تعمل الصين على كبح قدرة شركات الإنترنت العملاقة في البلاد على استخدام البيانات الضخمة للإقراض وإدارة الأموال والأعمال المماثلة، مما ينهي حقبة من النمو السريع الذي قالت السلطات إنه يشكل مخاطر على النظام المالي.
وأمس الخميس، أمر البنك المركزي الصيني والجهات التنظيمية الأخرى 13 شركة، بما في ذلك العديد من أكبر الأسماء في قطاع التكنولوجيا، بالالتزام بقواعد تنظيمية أكثر صرامة بشأن البيانات وممارسات الإقراض.
يقول المحللون إن هدفهم هو الحد من نموذج الأعمال الثوري الذي يسمح لشركات التكنولوجيا الصينية بتطوير واستخدام تطبيقات دفع قوية ومعلومات أخرى حول مئات الملايين من المستخدمين. ومن بين الشركات التي طالبها المنظمون بإجراء إعادة الهيكلة تكتل التكنولوجيا "تينسينت هولدينغز ليميتد"، التي تمتلك تطبيق الوسائط الاجتماعية الشهير "وي تشات"، و"بايت دانس ليميتد"، مالكة تطبيق الفيديو القصير "تيك توك"، والأذرع المالية لعملاق توصيل الطعام "ميتيوان"، و"ديدي تشاتشينغ تكنولوجي"، شركة تأجير المركبات التي يقع مقرها الرئيسي في بكين مع أكثر من 550 مليون مستخدم، وشركة التجارة الإلكترونية "جي دي دوت كوم".
لم يرد المتحدثون الرسميون باسم "تينسينت" و"ميتيوان" و"ديدي" و"جي دي دوت كوم" على الفور على طلبات التعليق من "وول ستريت جورنال". كما رفضت "بايت دانس" هي الأخرى التعليق. وذكر مقال نشرته وكالة أنباء الصين الرسمية "شينخوا" في وقت متأخر أمس، أن جميع الشركات الـ 13 وافقت على تصحيح ممارساتها التجارية كما هو مطلوب.
هذه الخطوة هي الأحدث في جهد أوسع من قبل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، لتغيير ما يسمى باقتصاد المنصة، أو الشركات القائمة على الإنترنت التي نمت على مدى العقد الماضي إلى عمالقة مع إشراف تنظيمي خفيف نسبياً.
وفي العام الماضي، تدخل الرئيس شي جينبينغ شخصياً لعرقلة محاولة مؤسس السوق الإلكترونية "علي بابا"، الملياردير جاك ما، للقيام بطرح عام أولي لشركته للتكنولوجيا المالية، "آنت جروب". وقال بعض المسؤولين الصينيين إنهم كشفوا خطط "ما"، وما سمّوه بالمشكلات العميقة الجذور التي يمكن أن تعرض الأمن المالي للبلاد للخطر.
وتأتي هذه الحملة في الوقت الذي يطالب قادة الصين بإذعان كبار رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا لمطالب الحكومة كي يتماشوا مع أهداف وأولويات الدولة، حيث أصبح عمالقة الإنترنت هؤلاء المسلحين بمجموعة من البيانات وتأثير يمتد لجميع جوانب الحياة الصينية، يشكلون مصدر قلق متزايد للأمن القومي لبكين.
13 شركة مطالبة بتصحيح أعمالها
البيان الصادر عن بنك الشعب الصيني أمس الخميس رصد عدداً من "المشكلات المنتشرة" بين شركات التكنولوجيا، بما في ذلك تقديم الخدمات المصرفية وغيرها من الخدمات المالية من دون ترخيص، وعدم كفاية إدارة الشركات والانخراط في منافسة غير عادلة. ويتعين على جميع الشركات الـ 13 "إجراء فحص ذاتي شامل وتصحيح" أعمالها على أساس القوانين واللوائح، كما يقول البيان.
حتى يوم الخميس، كانت بكين قد ركزت تدقيق التكنولوجيا المالية على "آنت غروب"، لكن قبل حوالى أسبوعين، أمر المنظمون الماليون شركة "آنت" بتجديد أعمالها كشركة قابضة مالية تخضع لنفس النوع من اللوائح مثل البنوك، على أمل أن تكون إعادة الهيكلة المطلوبة بمثابة تحذير لشركات التكنولوجيا الأخرى.
ويرى المنظمون أن نوع نموذج الأعمال الذي تبنته شركة "آنت" يعرض أمن البيانات للخطر، ويضيف مخاطر كبيرة إلى النظام المالي الذي يعاني بالفعل ارتفاع مستويات الديون. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الكثير من مخاطر تعثر المقترضين قد تم تحويلها إلى البنوك التجارية شريك شركات التكنولوجيا والتي توفر القليل من أموالها الخاصة لتمويل القروض، لكنها تدر أرباحاً جيدة في الجيب كوسيط بين البنوك والمقترضين.
وحتى بعد أن أُمرت شركة "آنت" بإعادة الهيكلة، قال مقال نشرته وكالة أنباء "شينخوا" الرسمية: "إن بعض شركات المنصات المالية عبر الإنترنت تعاني مشكلات مماثلة تنتظر وتترقب وتفتقر إلى الوعي لتنفيذ التصحيح". المنظمون، بقيادة نائب رئيس مجلس الدولة ليو هي، القائد الاقتصادي للرئيس الصيني، يريد أيضاً إخضاع جميع شركات التكنولوجيا الكبيرة المشاركة في التمويل لمتطلبات رأسمال واحتياطي أكبر، إضافة إلى لوائح البيانات.
تطبيقات الدفع وغزو البنوك الصينية
في صميم حملة التضييق على التكنولوجيا المالية، تكمن شركات الدفع الخاصة بهم، التي عززت غزوات الشركات الصينية الكبرى للتكنولوجيا في مجال التمويل، وظهرت كمنافسين شرسين لبنوك الدولة، التي عالجت المدفوعات تقليدياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"وي تشات" و"تينسينت" منصات المراسلة في كل مكان، لديها أكثر من مليار مستخدم، يستخدم الكثير منهم خدمة المدفوعات الشهيرة، "وي تشات باي". ووفقاً لـ "أس أند بي غلوبال ماركت إنتليجانتس"، قال 95 في المئة من مستخدمي الإنترنت الصينيين الذين شملهم الاستطلاع العام الماضي إنهم يستخدمون "وي تشاي باي"، الشبيه بـ "علي باي" الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدى "آنت".
ويبيع موقع "جي دي دوت كوم" للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت بعض منتجات إدارة الثروات ويقدم قروضاً للمستهلكين، في حين أن شركة "دي دي" لشركات النقل وشركات التكنولوجيا الأخرى قد غامروا في الإقراض غير المضمون والخدمات المالية الأخرى.
بموجب المبادئ التوجيهية الصادرة عن المنظمين يوم الخميس، يجب على شركات التكنولوجيا "قطع الاتصال غير السليم بين أدوات الدفع والمنتجات المالية الأخرى". تشير اللغة الغامضة إلى أن قدرة الشركات على توجيه الأموال من تطبيقات الدفع الخاصة بها إلى أنشطة الإقراض وإدارة الأموال سوف تتقلص بشدة.
يريد المنظمون أيضاً تقييد استخدام تطبيقات الدفع من قبل قطاع الشركات، مما قد يضر بشكل كبير بنمو أعمال الدفع لشركات التكنولوجيا، إضافة إلى ذلك، من خلال محاولة كسر ما يسميه بيان البنك المركزي السيطرة على البيانات، أشار بنك الشعب الصيني إلى نيته في إقناع عمالقة التكنولوجيا بمشاركة مجموعاتهم من بيانات الائتمان الاستهلاكي.
يعتقد المنظمون أن سيطرة الشركات على مثل هذه البيانات تمنحهم ميزة تنافسية غير عادلة على المقرضين الصغار أو حتى البنوك الكبيرة من خلال مساحات من المعلومات الشخصية التي يتم تسخيرها من تطبيقات الدفع الخاصة بهم. على سبيل المثال، يستخدم "علي باي" أكثر من مليار شخص ولديه بيانات ضخمة عن عادات الإنفاق لدى المستهلكين وسلوكيات الاقتراض وتاريخ سداد الفواتير والقروض.
وقال مارتن تشورزيمبا، الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي والمتخصص في الاقتصاد الصيني: "إننا نشهد بداية ما يمكن أن يكون تحولاً جوهرياً في نموذج التكنولوجيا المالية في الصين". وأضاف "يبدو أن هذه محاولة لعكس المسار تماماً عن نموذج التطبيق الصيني الفائق الذي أثبت أنه ثوري للغاية".