Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطاقة المتجددة في زمن كورونا... التأثيرات والتحديات

ما يحدث في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة وتحديداً في ولاية فلوريدا مثال حقيقي لنتائج الاحتباس الحراري

استعمال الوقود الأحفوري كالبترول والفحم الحجري في توليد الكهرباء من أكثر العوامل المسببة لانبعاث ثاني أكسيد الكربون (رويترز)

ظل الباحثون وعلماء المناخ يحذرون من خطورة زيادة انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع في درجة الحرارة لعشرات السنين، ويعد هذا التهديد الأخطر على كوكب الأرض، بل إن الدراسات والتقارير رصدت ارتفاعاً كبيراً في منسوب المياه في الدول والمدن التي تقع في الخطوط الأمامية في مواجهة خطر ذوبان الجليد، ما أدى إلى زيادة في عدد الفيضانات.

رد فعل من الأرض

ويعد ما يحدث في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً في ولاية فلوريدا، مثالاً حقيقياً لنتائج الاحتباس الحراري، بل إن كثيرين من علماء الطاقة والمناخ يعتقدون أن الإضرابات المناخية التي حدثت أخيراً في الولايات المتحدة، وخصوصاً في ولاية تكساس، والعواصف الثلجية الضخمة التي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي في معظم أجزاء الولاية لمدة طويلة، ما هو إلا نتاج للتغير الطارئ الذي حصل في المناخ بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا، ويفسر العلماء ما حدث بأنه رد فعل من الأرض بسبب الانخفاض المفاجئ في درجات الحرارة الذي تسبب به توقف النقل والمواصلات، لا سيما النقل الجوي.

ومن المعلوم أن استعمال الوقود الأحفوري كالبترول والفحم الحجري في المواصلات وتوليد الكهرباء، يعد من أكثر العوامل المسببة لانبعاث ثاني أكسيد الكربون المؤدي لزيادة الاحتباس الحراري.

اتفاق باريس للتغير المناخي

وقد كان اتفاق باريس للتغير المناخي الذي وقّعت عليه 196 دولة ومنظمة في 2016، المنعطف الحقيقي في جهود مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن أهم الأهداف بعيدة المدى للاتفاق تقليص انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050.

وعلى الرغم من الإقفال الكامل وانهيار الاقتصاد الناتج عن كورونا في كثير من دول العالم، فإن سنة 2020 كانت استثنائية بكل المقاييس في التحرك الفعلي لمكافحة الاحتباس الحراري، فقد أكدت إحصائيات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "IRENA" أن توليد الكهرباء بالطاقة الصديقة للبيئة في عام 2020، زاد بنحو 260 غيغاواط على الصعيد العالمي، وهي زيادة بنسبة تتجاوز 50 في المئة عن الرقم الذي سجل في عام 2019.

الطاقة المتجددة

وبناءً على تقارير "IRENA"، فإن نسبة 80 في المئة من زيادة السعة الكهربائية في العالم في 2020 كانت من الطاقة المتجددة ومعظمها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكانت الولايات المتحدة هي أكثر الدول في نسبة زيادة السعة الكهربائية من المصادر النظيفة بواقع 29 غيغاواط في 2020، بينما كانت الزيادة بما يعادل 6 غيغاواط فقط في 2019.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في مقدمة الدول المستخدمة لمصادر الطاقة النظيفة في زيادة السعة الكهربائية، فقد أعلن الرئيس الأميركي جون بايدن فور وصوله إلى البيت الأبيض عن خطة ضخمة لتحويل بلاده إلى الاعتماد على مصادر الطاقة الصديقة للبيئة بدلاً من الوقود الأحفوري بميزانية تقدر بنحو 1.6 تريليون دولار. ومن ضمن أهداف هذه الخطة الاعتماد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء بنسبة 80 في المئة بحلول عام 2030.

تحديات كبيرة

ويرى الباحثون أن بلوغ هذه الأرقام في عقد واحد من الزمن سيكون صعباً جداً لسببين، الأول: التحديات الكبيرة لإنشاء مشاريع الطاقة المتجددة مثل مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأنظمة تخزين الطاق "ESS"، والسبب الثاني: النمو المتسارع لاحتياج السعة الكهربائية في الولايات المتحدة، ويؤكد بعض الباحثين في الطاقة المتجددة أن إمكانية الوصول إلى 50 في المئة من السعة الكهربائية من مصادر صديقة للبيئة في الولايات المتحدة قد يكون ممكناً بحلول 2030، وذلك بزيادة سنوية تقدر بـ60 غيغاواط. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تولد ما يقارب 20 في المئة من سعتها الكهربائية من الطاقة النووية.

كما أن الصين كان لها نصيب كبير أيضاً من الزيادة في تنويع مصادر توليد الكهرباء الصديقة للبيئة، وذلك بواقع 136 غيغاواط جاء معظمها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتصدرت الصين دول العالم في زيادة السعة الكهربائية لعام 2020 عن طريق الطاقة الكهرومائية بواقع 12 غيغاواط، تليها تركيا بواقع 2.5 غيغاواط.

أما على الصعيد العربي، فقد تصدرت السعودية دول المنطقة من خلال طرح المبادرات والخطط التي تهدف إلى توليد 50 في المئة من السعة الكهربائية من مصادر صديقة للبيئة بحلول عام 2030. وعلى صعيد مشاريع الطاقة المتجددة، فقد كان أولها مشروع "سكاكا" للطاقة الشمسية بإنتاجية تصل إلى 300 ميغاواط، بالإضافة إلى التوقيع على سبعة مشاريع أخرى للطاقة المتجددة بسعة كهربائية قدرها 3.67 غيغاواط من مصادر صديقة للبيئة، ولكن السؤال المهم هو: ما أبرز التحديات التي يمكن أن تقف أمام هذا النمو السريع في استخدام الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء؟

مصلحة استراتيجية

الدول بطبيعة الحال تضع مصلحتها الاستراتيجية والاقتصادية في أعلى أولوياتها، وهذا يعني أن تكلفة الكهرباء تشكل تحدياً كبيراً، فعلى سبيل المثال، تقدر تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية بما يقارب 2000 دولار لكل ميغاواط في حين تقدر تكلفة الكهرباء المولدة من حرق البترول بنحو 1000 دولار، ويعود ذلك للتكلفة الباهظة لإنشاء هذه المشاريع، كما أن هناك تحديات سياسية كبيرة لا يمكن تجاهلها، فعلى الرغم من تحفيز بعض الحكومات للشركات أو حتى الأفراد إلى استخدام التطبيقات المعتمدة على الطاقة النظيفة كالألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، سواء بخفض الضرائب أو إعطاء التسهيلات، فإن شركات النفط الضخمة تشكل لوبيات للضغط على صناع القرار للحفاظ على مصالحهم.

ويرى العلماء والباحثون في الطاقة المتجددة أن أنظمة تخزين الطاقة متمثلة في البطاريات تعد من التحديات الكبيرة لأسباب كثيرة، أهمها احتكار بعض الدول للمواد الخام مثل احتكار الصين لمادة الغرافيت، وهو مكون رئيس للبطاريات، أيضاً إمكانية شح بعض المعادن المهمة جداً بسبب تزايد الطلب عليها كعنصر الليثيوم، علاوة على المساحات الشاسعة التي تبنى عليها مستودعات البطاريات التي تخزن بها الطاقة الكهربائية في مشاريع الطاقة المتجددة.

تفاؤل

وكل ما يحدث هذه الأيام من مشاريع للطاقة المتجددة وزيادة في استخدام المصادر الصديقة للبيئة لتوليد الكهرباء، وما يطرح من مبادرات سياسية واقتصادية وبيئية لمكافحة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وخفض درجات الحرارة، يبعث على التفاؤل، كونها أتت بعد سبات عميق وعدم اكتراث بخطورة الاحتباس الحراري، ولكن لا يمكن أن تتحقق أهداف اتفاق باريس للتغير المناخي، ولا أهداف المبادرات البيئية والمناخية، وهناك دول صناعية كبرى غير ملتزمة بتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ولا تكترث بتنويع مصادر الطاقة، لذلك يجب أن يقف المجتمع الدولي بحزم في وجه هذه الدول لأن خطر التغيرات المناخية لن يقتصر على دول محددة، بل هو خطر يهدد معظم دول العالم، ولك أن تتخيل أن هناك دولاً ومدناً قد تُمحى من خريطة العالم بسبب الاحتباس الحراري.