Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ظل سلاح الغواصات منيعا ومتطورا طوال العصور؟

آلات حرب غير مرئية تنهي الحضارة البشرية في 30 دقيقة

تعد الغواصات التي تحمل صواريخ ذات رؤوس نووية أكثر الأسلحة فتكا على الإطلاق (أ ب)

منذ إطلاق أول غواصة عسكرية قبل أكثر من قرنين، ظل سلاح الغواصات حاسماً وأساسياً في المعارك الحربية، ومع التطور العلمي والتكنولوجي ازدادت أهمية هذا السلاح لدرجة أن الدول الكبرى تراهن عليه كثيراً في معارك المستقبل وهو ما يكشفه الاتفاق الأخير للولايات المتحدة وبريطانيا لتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية تحسباً لأي مواجهة محتملة مع الصين ولردع بكين عن أي مغامرات عسكرية مستقبلاً، فما الذي يميّز هذا السلاح عن غيره من الأسلحة الفتاكة الأخرى؟ ولماذا تسعى الدول دائماً إلى تدشين المزيد من الغواصات المتطورة؟

الأكثر فتكاً

على الرغم من أنها لم تُستخدم أبداً خلال حرب فعلية، إلا أن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتحمل صواريخ ذات رؤوس نووية هي أكثر الأسلحة فتكاً التي ابتكرتها البشرية على الإطلاق، إذ يمكن لغواصة واحدة مثل الغواصة أوهايو الأميركية على سبيل المثال، أن تحول 288 مدينة إلى رماد مُشع في أقل من 30 دقيقة. ولهذا يمكن للغواصات وما تحمله من أسلحة دمار أن تنهي الحضارة الإنسانية في وقت أقل مما يتطلبه الأمر لطلب بيتزا إذا اندلعت حرب عالمية ثالثة الآن أو مستقبلاً.

وخلال اليومين الماضيين سلّط قرار الولايات المتحدة وبريطانيا التعاون في مساعدة أستراليا على تسليم أول أسطول غواصات تعمل بالطاقة النووية لكنها لا تحمل أسلحة نووية، الضوء على مدى إصرار أميركا وحلفائها مواجهة الوجود البحري المتنامي للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن لماذا التركيز على سلاح الغواصات مقارنة بغيره من الأسلحة الأخرى؟

مزيد من الغواصات

تكشف الصفقة الأخيرة أهمية عدد الغواصات وكفاءتها في حروب المستقبل، ليس فقط من حيث كونها سلاحاً فعالاً لردع الخصوم، وإنما أيضاً للقدرات التكنولوجية التي تحملها غواصات الهجوم العاملة بمحركات نووية والتي تمنحها سرعة أكبر وقدرة أوسع على المناورة والتخفي من الرصد ومدى عملياتي أبعد وقدرة على البقاء تحت الماء لأكثر من ثلاثة أشهر متواصلة وصيانة أقل.

ولهذا فإن زيادة عدد هذه الغواصات المتطورة يعني قدرة وكفاءة قتالية أعلى مقارنةً بالغواصات التي تعمل بمحركات الديزل التقليدية، ويمتلك الأسطول الأميركي 68 غواصة تعمل بالطاقة النووية بالكامل من بينها 19 من أحدث غواصات الهجوم السريع من فئة فرجينيا. وتشغّل فرنسا 10 غواصات نووية والمملكة المتحدة 6 غواصات تعمل بالطاقة النووية وفقاً لتقرير نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية.

أكبر أسطول غواصات

وفي آسيا دشنت البحرية اليابانية غواصتها غير النووية رقم 21 هذا العام، بينما تشغل كوريا الجنوبية 18 غواصة تعمل بالديزل، أما روسيا التي كانت من أوائل القوى التي شغّلت غواصات نووية خلال عهد الاتحاد السوفياتي، فتمتلك 58 غواصة، من بينها 37 ذات دفع نووي.

ومن المثير للدهشة أن كوريا الشمالية، التي تستعدي الولايات المتحدة، تمتلك أكبر أسطول غواصات في العالم من حيث الأعداد إذ تستحوذ على 72 غواصة قديمة تعمل بالديزل، لكنها لا تزال غواصات منيعة.

خطر الصين

ومع ذلك، لا تزال البحرية التابعة لـ"جيش التحرير الشعبى الصيني"، محور القلق العسكري الأميركي خلال هذه الفترة ولعقود أخرى قادمة، فوفقاً لتقرير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عام 2020، يشتمل أسطول الصين المكوَّن من 60 غواصة على ما لا يقل عن 10 غواصات تعمل بالطاقة النووية، وتعتقد وزارة الدفاع الأميركية أن الصين ستشغّل أسطولاً يصل إلى 70 غواصة خلال هذا العقد من التحديث السريع الذي شهد تدشين بكين 12 غواصة خلال السنوات الـ 15 الماضية.
ويشكل اعتراف الولايات المتحدة بالتطور الصيني في سلاح الغواصات من حيث العدد والكفاءة مؤشراً على عودة أجواء الحرب الباردة والاستعداد لردع القوة الصينية عبر شبكة من التحالفات التي تكثف المواجهة بأسلحة أكثر عدداً وأكثر فتكاً، وهو أسلوب لطالما اتبعته خلال عقود الحرب الباردة، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبخاصة خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، دشنت البحرية الأميركية أسطولاً من الغواصات المسلحة بالصواريخ النووية، مهمتها الأولى هي ردع أي هجوم على الولايات المتحدة، وإذا فشل الردع، فستخوض حرباً نووية، وتكون تلك بداية النهاية.

التربص والاستعداد

وتُعد مهمة غواصات الصواريخ الباليستية الأميركية، التربص بصمت في أعماق المحيط، والاستعداد لشن حرب دمار نووي على أي هدف في أي مكان وفي أي وقت بناءً على أوامر من الرئيس، وما يشكل خطورتها أن كل غواصة تحمل كحد أدنى ما يعادل 600 قنبلة من حجم قنبلة هيروشيما التي أُسقطت على اليابان في عام 1945 وقتلت 100 ألف شخص في لحظة واحدة. ولذلك إذا أطلقت الغواصات العاملة الآن تلك الرؤوس الحربية النووية، فسيكون ذلك حدثاً مدمراً يتجاوز التاريخ.
وعلى الرغم من أن سعر كل غواصة يزيد عن 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى تكاليف البحث والتطوير التي تضاعف هذا السعر إلى 100 مليار دولار، وفق مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي، إلا أن قادة البنتاغون يرون أن التكلفة تمثل واحداً في المئة فقط من ميزانية الدفاع الإجمالية، وأن الفائدة لا تُحصى إذ تُقاس باستخدامها كل يوم لمنع اندلاع حرب بين القوى الكبرى كسلاح ردع فعال.

آلة حرب رائعة

وتكتسب الغواصات التي تحمل صواريخ باليستية في أنها "آلة حرب رائعة"، فعلى الرغم من أن طولها يصل إلى 560 قدماً، إلا أنها غير مرئية تقريباً لعيون العدو عندما تنسل بصمت عميق تحت الأمواج، ما يجعلها المحطة الأكثر قابلية للنجاة من "الثالوث النووي" المكوّن من الغواصات والقاذفات والصواريخ الأرضية، وإذا حاول العدو توجيه ضربة ضخمة، بغض النظر عن حجمها، فإن الغواصة الموجودة في البحر ستنجو وستكون في وضع يمكّنها من الرد، بخاصة وأن الغواصات النووية الأميركية على سبيل المثال تحمل قرابة 70 في المئة من الترسانة النووية الأميركية قيد التشغيل بعد تنفيذ اتفاقيات خفض الأسلحة النووية مع روسيا.

غواصات "أوهايو" و"كولومبيا"

ووفقاً لتقديرات خبراء عسكريين نشرها موقع "ناشيونال إنترست"، فإن من بين أكثر الغواصات المسلحة نووياً قدرةً سواء كانت في الخدمة أو ستدخل الخدمة قريباً، تأتي الغواصة الأميركية فئة "أوهايو" على رأس الغواصات الأكثر تدميراً حيث يمكن لها أن تحمل 24 صاروخاً من طراز "ترايدنت 2 دي أم"، يستطيع كل منها إطلاق 12 رأساً نووياً حرارياً مع دقة تقل فيها نسبة الخطأ عن 90 متراً. وتُستخدم الغواصة فئة أوهايو كأسلحة تستخدم في توجيه الضربة الأولى، ولدى الولايات المتحدة 14 غواصة من هذه الفئة تنشر تسع منها في المحيط الهادئ وخمس في المحيط الأطلسي وفق تقرير مراجعة الوضع النووي الأخير.

ولأن الغواصة من فئة أوهايو تُعد تصميماً قديماً على الرغم من قدراتها الهائلة، إلا أنها ستصل إلى نهاية عمرها التشغيلي البالغ 42 عاماً خلال سنوات لتحل محلها الغواصة "كولومبيا" التي تبدأ البحرية الأميركية بتشييدها هذا العام 2021، ويُنتظر أن تدخل الخدمة في عام 2031، وهي أكبر قليلاً من الغواصة أوهايو لكنها ستحمل 16 صاروخاً من طراز "ترايدنت 2 دي 5" الأكثر تطوراً. وستُعد هذه الغواصة الأكثر تطوراً في العالم حيث ستعتمد على أنظمة أحدث من فئة الغواصات الهجومية فيرجينيا وتستفيد من أنظمة الغواصات الأصغر حجماً.

غواصات "بوري"

في مقابل الغواصات النووية الأميركية الأشد فتكاً، فإن روسيا التي تُعد وريث الاتحاد السوفياتي خصم الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، حافظت على التكافؤ مع القوة الأميركية في مجال الأسلحة النووية والغواصات بشكل خاص، على الرغم من انخفاض قوة روسيا العسكرية بشدة في مجالات أخرى، وبالتالي لم يكن مفاجئاً أن تبني روسيا أسطولاً من الغواصات الباليستية الجديدة ذات القدرات العالية من طراز "بوري 966 إيه"، التي تزيد في الحجم عن أوهايو و كولومبيا، ولكنها ليست بقدرة الغواصات الأميركية نفسها، ومع ذلك، فإن غواصات "بوري" هي أهدأ غواصات الصواريخ الباليستية الروسية التي تم بناؤها حتى الآن حيث تعمل بتقنية الدفع بالمضخات النفاثة. وتحمل كل غواصة من هذه الفئة 16 صاروخاً باليستياً من طراز "بولافا" يُطلق كل منها 10 رؤوس حربية نووية يصل مداها إلى 8000 كيلومتر، وتبلغ دقة الرؤوس النووية هامش خطأ يقل عن 300 متر، كما أنها مصممة للتهرب من الدفاعات الصاروخية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غواصات "دلتا 4" و"ياسن"

أما غواصات "دلتا 4"، وهي العمود الفقري الحالي لأسطول غواصات الصواريخ الباليستية، فتحمل كل منها 16 صاروخاً باليستياً من طراز "سينيفا" يعمل بالوقود السائل ويمكن لكل منها حمل ما بين أربعة إلى ثمانية رؤوس نووية، وتتميز غواصات "دلتا 4" بقدرتها على إطلاق صواريخها الباليستية من عمق 55 متراً أثناء الإبحار بسرعة تصل إلى سبع عقد.

غير أن الغواصة "ياسن" يُنظر إليها في البحرية الأميركية على أنها أخطر ما أنتجته روسيا بالنظر إلى أنها تتميز بالسرعة والهدوء الشديد وتحمل 32 صاروخاً نووياً أو تقليدياً من طراز "كاليبر" الذي يصل مداه إلى 2500 كيلومتراً، ولديها أجهزة استشعار قوية للغاية حسب مكتب الاستخبارات البحرية الأميركية، ولهذا يمكن لهذه الفئة أن تطلق صواريخها باتجاه الساحل الشرقي للولايات المتحدة من مسافة 2000 كيلومتر، وحيث أنها تتمتع بقدرة جيدة على التخفي فقد تقترب مسافة 1000 كيلومتر بما يُمكنها من استهداف مدناً مثل شيكاغو أو سانت لويس قرب البحيرات العظمى في قلب الأراضي الأميركية.

أول غواصة

لكن خطورة سلاح الغواصات لم تكن فقط مع الغواصات النووية، بل ظلت منذ ظهورها عاملاً حاسماً وخطيراً لكسب الحروب، ويعود تاريخ اختراع الغواصات واستخدامها لأغراض حربية إلى قرون عدة، ففي وقت مبكر من الحرب الأنجلو - هولندية في منتصف القرن 17، ولِدت الأفكار الأولى لاستخدام الغواصات في الحروب حيث استخدم الهولنديون قارباً شبه مغمور لإحداث ثقب في جانب سفينة حربية معادية حسب موقع التاريخ العسكري. كما قدمت حرب الاستقلال الأميركية تجربة أخرى عبر ضخ المياه داخل وخارج قارب لتغيير ثقله، وبالتالي تمكين القارب الذي أطلق عليه اسم "سلحفاة" من الغوص والارتفاع. وأصبحت "سلحفاة" أول غواصة تهاجم سفينة بميناء نيويورك في عام 1776. وفي عام 1800، استخدم القائد الفرنسي نابليون بونابرت، غواصة اخترعها أميركي يدعى روبرت فولتون، حققت عدداً من تجارب الغطس الناجحة، حيث وصلت الغواصة التي أُطلق عليها اسم "نوتيلوس" إلى عمق 25 قدماً ووصلت إلى سرعة أربع عقد تحت الماء، وشنت عدداً من الهجمات على سفن البحرية الملكية البريطانية، لكن السفن المعادية تمكنت دائماً من رؤية "نوتيلوس" قادمة وتجنبتها بسهولة.

لم تتطور حرب الغواصات على مدى 50 عاماً ولم تقدم الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865) سوى بعض التحسينات، غير أن ولادة الغواصة الحديثة تعود إلى جون فيليب هولاند في أواخر القرن التاسع عشر الذي أصبح أول مصمم يوحد بنجاح ثلاث قطع تقنية جديدة هي المحرك الكهربائي والبطارية ومحرك الاحتراق الداخلي لإنشاء أول غواصة بالمفهوم الحديث. وعلى الرغم من أن البحرية الملكية لم تشجع تطوير الغواصات والتي اعتُبر استخدمها من قبيل الحرب المخادعة غير العادلة، إلا أن الغواصة اكتسبت لقب البطولة حين تمكنت من إغراق أربع سفن حربية في تدريبات للدفاع عن ميناء "بورتسموث"، وكان هذا هو الحدث الذي تغيرت معه الحرب البحرية إلى الأبد.

تطور مع الحروب

خلال الحربين العالميتين، تطورت كثيراً التقنيات المستخدمة للغواصات وبخاصة خلال الحرب العالمية الثانية، حين بدأت ألمانيا النازية باستهداف السفن التجارية وتمكنت من إغراق أكثر من 3000 سفينة للحلفاء، وهو ما دفع الأميركيين والبريطانيين إلى تحسين أدوات استكشاف الغواصات كالسونار والأسلحة المضادة لها، ما أدى إلى إغراق 520 غواصة ألمانية.

وحتى بعدما سيطرت الحرب الباردة وسباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على التطورات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ظل الواقع السياسي المتغيّر يعني دوراً مختلفاً للغواصة وتطوير معداتها بشكل متزايد. وفي ذروة الحرب الباردة وبدء العصر النووي، تحولت الغواصات إلى سلاح ردع لا مثيل له نظراً لاختلافها عن الأسلحة النووية السطحية أو عبر القاذفات بعيدة المدى، بقدرتها الدائمة على الحركة في البحار والمحيطات بشكل خفي والقدرة على إصابة أي هدف في أي وقت.

المزيد من تقارير