Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جمع النفايات" يفتح الباب أمام الفرز الذي فشلت الدولة اللبنانية بتحقيقه

كثير من المواطنين امتهنوها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد

الأزمة الاقتصادية في لبنان انعكست على قطاع النفايات (اندبندنت عربية - بشير مصطفى)

في زمن الضيق الشديد، لا يعود مستغرباً أن تتحول حاويات النفايات إلى مصدر دخل إضافي لكثير من المواطنين اللبنانيين. هذا الأمر، بات واقعاً في لبنان، حيث يلاحظ المراقب وجود دفعات متزايدة من الشباب الذين يتناوبون، وبأوقات مختلفة ومتلاحقة من أجل ملء عرباتهم بما تفيض به عليهم "الحاويات". ولم تعد هذه السلوكيات مقتصرة على الفئات التي تمارس أصلاً عمليات جمع النفايات، وإنما اتسع نطاقها لتضم أعداداً متزايدة من "جامعي النفايات" الذين يجولون بين الحاويات في المناطق والأحياء بحثاً عن رزقهم الذي يقيهم شر العوز أو طلب المساعدة في مجتمع أصبحت الأغلبية الساحقة من أفراده فقراء.

مهن جديدة في طور النشوء

يختلف تقييم المواطن اللبناني لهذه الظواهر الطارئة على المجتمع. فالبعض منهم يرفض أن يتقبل هذه المشاهد، ويعتبرها خروجاً عن عادات المجتمع الذي اعتاد حياة الرفاهية، ولم يتصالح يوماً مع مهنة جمع النفايات، أو حتى المهن التي "ترتبط بمظهر الأيدي الملوثة، أو الملابس المتسخة"، ونظر إليها باستمرار على أنها "ذات مكانة أقل". في المقابل، يتحسر كثيرون على هذه المظاهر المستجدة على نطاق واسع، فهي نتاج التغيير الحاصل على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، وما وصلت إليه البلاد من فقر وضيق حال.

وبين هذا وذاك، يمكن قراءة ما يجري انطلاقاً من تجارب تلك الشريحة من الناس، أو من زاوية محاولة المواطن الاستجابة لتحدي البقاء الذي فرضته أزمة الانهيار المالي والاقتصادي. وتشي تلك التجارب بكثير من المعلومات الواقعية، فالبعض امتهن أصلاً هذه المهنة من خلال الاستثمار في النفايات وتحقيق الربح، ولكن في المقابل، هناك من يجد في النفايات مورداً إضافياً للستر. 

يشاركنا الرجل الخمسيني، رياض، تجربته، حيث تنقل بين عدة وظائف وأعمال خلال السنوات الأخيرة. عمل حارس أمن في إحدى المؤسسات ضمن نطاق العاصمة، كما عمل في مصنع لمواد التنظيف، ولكن هذه المصالح لم تصمد تحت وطأة الانهيار، فعاد إلى مسقط رأسه في الأطراف ليبحث عن عمل دائم، ولم يجد إلا عملاً مؤقتاً في إحدى المؤسسات. ولجأ إلى العمل الحرفي ضمن منزله الذي لا يغطي دخله الأسبوعي أكثر من تكلفة الطعام القليل، في حين لم يدفع إيجار المنزل الصغير الذي يقطنه للشهر الثاني على التوالي، لأن "دخله محدود، ولا يمكنه الادخار". 

انتقل خلال الفترة الماضية إلى جمع عبوات المشروبات الغازية، وعلب زيت السيارات، بالإضافة إلى علب البلاستيك. يجمع رياض في غرفة خاصة داخل المنزل، أكياساً كبيرة مليئة بالعبوات، وبين الفترة والأخرى يقوم بفرزها وبيعها، ولا يهمه السعر الذي يبيعها به، لأنه "في كل الأحوال دخل إضافي، يساعده على شراء طعام أو دواء". 

التقاط النفايات ودورها في الفرز

تسهم عملية "جمع النفايات" بدور إيجابي، فهي وبشكل غير مباشر، تسهم في فرز النفايات، أي العملية التي فشلت الدولة والحكومات المتعاقبة في القيام بها.

في هذا السياق، يشير رئيس اللجنة اللبنانية للبيئة والتنمية المستدامة، جلال حلواني، إلى دور يلعبه جامعو النفايات في تخفيف الضغط عن مكبّات النفايات في لبنان، والتي ما زالت تعتمد أسلوب الطمر، ومن ثم تسهم في إطالة عمر مكبّات البلدية، متحدثاً عن نموذج اتحاد بلديات الفيحاء، حيث تغضّ البلديات النظر منذ نحو العقدين على عمل جامعي النفايات. 

تشمل عملية الجمع هذه النفايات الصلبة والمعادن والزجاج والبلاستيك، أي التي من الممكن إعادة تصنيعها واستخدامها دون النفايات العضوية، لذلك، وبحسب حلواني، كان هذا الأمر يثير تحفظ الشركات في بعض الأحيان. ويتحدث حلواني، الذي كان يرأس لجنة البيئة في بلدية طرابلس عن "دخول منتظم لأكثر من 50 شخصاً إلى مكبّ النفايات قبل طمرها بالرمال وجمع ما يجدونه نافعاً لهم وقابلاً للبيع دون أي تكليف رسمي من البلديات".

وانعكست الأزمة الاقتصادية على قطاع النفايات، فمن ناحية تراجعت كمية النفايات التي تنتجها المنازل، ولكن في المقابل ازداد جامعو النفايات إلى حد بعيد، فأصبحت مهنة لكثير من المواطنين. كما يتحدث حلواني عن انخفاض في حجم النفايات، فعلى سبيل المثال "كان يتم جمع 400 طن من مناطق طرابلس والجوار، أما الآن فأصبحت الكمية بحدود 300 طن بسبب الأزمة الاقتصادية التي طاولت الجميع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فشل معامل الفرز

تسود السلبية عند تقييم عمليات الفرز التي كلفتها الدولة الشركات الخاصة، كما أن الحلول البيئية المستدامة ما زالت مؤجلة حسب حلواني. أما الحلول التي كانت مطروحة من معامل فرز أو محرقة، فقد ظهر أن فيها كثيراً من شبهات الفساد وعدم الشفافية. ففي طرابلس، "تمت سرقة آلات معمل الفرز التابع لاتحاد بلديات الفيحاء منذ عام"، بحسب حلواني، الذي يؤكد أنه في فبراير (شباط) 2010 قررت الحكومة إنشاء 10 معامل فرز في مناطق الشمال والجنوب والبقاع بهبة من الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، على أن تتولى البلديات وضع دفاتر شروط بناء وإدارة المعامل، وتدفع الوزارة 25 دولاراً للطن الواحد للمعالجة والصيانة فقط. 

وانطلق بناء معمل الفرز في طرابلس خلال يوليو (تموز) 2010، وتسلّمه اتحاد البلديات في مارس (آذار) 2013، الذي "اعتمد الفرز اليدوي فقط مع بعض الآليات"، ومن ثم تم استدراج العروض وتكليف شركة AMB- Nicollin، وتدشين العمل في المعمل الجديد خلال شهر يونيو (حزيران) 2017، ولكن بعد أشهر من بدء العمل فيه، ضاقت أنفاس أبناء المدينة من الروائح الكريهة، بحسب رواية حلواني، الذي يشير إلى وقف العمل بهذا المعمل في نهاية هذا العام، بعد التشاور مع وزارة التنمية الإدارية. واستمر هذا التوقف إلى مارس 2018، حيث عاود المعمل عمله عندما ادّعت الشركة بأنها قامت بالإصلاحات المطلوبة، وما لبث أن اتضح أن "الوضع كان أكثر كارثيةً"، واستمرت عملية المد والجذر في ملف معمل الفرز، وصولاً إلى الحديث عن سرقة معدات المعمل التي تعود ملكيتها إلى اتحاد بلديات الفيحاء لاستخدامها في أماكن أخرى. 

تشكل تجربة معمل الفرز هذا صورة عن كيفية إدارة ملف النفايات في لبنان، والتي تفتقد المعايير العلمية وضوابط الحوكمة والشفافية. في المقابل، يظهر كثير من المبادرات غير الحكومية التي تعمد إلى ترسيخ ثقافة فرز النفايات في البلاد، كتجربة منظمة GreenTrack التي تنشر الوعي حول أهمية فرز النفايات من المصدر. وتحاول توسيع إطار عملها ليشمل 5 مناطق والكورة وزغرتا وبشري والمنية والضنية، تحت عنوان "الشمال عم يفرز".     
 
آثار صحية ممكنة

يحتكّ جامعو النفايات مع كميات كبيرة من الجراثيم وعصارة النفايات خلال عملية الجمع. ويلاحظ عدم اتخاذ هؤلاء لأي إجراءات وقائية، حيث يغيب عنهم ارتداء السترات الواقية، أو حتى استخدام القفازات أو الأقنعة الواقية، لذلك يحذر حلواني من آثار صحية يتعرضون لها، فهم عُرضة للإصابة بالأمراض، ونقلها إلى أفراد عائلاتهم، وتحديداً الأمراض الجرثومية بفعل وجود كميات كبيرة من الجراثيم والفيروسات في أماكن تجميع النفايات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير