"كل موجة حر يشهدها العالم اليوم قد زادها احتمالاً وشدة تغير المناخ الناجم عن أنشطة البشر"... بكلمات قاطعة وحاسمة قال الدكتور فريدريك أوتو، المدير المشارك لـ"معهد التغيير البيئي" في "جامعة أكسفورد"، وأحد أبرز خبراء الطقس المتطرف في العالم.
الدكتور أوتو عضو في الفريق الذي كشف اليوم أن أزمة المناخ جعلت موجة الحر الأخيرة التي ضربت أميركا الشمالية أكثر احتمالاً بـ150 مرة. يقول وزملاؤه إنه لولا الاحترار العالمي الذي يتسبب به الإنسان لكان "محالاً تقريباً" أن تطرأ الحرارة غير المسبوقة، التي أودت بحياة مئات الأشخاص في مختلف أنحاء كندا وغرب الولايات المتحدة الأميركية.
والبحث هو الأحدث ضمن سلسلة تحليلات علمية تعزو الحرارة شديدة الارتفاع التي قاستها تلك المناطق أخيراً إلى أزمة المناخ.
وكشفت دراسات سابقة عن أن أزمة المناخ قد زادت احتمال وقوع موجة الحر في المنطقة القطبية الشمالية الصيف الماضي 600 مرة، وجعلت موجة الحر القاسية التي قاستها أوروبا عام 2019 أكثر احتمالاً بمئة مرة. وفي سياق متصل، وجد تحليل صدر في أعقاب حرائق الغابات الأسترالية القاسية التي اندلعت في 2019-2020 أنه في خضم الكارثة المدمرة، ونتيجة أزمة المناخ، تفاقمت درجات الحرارة بنحو درجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه في أوائل القرن العشرين.
ويبين البحث أننا متجهون إلى مزيد من الحرارة الاستثنائية فيما تصبح أزمة المناخ أكثر سوءاً.
حالياً، يتوقع أن تحدث موجة الحر الأخيرة التي مرت بها أميركا الشمالية مرة واحدة تقريباً كل ألف سنة، ولكن، في حال ارتفعت درجات الحرارة العالمية درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، علماً بأنه الحد الأقصى الذي تعهدت به الدول بموجب "اتفاق باريس للمناخ"، من الوارد أن تتكرر درجات الحرارة القصوى هذه كل خمس إلى 10 سنوات، وفق نتائج وردت أخيراً.
المملكة المتحدة، وما تشتمل عليه من مساكن ذات أنظمة تهوية رديئة ومدن مكتظة، لن تفلت من ذلك الارتفاع في الحرارة. وجدت دراسة نهض بها "مكتب الأرصاد الجوية" Met Office البريطاني أن حدوث موجة الحر الشديدة في المملكة المتحدة عام 2018 قد تضاعف بمقدار 30 مرة بسبب أزمة المناخ. وأضاف أنه بحلول منتصف القرن، يمكن أن تصبح درجات الحرارة هذه "الوضع الطبيعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صحيح أنه لا مناص من الزيادات الإضافية في درجات الحرارة الشديدة، ولكن حجم المخاطر التي نواجهها يتوقف إلى حد بعيد على الإجراءات التي يتخذها قادة العالم في هذا الشأن. في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، من المنتظر أن يجتمع هؤلاء في غلاسكو (اسكتلندا) لعقد مؤتمر المناخ العالمي "كوب 26" Cop26، الذي يضم مجموعة محادثات سيكون لها أثر حاسم في وضع العالم على المسار الصحيح إذا ما أريد له أن يلبي تطلعاته في الحد من ظاهرة الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية (بدلاً من درجتين مئويتين مقارنة بمعدلات ما قبل العصر الصناعي).
سبق أن ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية، ويظهر بحث أن التعهدات والوعود الأخيرة التي قدمتها الدول ما زالت غير كافية لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.
صناعة الوقود الأحفوري من جانبها، تواجه أيضاً تمحيصاً شديداً لدورها الذي تؤديه في تحريك أزمة المناخ وتأثيراتها المتصاعدة. وجد التقرير التقييمي الرئيس الأخير الذي أصدرته "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)، السلطة العالمية المعنية بعلم المناخ، أن حرق الوقود الأحفوري يمثل نحو 78 في المئة من الزيادة في مستويات غازات الدفيئة المسجلة في الفترة الممتدة بين عامي 1970 و2010.
عندما اجتاحت الحرارة الولايات المتحدة الأميركية الأسبوع الماضي، ظهر مسؤول تنفيذي عن النفط في "إكسون موبيل" ExxonMobil، أكبر شركة للنفط والغاز في البلد، للمرة الأولى على شريط مسجل يعترف فيه بأن شركته حاربت عمداً علوم المناخ في محاولة لحماية أرباحها.
يشاع أن التقرير التقييمي الرئيس المنتظر لـ"الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، المقرر تقديمه في وقت لاحق من العام الحالي، سيضع أسساً جديدة عبر التصويب نحو الشركات، من بينها "إكسون موبيل"، التي سعت إلى تأخير اتخاذ إجراءات تتصدى لأزمة المناخ عبر ممارسة الضغوط والقيام بحملات تضليل.
في تصريح أدلت به البروفسورة كاثرين هايهو، كبيرة العلماء في مؤسسة "نيتشر كونسيرفانسي"Nature Conservancy، إلى "اندبندنت" يوم الأربعاء قالت إن "تغير المناخ لم يعد مشكلة ستطرأ في المستقبل، بل إن آثارها أصبحت واقعاً ونحن نشهدها الآن، وتكاليفها لا تقاس بالدولار فحسب، بل بالأرواح البشرية أيضاً".
© The Independent