Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما خير "المحافظون الجدد" أميركا بين النصر أو المحرقة

الحركة التي نشأت في الستينيات اتهم روادها بالدفع نحو حروب لا طائل منها

شكلت عقيدة المحافظين الجدد سياسة أميركا العسكرية في خلال العقود الماضية (غيتي)

أعادت وفاة وزير الدفاع الأميركي الأسبق، دونالد رامسفيلد، سيرة "المحافظين الجدد" الذين شاركوا في رسم استراتيجية الولايات المتحدة منذ ستينيات القرن العشرين، ومن هؤلاء بول وولفويتز، مهندس الحرب الأميركية في العراق، وريتشارد بيرل، رئيس مجلس السياسة الدفاعية في عهد جورج دبليو بوش، بالإضافة إلى إليوت أبرامز، الذي أعاده دونالد ترمب العام الماضي، كمبعوث خاص إلى إيران، وغيرهم من الشخصيات الجمهورية المحافظة.

من هم "المحافظون الجدد"؟

تيار "المحافظين الجدد" هو حركة سياسية نشأت في ستينيات القرن العشرين، بين مجموعة من السياسيين الأميركيين الذين بدؤوا التشكيك في معتقداتهم الليبرالية، وسط صعود اليسار الجديد وتبني الحزب الديمقراطي سياسة خارجية مناهضة لاستخدام القوة العسكرية. وأصبح العديد من أتباع الحركة ومنظريها فاعلين سياسياً في الإدارات الجمهورية منذ السبعينيات الميلادية، ووصولاً إلى عهد بوش الابن.

تدعو أطروحات "المحافظين الجدد" إلى تعزيز الديمقراطية والتدخل في الشؤون الدولية، حتى لو اقتضى إحلال السلام استخدام القوة العسكرية. ويُعتقد على نطاق واسع أنهم لعبوا دوراً في دفع الولايات المتحدة إلى حرب العراق عام 2003. وعلى الرغم من أن كبار مسؤولي إدارة بوش الابن، أمثال ديك تشيني نائب الرئيس، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، لم يكونوا من "المحافظين الجدد"، فإنهم حرصوا على الاستماع إلى مستشارين من الحركة، فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، والدفاع عن إسرائيل، وتعزيز النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.

تاريخ الحركة

يمكن تعقب أصول "المحافظين الجدد" بدءاً من حدثين، الأول حرب حزيران (يونيو) 1967 بين إسرائيل ومصر، والثاني إضراب المعلمين في مدينة نيويورك عام 1968، الذي حرض نقابة المعلمين اليهودية ضد القيادة السوداء المتطرفة، لتسعى بعدها منظمات الآباء إلى فرض السيطرة المحلية على مدارس أطفالهم.

وقد وجد الليبراليون المنشقون الذين أصبحوا فيما بعد "المحافظين الجدد" أنفسهم على خلاف مع الجناح اليساري غير الليبرالي، الذي اشتملت خطاباته في بعض الأحيان، وفق مراقبين، على قوالب نمطية معادية للسامية. ولم يصبح هؤلاء "المحافظون الجدد" أكثر تحفظاً فقط، بل باتوا أكثر انسجاماً مع القضايا اليهودية، مما مهد الطريق لاتجاه "المحافظين الجدد" القوي المؤيد لإسرائيل، الذي تجلى بوضوح في سياسات إدارة ترمب، قبل أن يأتي جو بايدن المتهم بتبني أجندة تقدمية، ليعزز التواصل مع السلطة الفلسطينية، ويبقي حل الدولتين على قيد الحياة.

لكن التوصل إلى فهم شامل للحركة ما زال يصعب على "المحافظين الجدد" ومنتقديهم على حد سواء. مؤسس الحركة وأبوها الروحي، إيرفينغ كريستول، وهو أيضاً مؤرخ وعضو في الحزب الجمهوري، أطلق صفات عدة على أيديولوجية "المحافظين الجدد"، منها أنها "أكثر إقناعاً، وباعثة على الأمل، وغير كئيبة، ومتطلعة، ولا تحن إلى الماضي"، مضيفاً بأن "نبرتها العامة مبهجة وليست قاتمة".

ومعروف عن "المحافظين الجدد" أنهم في تحدٍّ مستمر مع الشموليين على الصعيدين الأيديولوجي والاقتصادي، وهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يمكنها، بل يجب عليها استخدام القوة للمحافظة على نفوذها، وحماية مصالحها، وإرساء قيمها في جميع أنحاء العالم، كما أنهم معارضون لاستبداديّ الخارج وانعزاليي الداخل، وظلوا ليبراليين أو حتى يساريين، بحسب مراقبين، حتى الحرب العالمية الثانية.

لكن "المحافظون الجدد" لم يقفزوا إلى أقصى اليمين، بل إن هؤلاء المحافظين ومنهم ريتشارد بيرل بقوا ليبراليين نسبياً فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، ورفضوا دوافع المحافظين الانعزالية، فهم أرادوا إشراك العالم، وليس الانكفاء إلى الداخل و"مواجهة الشيوعيين لا احتواءهم أو المساومة معهم"، بالإضافة إلى "استخدام القوة للحفاظ على مصالح أميركا والمثل العليا في الخارج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر انتخاب الرئيس رونالد ريغان عام 1981 نقطة تحول بالنسبة إلى "المحافظين الجدد"، فقد دعموا سياسته الأكثر تشدداً من سياسة سلفه جيمي كارتر، التي نزعت إلى الانكفاء وعدم التدخل. وبعدما أسهمت عقيدة ريغان الجديدة في إنهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، زادت مصداقية "المحافظين الجدد"، وثقتهم بتفضيل المواجهة على الاحتواء، والديمقراطية على الشمولية، والرأسمالية على الشيوعية.

صقور لا تحلق

منذ سنوات والأحاديث تنتشر حول تمزق حركة "المحافظين الجدد" وانهيار شعبية مبادئها ووجوهها في واشنطن، ومن المرجح أن تزداد تلك الأحاديث بوجود إدارة بايدن الديمقراطية، التي لا ترى إشكالاً في الحوار غير المباشر مع إيران وتفضل سحب قواتها من مناطق الصراع في الشرق الأوسط. والمثال الأحدث لانقلاب إدارة بايدن على رؤى "المحافظين الجدد"، هو انخراطها في جولات متتالية من المفاوضات مع طهران بشأن برنامجها النووي، بخلاف ما يراه إليوت أبرامز، مبعوث واشنطن إلى إيران في عهد ترمب، الذي يشدد على أهمية استمرار سياسة الضغوط القصوى.

وكان أبرامز الذي يعتبر من "المحافظين الجدد"، شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد بوش الابن مع التركيز على الشرق الأوسط، ومنصبي المبعوث الخاص للولايات المتحدة لفنزويلا من 2019 إلى 2021، والمبعوث الخاص لإيران من 2020 إلى 2021، لكنه بات خارج التشكيلات السياسية منذ خسارة ترمب الانتخابات، ويعمل حالياً زميلاً أول لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية.

سياسي آخر من "المحافظين الجدد" يقبع في الظل، رغم أدواره المؤثرة، هو بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الأميركي من 2001 إلى 2005، الذي يلقب بـ"مهندس الحرب في العراق"، ويعتبر منظراً نموذجياً للسياسة الخارجية الأميركية، إذ يؤمن كغيره من "المحافظين الجدد" بأن لدى بلاده مهمة تقضي بنشر الديمقراطية والحريات في العالم.

ويعمل وولفويتز، الذي كان قد نجا من هجوم صاروخي استهدف فندق الرشيد في بغداد التي زارها بعد ستة أشهر من إطاحة نظام صدام حسين في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، باحثاً زائراً في معهد "أميركان إنتربرايز"، وهو مقلّ في ظهوره الإعلامي، لكنه خرج العام الماضي في ندوة نادرة أقامها معهد السياسات والاستراتيجية بجامعة كارنيجي ميلون، موضّحاً دوره في التخطيط للحرب الأميركية في العراق، فقال "لم أكن مهندس أي شيء، بالتأكيد آمنت بشكل عام بما كنا نفعله"، وأضاف، "كان لديَّ شكوك كبيرة حول الطريقة التي كنا نسير بها".

وعندما سُئل السياسي الأميركي عن العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، قال "من المهم مواجهة إيران فيما يتعلق بأنشطتها الشيطانية في المنطقة والعالم، بخاصة شبه الجزيرة العربية، وسوريا والعراق". وأضاف متحدثاً عن سياسة الضغوط القصوى، حتى الآن، لا أستطيع أن أرى أي إشارة جادة إلى أن الضغط الأقصى يبدو فكرة جيدة، إلا أنه مع ذلك "يمنحنا ما نريد".

أمير الظلام

ريتشارد بيرل، أمير الظلام كما يُلقب، غائبٌ آخر عن الساحة، شغل منصب مساعد وزير الدفاع للشؤون الاستراتيجية الدولية في عهد ريغان، ورأس مجلس السياسة الدفاعية من 2001 إلى 2003، ويعدّه البعض المهندس الأيديولوجي لحرب العراق وعقيدة بوش العسكرية.

وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة إلى بيرل بأنه من "المحافظين الجدد" والمدافعين عن مبدأ استخدام القوة لنشر الديمقراطية، فإنه ينفي وجود ما يُعرف بـ"المحافظين الجدد"، أو تأثيرهم في سياسات إدارة بوش. وحتى لو كانوا موجودين بالفعل، فإنه يقف ضد لومهم على كوارث السنوات الثماني، واتهم قبل عقد تقريباً اليسار بالترويج لكذبة وجود سياسة خارجية لـ"المحافظين الجدد".

لكن بيرل يلاحقه وزميله بول وولفويتز دورهما الداعم لمشروع الدفاع الصاروخي الباليستي، الذي أطلق في الثمانينيات الميلادية باسم "مبادرة الدفاع الاستراتيجي". وقد لعب بيرل دوراً في إنشاء عديد من المنظمات ومراكز الفكر من أجل الضغط على الرأي العام والتأثير في صناع السياسات فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية. وأثناء رئاسته مجلس السياسة الدفاعية خلال فترة بوش الابن الثانية، شهدت ميزانية برامج الدفاع الصاروخي زيادات كبيرة.

وفي كتابه "نهاية الشر: كيف تكسب الحرب على الإرهاب"، الذي شارك في تأليفه مع ديفيد فروم في عام 2004، انتقد بيرل "البيروقراطية الأميركية والخدمة المدنية والقانون"، مقترحاً على الأميركيين "إصلاح المؤسسات الحكومية لتهيئتها لحرب نوعية ضد نوع جديد من الأعداء"، بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة المخابرات المركزية، والقوات المسلحة، ووزارة الخارجية.

ويخدم الكتاب كأساس فكري لحرب العراق، ويحدد أفكاراً مهمة لـ"المحافظين الجدد"، وفيه يقول بيرل وفروم "بالنسبة إلينا، يظل الإرهاب الشر الأكبر في عصرنا، والحرب ضد هذا الشر قضية جيلنا الكبرى.. لا يوجد حل وسط أمام الأميركيين، فإما النصر وإما المحرقة".

المزيد من تقارير