يحسم الناخبون في ولاية كاليفورنيا الأميركية، اليوم الثلاثاء، 14 سبتمبر (أيلول)، أحد أكثر أعمال الدراما السياسية إثارة للاهتمام في الولايات المتحدة، حيث يتحدد مصير حاكم أكبر ولاية أميركية من حيث عدد السكان حينما يقرر المقترعون ما إذا كانوا سيطيحون بحاكمهم الديمقراطي، غافين نيوسوم، ليحل محله جمهوري محافظ يدعم الرئيس السابق دونالد ترمب، أم سيبقون عليه في منصبه بعد أشهر من الصخب والضجيج، فما سبب هذه المعركة، ولماذا يرغب الجمهوريون في توجيه ضربة موجعة للديمقراطيين في أكبر معاقلهم الانتخابية؟
علامات الخطر
على مدى الأسابيع الأخيرة، بدا كبار قادة الحزب الديمقراطي منزعجين للغاية من فكرة عزل حاكم ولاية كاليفورنيا التي تضم 40 مليوناً من الأميركيين، وتعد معقل الديمقراطيين الأول في طول البلاد وعرضها، إذ اتضح للجميع أن الجهود المستمرة من قبل الجمهوريين والتيار المحافظ لإزاحة الحاكم الديمقراطي، يمكن واقعياً أن تهدد عرش الديمقراطيين في الولاية، ما سيعد لطمة قاسية على وجه الحزب الذي يسيطر الآن على البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه، فضلاً عن أن إطاحة نيوسوم، ستطلق إشارة سلبية للناخبين وتصبح نذير شؤم قبل نحو شهرين من انتخابات عدد من حكام الولايات، وقبل نحو عام واحد فقط من موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
وعلى الرغم من ظهور بعض المؤشرات الإيجابية بالنسبة لنيوسوم حول إقبال ثمانية ملايين، معظمهم من الديمقراطيين، على التصويت المبكر عبر البريد، إلا أن التحدي الماثل للديمقراطيين كان خطيراً لدرجة استدعاء الرئيس جو بايدن لتقديم المساعدة في اللحظة الأخيرة إلى حاكم كاليفورنيا، الذي يعد رابع حاكم في تاريخ الولايات المتحدة والثاني في كاليفورنيا، يواجه انتخابات تستهدف عزله، خاصة أن الجمهوريين نجحوا عام 2003 في تنظيم انتخابات لعزل الحاكم الديمقراطي غراي ديفيس وانتخبوا بدلاً عنه الممثل الجمهوري المعروف أرنولد شوارزنيغر الذي ساعدته حملة واسعة أنفقت فيها عشرات الملايين من الدولارات.
وسبقت جولة بايدن، حملة قامت بها نائبته، كامالا هاريس، وهي من مواليد كاليفورنيا، لدعم نيوسوم، الأسبوع الماضي، وسجل الرئيس السابق باراك أوباما إعلاناً تلفزيونياً يحث على عدم سحب الثقة من حاكم الولاية، بالإضافة إلى كبار قادة الحزب مثل إليزابيث وارين، وبيرني ساندرز، اللذين انضمّا إلى حملات المؤازرة في الولاية التي تعد مركزاً مهماً للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، الأمر الذي يعكس قلقاً حقيقياً في صفوف الحزب، واعتبره الجمهوريون، الذين نظموا حملة المطالبة بعزل الحاكم، تدخلاً سافراً من رجال السياسة في العاصمة واشنطن في مسألة تخص ولايتهم ولا تتعلق بالحكومة الفيدرالية.
أسباب العزل
كانت بداية حملة جمع التوقيعات التي أطلقها المحافظون في الولاية أوائل عام 2020 لإطاحة الحاكم ضعيفة، فقد ارتكزت على معالجة الحاكم لملفات مثل الهجرة والجريمة والتشرد التي لم تجذب سوى عدد محدود من الناس، ولهذا، منح القاضي المنظمين مهلة مدتها أربعة أشهر لجمع أصوات التأييد المطلوبة، وهي نسبة 12 في المئة من إجمالي عدد الناخبين في آخر انتخابات تشهدها الولاية، وهي آلية سياسية اعتمدتها ولاية كاليفورنيا في العقد الأول من القرن الماضي بقوة دفع من التقدميين العازمين على مراقبة السلطة، على الرغم من أن عديداً من الولايات الأخرى تتطلب 25 في المئة، كما كتبت المؤرخة كاثرين أولمستيد في صحيفة "نيويورك تايمز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بمجرد أن ضرب وباء "كوفيد-19" الولايات المتحدة بشدة، وبدء الحاكم تنفيذ سياسات الإغلاق وإبقاء الناس في المنازل وحظر ذهاب الطلاب إلى المدارس، حتى تضاعفت أعداد الموقعين على طلب الاستفتاء على العزل، وبخاصة في المقاطعات المحافظة في الولاية، غير أن أكثر الضرر الذي استفاد به منظمو حملة العزل هو التناقض الذي ظهر به نيوسوم وكشفه الإعلام الأميركي، فبينما كان يتحدث عن تشديد القيود على الناس بسبب الوباء، افتضح أمر الحاكم نيوسوم حينما تم ضبطه متلبساً وهو يتناول العشاء في مطعم "فرنش لاندري" الفاخر من دون قناع صحي للوقاية من المرض.
نخبوي منعزل
وتشير جيسيكا ليفينسون، أستاذة القانون بجامعة "لويولا" لصحيفة "واشنطن بوست" إلى أن هذه اللحظة غذت كل ما فكر فيه سكان كاليفورنيا من أن الحاكم هو في حقيقة الأمر نخبوي منافق ومنعزل عن الناس، أما بالنسبة لخصوم الحاكم من المحافظين، فقد تشكلت بالنسبة إليهم الظروف المثالية لإطلاق العاصفة وإطاحة نيوسوم قبل عام واحد فقط من اعتزامه الترشح لإعادة انتخابه.
ويعتبر الجمهوريون أن نيوسوم هو تجسيد للحكم الليبرالي غير الخاضع للرقابة، وأن سحب الثقة منه سيوفر متنفساً للناخبين الغاضبين أو المحبطين من الظروف السياسية في كاليفورنيا.
متى يعزل الحاكم؟
يطرح على الناخبين في ورقة الاقتراع سؤالان، يتعلق الأول بما إذا كان يجب عزل نيوسوم، وعلى الناخب أن يختار نعم أو لا، فإذا صوتت الأغلبية بـ"لا" يظل نيوسوم محتفظاً بمنصبه، بينما يتعلق السؤال الثاني بمن يحل محله، وتصبح الإجابة هنا مهمة فقط إذا أرادت الأغلبية إطاحة الحاكم نيوسوم، حينئذ من يحصل على أكبر عدد من الأصوات في السؤال الثاني يفوز ويصبح حاكماً للولاية.
وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها معهد السياسة العامة في كاليفورنيا وآخرون أن نيوسوم سينجو من محاولة عزله، كما وصلت نسبة تأييده إلى57 في المئة في استطلاع أجرته شبكة "سي بي أس" التلفزيونية ومركز "يوجوف" في أغسطس (آب) الماضي.
والسؤال هو ما إذا كانت الغالبية العظمى من الناخبين في كاليفورنيا الذين اختاروا نيوسوم ليكون حاكماً لهم قبل ثلاث سنوات، سيضطرون بالقدر نفسه إلى ملء بطاقة اقتراع أخرى لإبقائه في منصبه.
استراتيجية نيوسوم
يطلب نيوسوم والحزب الديمقراطي في كاليفورنيا من الناس التصويت بـ"لا" على السؤال الأول فقط، وتخطي السؤال الثاني، كما أنهم ثبطوا عزيمة المرشحين الديمقراطيين القادرين على الترشح لمنصب الحاكم لقطع الطريق على الناخبين الديمقراطيين في وجود بديل آخر يمكن أن يجذبهم إذا ما قرروا عزل نيوسوم، وبهذا سيتعين عليهم الخيار المر وهو التصويت لصالح الجمهوريين.
وعلى الرغم من المخاطرة بعدم وجود مرشح احتياطي بديل إذا قالت الأغلبية إنها تريد طرد الحاكم الحالي، فإن نيوسوم يركز معركته على خصمه الرئيس من بين 46 مرشحاً وهو الإذاعي لاري أدلر مقدم البرامج الحوارية الشهير باعتباره معارضاً لارتداء الكمامةن ورافضاً للقاحات كورونا في الوقت الذي تسجل فيه الولاية ارتفاعاً في حالات الإصابة بالفيروس.
ويعتبر الجمهوريون أن نيوسوم يعتمد استراتيجية تشويه أدلر الذي صوره باعتباره متعصباً للبيض ومتطرفاً في سعيه لإعادة توجيه السباق بعيداً عن سجل الحاكم، بينما يحذر الديمقراطيون بأنه إذا خسر، فستكون نهاية العالم ترمبية وعنصرية وجمهورية للتأثير على الناخبين.
استراتيجية الجمهوريين
يستند الجمهوريون على أن كثيراً من الديمقراطيين وقّعوا بالموافقة على إجراء الاستفتاء لإقالة الحاكم بسبب قيود كورونا الأكثر صرامة، والتي كانت القوة الدافعة وراء هذا الإجراء حتى في المناطق الحضرية الزرقاء التي تدين بالولاء عادة للديمقراطيين، وليس المناطق الريفية الحمراء ذات الأغلبية الجمهورية، ولهذا يراهن الجمهوريون والمحافظون التقليديون على الديمقراطيين الساخطين ليكونوا كتلة تصويت رئيسة لا يمكن أن تنجح عملية العزل من دون تصويت عدد كبير منهم بنعم.
وما يبعث على الأمل في نفوس الجمهوريين أن استطلاعاً للرأي أجرته جامعة كاليفورنيا في بيركلي خلال يوليو (تموز) الماضي أظهر أن نيوسوم لديه هامش ضئيل للفوز هو ثلاثة في المئة فقط من الناخبين المحتملين. وقال 47 في المئة إنهم يريدون عزله، بينما قال 50 في المئة إنهم يريدون إبقاءه في منصبه.
لا ضمانات
وعلى الرغم من أن احتمالات الفوز تميل باتجاه نيوسوم كما كانت طوال الوقت، لكن الديمقراطيين يعرفون أن نتيجة يوم الثلاثاء ليست مضمونة، وهذا هو السبب وراء الدعم الواسع والقلق من كبار السياسيين في الحزب الديمقراطي، بمن فيهم الرئيس بايدن نفسه، والذين يرون أنه بصرف النظر عن نتيجة التصويت، فإن إجراء هذه الانتخابات في الأساس يمثل رفضاً كبيراً لنيوسوم ولتجاوزات الحكومة بإجراءات الإغلاق، وتجسيداً لتلك السياسات التي لا تزال تتمسك بها.
في المقابل، استقبل الجمهوريون والمحافظون تصريحات الرئيس السابق دونالد ترمب عن تزوير الانتخابات الرئاسية السابقة بقلق بالغ، لأنه عندما يكون الناس غير واثقين في أن تصويتهم سيؤثر، فلن يضيعوا وقتهم في الإدلاء بأصواتهم.
وبينما يميل الجمهوريون إلى أن يكونوا أكثر تشككاً في التصويت عبر البريد، وخاصة أن الرئيس السابق أشار إلى أنه يؤدي إلى الاحتيال، لذلك يأمل منظمو عملية العزل أن يظهر منتقدو نيوسوم بأعداد ضخمة للتصويت بشكل شخصي يوم الانتخابات، لأنه لم يكن هناك دليل مؤكد على انتشار الاحتيال على نطاق واسع في الانتخابات السابقة.