Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعديات الأمنية والسرقات تنذران بفوضى شاملة في لبنان

عمليات الأخذ بالثأر تعود إلى الواجهة وخوف من انزلاق البلاد نحو الأسوأ والسقوط بالمحظور بسبب الأزمة الاقتصادية والضائقة المادية

ينزلق لبنان سريعاً نحو الفوضى ومرحلة انحلال سلطة الدولة المركزية في لبنان. حتى الساعة، ما زالت هذه الفرضية غير متحققة، إلا أن مجموعة من الحوادث والوقائع تنذر بالوصول إلى المحظور، بسبب اتساع رقعة التجاوزات وارتفاع عدد الخارجين عن القانون، وتزايد نسبة الساعين لأخذ الحق بأيديهم، وهو ما يساوي الاقتراب من حافة الفوضى الشاملة. ففي الآونة الأخيرة، شهدت البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، عمليات "ثأر" وسلب وتشليح. وعلى الرغم من البعد المكاني فيما بينها، فإن القرب الزماني وارتباطها بالانهيار الاقتصادي والغليان الاجتماعي، كلها تفتح باب التوقعات والتحذيرات من العودة إلى مرحلة الفوضى، وهيمنة القيم العنفية السابقة على مرحلة تنظيم المجتمع والتعايش السلمي.

من هنا، وبعيداً عن السجالات العقيمة، وتقاذف المسؤوليات، وتوجيه الاتهامات، فإن ما حدث من الأخذ بالثأر على طريق الجنوب في خلدة مع امتداداتها الحزبية والطائفية، وسقوط 3 ضحايا في يوم واحد على محطات الوقود في شمال لبنان، وصولاً إلى تزايد عمليات السلب، ومنطق البلطجة والتشبيح، ناهيك بقرصنة شاحنات المازوت في غير منطقة، كلها تفتح أبواب الخوف على المصير والمستقبل لدى شريحة من اللبنانيين قررت الجنوح للسلم واحترام القانون. كما يشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار الكيان ووحدته في ظل انتشار خطاب الكراهية واستيفاء الحق بالذات، ويشكل خطوة إلى الوراء، إذ حفل الماضي بقصص الغزو والإغارة على القبائل المجاورة من أجل تحصيل الغنائم في ظل الفقر، وقلة الموارد وندرتها.

عمليات السلب في تزايد

عند حلول المساء، وفي الشوارع الضيقة والمظلمة، تنتشر عمليات السلب والتشليح. هذا الأمر بات متعارفاً عليه في لبنان. ولا يقتصر السلب على الأفراد، وإنما يمتد أحياناً ليطاول جماعة من الأفراد. ومنذ نحو الأسبوعين، تعرض ثلاثة شبان لعملية سلب عند جسر ضبية في جبل لبنان، فبعد انتهاء الدوام الليلي لشبان يعملون في أحد فنادق المنطقة، نزلوا إلى الطريق العام ينتظرون وصول فان ينقلهم إلى منطقة الشمال، وفيما هم ينتظرون اقتربت منهم مجموعة مؤلفة من ثلاثة شبان كانوا على الطرف الآخر من الجسر، عرفوا على أنهم عناصر أمنية. طلب المهاجمون من الشبان إبراز أوراقهم الثبوتية، ومن ثم تفتيش أمتعتهم وهواتفهم، ثم قاموا بسرقة تلك الهواتف، والنقود الموجودة في حقائب اليد، ولاذوا بالفرار بعد عراك تخلله تهديد بالسلاح. تمكن أحد العمال من الهروب والعودة إلى الفندق بأقل أضرار ممكنة، بعد أن أكد لهم أنه لا يحمل أوراقاً ثبوتية أو هاتفاً، وتبادل اللكمات مع المهاجمين.

هذه القصة ليست حادثة استثنائية وشاذة، ففي كل مساء تتكرر مثل هذه الخروقات، مع عمال التوصيل والعائدين من أعمالهم ليلاً. وهناك تخوف من تحولها إلى نمط رائج. ويصب السارقون جهودهم على أخذ الهواتف والأموال والدراجات الناري، ولا يترددون في استخدام السلاح.

"البلطجة" عند المحطات

تتنوع وتختلف صور الخروج عن القانون في ظل غياب ملحوظ في مناطق الأطراف لرقابة الدولة.

في المقابل، تبرز قوى الأمر الواقع كعنصر فاعل مؤثر وشريك محتكر لمادتي البنزين والمازوت. وحتى اليوم، تستمر عمليات بيع المازوت في السوق السوداء على مرأى من الجميع، عند المستديرات الكبرى في وسط المدن، وفي محاذاة المحطات المقفلة، فيما يتم حرمان المواطن مما تبقى من المحروقات المدعومة. ويشكو أهالي مدينة طرابلس من تعديات موظفين تابعين لإحدى الهيئات المحلية الرسمية، وعدم احترام دورهم في الطوابير عند كبرى محطات ملء المحروقات. كما يشير المواطنون إلى توطؤ هؤلاء مع عمال إحدى الشركات المستوردة، فيقومون بملء خزاناتهم ومن ثم ينتقلون إلى أماكن محددة، يفرغون المادة في غالونات لبيعها في السوق السوداء، حيث وصل ثمن الغالون الواحد 200 ألف ليرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتستمر عملية "البلطجة"، إذ يعود بعدها الموظف صاحب الصفة الرسمية، ليقف مجدداً في بداية الصف، فيما يبقى المواطنون ينتظرون لساعات طويلة. ويقول أحد المواطنين إنه انتظر لخمس ساعات، ولم يحصل على فرصة تعبئة البنزين، إذ تم إبلاغه بأن الكمية الموجودة في خزانات المحطة انتهت. وعليه يعبر المواطنون عن سخطهم لأن المخول في تنظيم شؤون المدينة يخالف القانون ويسهم في احتكار المحروقات لبيعها في السوق السوداء.

الثأر يطل برأسه

إلى ذلك، لا يمكن إغفال الحديث عن عودة ثقافة الأخذ بالثأر إلى الواجهة، في أسلوب عشائري قديم، وجاءت التشريعات السماوية والفلسفات الوضعية لتحاربها، عملاً بمبدأ "شخصية الجريمة والعقوبة". فلا يتم تجريم أو معاقبة فرد، إلا من ارتكب شخصياً، وعن قصد، الفعل الجرمي، لذلك هناك رفض لتجريم جماعة كاملة، وإنزال العقوبة بأفرادها لمجرد وجود صلة دم أو قربى بالفاعل القاتل. وجاءت سلسلة حوادث، على غرار حادثة أخذ الثأر في خلدة، وما رافق حادثة بخعون الضنية والبداوي من تهديدات، لتشكل هزة لوجدان المجتمع، وتطرح من جديد "شرعية الثأر"، ومكانة القانون في المجتمع اللبناني، وما يليها من عمليات انتقام وسفك دماء، تنهكان المجتمع، ولا تشفيان غليل أهالي الضحايا.

القانون أولاً

وتفتح جرائم السلب والثأر فعلياً أبواب جهنم على المواطن اللبناني، وتشكل خروجاً عن قيم المجتمعات المتحضرة. كما تنذر بتفكك السلطة المركزية وأجهزتها. ويتناول جرجس طعمة، أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية، قضية جرائم الثأر من عدة زوايا، مميزاً بين شريحتين في المجتمع اللبناني المتنوع ثقافياً: فهناك مجموعات ثقافية تشرع هذا الفعل، وهي بيئة ذات بنية عشائرية لها تقاليدها، في مقابل فئات خرجت من إطار الأخذ بالثأر، وأدى التطور المجتمعي إلى تبني منظومة الحقوق والواجبات، إلا أنه "في حالة الفوضى وعدم إحقاق الحق قد يلجأ أبناء هذه المجتمعات للانزلاق إلى منطق الثأر". ويلفت إلى أن معالجة فكرة الثأر يجب أن تخرج من إطار التقييم وإطلاق الأحكام، إلى تشخيص الظاهرة، لأنه "في بعض الجماعات تشجع الأم ابنها على الأخذ بالثأر".

ويضع طعمة انتشار جرائم كهذه في إطار العودة إلى الوراء، لأن البعض الذي "لا يملك الوعي الكافي والخلفية العلمية والأخلاقية، يعتقد أنه لا يمكنه الحصول على حقه بالطريقة الشرعية السليمة، ولا بد أن يلجأ لأخذ الحق باليد". وعلى الرغم من الواقع السوداوي، يكرر طعمة أن "لبنان ما زال يمتلك مقومات الدولة، وهناك سلطة تمسك إلى حد ما زمام الأمور، ولكن الخوف من انزلاق البلاد نحو الأسوأ، والسقوط بالمحظور بسبب الأزمة الاقتصادية والضائقة المادية".

وعند الحديث عن جرائم السلب، يرفض طعمة حصر الحديث بالعامل الاقتصادي، لأن هناك عوامل مختلفة تقف وراء التجريم من "عوامل نفسية ودوافع مجهولة وحاجات، وكذلك البيئة والحرمان العائلي"، مؤكداً أن "رجال القانون يؤكدون أن المجرم لا يرتكب علة الإجرام بذاته لأن هناك دوافع لتحقيق أغراض ذاتية مختلفة".

ويتطلع طعمة إلى تحسين مقومات الدولة اللبنانية التي من شأنها ضبط الأوضاع ومكافحة الجريمة، والحيلولة دون خروج الأمور عن السيطرة، لأنه "لا ضمانة للمواطن إلا الدولة ومؤسسات الدولة". ويتساوى ذلك مع "رفض فكرة تحلل الدولة والوصول إلى حارة كل من إيدو إلو" أو ما يعرف باستيفاء الحق بالذات. ويضيء على مسألة أساسية، وهي دور رجال القانون في التوعية على مخاطر أنواع كهذه من الجرائم، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية التربية وإعداد النخب، كما يتوجب على محامي الدفاع عن الحق، مشدداً على دور القضاء في إحقاق الحق وتطبيق العدالة وفق القوانين والأصول، "لأن العدالة المتأخرة تفقد الكثير من نفاذها وهيبتها".

القوى الأمنية جاهزة

من جهتها، تسعى القوى الأمنية بكل جهدها لفرض سلطة القانون بفضل الجهوزية العالية لعناصرها ووحداتها، وهذا ما تؤكده أوساط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلية، التي تركز على "حق المواطن في الحصول على الحقوق الأساسية، وأقلها الكهرباء، في مقابل واجب القوى الأمنية في تطبيق القانون المرعي الإجراء". وتعلق على مصادرة الأفراد شحنات المازوت على الطرق الدولية، بالإشارة إلى أن "حق المرور والتنقل من الحقوق الدستورية، وهناك مخالفة للقانون"، لافتة إلى أن ما يجري هو نتيجة للسياسات الفاشلة والمشاكل الاقتصاية وحرمان المواطن من الكهرباء التي تتوقف عليها حياة المواطن وصحته وعمله.

وتعتبر الأوساط أن هناك خطوطاً لا يمكن تجاوزها، لأنه عند ارتكاب الجرم، يقع على عاتق القوى الأمنية لجم المخالفات ومنع تفاقمها. وتشير إلى أن "القوى الأمنية تعاني بعض الصعوبات، إلا أن كل احتياجاتها مؤمنة من المحروقات، وهي تتابع عملها الاعتيادي"، كما أن "قيمة الأجور تؤثر على نوعية حياة العناصر وأسرها، ولكن مهام القوى الأمنية ليست مرتبطة بأجر أو راتب، وإنما الخدمة التي تؤديها القوى الأمنية تنطلق من دورها في حماية المجتمع".

المزيد من تقارير