جذبت الأحداث الدموية التي تعيشها دول الساحل الأفريقي، أنظار المجموعة الدولية، وأثارت مخاوف إقليمية، ووضعت المنطقة أمام مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات.
وتكشفت تصريحات مسؤولي دول شمال أفريقيا عن وضع خطير تعيشه مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا، لا سيما مع تصاعد الهجمات الإرهابية التي باتت تستهدف المدنيين والقوات العسكرية الحكومية والأجنبية والأممية.
ويتزامن تأزم الأوضاع الأمنية في المنطقة وما تشهده من انقلابات عسكرية ومواجهات مسلحة بين حكومات بعض الدول ومتمردين، مع عمليات خطف وقتل من الجماعات الإرهابية.
ولا يزال رفض الأمم المتحدة رفع عدد "القبعات الزرق" لتعويض انسحاب القوات الفرنسية (خمسة آلاف جندي)، يطرح التساؤلات، خصوصاً في ظل تصاعد الاعتداءات على هذه القوات المنتشرة في دول الساحل.
تحديات وتهديدات جديدة
أمام هذا الوضع الهش، لم يفوت رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة فرصة المشاركة في فعاليات المؤتمر التاسع للأمن الدولي في موسكو، ليحذر من التدهور الأمني في القارة الأفريقية عموماً، والساحل الصحراوي والمغاربي خصوصاً، إذ أكد أن انعكاسات الأزمة الليبية والتدخلات الأجنبية في هذا البلد أثرت على بلدان الساحل، وأسهمت في تأجيج الوضع الأمني في المنطقة. وأعلن استعداد الجزائر للعمل إلى جانب شركائها، من أجل مواجهة التحديات الأمنية التي يعيشها المجتمع الدولي، خصوصاً في المنطقة المغاربية والساحل الصحراوي، من خلال تطوير آليات التعاون اللازمة في ظل احترام الشرعية الدولية.
وأشار شنقريحة إلى أن "الظرف الدولي والإقليمي يعرف تغيرات جيوـ سياسية معقدة ومتعددة الأبعاد، ترتب عليها بروز تحديات وتهديدات جديدة مسّت الأمن والسلم في فضائنا الإقليمي"، معتبراً أنه على الرغم من الاحتواء والتقليل من مخاطر النزاعات المسلحة بين فاعلين حكوميين تقليديين، إلا أن التهديدات المعاصرة أصبحت عابرة للحدود، وغالباً ما تكون متعلقة بفاعلين غير حكوميين، كون التهديد أصبح منتشراً ومتعدد الأشكال وأكثر خبثاً. وأضاف أن هذه المعاينة تنطبق على القارة الأفريقية عموماً، وفضاء الساحل الصحراوي والمغاربي خصوصاً، حيث تعاني هذه المنطقة من ويلات الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر والتهديدات السيبرانية وجرائم منظمة أخرى عابرة للحدود.
قوة الإرهاب
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مبروك كاهي، أن "تصاعد الهجمات الإرهابية في الساحل، هو نتيجة حتمية لسوء إدارة الوضع من جانب فرنسا وفشل مقاربتها الأمنية، وانعدام الاستقرار السياسي والأمني في مالي وتشاد، وهشاشة الوضع في النيجر وبوركينافاسو، وحتى موريتانيا التي تشهد سجالاً داخلياً، وهو ما أعطى الفرصة للجماعات الإرهابية لتوجيه ضربات قاسية، ضحاياها مدنيون عزل".
ويضيف كاهي أن "الإرهاب لم يكن يوماً قوياً، إنما ضعف الأداء الأمني وانعدام التنسيق بين دول الساحل هو ما فتح المجال لتغوّل المجموعات الإجرامية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع، "لا يمكن الحديث في الوقت الحالي عن صراع بين تنظيمي القاعدة وداعش للسيطرة على المنطقة"، مستبعداً تدخل الجيش الجزائري في المنطقة. ويلاحظ أن "الجزائر حذرة جداً في قراراتها الخارجية، وهي تفضل التريث وعدم الاندفاع تحت أي ظرف، والأمر عينه بالنسبة إلى خروج الجيش، إلا في حالة واحدة هي التأكد من نية جماعات إرهابية تنفيذ عمليات داخل الجزائر انطلاقاً من أراضي دولة أخرى".
ويقول، إن "على الجزائر تفعيل منظومة الاتحاد الأفريقي لنقاش الموضوع، ومن ثم رفعه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل الضغط على هذه الأنظمة للعودة إلى المسار الدستوري في أقرب وقت، وبعدها مساعدتها على تأهيل قواتها لطرد الجماعات الإرهابية وحماية حدودها وتمويل اقتصاداتها".
ويقرأ كاهي في الدعوة الفرنسية إلى تشكيل قوة دولية في المنطقة "محاولة لقطع الطريق أمام تدخل الأمم المتحدة وعرض أزمة الساحل على مجلس الأمن الدولي".
فشل المقاربة الأمنية
في السياق، تعتبر الباحثة في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، جولي كولمان، أن النهج الذي يركز على الأمن غالباً ما كانت نتائجه عكسية، لأنه فشل في معالجة المشكلات الأساسية التي دفعت كثيرين من الشباب إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة. وتقول، إنه "منذ تدخل المجتمع الدولي في مالي، ازداد الوضع سوءاً، فقد زاد عدد الماليين الذين ينضمون إلى الجماعات المتمردة، وكذلك عدد الهجمات".
وفي الأثناء، خلصت المتخصصة في شؤون منطقة الساحل في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فيرجيني بوديس، إلى أن الحكومات المحلية والمدعومة من قوات تحالف دولي باتت غير قادرة على حماية السكان المدنيين في ظل تطور الأساليب الخبيثة للجماعات الإرهابية.
دور قيادي
من جانبه، يعتبر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، أن "الاعتقاد بأن انسحاب القوات الفرنسية هو انتصار، إضافة إلى عدم الاستقرار، من بين أهم الأسباب التي أسهمت في تزايد الاعتداءات الإرهابية"، مستبعداً تدخل الجيش الجزائري في المنطقة، إلا في حال الوصول إلى تهديد فعلي وخطير للأمن الاستراتيجي للجزائر، فالمادة الدستورية الخاصة بتدخل الجيش خارج الحدود، وضعت من أجل حالات قصوى، ولتجاوز عائق دستوري وقانوني كان يمنع الخطوة، وبهدف إعطاء التدخل صدقية وفعالية تجعل "الجهات المعادية" تعيد حساباتها.
ويتوقع لونيسي أن يكون للجزائر دور قيادي في المنطقة ضمن سياق عمليات مكافحة الإرهاب، لاعتبارات عدة أهمها قوة جيشها وتجربتها.