Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كولن باول يرحل وإرثه يدخل محاكم التاريخ

شارك في حرب فيتنام وشهد معارك تحرير الكويت وعدّ "غزو العراق" وصمة عار في مسيرته السياسية

نال وباء كورونا من كولن بأول، أول وزير خارجية أميركي أسود البشرة، الذي لعب دوراً بارزاً مع عديد من الإدارات الجمهورية، وأسهم في تشكيل سياسة واشنطن الخارجية في القرن العشرين والسنوات الأولى من الألفية الثالثة.

وأعلنت عائلة باول، الذي ترك بصماته في عديد من قضايا وحروب الشرق الأوسط، اليوم الاثنين، وفاته في مستشفى والتر ريد الواقع في ضواحي واشنطن عن عمر ناهز 84 سنة، بعد معاناته من مضاعفات فيروس كورونا، مشيرة إلى أنهم فقدوا "زوجاً، وأباً، وجدّاً مميزاً، ومحباً، وأميركياً عظيماً".

باول في سطور

ولد كولن باول ذو الأصول الجامايكية، في الخامس من أبريل (نيسان) 1937، لأم تعمل في الخياطة وأب محاسباً، وترعرع في حي هارلم جنوب حي برونكس في نيويورك، وهو بيئة شعبية، وأحد الأحياء متعددة الأعراق في المدينة.

وبحسب سيرته الذاتية التي أوردها في مذكراته "رحلتي الأميركية"، فقد تخرج باول في مدرسة موريس الثانوية عام 1954 دون أي خطط محددة للمكان الذي يريد الذهاب إليه في الحياة، بعدها حصل على إجازة الجيولوجيا من كلية سيتي كولدج في نيويورك، وفي عام 1958 انضم إلى صفوف القوات المسلحة الأميركية، إذ بدأ مسيرته بتولي أول مركز في ألمانيا، ثم أرسل إلى فيتنام كمستشار عسكري للرئيس السابق جون أف كينيدي.

 

وبحسب توصيف لاوروين هاراري، الأستاذ وخبير الإدارة في جامعة سان فرانسيسكو في كتابه "أسرار القيادة عند كولن باول"، "مع "تألقه في جو الهيكلة والعسكرية والانضباط الملائم لشخصيته، تدرج في المناصب العسكرية سريعاً، حتى عين قائداً لأركان الجيش عام 1989، ثم تولى رئاسة هيئة الأركان بين عامي 1990 و1991، وهي الفترة التي شهدت حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت) في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الأب".

وقبل أن يتسلم باول حقيبة وزارة الخارجية خلال الولاية الأولى من حكم الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن (2001-2005)، كان قد أحيل إلى التقاعد عام 1993، واتجه حينها إلى معالجة شؤون الشباب المعوزين وأسس جمعية "أميركا بروميس" ورفض في تلك الفترة أي منصب سياسي كما رفض لمرتين أن يكون مرشحاً لنيابة الرئيس، وذلك بعد أن كان قد سبق له العمل مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض نهاية عهد الرئيس الأربعين للولايات المتحدة رونالد ريغان (1981-1989).

وكان أصغر جنرال وأول أميركي أسود من أصول أفريقية يتولى منصب وزير الخارجية الأميركية، وقبلها رئاسة هيئة أركان الجيوش، التي ظل فيها خلال الأشهر القليلة الأولى من إدارة بيل كلينتون، قبل أن يختلف معه علناً بشأن قبول المثليين في الجيش.

العسكرية أولاً

ووفق ما يجمله باول في مذكراته بشأن محطات حياته وقصة صعوده، فإن "قصته هي حكاية طفل أسود عادي من عائلة مهاجرة محدودة الإمكانات. قصة الخدمة العسكرية ومن ساعدوني لأصل إلى ما وصلت إليه".

ويمضي باول في تذكر قصة حياته خلال سنوات عمره الأولى حتى وصوله إلى العسكرية الأميركية، قائلاً، "لم أكن بعد قد تفوقت في أي شيء، كنت مجرد ولد جيد، إلا أن ذلك تغير تماماً، فبعد دخول كلية سيتي كولدج في نيويورك، والحصول على إجازة الجيولوجيا، وجدت حرفتي ومهنتي الأساسية مع الانضمام إلى فيلق تدريب ضباط الاحتياط في القوات المسلحة الأميركية".

ويبرر باول تمسكه بالبقاء في العسكرية الأميركية، قائلاً، "بحلول صيف عام 1961 كان المفترض أن أترك الجيش، حيث كنت قد أكملت سنوات الخدمة الإجبارية الثلاث، ولكن فكرة ترك الجيش لم تخطر في بالي أبداً لقد كنت شاباً أسود، لا يعرف شيئاً في الحياة غير الجندية، فماذا كنت أفعل لو تركت الجيش؟ هل أعمل مع أبي في ضاحية صناعة الملابس؟ أم كنت أذهب إلى أوكلاهوما لحفر الآبار بحثاً عن النفط بشهادتى الجيولوجية؟".

يضيف، "كانت البلاد تمر بفترة كساد، وكنت على وشك أن أقبض راتباً يبلغ 360 دولاراً في الشهر، وهو ما يعني مبلغاً سنوياً جيداً يصل إلى 4320 دولاراً، وكانت مهنتي تتيح لي الترقي إلى أبعد ما تستطيعه موهبتي. وباعتباري أسود، لم يكن أي مكان آخر في المجتمع الأميركي ليقدم لي فرصة أفضل، فضلاً عن أنني لم أكن مهتماً بأي عمل آخر غير العمل في الجيش الذي كنت أعشقه".

 

وخلال حياته العسكرية، عُرف بالميل للحلول الجذرية، حتى طور ما أصبح يعرف بـ"مبدأ باول"، وهو نهج يدعو إلى استخدام القوة الساحقة لتحقيق أقصى قدر من النجاح، وتقليل الخسائر بالتزامن مع تحديد أهداف سياسية، ولهذا انتقد عام 1999 الغارات الجوية لحلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا، معتبراً أنها تناقض مبادئ التدخل العسكري التي حددها. وعقب غزو العراق الكويت كان من أنصار فكرة الاكتفاء بفرض العقوبات، وعارض كذلك استخدام القوة لإزاحة صدام، لكنه نادراً ما أصر على مواقفه.

محطات وعلامات

بجانب مشاركته في حرب فيتنام كمستشار عسكري، كانت رئاسة باول لهيئة الأركان المشتركة في عهد الرئيس جورج بوش الأب التي شهدت حرب تحرير الكويت، وكذلك ترأسه الدبلوماسية الأميركية في عهد بوش الابن، خلال سنوات حكمه الأولى أوائل الألفية الثالثة، حيث "الحرب على الإرهاب" وغزو العراق (2003) وأفغانستان (2001)، إلى جانب مساندته لتوسع حلف شمال الأطلسي، وهي أبرز المحطات الجدلية في حياة "الجنرال الدبلوماسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي حرب الخليج وعملية تحرير الكويت، قاد العمليات العسكرية لبلاده والتحالف الدولي لصد غزو العراق لجارتها الجنوبية في تسعينيات القرن الماضي، وذلك قبل أكثر من 10 سنوات من العودة إلى العراق مرة أخرى من باب الدبلوماسية الأميركية، حيث كان من أشد المدافعين عن غزو العراق، وقدم في الخامس من فبراير (شباط) 2003 أمام مجلس الأمن الدولي عرضاً كاملاً حول أسلحة دمار شامل تملكها بغداد، التي شكلت ذريعة لغزو هذا البلد، وهو ما تبين لاحقاً أنها معلومات "خاطئة"، الأمر الذي دفعه إلى الاعتراف بأن ذلك "لطخ" سمعته، قائلاً، "إنها وصمة لأنني من قدم هذا العرض باسم الولايات المتحدة أمام العالم، وهذا سيبقى جزءاً من حصيلة عملي".

وفي إحدى مقابلاته الصحافية عام 2005، بعد استقالته من الخارجية الأميركية، قال باول لمحطة "إيه بي سي" نيوز الأميركية، إن "دفاعه عن تقرير بلاده عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأمم المتحدة وصمة عار في مسيرتي السياسية". واعتبر أن الأمر  "مؤلم له". واتهم بعض موظفي وكالة الاستخبارات الأميركية بأنهم كانوا يعرفون بأن مصادر المعلومات غير موثوق بها، قائلاً، "لقد كان هناك أناس في المخابرات حينها، يعرفون أن بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنهم لم يقولوا شيئاً. لقد دمرني ذلك". نافياً أن يكون مدير وكالة الاستخبارات آنذاك جورج تينيت قد قصد تضليله، فالأخير كان متأكداً من صحة المعلومات التي اعتمد عليها باول في تقريره، حسب تعبيره.

وخلال مسيرته في الخارجية كذلك، امتازت سنوات باول الدبلوماسية بأوج مراحل التوتر في العلاقات مع سوريا، إلا أنه زارها مرات عدة حاملاً مطالب وتحذيرات أميركية، وكان نسبياً يخفف الاحتقان بين البلدين، خصوصاً أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن كانت تعج بالصقور الحانقين على سياسات دمشق. وفي عام 2004 أعلن استقالته من الخارجية الأميركية، على الرغم من نجاح بوش الابن في نيل ولاية ثانية، وترك المنصب لخيلفته كوندوليزا رايس، التي أكملت فترة الرئيس الجمهوري الثانية.

المزيد من دوليات