Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مآدب طعام البيت الأبيض تحمل الرسائل لضيوفه

تظهر القوائم كيف تغيرت الأذواق الأميركية بمرور الوقت ومعها الصورة التي تقدمها الدولة إلى العالم

الرئيس بوش الأب خلال عشاء أُقيم على شرف الملكة إليزابيث في البيت الأبيض (الأرشيف الوطني - المتحف والمكتبة الرئاسية لجورج بوش)

لطالما كانت موائد العشاء جزءاً رئيساً ومهماً من احتفالاتنا أو ترحيبنا بالضيوف، وفي حين نختار الموائد على الأغلب لتوافق ميزانياتنا وأذواقنا بل وأذواق ضيوفنا أيضاً، فإن الحال وإن تشابه بعض الشيء في المنزل الأشهر في العالم على الإطلاق، لكنه يختلف كثيراً. فالإعداد لمأدبة طعام يستغرق الكثير من الجهد والتفكير بشأن ما ستحمله الأطباق من رسائل ضمنية لضيوف البيت الأبيض حيث مقر رؤساء الولايات المتحدة. 

تُظهر قوائم مآدب عشاء البيت الأبيض كيف تغيرت الأذواق الأميركية بمرور الوقت، ومعها الصورة التي تقدمها الدولة للعالم بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية. فعشاء الدولة لضيوفها هو أداة دبلوماسية ذات وجهين؛ من ناحية يخصص لضيوف الشرف من الزائرين، الذين عادة ما يكونون قادة دول، يشعرون بالترحيب وتأكيد العلاقة، لكنه أيضاً يظهر ذوق الولايات المتحدة ومن يقودها. 

جمعت "فورين بوليسي" قوائم طعام لعشاء البيت الأبيض يعود تاريخها إلى ما يقرب من 86 عاماً، بداية من فرانكلين روزفلت، لأنه كان أول رئيس يستضيف العديد من حفلات العشاء الرسمية على شرف رئيس دولة. وكان مطبخ العشاء الرسمي من الثلاثينيات حتى الخمسينيات متواضعاً نسبياً، تقريباً مثل عشاء عيد الشكر التقليدي، في المقابل كانت قوائم الطعام الخاصة بالرؤساء جون كينيدي حتى جورج بوش فاخرة وأكثر توجهاً نحو المطبخ الفرنسي. وبدءاً من بيل كلينتون، أصبحت القوائم أكثر تنوعاً، إذ شملت أطباقاً من بلد الضيف إلى جانب المأكولات المحلية أيضاً.

وتقول المجلة إن الاختيار لا يتعلق بالمذاق فقط، إذ لا يُفترض أن تكون شطائر جبن الماعز شهية فقط، بل إنه يقدم للعالم ما تعتبره الولايات المتحدة شهياً، ذلك وفق ما كانت تراه إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب. كما أن الاختيار ليس مسألة شخصية، وإلا كان ترمب قدم لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون شطائر من الهامبرغر من "ماكدونالدز" أو "برغر كينغ" أو "وينديز"، عندما أقام مأدبة عشاء على شرفه خلال زيارته البيت الأبيض في 24 أبريل (نيسان) 2018. 

ترمب

فالحقيقة أن ترمب (أو ميلانيا ترمب، على وجه التحديد، إذ إن تقليدياً تخطط السيدة الأولى لقوائم العشاء الرسمية بالتعاون مع رئيس الموظفين والطاهي التنفيذي ومسؤول النبيذ) اختار تقديم أطباق مثل جبن الماعز وأضلاع الضأن المشوية مع طبق سيبوليني محمص (البصل الحلو)، وسلطة الخس الملون، والآيس كريم بالقشدة كطبق حلوى، بدلاً من بعض الأطعمة المفضلة لدى الرئيس، ما يُظهر أن حتى ترمب، الذي كان يوصف بالرئيس غير الدبلوماسي، يمكنه إدراك أهمية الرسائل الضمنية على طاولة الطعام. 

وتقول "فورين بوليسي" إن السيدة الأولى ميلانيا ترمب فضلت احترام التقاليد الحديثة للبيت الأبيض، وتحدثت موائدها عن القوة الرمزية لعشاء البيت الأبيض، فلم تُدس الوجبات السريعة التي كان ترمب يحبها، ببساطة لأنها لم تكن مناسبة لتمثل أفضل ما تقدمه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الرئيس السابق تعهد في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" عام 2015، بتقديم شطائر لحم "بيغ ماك مزدوجة الحجم" للرئيس الصيني شي جينبيغ، فإنه وعد لم يتحقق. 

أوباما

وتقول المجلة إن طاولات عشاء عائلة باراك أوباما عبرت عن الفوضى وكثافة المعلومات في القرن الحادي والعشرين. فكل من أوباما وميشيل زوجته كانا من عشاق الطعام واعتادا التردد على مطاعم شيكاغو والعاصمة واشنطن، وعلى عكس الإدارات السابقة، اختلفت قوائم العشاء الرسمي في عهد أوباما بعضها عن بعض. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في 19 مايو (أيار) 2010، استُعين بشيف مكسيكي لتجهيز عشاء أقيم على شرف الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، إذ أُعدت مائدة متنوعة تضم سمك الأباه من هاواي (سمك القمر أو القيصانة وهي سمكة ضخمة ذات ألوان ساطعة)، ولحم بقر الواغيو والفاصوليا الخضراء المشوية والفاكهة. وتذكر المجلة أن أياً من الأطباق التي قُدمت خلال الزيارة لم يُكرر تقديمه في الموائد اللاحقة. وربما يعد هذا التنوع الواسع في الموائد سبباً في تسميه مجلة "تايم" الأميركية أوباما بـ"رئيس المطبخ الأميركي" على الرغم من أنه استضاف 13 مأدبة فقط خلال سنوات حكمه الثماني. 

في 13 مايو 2016، أقام أوباما عشاء رسمياً تكريماً للنرويج وفنلندا والسويد والدنمارك وأيسلندا، إذ قدمت الطاهي التنفيذي، كريستينا كومرفورد، عدداً من أطباق المطبخ النوردي الجديد مع لمسة أميركية. واحتل الدجاج وفطائر الوافل ولحم الغزال المائدة جنباً إلى جنب مع المكونات المحلية الصنع، إذ قُدم الفجل الصغير المغروز على قطع خشبية مستخرجة من شجرة في حديقة البيت الأبيض. 

وتبقى حديقة البيت الأبيض كأحد الخيوط القليلة التي تربط ولائم أوباما، حتى إن السيدة الأولى آنذاك، أسست حديقة مساحتها 1100 قدم مربع في الحديقة الجنوبية، لزراعة الخضراوات العضوية. 

بوش الابن

لم يكن الرئيس جورج بوش الابن يهوى على الأغلب مآدب العشاء الضخمة، إذ كان يفضل الخلود إلى النوم مبكراً على عكس والده الرئيس بوش الأب. وتقول "فورين بوليسي" إن ذوق بوش في الطعام كان مثيراً بقدر فكرة وجود أسلحة دمار شامل في العراق. ووفقاً لمذكرات الطاهي التنفيذي آنذاك، والتر شيب، أصر بوش على أن أي نقانق تُعد في البيت الأبيض يجب أن تُطهى على البخار ولا تُشوى أبداً. 

وبسبب مشاكله مع الكحول خلال مرحلة الشباب، لم يكن بوش يشرب، ما يعني أن الوسيلة التي ساعدت الرؤساء الآخرين على تحمل تلك الفعاليات الرسمية فُقدت، وربما يفسر ذلك لماذا لم يستضف بوش سوى 13 مأدبة عشاء رسمية فقط خلال فترتي رئاسته.

وبحسب شيب فإن معايير الطهي لدى السيدة الأولى، لورا بوش، هي أن يكون الطبق "لذيذاً، ووفيراً، ومميزاً". وكانت السيدة بوش أقالت شيب في فبراير (شباط) 2005، واستعانت بأول امرأة وأول شخص ملون على الإطلاق في المنصب، حين احتلت كومرفورد، ذات الأصول الفيليبينية منصب الطاهي التنفيذي. 

وأعاد بوش اللحوم المعبرة عن الهوية الأميركية، فقُدم لحم ثور البيسون من ولاية كولورادو (حيوان من فصيلة الأبقار) للرئيس المكسيكي فيسينتي فوكس، خلال أول مأدبة عشاء أقامها البيت الأبيض في عهد بوش في 5 سبتمبر (أيلول) 2001. وتضمنت مأدبة عشاء على شرف ملكة بريطانيا، الملكة إليزابيث، عام 2007، سمك موسى باللوز ولحم الضأن المطهو بصلصة فطر الشانتيريل والكافيار الأميركي وغيره من الأطباق النباتية. 

كلينتون

تقول المجلة إنه كما هو الحال مع القوائم الرئاسية الأخرى التي غيرت قواعد اللعبة، كانت قوائم عشاء بيل كلينتون تبعث رسائل سياسية، مفادها أن الطعام الأميركي متنوع وصحي وعلى نفس المستوى مثل مطبخ أي بلد آخر حتى المطبخ الفرنسي.

ولطالما سعت السيدة الأولى هيلاري كلينتون لتأكيد "صحية" الأطباق المقدمة. فجنون الحميات الغذائية المنخفضة الدهون الذي انتشر في التسعينيات، ولأن بيل كلينتون كان سيئ السمعة لحبه الوجبات السريعة من "ماكدونالدز" وفطائر "إنشيلادا"، دفعا السيدة كلينتون إلى التركيز على الأطباق "قليلة الدسم". وقُدم لحم البقر مرتين فقط في 32 مأدبة عشاء رسمية أقيمت خلال حكم كلينتون.

كما تضمن عشاءه الرسمي لرئيس كوريا الجنوبية، كيم يونغ سام، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1993، الآيس كريم بالزنجبيل واللوز المصنوع من اثنين في المئة فقط من الحليب للحفاظ على مستوى منخفض من الدهون.

بوش الأب

مثل ليندون جونسون، كان بوش الأب جزءاً من ثقافة واشنطن لفترة طويلة وكان يحب الترفيه. قدم بوش لنظيره المكسيكي، كارلوس ساليناس دي جورتاري، في أكتوبر (تشرين الأول) 1989، لحم العجل المشوي وبطاطس الماركيز والسبانخ وسلطة الجرجير وسلطة الهندباء البلجيكية، التي عاد وقدمها لملكة بريطانيا بعد أقل من عامين. 

واستضاف بوش الملكة إليزابيث في مايو 1991، وهو أول عشاء رسمي لها في البيت الأبيض منذ الرئيس جيرالد فورد. وتقول المجلة إن في هذه المرة، قدم للملكة الكركند (الإستاكوزا) من ولاية مين، وموس الخيار مع صلصة أورورا (طماطم) ولحم الضأن المشوي وكروكيت البطاطس وباقات من الخضراوات والجرجير وسلطة الهندباء البلجيكية وجبن سانت أندريه وشيفر والفستق مع توت طازج للتحلية، بالإضافة إلى فطيرة بالموس (القشدة المخفوقة مع بياض البيض)، إذ تقول المجلة إنه بالنسبة إلى البيت الأبيض، فإن ثمانينيات القرن الماضي هي عِقد "الموس".

كينيدي

وتشير "فورين بوليسي" إلى أن عائلة كينيدي جلبت معها إلى البيت الأبيض رقياً وثقافة رفيعة غير مسبوقين. فأعادت جاكلين كينيدي هيكلة موظفي البيت الأبيض، واستحدثت منصب "طاهٍ تنفيذي" لتولي مهمة إعداد مآدب العشاء الرسمية. اختارت للمنصب الطاهي الفرنسي الشهير رينيه فيردون، الذي انعكس تأثيره فوراً على قوائم الطعام، وتحولت الأطباق الرئيسة من الديك الرومي المشوي إلى شرائح اللحم بصلصة الكمأ السوداء (نبات ينمو عند جذور الأشجار ويستخدم بشكل واسع في المطبخ الفرنسي)، وطالما استُقدم النبيذ من فرنسا. 

ليس الطعام الفاخر وغالي الثمن فقط، فقد كان جون كينيدي هو واحداً فقط من بين رئيسين أميركيين قدما البطاطس المقلية، التي قُدمت كطبق جانبي (والآخر هو جونسون)، وأُشير إليها في قائمة الطعام باسم "ويفر البطاطس". وتقول المجلة إنه أيضاً اعتاد إرسال تلميحاته إلى الدول الأخرى عبر أطباق الحلوى، وقد أطلق اسم حلوى "القنبلة الفاخرة" على اسم مضيفته دوقة لوكسمبورغ في أبريل 1963، حين قدم لها طبق "قنبلة الدوقة العظمى المثلجة".

وفي حين كان مقرراً له إقامة عشاء رسمي لمستشار ألمانيا الغربية، آنذاك، لودفيغ إرهارد، في 25 نوفمبر 1963، لكن الرئيس الأميركي الراحل اغتيل قبلها بثلاثة أيام فقط. ووفقاً لقائمة الطعام التي أُعدت وقتها، فكان من المقرر أن تضم المأدبة شرائح سمك موسى وشرائح لحم الخاصرة المشوي على الطريقة الفرنسية وكريمة السبانخ وموس الجبن الريكفورد والقنبلة المثلجة مع بيتي فور للحلوى. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير