"قل لي عدد مشاهدات أغنياتك على موقع يوتيوب أقل لك من أنت"، تبدو تلك العبارة كأنها لسان حال المطربين في العالم العربي أخيراً، فكل بات يعرف بمستوى مشاهدات أعماله عبر المنصات وأبرزها "يوتيوب"، لأن هذا يعني ربحاً أكبر و"وجاهة" فنية أفخم كذلك، فهناك من يلعبون في المليار مشاهدة، وآخرون وصلوا إلى مئات الملايين، ثم تتسع الدائرة لعشرات الملايين ومئات الآلاف وهكذا، ولكن تلك المشاهدات على قنوات بعض نجوم الغناء الرسمية، التي يستعملونها كأنها "لافتة" أوشكوا أن يضعوها على جبهتهم للترويج لأنفسهم، ما حقيقتها؟ وهل الأمر بسيط وسريع وساحر إلى هذه الدرجة، أم أن هناك مشاهدات وهمية تأتي من تحت الطاولة، وبالتالي نسمع بين حين وآخر عن ملاحقات "يوتيوب" قنوات بعض المشاهير سواء بحذف جانب من محتواها أو باستبعاد التفاعل الوهمي أو حتى بغلقها ليدخل "النجم" في دوامة لمحاولة استرجاع ما فقده والحد من الخسائر؟!
"يوتيوب" يلاحق المشاهدات المزيفة
يعتمد صناع الأغنيات حالياً على الربح من خلال المشاهدات والإعلانات عبر قنواتهم الرسمية بموقع "يوتيوب"، إذ تحتسب الأرباح وفقاً لكل ألف مشاهدة، فيما لو تضمنت تلك المشاهدات عرض إعلانات إضافية لمنتجات أو خدمات داخل الفيديو نفسه فهناك عائدات إضافية، وهذا بحسب قواعد سياسة "يوتيوب" نفسها، وبالطبع هناك الكثير من المشاهدات الحقيقية ولكن أيضاً هناك اتهامات دائمة بشراء التفاعل وأيضاً المشاهدين، خصوصاً أن هناك شركات متخصصة في هذا الأمر، باستخدام حسابات افتراضية. وعلى الرغم من أن سياسة "يوتيوب" المعلنة تحارب تلك الطرق وتطلب الإبلاغ عن هذه الأمور، فإن هناك طرقاً دوماً للتحايل، وبالتالي تجد تلك الشركات ضالتها في كثيرين يبحثون عن تصدر "التريند" بأي ثمن، وبحسب ما تنص عليه سياسة "يوتيوب" ضمن الإرشادات المعلنة عبر الموقع الرسمي، فإنه "لا يُسمَح على يوتيوب بأي نشاط يهدف إلى زيادة عدد المشاهدات أو المعجبين أو التعليقات أو مقاييس أخرى بشكل زائف، سواء كان ذلك باستخدام أنظمة آلية أو من خلال عرض فيديوهات أمام المشاهدين من دون رغبتهم. ولا يُسمَح أيضاً بنشر المحتوى الذي يهدف فقط إلى حث المشاهدين على التفاعل معه (بغرض زيادة عدد المشاهدات أو المعجبين أو التعليقات وغير ذلك). ستتمّ إزالة المحتوى من المنصة وإغلاق القنوات التي لا تتّبع هذه السياسة".
شركات لبيع التفاعل!
جاء ذلك بعدما أصبح الربح "السريع" من "يوتيوب" حلم كثيرين، وبات هناك من يستغل هذا الهوس لتحقيق ثروة بالترويج لأنفسهم باعتبارهم أباطرة المشاهدات القادرين على رفع عدد من يتابعون القناة في وقت قياسي، إذ يلعبون مع القسم الأمني في "يوتيوب" لعبة القط والفأر، وعلى الرغم من صرامة النظام الآلي في مراقبة ما يحدث فإن أيضاً القراصنة وشركات المشاهدات لديهما طرقهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففكرة أن يلجأ فنان إلى إعلان مدفوع الأجر بشكل صريح لعمل فني له ليصل إلى أكبر قدر من الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها "يوتيوب" أمر قانوني له قواعد، خصوصاً في ظل المنافسة الشرسة، لكن أن يُتلاعب بالمشاهدات التي تعتبر مقياساً لجماهيرية صاحب المحتوى فهو أمر يُلاحق دوماً، ولكنها حيلة يلجأ إليها البعض بالطبع، وفي النهاية الأرقام الضخمة التي أصبحت ملتصقة بأسماء بعض المطربين في العالم العربي سواء كانت زائفة أم حقيقية تسهم كثيراً في تعزيز مكانتهم تجارياً، خصوصاً فيما يتعلق بالمعلنين الذين يتعاونون معهم كما تكون حافزاً للاستعانة بهم في حفلات وأعمال فنية. لكن الظاهرة تشهد تطورات متلاحقة وأصبحت المنافسة بها حامية الوطيس.
يوضح محمود صالح، المتخصص في التسويق الإعلامي، "لم يعد الأمر مقتصراً على شراء المتابعين فقط، ولكن أيضاً شراء تريند يوتيوب، وهي نقطة أصبح يلجأ إليها أبطال المسلسلات والأفلام وليس فقط المطربون، ويتنافسون على المشهد أو الحلقة التي استحوذت على تفضيلات جمهور يوتيوب وتصدرت قوائمه، فكلما تكرر هذا الاستحواذ يضمن النجم أن يكون مطلوباً في أعمال جديدة، وهذا التريند الذي يُشترى أكذوبة".
إنذارات وحذف قنوات ونجوم المهرجانات الأقل إنفاقاً
احتدام الأمر يبدو واضحاً أكثر في مجال الغناء، وهو ما يؤكده محمود صالح، إذ يقول "إن جميع عناصر الأغنية يسعوون لتصدر تريند يوتيوب فور طرح العمل، وإذا لم يتحقق هذا بشكل طبيعي عن طريق المشاهدة والتفاعل من دون ضغط إعلاني، يلجأ البعض إلى دفع أموال كبيرة لشركات لصنع مشاهدات وهمية لتزيد الأرقام، ويتمكن صاحب الفيديو من تحقيق ملايين المشاهدات خلال ساعات وهي أرقام مبالغ فيها". ويشدد على "أن أرقام اشتراكات القنوات والمتابعين الوهمية لا تأتي للفنان بأرباح، إذ إن يوتيوب يعلم أنها ليست حقيقية، بل على العكس يُنذر صاحبها، ولكن تدريجياً تصبح تلك الأرقام واجهة للفنان للمشاركة في حملات إعلانية تفيده على مستوى آخر".
إذن فأرقام "يوتيوب" وأرقام المتابعين على السوشيال ميديا بشكل عام باتت هي العملة الرسمية في بورصة المطربين في أغلب الأوقات، إذ يؤكد خبير التسويق الإعلامي، "أن إدارة نجوم الغناء منصات السوشيال ميديا الخاصة بهم، وبينها قنواتهم عبر يوتيوب، حدث بها تغير نوعي في العامين الأخيرين، باعتبارها المنقذ لهم في ما يتعلق بصناعة الموسيقى بعيداً عن شركات الإنتاج، إذ يحققون من خلالها عوائد مالية لم تعد تتحقق بالطرق التقليدية مثل أرباح بيع الأسطوانات وغيرها". لافتاً إلى "أن هناك من انتبهوا لهذا الأمر مبكراً واستعانوا بشركات محترفة لتدير تلك المنصات، وبالتالي تطورت حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي بصورة أسرع وأكبر". مشيراً إلى نقطة مهمة متعلقة بوعي النجوم لأهمية تلك المنصات التي جاءت متأخرة بعض الشيء. يضيف، "فكرة الدفع من أجل دعم المنصات لم تكن معروفة على نطاق واسع قبل خمس أو ست سنوات، ولم يلجأ إليها إلا قليلون، ولكن في الفترة الأخيرة أصبحت ملاذ الجميع تقريباً، إذ ينفقون على تلك المنصات لأنها ظهيرٌ لهم ومصدر قوة كبير". وتابع "لكن في المقابل هذه الظاهرة لم تكن موجودة لدى مطربي المهرجانات بهذا الشكل، لأنهم لا يكلفون أعمالهم أموالاً كثيرة، فهم لا يدفعون من أجل الدعم ويعتمدون على غزارة الإنتاج الذي أنفقوا عليه سعر تكلفته تقريباً، فالتفاعل والمشاهدات لديهم تأتي بسبب كثرة المعروض، وغزارة الإنتاج طريقة لا تتوافق أبداً مع نجوم الطرب التقليديين الذين يلجأ كثير منهم إلى الدفع بسبب قلة إنتاجه مقارنة بمطربي المهرجانات".