Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إدارات الدولة في لبنان تواجه خطر التفكك

المعاناة تطال الجامعة اللبنانية والمؤسسات العسكرية... لكن الجيش صامد

تحدث النائب جميل السيد عن 1200 حالة فرار من القوى العسكرية اللبنانية (اندبندنت عربية)

تصارع الإدارات العامة في لبنان من أجل الاستمرار، فهي تشهد تحدياً غير مسبوق في هجر الموظفين مؤسساتهم، وتحديداً كوادر الجامعة اللبنانية، إلى جانب الحديث عن فرار عناصر عسكرية تحت وطأة الظروف الاقتصادية الخانقة، ويمكن القول إن مؤسسات الدولة اللبنانية تواجه خطر التفكك بعد أن شكلت طوال عقود الملاذ الآمن لأبناء الطبقة الوسطى والمتعلمين في لبنان، ويتضح جلياً أثر انهيار العملة الوطنية على قطاعات المجتمع كافة، فالفقراء ينازعون من أجل الحصول على لقمة العيش في ظل حد أدنى للأجور يوازي 37 دولاراً أميركياً، والطبقة الوسطى تعيش أزمة قلق نفسي من المستقبل، في حين تنحسر طبقة الأغنياء أكثر فأكثر.

الجامعة اللبنانية أولى الضحايا

عصفت الأزمة الاقتصادية بالجامعة اللبنانية، لتسدد لها ضربة قاسمة، بعد سنوات من الترنح بفعل المحاصصة السياسية والطائفية، اليوم، وقد قارب سعر الدولار عتبة الـ 18 ألف ليرة لبنانية، فإن الشعور بالأمان هجر نفوس أناس، كانت ترى بهذه المؤسسة الملجأ الأخير للمثقف والكفاءة في لبنان. يؤكد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية أحمد رباح أن 24 أستاذاً من الأساتذة المتعاقدين مع الكلية، تقدموا بطلبات للاستغناء عن خدماتهم، موضحاً أنهم تلقوا عروضاً من بعض الدول الأوروبية والخليج العربي، بما يفوق بأضعاف مضاعفة الأجور في لبنان، والتي لم تعد تساوي شيئاً في ظل أزمة الدولار، والغلاء الفاحش، وعدم توفر المحروقات، والاضطرار للانتقال بين المناطق والفروع لتنفيذ ساعاتهم، ويشير رباح إلى أن "مركز اللغات والترجمة هو المتضرر الأكبر إذ استقال 14 شخصاً من أصحاب الكفاءات، وأصحاب الاختصاص باللغات الصينية، والروسية، والفارسية، وهي لغات يقلّ عدد المتخصصين فيها على خلاف الفرنسية والإنجليزية". ويعبّر رباح عن حزنه للوضع الذي وصلته الجامعة الوطنية، التي لم تعد ميزانيتها تكفي النفقات التشغيلية، وقال، "الموازنة كانت تقارب 260 مليون دولار على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، واليوم انخفضت كثيراً، بحدود الـ 10 أضعاف إذ تحتاج النفقات اللوجستية حوالى 14 مليون دولار أميركي"

ويحمّل العميد أحمد رباح الدولة مسؤولية ما وصلت إليه حال الجامعة، فالدولة عوضاً من تحويلها إلى "مؤسسة استشارية ومساهمة في التخطيط لمشاريع الدولة، راحت تحاربها لصالح التعاقد مع مؤسسات خاصة، وتدفع لهؤلاء الملايين من الدولارات"، ويستشعر رباح بخطر جدي على الجامعة اللبنانية، وبالتالي فإن نزف الخبرات العلمية وأصحاب الكفاءات قد يستمر بسبب الحاجة إلى مداخيل تؤمن مستقبل ومعيشة كريمة للعائلات، ويطمئن إلى أن الجامعة ستحافظ على تسعير خدماتها ورسوم التسجيل بالليرة اللبنانية، لأن "رسم 300 ألف ليرة (حوالى 18 دولارا) يعجز كثيرون من الطلاب عن تأمينه في كثير من الأحيان، وتضطر الفروع لإنشاء صناديق يتبرع من خلالها الأساتذة لدعم الطلاب المحتاجين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالعودة إلى بعض الأرقام التشريحية، فإن راتب الأستاذ في الجامعة اللبنانية كان حوالى ثلاثة ملايين و 700 ألف ليرة، وكان يساوي نحو 2466 دولار، أما الآن فقد تراجع إلى حوالى 210 دولارات، ليصل إلى حوالى ثمانية ملايين و400 ألف في نهاية سني الخدمة، وكان يسجل 5600 دولار، أما الآن فقد انحدر إلى 470 دولاراً تقريباً، أما إذا أردنا أن نعرّج على القضاة، فإن أجورهم تتراوح بين أربعة ملايين ونصف مليون ليرة في الدرجة الأولى، أي حوالى ثلاثة آلاف دولار سابقاً، وتسعة ملايين و350 ألف في الدرجة 22، أي ما كان يساوي 6233 دولاراً، أما اليوم فبات يتراوح بين 250 دولاراً، و520 دولاراً، وأمام هذا الانهيار غير المحمود، والذي يصعب كبحه، يمكن أن نتخيل موقف هذا الموظف الذي قد يتلقى عرضاً بـ 20 أو 30 ضعف ما يتقاضاه حالياً، والمرشح إلى الاستمرار في الانهيار.

التعليم العام يعاني

وتتخذ الأزمة الحالية وجوهاً متعددة، وما قيل عن الجامعة اللبنانية يصدق على باقي مؤسسات التعليم، ففي التعليم الخاص، بدأ عدد من الأساتذة تقديم استقالاتهم تحت وطأة رفض الإدارات زيادة الأجور، وفي بعض المدارس لا يتجاوز الأجر في أحسن الأحوال 60 دولاراً، ويجد هؤلاء الأساتذة أن الاستمرار في العمل غير مجدٍ، لأن الأجور لا تكفي بدلات النقل، ووضعت الأزمة الأساتذة بين خيار ترك مهنة التعليم، أو الاستمرار مع تحمل الضغوط النفسية والجسدية والاقتصادية.

وينسحب هذا التذمر على أساتذة التعليم الرسمي، ويستشعر هؤلاء أزمة وجودية لأنهم يتقاضون أجورهم بالعملة الوطنية، وبالتالي، فإن تصحيح أجورهم يأتي في آخر اهتمامات الدولة.

وتتحدث سارة بدور (أستاذة وأم لطفلة صغيرة) عن ضغط كبير يتعرض له الأستاذ، وتشير إلى أن "أجر الأستاذ الذي يجاوز مليوني ليرة لبنانية، لا يكفيه لشراء الأمور الأساسية، فما بالك بباقي الناس"، لا تخفي سارة رغبتها في الهجرة، لأن هناك مسؤوليات كبيرة تقع على عاتقها، فهي تحتاج ضعف أجرها لتؤمن الحليب والحاجات الأساسية لابنتها، وتلفت إلى قيام عدد كبير من الأساتذة بتقديم طلبات عمل إلى العراق والدول الخليجية، وبالتالي فإن الرغبة بالهجرة طاغية على وجدان المواطن اللبناني، ولا يمكن لأحد إخفاؤها، لأن كل فرد يسعى لتحقيق حياة أفضل.

الجيش صامد

في حديث صحافي، تحدث النائب جميل السيد عن 1200 حالة فرار من القوى العسكرية اللبنانية، ولم تصدر أي ردود رسمية على هذا التصريح، كما لم تعلق قيادة الجيش اللبناني على تصريح المدير العام السابق للأمن العام.

وبغض النظر عن دقة هذه الأرقام، فإن تعداد الجيش اللبناني يوازي نحو 65000 ألف عنصر، في وقت يبلغ عدد عناصر القوى العسكرية مجتمعة 120 ألفاً، ويرفض العميد المتقاعد محمد رمال الخوض في أرقام الفارين من القوى العسكرية، لأنها لم تصدر ضمن بيانات رسمية، ويقلل من أهمية هذه الأعمال الفردية لأن "الفرار من المؤسسة العسكرية ليس بالأمر الجديد، وظاهرة التخلف عن الخدمة تتعامل معها المؤسسة بسرية، وتتخذ الإجراءات العقابية المناسبة عند وقوعها"، ويطمئن رمال إلى تماسك المؤسسة العسكرية لافتاً إلى أن "الفرار ظاهرة طبيعية، وقد تزداد مع الظروف الاجتماعية أحياناً".

وفي مراجعة لجدول أجور العناصر العسكرية، فهو يتراوح بين مليون و300 ألف ليرة لبنانية للجندي، ليصل في أعلى الهرم إلى سبعة ملايين ونصف مليون ليرة للواء في الدرجة السابعة، أي أن أجورهم تتراوح بين 72 دولاراً أميركياً، و420 دولاراً، وبالتالي يصبح من البديهي أن تضغط الأجور على السلك العسكري الذي ينتمي عادة إلى أبناء مناطق الأطراف والأحياء الشعبية، الذين يضطرون أحياناً للانتقال من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وبالعكس، في ظل تقلص الخدمات الاجتماعية، والطبية، الأمر الذي أوصل المؤسسة العسكرية إلى مرحلة الشكوى، وتنسيق المساعدات العينية الدولية لمنع الانهيار التام للبلاد، والدخول في مرحلة الفوضى الشاملة.

الإدارة اللبنانية

ما تعانيه مؤسسات لبنان عامة ينسحب على موظفي الإدارات العامة، ويؤكد هؤلاء أنه "لولا وجود مادة في موازنة الـ 2019 تمنع الاستقالة، لكانت أكثرية الموظفين قد استقالت وغادرت مواقعها، لتبحث عن فرصة عمل جديدة"، وتعتبر الإدارة العامة هيكل الدولة اللبنانية، إلا أنها تعيش مرحلة الانقراض بفعل الفراغ الذي يتسلل إلى بنيتها.

وتؤكد نوال نصر رئيسة رابطة موظفي الإدارات العامة أنه "أمام الوضع الكارثي الذي وصل إليه لبنان، وضع المواطن اللبناني بين خيارين لا ثالث لهما، حياة في الاغتراب أو موت في الموت"، لافتة إلى أن "الأغلبية ترنو لحياة أفضل، إلا أن الموظفين ممنوعون قانوناً من ذلك، من دون تأمين الحد الأدنى من التعويض للتمكن من البقاء الآمن".

وتصف نصر حال الموظفين العموميين بأنهم يعيشون في "وضع السخرة الجبرية"، فالمادة 78 من موازنة 2019، جمدت الإحالة إلى التقاعد لمدة ثلاث سنوات إلا لمن بلغ السن القانونية، وترفض نصر الادعاءات بأن الإدارة العامة تعاني من التخمة بالموظفين، وتقرّ بوجود سوء توزيع أحياناً، فالإدارة تعاني من شغور بنسبة تصل إلى 80 في المئة، وتلجأ الإدارة لحلها بموجب سياسة التكليف، وتطالب نصر بإلحاق الناجحين في المباريات الرسمية بعد التحقق من حاجة الإدارات لهم، ومنهم المساعدون القضائيون الذين تحتاجهم المحاكم وعدم تعيينهم يترك شغوراً كبيراً لا يعوّض، منتقدة "آلاف المتعاقدين الذين أدخلوا إلى الإدارة العامة من دون أي معايير، وبرواتب خيالية"، وفق "نبراس المحسوبية السياسية والمذهبية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات