومحتملة ومشتبه بها. يثير الرعب الناتج من هذه الأخبار، ومعه التناقض الفادح بين أرقام المؤهلات الطبيعية لمدغشقر وبين واقعها اللاطبيعي، فضول "السياحة النظرية" في هذه "القارة" التي وصل إليها الإنسان قبل نحو ألفي سنة. والأرقام الأكثر قوة سلبية هنا، هي ما يورده موقع "برنامج الأغذية العالمي" (WFP)، تحت عنوان "10 حقائق عن الجوع في مدغشقر "يعيش 92 في المئة من السكان على أقل من دولارين في اليوم. (في مكان آخر نقرأ أن 70 في المئة من المدغشقريين يعيشون تحت خط الفقر). ويعاني حوالي أربعة ملايين شخص- أي ما يمثل 28 في المئة من الأسر الريفية- من نقص فرص الحصول على الغذاء. (وفي مكان آخر نقرأ أن نحو نصف أطفال مدغشقر تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية). ومن عدم انتظام هطول الأمطار وموجات الجفاف والإصابة بالجراد المتكررة يؤدي إلى الإضرار بإنتاج الغذاء في جنوب مدغشقر. ومن المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه الأخطار الطبيعية. ومن الجفاف الذي يؤثر في مواسم الحصاد

تحتل مدغشقر المرتبة الرابعة في مؤشر "سوء التغذية العالمي المزمن". ويعاني ثلث عدد النساء اللاتي تراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة، ونصف عدد الأطفال دون سن الخامسة، من نقص الحديد الذي يسبب مرض فقر الدم (الأنيميا). ومن بين كل ألف مولود حي، يموت 62 طفلاً قبل بلوغهم سن الخامسة. تتركز أعلى معدلات الوفيات في المناطق الريفية. كما يموت نحو 500 امرأة في كل مئة ألف عملية ولادة لطفل حيّ بسبب المشكلات المرتبطة بالحمل. ويسهم ارتفاع مستويات فقر الدم في ارتفاع معدل الوفيات. ويكشف عن أكثر من 26 ألف حالة سُل كل عام. الأشخاص المصابون بمرض السل معرضون بدرجة كبيرة لخطر سوء التغذية الذي يسهم في شكل كبير في زيادة معدل الوفيات والإصابة بالأمراض. كذلك، يبلغ إجمالي متوسط العمر المتوقع للسكان 65.2 سنة. ويبلغ متوسط العمر المتوقع للنساء 66.67 سنة، وللرجال 63.77 سنة.

القيمة المضافة

يرد في وثيقة صادرة عن البنك الدولي، في مايو (أيار) 2014، تحت عنوان "فرص وتحدّيات تواجه نمواً شاملاً ومرناً"، أنّ "لدى مدغشقر موارد مهمة من المعادن والنفط (…) لم يتم استغلالها في شكل كامل". تضيف الوثيقة أن "الحكومة الملغاشية تعمل على رفع مساهمة القطاع المنجمي في الناتج المحلّي الإجمالي من 0.5 و1.5 في المئة في السنوات الأخيرة إلى 8 في المئة بحلول العام 2018". وفي حديث عن سياسة مدغشقر في هذا المجال، يقول المهندس الاختصاصي في الموارد المنجمية فريدريك راندرياناريفالو لوكالة الأناضول إنّ "الدولة تكتفي، حتى الآن، بتطبيق سياسة القمع". ويبدي الباحث في جامعة أنتاناناريفو هري رامياريسون تفهّماً لسياسية الحكومة إزاء الموارد المنجمية، وفق الأناضول، لافتاً إلى أنه "يتعيّن على الدولة أن تولي اهتماماً لخطر ألا توفّر عمليات الاستغلال المنجمية القيمة المضافة المتوقّعة، وألا تخلق ما يكفي من مواطن الشغل بالنسبة إلينا". ويعرّج الباحث على جملة عراقيل تواجهها الحكومة، ومن أهمّها الوسائل التقنية واللوجستية، قائلاً "ليس لدينا الخبرة والتقنية والموارد المالية اللازمة لاستغلال ثرواتنا الطبيعية". وهذا ما يفجّر الحاجة الملحة لاستخدام هذه الثروات كضمانات للاستثمار في قطاعات أخرى.

ما الموضوع؟

يُذكر أنه قلّ أن تمّت انتخابات في مدغشقر، منذ استقلالها في العام 1960 عن فرنسا التي غزتها في العام 1883، من دون توترات. وتقريباً، لا رئيس تخلى عن الكرسي من دون إشكال أو انتفاضة أو انقلاب. وآخر هؤلاء راجاوناريمامبيانينا الذي صوّت 121 نائباً من أصل 151 لإقالته، في 26 مايو العام 2015. علماً أن الرئيس المعزول عانى بعد فوزه في انتخابات العام 2009 لإخراج سلفه من القصر الرئاسي. ولعل هذا ليس مهمّاً، فموضوعنا هو وفاة نحو ألف طفل وشاب جراء إصابتهم بالحصبة... أو ترانا نسينا مثلما يفعل العالم مع هذا البلد الغائر في العتمة.

المزيد من صحة