Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا تهدد بسحب قواتها من منطقة الساحل والجزائر تلوح بالتدخل

الموقف الفرنسي لا يعدو كونه مناورة سياسية للضغط على الانقلابيين في مالي بمواجهة الإغراءات الروسية

باتت مظاهر الاقتتال والاعتداءات الإرهابية سمة منطقة الساحل (وكالة الأنباء الجزائرية)

كثر الحديث أخيراً حول منطقة الساحل بشكل ينذر بتغييرات مرتقبة في مجالات عدة، ففي وقت تشهد الأوضاع الأمنية هناك تدهوراً كبيراً، تهدد فرنسا بسحب قواتها العسكرية، بينما حذر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون من محاولات تطويق بلاده، معلناً استعداد الجيش للرد على كل اعتداء.

تصريحات تكشف المستور

وقال تبون خلال حوارات أجراها مع وسائل اعلام عربية وغربية، إنه "منذ استقلال الجزائر عام 1962، ونحن نتكفل بمشكلات مالي كجيران وأشقاء، ففيها توجد قبائل نصفها جزائرية ونصفها الآخر مالية، وكنا دوماً نتكفل بحسن نية، ولا نطالب بأي شيء في المقابل"، مضيفاً أن "مالي مندرجة في طوق الجزائر، وقد تزعزع الساحل بصفة عامة، بعد الذي حصل في ليبيا". وكشف الرئيس الجزائري أن "قوافل طويلة تحمل سلاحاً ثقيلاً وخفيفاً تتجه نحو منطقة الساحل، تم رصدها بالأقمار الصناعية، لكن لم يقم أحد بإيقافها، مما يعني تطويق الجزائر، لكن جيشنا مقدس وقوي ويتقوى أكثر".
وتابع تبون، "الجزائر لن تسمح أبداً بأن يصبح شمال مالي ملاذاً للإرهابيين، ولن تسمح بتقسيم ذلك البلد لحل المشكلة في شمال مالي، ويجب إعادة بسط سلطة الدولة هناك"، مشدداً على أن "الدستور الجزائري يسمح الآن بتدخل الجيش خارج حدود البلاد، غير أن الحل لا يكمن هنا". ولفت إلى أن "البعض في المنطقة يعارض التقدم المحرز من قبل الجزائر، لا سيما في ملف مالي، وبالنسبة لنا هناك رغبة في تخريب اتفاق الجزائر الموقع عام 2015".

التدخل الأجنبي

في سياق متصل، رأى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، أن "أحداث ليبيا هي التي أدت إلى أزمة مالي الحادة، حيث تم تهريب كميات ضخمة من الأسلحة التي وقعت بأيدي إرهابيين كادوا أن يستولوا على باماكو عاصمة مالي، مما دفع فرنسا إلى التدخل عسكرياً، الأمر الذي غذى الإرهاب على حدود الجزائر التي أصبحت مهددة من كل الجهات". وقال لونيسي إن "ما ذكره تبون هو في الحقيقة تحذير من تكرار الأمر ذاته بشكل أكثر خطورة، وهو يلمح إلى إمكان تطبيق المادة الدستورية التي تسمح للجيش بتنفيذ عمليات خارج الحدود في حالة تهديد أمن البلاد الاستراتيجي".

واعتبر لونيسي أن "فرنسا بتدخلها في المنطقة زادت الوضع سوءاً، على اعتبار أن وجود قواتها أعطى الجماعات الارهابية تبريرات لنشاطها، وذلك باتخاذها ذريعة وجود دولة أجنبية على أراض إسلامية"، مبدياً اعتقاده بأن "الجماعات الارهابية لا يمكن مقاومتها إلا بجيوش مسلمة لنزع أي شرعية عنها". وأوضح أنه "مهما كانت القراءات فإن الجزائر مهددة في أمنها من خلال محاولة إحاطة حدودها بقوى معادية، وهو ما يُعد حصار غير معلن وضغط يهدف إلى تحقيق مكاسب، بخاصة إذا رافق ذلك وضع داخلي هش". وختم قائلاً إن "الوضع يتطلب جدار وطني يلتف حوله كل الجزائريين مهما كانت اختلافاتهم لمواجهة الخطر، إن لم نقل المؤامرة".

وضع مهلهل

ولم تكن تصريحات الرئيس تبون موجهة للاستهلاك الداخلي والخارجي كما تحاول بعض الجهات الترويج له، نظراً إلى الواقع الذي تعيشه دول الساحل من انقلابات سياسية وعسكرية واعتداءات ارهابية، وخصومات عشائرية وقبلية تهدد بحروب أهلية، وهو الوضع الذي بات يستدعي يقظة واستعداداً لمواجهة أي طارئ.
وتشهد دولة تشاد انفلاتاً أمنياً تسببت فيه الاشتباكات المسلحة بين السلطة والمعارضة التي أدت إلى مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي واستخلافه بنجله، وما تبع ذك من توترات لا تزال متواصلة. كما تعيش مالي على وقع الانقلاب العسكري الثاني في أقل من تسعة أشهر، وما خلفه من شد وجذب تحت صوت الرصاص بين الفينة والأخرى، إضافة إلى استمرار الاعتداءات الارهابية في النيجر، والتي أخرجت الرئيس الجديد محمد بازوم عن صمته فقال إن بلاده ضحية الوضع في مالي الذي تنطلق منه المجموعات الإرهابية، حيث أسفر آخر اعتداء ارهابي شهدته البلاد ومسّ قرى في منطقة تيلا القريبة من حدود مالي، عن سقوط 141 قتيلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ولم تسلَم دولة بوكينا فاسو، التي تعرضت يوم الجمعة الماضي إلى اعتداء إرهابي هو الأكثر دموية منذ عام 2015، إذ أُحصي سقوط 160 ضحية بينها 20 جثة لأطفال، وفق ما ذكرت مصادر محلية، في الهجوم على قرية "سولان" في شمال شرقي منطقة الساحل في بوركينا فاسو، قرب الحدود مع النيجر.

 تهديد؟

أمام هذا الوضع المتأزم الذي ينذر بمستقبل قاتم مجهول مفتوح على كل الاحتمالات "اللاهبة"، هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بسحب قوات بلاده من مالي في حال سار هذا البلد باتجاه "الإسلاموية الراديكالية"، بعد أن مرر رسالة سابقة إلى قادة دول غرب أفريقيا مفادها أنه لن يبقى "إلى جانب بلد لم تعد فيه شرعية ديمقراطية ولا عملية انتقال سياسي".

الوصف قبل التحليل

في الشأن ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، إنه "يجب وصف تصريحات الرئيس تبون قبل تحليلها، والوصف المثالي هو التصريح القوي، الذي يكشف أن قواعد اللعبة تغيّرت ولم تعد كما كانت، وأن الجزائر لن تكتف بالتنديد أو الحياد، وستدافع عن أمنها وأمن محيطها". وشدد كاهي على أنها "رسالة قوية لمن يعمل على تغذية هذه الجماعات الارهابية"، مضيفاً بخصوص تصاعد وتيرة الأعمال الارهابية في الساحل الأفريقي أن "الأمر مؤسف ومؤلم لضحايا أبرياء من فلاحين ورعاة غنم وإبل لا شان لهم بالسياسة، وهذه الأعمال تؤشر إلى فشل ذريع لقوى لا تريد الخير للمنطقة". وختم أنه يمكن القول إن "منطقة الساحل ستستعيد عافيتها بمجرد انتهاء الأزمة الليبية".

شرعنة التدخل

في المقابل، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المهتم بالشأن الأفريقي، عبدالوهاب حفيان، أن "تصريحات الرئيس تبون صحيحة، وقوافل الأسلحة مرت تحت أعين الجميع، والغرض ليس منطقة الساحل بالدرجة الأولى بقدر ما هو سعي إلى تحويل الساحل إلى منطقة لتصدير الفشل نحو دول الجوار، والمعني الأول هو الجزائر"، موضحاً في ما يتعلق بالتدخل أن "الموقف لا يزال يواجه تحديات عدة، بخاصة في الشق المتعلق بشرعنته". وفي شأن الانسحاب الفرنسي رأى حفيان أنه "لا يعدو كونه مناورة سياسية للضغط على الإنقلابيين في مالي قصد تحقيق مكاسب أكثر، ولَيّ أذرعهم في مواجهة الإغراءات الروسية". وتوقع أن "منطقة الساحل تتجه نحو مزيد من الأزمات المركّبة التي تجلب التدخلات، بشكل يجعلها تهدد عدداً من دول الجوار".

المزيد من العالم العربي