Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كردستان العراق ساحة صراع بين أنقرة وطهران مع اقتراب الانسحاب الأميركي

ملف المعارضين الأكراد "ذريعة" الدولتين الجارتين للهرب من أزماتهما الداخلية

اشتدت أخيراً وتيرة عمليات القصف الإيرانية ضد مواقع يُقال إنها "معادية" يستخدمها معارضون أكراد (أ ف ب)

واصلت تركيا وإيران تصعيدهما العسكري ضد المسلحين الأكراد داخل الأراضي العراقية من جهة إقليم كردستان العراق، في استمرار للصراع بينهما على توسيع رقعة النفوذ من جهة، وتوافقهما على الدوافع والمبررات لضرب "عدو مشترك" متمثل بالقوى الكردية المعارضة للدولتين من جهة أخرى، بينما ينقسم الموقف داخل البيت الكردي حول مسببات التصعيد ودوافعه.
واشتدت وتيرة عمليات القصف الإيرانية خلال الأسابيع القليلة الماضية ضد مواقع تقول إنها "معادية" يستخدمها المعارضون الأكراد لشن هجمات ضد أهداف إيرانية إنطلاقاً من مناطق جبلية في إقليم كردستان، لتنضم إلى عمليات تصعيد مماثلة تشنها أنقرة منذ أشهر ضد أهداف لحزب العمال الكردستاني الـ"بككه" (PKK).
وسبقت هذه التطورات تحذيرات شديدة اللهجة أطلقها قادة عسكريون إيرانيون، من شن ضربات قد تطال مواقع "للجماعات الإرهابية المعادية لإيران" داخل مدن إقليم كردستان، "نتيجة غض نظر سلطات الإقليم عن نشاطها وضعف الحكومة العراقية جراء الوجود الأميركي العسكري الذي يحرض هذه الجماعات بالتعاون مع الكيان الصهيوني".
في المقابل، اتهم حزب العمال الكردستاني المخابرات التركية باغتيال أحد عناصره بمدينة السليمانية في 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، وذلك بعد اغتيال القيادي الإيراني في الحزب "الديمقراطي الكردي" موسى بابه بمدينة أربيل في 7 اغسطس (آب) الماضي، واتهم حزب العمال إيران بالوقوف وراء العملية.

دوافع التصعيد

وقال ممثل الحزب "الديمقراطي الكردستاني" المعارض لإيران في أربيل حمه صالح، إن "هناك دوافع عدة لهذا التصعيد، منها محاولة لملء الفراغ السياسي والأمني الذي يتوقع أن يخلفه الانسحاب الأميركي من العراق بنهاية العام، تزامناً مع المتغيرات الحاصلة في المنطقة، فضلاً عن أن النظام الإيراني إضافة إلى علاقته المتأزمة بدول الغرب في ملفات عدة، فإنه يعاني داخلياً أزمات شتى ويسعى للهرب إلى الأمام، لذا نجده متناقضاً مع نفسه، إذ حتى بالأمس كان ينكر وجود القوى الكردية الثورة، لكنه اليوم يستخدم قوة عسكرية ضخمة ووسع قنواته الدبلوماسية بغية قمع هذه القوى التي يصفها بالخطرة على أمنه القومي، في حين أن للقوى الكردية المعارضة لإيران) أهدافاً سياسية حصراً، ومعظمها علق نشاطه المسلح منذ سنوات، باستثناء حالات الدفاع عن النفس عندما كانت تتعرض لهجوم".
واتهم صالح إيران "باغتيال نحو 400 من ناشطي الحركة الكردية الإيرانية، واليوم تحاول بذرائع واهية توسيع نفوذها وإرباك الوضع العراقي عبر إضعاف التجربة الكردية في العراق، وإضعاف بغداد التي تشهد استقراراً ملحوظاً في علاقاتها الدولية وتستعد اليوم لإجراء انتخابات نيابية مبكرة"، مشيراً إلى أنه "بالامكان تقديم قراءة مشابهة للمسعى التركي أيضاً، فعلى الرغم من توافق الدولتين على كبح الكرد لكنهما تتصارعان لتأمين مصالحهما في العراق".
وكان مجلس التعاون الإيراني - التركي عقد لقاء عبر دائرة فيديو في سبتمبر (أيلول) 2020، على مستوى رئيسي الدولتين، تخمض عنه الاتفاق على استخدام العمليات العسكرية والأمنية المشتركة ضد المجموعات الإرهابية وتنفيذ ضربات مشتركة، لكن توتراً دبلوماسياً نشب بين الجانبين في أواخر فبراير (شباط) الماضي في أعقاب تصريحات للسفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، أكد فيها رفض بلاده "التدخل العسكري التركي في العراق"، داعياً إياها إلى "الانسحاب الفوري"، فيما رد نظيره التركي عبر منصة "تويتر" قائلاً، "سيكون سفير إيران آخر من يلقي محاضرة على تركيا حول احترام حدود العراق".

التنصل من الحوار

من جهته، حمل عضو لجنة البيشمركة في برلمان إقليم كردستان سعيد مصطفى تترخان حزب العمال الكردستاني مسؤولية التصعيد المتكرر قائلاً إن "هذا الحزب يمتد نشاطه ليصل إلى دعم مقاتلي بجاك (حزب الحياة الحرة الكردي - الإيراني)، لذا نعتقد أن هذا الحزب هو صنيعة أعداء الكرد نظراً لتصرفاته وسياساته التي أوصلتنا إلى المرحلة الخطرة التي يشهدها إقليم كردستان اليوم".
وإزاء الدوافع وراء التوقيت المتزامن في التصعيد من قبل الدولتين الجارتين، قال تترخان "لا أعتقد أن هناك أسباباً أو دوافع محددة بشأن التوقيت طالما الأعذار قائمة وهي ضرب حزب العمال. الدولتان بالعادة تشنان الهجمات في أي وقت تريدانه على الرغم من أن الخطر يقع على الإقليم وشعبه، لكن الأمر يتعلق بخرق سيادة العراق، وعلى الحكومة العراقية أن تتخذ موقفاً فعلياً".

وأكد تترخان، وهو نائب عن كتلة حزب مسعود بارزاني "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، على "أهمية الجلوس مع القوى الكردية الإيرانية والتركية لحثها على وقف النشاط المسلح انطلاقاً من الإقليم، وربما يلتزم حزبا كومله والديمقراطي الكردستاني (الإيرانيين)، إلا أن حزب العمال معروف أنه لا يعمل أي حساب لأحد، وأصبح عقدة يصعب حلها"، محذراً من أن "وصول الأمر إلى مستوى تنفيذ عمليات اغتيال في مدن الإقليم يعد خطراً للغاية، ونشدد على أنه ليس بالضرورة أن تقف ورائه المخابرات التركية، بل لا نستبعد أن يكون لجماعة ما مصلحة في ذلك".
وتبادل الحزبان "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني و"العمال الكردستاني" الذي يقضي مؤسسه عبدالله أوجلان حكماً مؤبداً بالسجن في جزيرة إمرالي التركية، الاتهامات في مقتل واختفاء عناصر من الجانبين، فحمل حزب بارزاني مسلحي الـ"بككه" بالتسبب في مقتل عنصرين من "البيشمركة" في منطقة حدودية بمحافظة دهوك بواسطة عبوة ناسفة مزروعة، بينما اتهم الأخير حزب بارزاني بقتل سبعة من عناصره في كمين شمال شرقي إربيل.
ولم يستبعد تترخان "وجود تنافس أو حتى تناغم في الأدوار بين أنقرة وطهران على توسيع رقعة النفوذ في المنطقة"، لكنه تسائل "هل من الجائز نحن الكرد بشكل عام أن نهيئ الأرضية ونعطي الأعذار للآخر كي يتسلط علينا، اليوم لا سبيل للحل سوى اتباع الطرق الدبلوماسية بين كل الأطراف المعنية، فالحرب لم تكن دوماً طريقاً للحلول، وعلى حزب العمال أن يراعي حساسية الوضع القائم".

أطماع توسعية

واختلف الكاتب السياسي الكردي شيرزاد إيزيدي مع تترخان في تحميل "حزب العمال" المسؤولية، إذ رأى أن "ما يجري يندرج ضمن الأطماع التوسعية للدولتين في العراق خصوصاً في مناطقه الشمالية وإقليم كردستان، ويبدو أن إيران تحذو حذو تركيا التي كانت الأكثر توغلاً وممارسة للانتهاكات في هذه المناطق وعلى مدى سنوات وعقود، بحجج واهية تتعلق بوجود مقار للقوى الكردية المعارضة للدولتين من دون أن تحقق أي جدوى نتيجة صعوبة تضاريس المنطقة".
ويتخذ مسلحو الحزب الذين يُعرفون محلياً بـ"البككه" ويسعون إلى نيل الاستقلال عن تركيا منذ العام 1984، مواقع لهم في سلسلة جبال قنديل الواقعة ضمن الحدود التركية - العراقية، وتمتد من الأطراف الجنوبية الشرقية من تركيا إلى الحدود مع إيران.
وتتباين المعلومات في شأن عدد القواعد التركية في إقليم كردستان والتي تتراوح ما بين 27 و35 بين قاعدة وثكنة، بينما يقر الجيش التركي بامتلاكه 11 قاعدة عسكرية، من بينهما قاعدة في ناحية بعشيقة شمال شرقي الموصل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لخبراء عسكريين فإن عمق الوجود التركي متباين أيضاً بحسب طبيعة المنطقة، وقد يتجاوز 40 كيلومتراً، بينما يقتصر الدور الإيراني على شن عمليات القصف والتوغل لمسافات محدودة.
تقاسم الأدوار
وفي ما يتعلق بالموقف من الأحزاب الكردية - الإيرانية، قال إيزيدي إنها "توجد ضمن تفاهمات مع حكومة إقليم كردستان، ولها مقر في منطقتي كويسنجق (جنوب شرقي إربيل)، وزركويز قرب السليمانية، ولديها مقار وأسلحة لكنها لا تشن أي عمليات عبر الحدود أو في عمق الأراضي الإيرانية إنطلاقاً من أراضي الإقليم"، موضحاً أن "الأمر يتعلق بسياق مسعى إلى التمدد وبسط السيطرة وتوسيع النفوذ في العراق، وربما هناك أيضاً تقسيم للأدوار بين طهران وأنقرة في الملف العراقي، وكلتاهما تتبعان في تنافسهما سياسة إدارة أزمة، وليس بالضرورة أن يكون صراعاً.

ويحاول كل طرف السيطرة على مناطق نفوذه من خلال استغلال الاعتبارات المذهبية، لكن النزعة في النهاية في جوهرها قومية ضمن سياسة توسعية عنصرية".
ويتفق إيزيدي مع رؤية صالح حول ربط التطورات "مع بدء العد العكسي للانتخبات العراقية، إذ تحاول الدولتان خلط الأوراق وتوجيه رسائل بأنهما قوتان قادرتان على التدخل في العراق تحت شتى الذرائع، وتوجيه ضربات من دون حسيب أو رقيب، والإيحاء بأن طهران هي اللاعب الأول ولها اليد الطولى من شمال العراق إلى جنوبه"؟ وزاد أن "الدولتين تحاولان الهرب من أزماتهما الداخلية، فجائحة كرونا تعصف بإيران إلى جانب أزمتها الاقتصادية والتظاهرات مع وضع اجتماعي متهالك، وكذلك تركيا في كل مرة تلجأ وللدوافع نفسها إلى اللعب على ورقة البعبع الكردي، وبذلك يضربون عصفورين بحجر، استهداف التجربة الكردية في العراق، وكذلك ضرب الحركتين الكرديتين المعارضتين للدولتين".
وأجرى رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في الخامس من أغسطس (آب) الماضي في طهران محادثات مع الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، الذي أكد على أن "أمن المنطقة واستقرارها يجب أن تضمنه دول المنطقة نفسها"، متهماً من سماها بـ"الدول الاستكبارية بخلق الأزمات من خلال إثارة الفتن".

وأعقبت تلك الزيارة أخرى مماثلة أجراها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران، حيث دعاه رئيس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى "تجريد التنظيمات الإرهابية من السلاح ودحرها من إقليم شمالي العراق".
وإزاء موقفي حكومتي إربيل وبغداد الذي يوصف بــ"الضعيف"، أكد إيزيدي على أن "حكومة الإقليم محكومة بالواقع الجيوسياسي الخانق على الرغم من أن تجربة كردستان أحرزت نجاحات مشهود لها، والمسؤولية الأكبر تقع على بغداد لاعتبارات سيادية، وموقف الأخيرة ضعيف لا يخرج عن إدانات لفظية ومواقف دبلوماسية خجولة". واستدرك، "لكن بغداد أيضاً في وضع لا تحسد عليه، فهي الحلقة الأضعف بين دول الجوار، واستهداف الكرد هو استهداف للعراق عموماً، لكونه طور نموذجاً متقدماً في حل القضية الكردية، وهنا ربما تحاول هاتان الدولتان الإيقاع في ما بين الكرد العراقيين من جهة، والكرد الإيرانيين والأتراك من جهة أخرى".

المزيد من الشرق الأوسط