Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تطورت علاقة الحب والكراهية مع "فيسبوك"؟

رغم كل ما يحيط بالمنصة من مشكلات يظل الهروب خارج مدارها مستحيلا

كشفت دراسة أن "فيسبوك" كان أكثر الموضوعات التي تجري دراستها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ عام 2005 (أ ف ب)

​​​​عندما تعطلت خدمات "فيسبوك" ومواقع أخرى يوم 4 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، افتقد كثيرون هذه المنصات، فيما شعر آخرون بارتياح كبير، لكن البعض امتزجت لديهم مشاعر مختلطة بأن علاقتهم بوسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة "فيسبوك"، أصبحت فوضوية وغارقة في الغموض وانعدام الثقة، على الرغم من إدراكهم أن الاعتماد عليها أضحى أمراً مفروغاً منه، فما الذي يرصده علماء الاجتماع في دراساتهم حول كيفية تطور علاقة الحب والكراهية مع "فيسبوك" تحديداً كأبرز وسائل التواصل الاجتماعي وأكثرها انتشاراً ونفوذاً نظراً لوصوله إلى ثلاثة مليارات مستخدم حول العالم؟

شعور بالراحة أم بالفقد

كأحد مستخدمي "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب"، هل افتقدت هذه المنصات حينما تعطلت لساعات عدة، الإثنين الماضي، أم شعرت بالارتياح؟ أو ربما امتزجت لديك مشاعر الفقد والارتياح معاً، في كل الأحوال لم تكن وحدك في هذه المشاعر، فقد وصلت هذه الأحاسيس المتباينة إلى ملايين المستخدمين مثلك الذين تحولت علاقتهم مع منصة "فيسبوك" إلى علاقة مضطربة وفوضوية أحياناً، بظل الاعتماد العاطفي أو النفسي المفرط على الأصدقاء عبر "فيسبوك"، بسبب الإدمان المتزايد على المنصة الذي ارتفع بشكل ملحوظ منذ انتشار وباء كورونا.

وبعد الكشف عن أكاذيب شركة "فيسبوك" بشأن تطبيق قواعدها بشكل مختلف على الأشخاص المهمين، وتجاهلها إيذاء الفتيات المراهقات عن قصد، ووجود مشكلة كبيرة في المعلومات الخطأ عن لقاح كورونا، جاء العطل الأخير ليجعل "فيسبوك" عبارة عن فوضى عارمة، بما يجعل المستخدمين يتساءلون عما إذا كان عليهم المضي قدماً مع "فيسبوك" أم يتخلون عنه ويتحولون إلى مواقع تواصل اجتماعي أفضل؟ لكن يبدو أن الإجابة ليست بهذه البساطة.

بدايات جيدة

عندما انطلق "فيسبوك" في عام 2004، كان يُعد إحدى أكثر شبكات التواصل الاجتماعي أصالة وموثوقية، إذ كانت الشركات المنافسة تعتمد على نفوذ الشركات الأم الكبرى المالكة لها والتي كانت تعج بالإعلانات وتهتم بالأرباح أكثر من أي شيء آخر، في حين وعد "فيسبوك" مستخدميه بمساحة اجتماعية غير مستغَلة بما يتيح للناس أن يعيشوا بشكل أفضل في الحياة. وخلال ثلاث سنوات فقط انضم إليه 21 مليون شخص بمعدل تصفح وصل إلى 1.6 مليار صفحة كل يوم، وحتى الآن توفر الصداقة التي تأتي عبر "فيسبوك"، امتيازات عدة، وفق إليزابيث ستويشيف، الأستاذة المساعدة في مجال الإعلام والاتصال في جامعة واين ستيت الأميركية، إذ أصبح "فيسبوك" المنصة التي تجذب الجميع وتجمعهم معاً، وباتت المشاركة في هذا المجتمع، تقوي العلاقات بين الأصدقاء المقربين والمعارف العرضيين، بحسب دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد قبل سنوات.

شعبية مستحقة

علاوة على ذلك، أصبح بوسع الأفراد عبر "فيسبوك" الارتباط بقضايا المجتمع وتعزيز الهويات المشتركة وتبادل مقاطع الفيديو المسلية. ومع تطور استخداماته عبر السنين، يعود الفضل إلى "فيسبوك" في المساعدة على تنظيم تحالفات للمطالبة بالحقوق أو لجمع ملايين الدولارات للأعمال الخيرية مثل مكافحة الأمراض أو تحسين الخدمات في المناطق الفقيرة والمهمشة.

وإضافة إلى شعبيته، أتاح "فيسبوك" للمستخدمين العناية بالصورة العامة، من خلال التركيز على أفضل جوانب الحياة لدى الناس، حيث أصبح الموقع مصدراً مركزياً ليس فقط للحصول على معلومات عن بعضنا البعض، ولكن أيضاً عن مختلف القضايا عن العالم من حولنا، إذ أوضح أكثر من نصف مستخدميه في الولايات المتحدة عن متابعتهم الأخبار بانتظام عبر صفحات "فيسبوك" على الرغم من أن هذه النسبة تختلف من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى.

كما كشفت دراسة أن "فيسبوك" كان أكثر الموضوعات التي تجري دراستها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ عام 2005، وأدى هذا التركيز إلى إحراز تقدم كبير في فهم التفاعلات عبر الإنترنت والنشاط الرقمي وعلم النفس البشري.

تقويض الثقة

لكن نجاح "فيسبوك" المذهل جاء على حساب خصوصية زبائنه من الأصدقاء على صفحاته، فعلى الرغم من أن النموذج الذي يُفترض العمل به، الخاص ببيع الإعلانات، يبدو طبيعياً ولا ضرر منه، لكن اتضح خلال السنوات القليلة الماضية أن منصة "فيسبوك" تجمع بيانات ومعلومات عن المستخدمين أكثر مما قد يعرفونه عن أنفسهم وهو ما ظهر جلياً في عام 2018 عندما تكشفت فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا" لتحليل البيانات والتي حصلت على بيانات عشرات الملايين من مستخدمي ذلك الموقع منذ عام 2015 وتبين أن "فيسبوك" يستخدم ويشارك المعلومات الشخصية التي يجمعها عن المستخدمين الأمر الذي قوض الثقة بالمنصة داخل الولايات المتحدة وأوروبا على وجه الخصوص.

ومن خلال مشاركة "فيسبوك" بيانات المستخدمين مع المعلنين أو غيرهم، واتهامه بتمكين حملات التضليل المعلوماتي من الانتشار والاستمرار، فضلاً عن التدخل في الانتخابات، تكشف للكثيرين أن ولاء "فيسبوك" ومصلحته المباشرة لا تستهدف حماية المستخدمين، وأن الإهمال الذي شاب معالجاته للأخطاء التنظيمية لعمل المنصة، أو ما يبدو بشكل متزايد أنه إساءة استخدام متعمَدة لبيانات المستخدِم، جعل من الصعب الوثوق بها في ظل علاقات الصداقة التي تربط الأصدقاء على صفحاتها.

"خيانة" المستخدمين

وفيما تواصل الشركة تغيير المعلومات التي يراها الناس على منصتها الأساسية، يحذر الباحثون من أن هذه التدخلات التي تستند إلى خوارزميات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيكون لها عواقب سيئة، إذ توصلت الأبحاث إلى أنه يمكن التلاعب بمشاعر وعواطف المستخدمين من خلال التغييرات التي تطرأ على خوارزمية "فيسبوك"، حيث أشارت دراسة للأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم إلى أن التلاعب بمشاعر وعواطف المستخدمين أدى إلى جعل الجمهور أكثر استقطاباً وانقساماً في القضايا السياسية وأقل تقبلاً لمشاركة آراء الأقلية، وهي تحولات من شأنها أن تعوق الديمقراطية.

ناهيك عن أن برامج الذكاء الاصطناعي التي تعزز من المقارنات الاجتماعية في المجالات المختلفة بشكل يومي، أثرت أيضاً على الصحة العقلية ليس فقط لدى المراهقات كما كشفت فرانسيس هوغن، مديرة المحتوى السابقة في "فيسبوك"، وإنما أيضاً لدى البالغين والكبار، حيث تظهر الأبحاث الحديثة أن استخدام "فيسبوك" يثبط سعادة الأفراد سواء كان ذلك بشكل فوري أو على المدى الطويل، فقد ارتبط استخدام "فيسبوك" بالاكتئاب والعديد من النتائج النفسية السلبية الأخرى بحسب ما ذكر تقرير أوجز 56 دراسة علمية حول هذا الموضوع.

"أعدقاء" حتى الآن

على الرغم من الدعوات الواسعة النطاق لهشتاغ "احذف فيسبوك"، فإن معظم المستخدمين احتفظوا بحساباتهم الشخصية حتى مع العطل الذي ضرب الموقع، الإثنين الماضي، ويعود السبب في ذلك إلى أن التخلي عن "فيسبوك" يعني الابتعاد عن شبكة لها قيمة اجتماعية كبيرة، إذ تفاخر الموقع بـعدد مستخدميه الذين تجاوزوا الـ2.8 مليار مستخدم نشط في نهاية العام الماضي 2020، أي أكثر من ثلث سكان العالم. كما أشار أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى أن "فيسبوك" لا يتوافر لديه سوى عدد قليل من المنافسين في السوق، وهذا يعني أنه الوسيلة الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، للتواصل والاتصال بين الشعوب والمجموعات الكبيرة، لأنه يجمع المستخدمين معاً ويصبحون أشبه بالرهائن لديه بالاعتماد على ميزة الحفاظ على العلاقات مع كل أصدقائهم الحاليين والقدامى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى أولئك الذين يفضلون "إنستغرام" وتطبيق "واتساب"، فيجب أن يعلموا أن "فيسبوك" يمتلك هؤلاء أيضاً فضلاً عن "ماسنجر" المرتبط به. وتعمل الشركة على دمج التكنولوجيا التشغيلية الخاصة بتلك المنصات مع "فيسبوك"، وهو ما لاحظه كثيرون بأنه عندما تعطل نظام تشغيل "فيسبوك" انهارت هذه المنصات أيضاً.

الهروب المستحيل

وحتى الأشخاص الذين تتوفر لديهم إرادة لإلغاء حساباتهم على "فيسبوك" سيظلون يجدون بياناتهم حاضرة في المحتوى الذي يضيفه الآخرون إلى المنصة والشركات والتطبيقات التابعة لها، ما يعني أنه يكاد يكون من المستحيل الهروب من مدار "فيسبوك" في النهاية.

ومع ذلك، فإن استعادة ثقة الجمهور في منصة "فيسبوك"، ستتطلب إحداث تغييرات كبيرة، فقد تتمثل بعض الخيارات المطروحة، مثل "توفير الخدمات الإخبارية من دون تعديل، والإعلانات الشفافة، وتحكم المستخدِم في البيانات"، بداية جيدة يمكن البناء عليها، ولكن ليس من الواضح في اللحظة الراهنة، ما إذا كان "فيسبوك" سيجري هذه التغييرات لإنقاذ سمعته التي تتلطخ بين حين وآخر حول العالم بهدف الحفاظ على المليارات من حسابات المشتركين من الأصدقاء.

وبينما يدرك معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أن البيانات والمعلومات الخاصة بهم يتم جمعها ومشاركتها وبيعها للمعلنين وغير المعلنين، سيكون عليهم فقط في هذه الأثناء، تحديث إعدادات الخصوصية الخاصة بهم ومحاولة التعايش في ظل علاقة غير واضحة يسمونها علاقة "أعدقاء" وهي تلك العلاقة المضطربة بين كونها علاقة صداقة أو عداء مع "فيسبوك"، إلى أن تتغير الأمور.

المزيد من متابعات