Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح واشنطن في "محاصرة" بكين عبر استراتيجية "التحالفات"؟

"أوكوس" و"كواد" يستهدفان النفوذ الصيني المتصاعد في المحيطين الهادئ والهندي وترقب للارتدادات السياسية والأمنية

تسعى إدارة بايدن إلى "التحول بعيداً عن حروب الشرق الأوسط والتركيز بدلاً من ذلك على منافسة عالمية طويلة الأمد مع الصين" (إندبندنت عربية)

تكثف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تحركاتها لإعادة إحياء تحالفاتها العسكرية والأمنية والاقتصادية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي لطالما اشترك عدد من دولها في المخاوف من سياسات بكين. والهدف "الضمني" مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد.

فبعد أيام من إنشاء تحالف أمني عسكري سمي "أوكوس" (جمع واشنطن ولندن وكانبيرا)، جاء الاجتماع الأول لتحالف "كواد"، أو ما يعرف بالحوار الأمني الرباعي الذي يضم قادة كل من الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا. وقد أثار هذا الاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض، الجمعة 24 سبتمبر (أيلول)، مزيداً من المخاوف الصينية، فأعلنت بكين أنها "تراقب عن كثب التحركات الأميركية".

وفي ضوء احتدام المنافسة الدولية بين واشنطن وبكين، وفي القلب منها منطقة المحيطين الهادئ والهندي، يقيّم مراقبون ارتداد الخطوات الأميركية المتسارعة وتداعياتها على مستقبل العلاقات بين البلدين، متسائلين إلى أي مدى يمكن لإدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، "خنق" التنين الصيني عبر "استراتيجيتها لإحياء التحالفات"؟

"كواد" بين الأمن والسياسة والاقتصاد

بعد قمة عبر الإنترنت في مارس (آذار) الماضي، جمعت بايدن وقادة الهند وأستراليا واليابان، استضاف الرئيس الأميركي، للمرة الأولى حضورياً، زعماء الدول الثلاث، لاستكمال الصيغة الدبلوماسية المسماة "كواد" أو "الحوار الأمني الرباعي"، مواصلاً مسعاه نحو مزيد من التحالفات، التي اعتبرها مراقبون لمواجهة الصين.

وفي الاجتماع الرباعي الذي استضافه البيت الأبيض، وانتقدته بكين، قائلة إن "فشله محتم"، تعهد القادة المجتمعون جعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ "حرة ومفتوحة"، فضلاً عن دعم "حكم القانون، وحرية الملاحة والطيران، والحل السلمي للنزاعات، والقيم الديمقراطية، ووحدة أراضي الدول" في تلك المنطقة، التي تسعى الصين إلى استعراض قوتها فيها.

وبحسب البيان الختامي للقمة، الذي لم يذكر بكين صراحة، شدد بايدن، ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ورئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على ضرورة اتباع نهج يعتمد على القانون في تلك المنطقة. واتفقوا على التعاون في مجال الطاقة النظيفة والفضاء، وعقد اجتماع قمة كل عام.

وسبقت تلك القمة، عقد الرئيس الأميركي لقاء ثنائياً مع رئيس الوزراء الهندي، الذي عقد ورئيس الوزراء الياباني اللقاء الأول بينهما. واتفق الجانبان الهندي والياباني على ما وصفته طوكيو بمعارضة قوية ضد الإكراه الاقتصادي، وتغيير الوضع الراهن في المياه البحرية في آسيا والمحيط الهادئ، في إشارة إلى الصين من دون تسميتها.

وبينما شدد رئيس الوزراء الهندي على أن بلدان مجموعة "كواد" ستلعب دوراً في ضمان الاستقرار والسلام في العالم، قال رئيس الوزراء الياباني إن القمة تعكس رؤية الدول الأربع المشتركة للاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. أما رئيس الوزراء الأسترالي موريسون، فقال إن منطقة المحيطين ينبغي أن تكون مفتوحة لضمان استقرارها.

وتشكل تحالف "كواد" بعد تسونامي المدمّر عام 2004، وأصبح رسمياً عام 2007، لكنه كان لفترة طويلة غير ناشط.

في المقابل، انتقدت الصين الاجتماع، وجاء على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها تشاو ليجيان، قوله إن "زمرة مغلقة وحصرية تستهدف الدول الأخرى إنما تسبح ضد تيار العصر وطموحات دول المنطقة. لن تجد من يدعمها ومآلها إلى فشل محتوم".

احتواء أم مواجهة

في الوقت الذي توافقت فيه معظم القراءات الغربية لمستقبل تحالفي "أوكوس" و"كواد" اللذين تقودهما الولايات المتحدة لخلق جبهة لمواجهة النفوذ الصيني، تباينت الآراء بشأن الارتدادات المتوقعة جراء "استراتيجية التحالفات" التي تنتهجها واشنطن على منطقة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية.

وبحسب ما كتبه، فريد زكريا، في "واشنطن بوست" الأميركية، فإنه في اليوم التالي من توقيع واشنطن معاهدتها الأمنية مع كل من كانبيرا ولندن، والتي تقضي بتزويد أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية للمرة الأولي، جاء إعلان آخر حظي بتغطية قليلة نسبياً، إذ تقدمت الصين رسمياً للانضمام إلى الاتفاقية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ "سي بي تي بي بي"، وهي التي حلت محل الشراكة العابرة للمحيط الهادئ "تي بي بي" (اتفاقية تجارية تفاوضت عليها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وعززتها إلى حد كبير لمواجهة الهيمنة الاقتصادية المتنامية للصين في قارة آسيا، لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحب منها بعد 3 أيام من دخوله البيت الأبيض).

ووفق رأي زكريا، فإن الإعلانين يظهران مدى تعقيد التحدي الصيني. وكتب "لو كان التحدي الصيني اقتصادياً وتكنولوجياً بشكل أساسي؟ فإن عودة انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية "سي بي تي بي بي" تُعد أمراً صعباً من الناحية السياسية، ولكنه قد يكون استراتيجياً أهم من نحو 8 غواصات أسترالية، قد لا يبدأ نشرها إلا بعد 19 عاماً من الآن". وأشار إلى ما قاله آشتون كارتر، وزير دفاع أوباما عام 2015، من أن انضمام الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ لا تقل أهمية عن نشر حاملة طائرات أخرى (تعمل بالطاقة النووية) في آسيا.

واعتبر زكريا الذي يعتقد أن خطوة التحالفات الأميركية قليلة الأهمية أمام قيادة الشراكات التجارية عبر المحيط الهادئ، أن كيرت كامبل الذي أصبح كبير صانعي السياسة في البيت الأبيض بشأن آسيا، ذهب إلى أبعد من ذلك في العام نفسه، عندما قال "لو فعلنا كل شيء بشكل صحيح في آسيا، ولم نحصل على اتفاقية تي بي بي، فلا يمكننا الحصول على درجة مقبول. لكن لو فعلنا كل شيء خطأ، مع حصولنا على تي بي بي، فسنحصل على درجة جيد".

وذكر زكريا أن إعلان التحالفات الأميركية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، "هو علامة على أن محور ارتكاز الجغرافيا السياسية قد تحرك شرقاً، وأن آسيا ستكون في مركز الشؤون الدولية لعقود مقبلة".

توسيع الاهتمام بالصين

ووفق مجلة "فورين بوليسي"، فإن الخطوات التي تتخذها واشنطن لاحتواء النفوذ المتصاعد للصين، تشير إلى جدية الإدارة الحالية لمواجهة بكين، موضحة في الوقت ذاته أن تلك الخطوات لا تقتصر على "التحالفات"، بل إن وزارة الخارجية الأميركية تخطط لزيادة عدد المسؤولين المتخصصين بمراقبة الصين، في محاولة لتتبع أنشطة بكين المتنامية في البلدان الرئيسية حول العالم.

وبحسب المجلة، فإن التغييرات التي تعتزم الوزارة تبنيها، والتي يمكن أن تشمل إضافة ما بين 20 و30 موظفاً، ستشمل تعزيزاً لموظفي "المراقبة" الإقليميين المعنيين بالشأن الصيني، وهي مهمة تم استحداثها خلال إدارة ترمب، لتتبع أنشطة بكين في جميع أنحاء العالم تحت تصرف المكاتب الإقليمية لوزارة الخارجية الأميركية.

وذكرت المجلة أن جهود الخارجية الأميركية الهادفة إلى تعزيز المكتب المركزي المعني بالشأن الصيني، الذي أطلق عليه البعض في واشنطن اسم "البيت الصيني"، جاء بعد إنشاء وزارة الدفاع الأميركية هيئة مركزية للتعامل مع العلاقات العسكرية بين واشنطن وبكين.

ونقلت المجلة عن أحد المسؤولين الأميركيين قولهم إن الخارجية الأميركية "تدرس إضافة مزيد من الموظفين لتتبع مشتريات الصين للتكنولوجيات الناشئة والجهود المبذولة لمعالجة تغير المناخ"، موضحة أن هذه التغييرات تأتي في الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى "التحول بعيداً عن حروب الشرق الأوسط المكلفة التي دامت عقدين، في إشارة إلى أفغانستان، والتركيز بدلاً من ذلك على منافسة عالمية طويلة الأمد مع الصين".

وكانت وكالة "بلومبيرغ" ذكرت في أغسطس (آب) الماضي، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي"، تدرس تأسيس وحدة خاصة للصين، في خطوة ستوفر الموظفين والتمويل لتوسيع نطاق التركيز على بكين. ونقلت الشبكة الأميركية عن مصادر مطلعة قولها إن "سي آي أي" تدرس مقترحات لإنشاء "مركز مهمات مستقل للصين"، في تصعيد لجهودها لاكتساب رؤية أوضح بشأن المنافس الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة.

وأشارت المصادر إلى أن الاقتراح يأتي في إطار مراجعة أوسع نطاقاً لقدرات الوكالة بشأن الصين، يجريها مدير "سي آي أي"، وليام بيرنز، سترفع مستوى التركيز على بكين داخل الوكالة، إذ كانت الصين تشكل منذ فترة طويلة جزءاً من "مركز مهمات شرق آسيا والمحيط الهادئ".

وفي تصريح سابق لكريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، العام الماضي، قال إن التكتيكات الصينية، بداية من التجسس الإلكتروني إلى التهديدات ضد المواطنين الصينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، خلقت وضعاً "أصبح فيه الأميركيون يجدون أنفسهم محاصرين من قبل الحزب الشيوعي الصيني".

الصين تعلو على المخاوف كلها

وفي وقت تعلو أصوات أميركية منتقدة سياسات بايدن تجاه بكين، تبرر أخرى أهمية تلك الخطوات في مواجهة أي قلاقل أو مخاوف ترتبط بها. وعلى سبيل المثال، بحسب تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأميركية، فإن التحالف بين واشنطن ونيودلهي ربما يمثل "مسألة إشكالية" لإدارة بايدن، لأنها ربما تضطر إلى "غض الطرف" عما وصفته المجلة بـ"تراجع نيودلهي" في سجل حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو نهج اعتبره البعض "تكراراً لأخطاء أسلافه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي معرض تعليق المجلة على تحالف "كواد"، ذكرت أن جميع أعضاء التحالف الرباعي (واشنطن ونيوديلهي وكانبيرا وطوكيو) من "الديمقراطيات"، لكن تصنيف الهند تراجع أخيراً من كونها دولة "حرة" إلى "حرة جزئياً"، وذلك من قبل منظمة "فريدوم هاوس" التي انتقدت حكومة مودي بسبب العديد من الانتهاكات بما في ذلك "مضايقة الصحافيين والهجمات على غير الهندوس".

وذكرت المجلة أن البعض يخشى "غض الطرف عن انتهاكات حكومة مودي في الهند"، وأن المسؤولين الأميركيين لم يقدموا إجابات واضحة عن تلك المخاوف.

وبحسب ما نقلت المجلة عن مسؤول كبير في إدارة بايدن، لم تسمه، فإن رفع مستوى "تحالف كواد" سيظل يمثل أولوية للإدارة الأميركية، إذ يتعلق الأمر بجمع الحلفاء والشركاء معاً في تحالف مرن ومناسب للغرض". وفي شأن المخاوف المتعلقة بملفات حقوق الإنسان، نقلت المجلة عن مسؤول آخر، لم تسمه، قوله إن "التحذير العلني هو المسار المناسب في ظل ظروف معينة، ولكن في ظروف أخرى، يكون التحذير وراء الكواليس هو الأفضل".

وذكرت "بوليتيكو" أن "مسألة بناء حصن" ضد الصين، تعد مصدر قلق كبير وأولوية لفريق بايدن، مشيرة إلى أن كل المؤشرات ترجح عدم تراجع بايدن عن تلك الخطوات.

هل دخلنا عصر "حرب باردة جديدة"؟

وعلى الرغم من تأكيد بايدن، في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء 21 سبتمبر، على "التنافس بقوة" مع القوى الكبرى الأخرى، مع التشديد على عدم سعي بلاده "إلى حرب باردة جديدة أو عالم منقسم إلى كتل جامدة"، يتخوف البعض من أن تحيي تلك التحالفات الأميركية، التي وصفتها مجلة "إيكونوميست" البريطانية بأنها "من المناسبات النادرة التي أحدثت تحولاً استراتيجياً في الجغرافيا السياسية للعالم"، عصر الحرب الباردة.

وبحسب دراسة حديثة للمركز الأوروبي للعلاقات الخارجية "إي سي أف آر"، فإن معظم الأوروبيين يعتقدون أن "حرباً باردة جديدة" تدور بين الولايات المتحدة و"خصميها الجيوسياسيين الرئيسيين" الصين وروسيا.

وقال مارك ليونارد، المؤلف المشارك في الدراسة ومدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الذي يتخذ من لندن مقراً له، "تعتقد الشعوب الأوروبية أن هناك حرباً باردة جديدة، لكنها لا تريد أن يكون لها أي علاقة بها". وأضاف، "الدراسة التي أجريناها تكشف أن تأطير الحرب الباردة يهدد بإثارة امتعاض الناخبين الأوروبيين". وتابع، "على عكس ما حدث أثناء الحرب الباردة الأولى، لا يرى الأوروبيون تهديداً وجودياً فورياً لجوار أوروبا أو إحساساً بالتماسك الأيديولوجي داخل العالم الحر".

واعتبر أنه "لم يعد بإمكان السياسيين الاعتماد على التوترات مع روسيا والصين لإقناع الناخبين بقيمة التحالف الأطلسي القوي. بدلاً من ذلك، هم بحاجة إلى جعل القضية تمس المصالح الأوروبية".

إلى ذلك، وبحسب "فاينانشال تايمز" البريطانية، في تعليقها على تحالفي "كواد" و"أوكوس"، فإن الخطوة تثير كثيراً من الأسئلة من دون أجوبة، ومن بينها تزويد أستراليا (الحليف الرئيسي للولايات المتحدة والقريبة جغرافياً من الصين) بغواصات نووية متطورة وصواريخ بعيدة المدى ضمن تحالف "أوكوس"، ويأتي ذلك في إطار تصدي أميركا للتهديد الذي تشكله الغواصات النووية الـ 14 التي تنشرها بكين في النقاط الاستراتيجية الساخنة وطرق التجارة الرئيسية في المحيطين الهندي والهادئ. لكن في المقابل، هناك أسئلة عدة تلقي بظلالها على الاتفاق، من ضمنها الشكوك المتعلقة بمدى استعداد الحلفاء الأميركيين لقبول العواقب التجارية والاستراتيجية المترتبة على استعداء الصين التي ترى في الاتفاقية الجديدة تهديداً واضحاً لها.

المزيد من تقارير