Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تساؤلات عن مستقبل الأكراد الإيرانيين المنسيين العالقين في العراق

حصري: يواجه طالبو اللجوء الأكراد الإيرانيون في العراق الفقر وسوء المعاملة والتهديد المستمر بالترحيل، كما تكشف ليزي بورتور و وينثروب رودجرز في التقرير التالي الذي جرى إعداده في إقليم كردستان العراق

لاجئون أكراد إيرانيون في مخيم باهريكا على بعد حوالى 10 كيلومترات غرب إربيل في كردستان العراق (أ ف ب/غيتي)

 

جلس أكو، 25 عاماً، في مايو (أيار) في غرفة بالمستشفى بجوار صديقه بهزاد محمودي الذي كانت الضمادات تغطيه من رأسه إلى أخمص قدميه.

وبهزاد هو طالب لجوء كردي إيراني أضرم النار بنفسه أمام المقر الرئيس للأمم المتحدة في إربيل، عاصمة إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق، وهو أقدم على إحراق نفسه احتجاجاً على ظروفه المعيشية الخانقة وضد ما اعتبره إهمالاً له من جانب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وكشف أكو، وهذا اسم مستعار لطالب لجوء كردي إيراني كان يتحدث في أربيل الأسبوع الماضي، عن أن "بهزاد كان يبكي". وأضاف، "قال لم أرغب بإنهاء حياتي هكذا حقاً. أردت أن أعيش. لكن هذا هو ما حدث".

وتوفي بهزاد بعد أيام قليلة. ولم يطل الوقت بأكو نفسه حتى قام بخياطة فمه طيلة أربعة أيام، وذلك في احتجاج آخر على الظروف التي يعاني منها الأكراد الإيرانيون في إقليم كردستان. لا يستطيع أكو العثور على عمل يتقاضى عنه ما يكفي من المال لدفع أجور السكن، لكنه يبقى أيضاً عاجزاً عن العودة إلى إيران لأنه شارك في تظاهرات مناهضة لحكومة طهران.

ويضيف أكو، "أردت فقط أن أغادر كردستان العراق. لا يهمني إلى أي وجهة أذهب، أنا فقط أريد أن أبتعد عن هذه الحياة المحفوفة بالمخاطر".

في هذا السياق، يلفت العمل المروع الذي قام به بهزاد إلى جانب اليأس الذي يشعر به أكو بشكل مستمر، الانتباه إلى التهميش الذي طال أمده بالنسبة للأكراد الإيرانيين في إقليم كردستان العراق، وإذ يتعرض الأكراد الإيرانيون للتجاهل من قبل مضيفيهم ومن جانب المجتمع الدولي، فيما تجري عمليات نزوح أخرى في العراق وسوريا على امتداد السنوات الـ 10 الماضية، فإنهم يجدون أنفسهم غير بعيدين من ذراع طهران الطويلة على الاطلاق.

وأزاحت صحيفة "اندبندنت" الستار عن حال الضياع التي يعيشها أشخاص هاربون من ايران في إقليم كردستان العراق، وذلك في سلسلة من المقابلات التي أُجريت مع حوالي 20 كرديا إيرانياً من طالبي اللجوء والمهاجرين، والأكراد الإيرانيين من مسؤولي أحزاب المعارضة والناشطين في مجال حقوق الانسان وممثلين لوكالات أصحاب المصلحة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأفاد هؤلاء بأن اللاجئين يعيشون على الفتات حياة هشة في إقليم كردستان حيث يواجهون الفقر وإساءة المعاملة والتهديد بالترحيل على الدوام.

يعيش في إيران ما يُقدر بربع الاكراد الموجودين في الشرق الأوسط والذين يبلغ عددهم الإجمالي حوالي 40 مليون كردي. وتقيم غالبية الـ 10 ملايين كردي إيراني في المناطق الجبلية في المحافظات الغربية بالبلاد والمعروفة بين الأكراد باسم "روجيلات" .

تم تسجيل 10 آلاف شخص من الاكراد الذين هربوا من الأخطار السياسية والأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في إيران، كلاجئين في إقليم كردستان، بحسب ما تفيد إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وهناك مزيد من الأكراد الإيرانيين الذين تُركوا من دون أي وضع قانوني، ويعيشون في مخيمات للاجئين أو في مدينتي أربيل والسليمانية الرئيستين، حيث يتمتعون بحقوق قليلة، ويواجهون صعوبة في العثور على وظائف ثابتة وأماكن سكن دائمة. وأصبح العديد منهم أشخاصاً بلا جنسية، ذلك أن الأمل ضئيل في حصولهم على الجنسية العراقية أو بأن يُعاد توطينهم في بلد ثالث. وهم يخشون على الدوام مغادرة بيوتهم مخافة التعرض للاعتقال أو المضايقة من قبل قوات الأمن المحلية.

ويصل مزيد من اللاجئين الأكراد إلى العراق باستمرار على الرغم من هذه التحديات .

ويشير آزاد، 28 عاماً، وهو يجلس على الأرض في بيت أخيه الكائن في حي فقير في أربيل ، إلى أن "الناس في إيران يعانون الجوع وليس لديهم لا وظائف ولا مال". وقد عبر إلى إقليم كردستان قادما من إيران بشكل غير قانوني في أبريل (نيسان) عام 2020 . ويضيف " كنت أعتقد أن الوضع سيصبح أفضل في إيران، بيد أنه لم يتحسن، ولذا لم يكن لدي خيار آخر سوى المجيء إلى هنا".

يسألنا أطفالنا الآن عن مستقبلهم قائلين: "كم من السنوات علينا أن نقضيها في انتظار التغيير؟ وماذا عن مستقبلنا؟".

حسين كريمي، وهو كردي إيراني فرّ من إيران في أعقاب ثورة العام 1979

وحين يستطيع آزاد، وهذا اسمه المستعار، العثور على عمل فإنه يتقاضى حالياً ما يتراوح بين 15 و22 ألف دينار عراقي ( 7.40- 9.90 جنيه استرليني أو 10.08 – 13.48 دولار) لقاء كل 12 ساعة من العمل اليدوي. ويذكر أن هذا الأجر ليس أفضل بكثير مما يمكن أن يحصل عليه في إيران، غير أنه يتشبث بالأمل في بناء حياة أفضل لابنته التي تبلغ من العمر خمس سنوات. ويوضح، "أريد حقاً أن أصنع لها مستقبلاً آخر، بحيث لا تبقى في إيران وتواجه نفس المصير الذي واجهته".

وبينما لم يأت آزاد إلى إقليم كردستان إلا قبل وقت قصير، فإن حسين كرمي، 52 عاماً، هرب من إيران بعد عام من ثورة 1979. ظل في العراق منذ ذلك الوقت. ولا يُعتبر وضعه غير عادي، إذ أمضى العديد من الأكراد الإيرانيين عقوداً من الزمن كنازحين بعيداً من وطنهم.

لا يتمتع كردستان (العراق) بصلاحيات الدولة، ولذا فلا يستطيع هذا الإقليم منح الجنسية، وعليه يُعول الأكراد الإيرانيون على تصاريح الإقامة التي ينبغي تجديدها كل ستة أشهر أو سنة من طريق إجراءات بيروقراطية طويلة، ولا تجيز الإقامات السفر خارج الإقليم شبه المستقل، كما أنها لا تمكن حاملها من عبور نقاط التفتيش في الإقليم من دون عوائق، ولا يمكن للحاصلين على هذه الإقامات أن يسجلوا شركات أو سيارات أو أرقام هواتف جوالة بأسمائهم الخاصة.

ويوضح كريمي الذي كان يتحدث من بيته في مخيم باريكا للاجئين في ضواحي السليمانية أن "أطفالنا يسألوننا الآن عن مستقبلهم قائلين كم من السنوات علينا أن نقضيها في انتظار التغيير؟ وماذا عن مستقبلنا؟‘". ويضيف ،"إنه أمر مخيف جداً. لماذا وُلدوا في وضع كهذا؟"

يتحكم اليأس الناجم عن متاعبهم المالية ببعض هؤلاء اللاجئين، لكنهم يواجهون أخطاراً أخرى أيضاً، إذ يشتبه في مسؤولية المليشيات التي تدعمها إيران عن عشرات عمليات خطف ناشطين أو اغتيالهم في محافظات جنوب العراق، وإضاقة إلى ذلك يتعرض منتقدو طهران لتهديدات حقيقية شتى في إقليم كردستان.

وقد قُتل العديد من الناشطين السياسيين في ظروف مريبة خلال العام الماضي وحده، وتم العثور هذا الشهر على موسى باباخاني، وهو مسؤول كبير في حزب سياسي كردي إيراني معارض لحكومة طهران، ميتاً في أحد فنادق أربيل. وتحدث أحد زملاء باباخاني السابقين لصحيفة "اندبندنت"، طالباً عدم ذكر اسمه، فأوضح أن "موسى كان نشطاً للغاية وفي اتصال مع المجتمع المدني في كرمنشاه بإيران، وهي المنطقة الأكثر حساسية بالنسبة للنظام".

وفي حادثة منفصلة لقي عضو حزب كردي إيراني معارض آخر مصرعه جرّاء إطلاق النار عليه خارج مدينة السليمانية قبل بضع أسابيع، وتصف طهران مجموعات المعارضة الإيرانية التي تتخذ من إقليم كردستان مقراً لها بـ "المنظمات الإرهابية"، ويُذكر أن لهذه المجموعات أجنحة مسلحة تضم مقاتلين ينشطون أحياناً في الأراضي الإيرانية.

نحن هنا في خطر. تمارس القوى الأمنية الإيرانية ضغوطاً علينا وتهددنا... كردستان ]العراق[ ليس مكاناً آمناً بالنسبة لنا 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محمد أميني، 38 عاماً، هرب من إيران عام 2007

ويعيش في إقليم كردستان أكراد إيرانيون آخرون لا علاقة لهم بأحزاب المعارضة، لكنهم مع ذلك يشعرون بنفوذ طهران في هذا الجزء من العراق. مثلاً، محمد أميني، 38 عاماً، وهو صحافي وناشط مدافع عن حقوق الإنسان أجبر على الفرار من إيران عام 2007 في أعقاب تلقيه تهديدات بالقتل من القوى الأمنية، واستقر به المطاف في السليمانية.

يقول محمد، "نحن هنا في خطر. تمارس القوى الأمنية الإيرانية ضغوطاً علينا، وتهددنا، وليس كردستان العراق مكاناً آمناً بالنسبة إلينا، وحين ننتقل إلى بلد ثالث سيكون في وسعنا عندها أن نعيش في مكان آمن".

لا يملك أميني جواز سفر إيرانياً، ولذا فإن بطاقة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي وثيقة التعريف الشخصية الرئيسة التي يحملها. وقد انتهت مدة صلاحية هذه البطاقة لأن المكتب المحلي للمفوضية قد علق عمليات تجديد البطاقات خلال جائحة "كوفيد-19"، وهو قد بدأ الآن ببطء في محاولة معالجة طلبات التجديد المتراكمة، غير أن تجديد تصريح الإقامة ليس مضموناً على الإطلاق بالنسبة لأميني ، شأنه في ذلك شأن الآخرين، ويعتمد التجديد غالباً على ما إذا كان يمكنه العثور على عمل مستقر في ظل اقتصاد متعثر.

ويقول أميني "إنه حقاً أمر مرهق. نحن نشعر بالإرهاق طوال الوقت، ولا يمكننا الذهاب إلى أي مكان. لا يمكننا أن نسجل أي شيء بأسمائنا ومستقبل أولادنا هنا غير واضح. إننا نخاف على مستقبلهم".

يعرب العديد من طالبي اللجوء الأكراد الإيرانيين عن شعورهم بأن الجميع قد تخلوا عنهم، ويعتبرون أن الحكومات والوكالات الدولية المعنية بوضعهم غير مهتمة وليست مستعدة للوفاء بمسؤولياتها، إما لأنها تخضع لضغوط من جانب طهران أو بسبب الجمود البيروقراطي.

من ناحيتها، تقول ريزان شيخ دلر، وهي نائب كردي عراقي في مقابلة أجريت معها في بغداد، "لا تهتم حكومة إقليم كردستان ولا الحكومة الفيدرالية العراقية" بالموضوع، ولقد تم منذ 2014 اقتراح عدد من مسودات المشاريع ذات العلاقة باللاجئين، بيد أن هذه المشاريع تعثرت قبل الوصول الى مرحلة التصويت في البرلمان.

وترى النائب شيخ دلر أن إيران تمارس ضغوطاً على أربيل، كما أن بغداد تشكل عقبة رئيسة. وتضيف، "حكومة إقليم كردستان كانت خائفة من إيران ولم يكن بوسعها أن تفعل شيئاً للاجئين لأنه كانت لهم انتماءات سياسية". وتتابع، "بعد عام 2003 بات للحكومة العراقية روابط سياسية مع إيران، أقوى من تلك التي تجمع بغداد بإقليم كردستان، ولهذا السبب لم نستطع وضع قانون لهم".

وللإشارة فلم تستجب أي من حكومة إقليم كردستان أو وزارة الهجرة والمهجرين في بغداد لطلبات وجهناها لهما بالتعليق على الموضوع.

وفيما تتجاهل الحكومات المحلية الأمر، يفيد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم على نطاق واسع، بأنهم يتلقون دعماً ضئيلاً من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويلفت آكو، وهو الرجل الذي عمد إلى خياطة شفتيه حتجاجاً على الوضع، إلى أن "المفوضية السامية تقول فقط ‘اهتم بنفسك، وكن حذراً". ويوضح أنه لم يحصل من هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة على أي مال أو طعام. الحاجة الوحيدة التي منحته إياه هو بعض العلاج الطبي.

يُشار إلى أن إقليم كردستان يستضيف أيضاً في الوقت الحالي حوالي مليون نازح ولاجئ من جنسيات مختلفة، فهناك عراقيون وسوريون وفلسطينيون وأتراك، طبقاً للإحصاءات الحكومية.   

ويقول متحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن القيود ذات العلاقة بالجائحة قد تسببت في "تأخيرات لا مناص منها" لتسجيل بطاقات الهوية وعمليات تجديدها، كما ترك الانكماش الاقتصادي العالمي أثراً في قدرة الدول المانحة على توفير التمويل في أنحاء العالم، بما في ذلك العراق.

ويضيف المتحدث أنه بعد حوادث الانتحارحرقاً في وقت سابق من هذا العام، "عززت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التابعة حوارها مع ممثلين للمجتمع حول جملة من القضايا الجوهرية، ولايزال باب المنظمة مفتوحاً لجميع اللاجئين وطالبي اللجوء في العراق".

هكذا تأمل زليخة محمدي، 44 عاماً، التي تعيش في إقليم كردستان منذ عام 2002، بالاستقرار في بلد ثالث، علماً أن كثيرين يشاطرونها هذا الأمل، لكن كان لهذا الحلم تداعيات مأساوية بالنسبة لعائلتها، فقد حاول زوجها مهدي موالي أن يسافر إلى أوروبا كمهاجر غير شرعي في عام 2018 إلا أنه اعتُقل على حدود تركيا مع اليونان وتم ترحيله إلى إيران حيث اعتُقل لتسعة أشهر بسبب انتمائه إلى حزب كردي معارض.

وتوفي موالي بجلطة دماغية بعد ستة أشهر من إطلاقه، ولم تتمكن زليخة من العودة لزيارة قبره.

تقول زليخة، "لن تكفي كل دفاترك لتوثيق مشكلاتنا حتى ولو استطعت ملأها كلها".

سيقوم آزاد، العامل المياوم، بإحضار زوجته وابنته إلى إقليم كردستان إذا استطاع أن يكسب ما يكفي من المال. غير أنه يشعر بالحنين إلى الوطن، ويقول "كنت سعيداً جداً لأنني تمكنت من الخروج من هناك والمجيء إلى هنا لكننا نشتاق إلى وطننا. أنا أشتاق الآن حقاً إلى إيران".

الترجمات (من الكردية والفارسية والعربية) لخوشغول سلطاني وكانياو أبو بكر ومترجم ثالث في أربيل غير معروف.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات