Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاقة بين مصر والسودان... ما قبل البشير وبعده

مصادر: القاهرة تدرس خطواتها بعناية وتدفع باتجاه بقاء المجلس العسكري لحين استقرار الأوضاع... متحدثة الخارجية الفرنسية: القصة متروكة للاتحاد الأفريقي والدبلوماسية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الرئيس السوداني السابق عمر البشير يناير الماضي بالقاهرة  (الصفحة الرسمية لمتحدث الرئاسة المصرية على فيسبوك)

على مدار أكثر من أسبوعين منذ إعلان القوات المسلحة السودانية عزل الرئيس عمر حسن البشير من السلطة في 11 أبريل (نيسان) الحالي، وتسلمها إدارة شؤون البلاد لحين نقلها لسلطة مدنية منتخبة، تحاول الإدارة المصرية حصر خياراتها في السودان. "الرقم الصعب ذو البعد الأمني والاستراتيجي" للدولة المصرية، وفق مصدر دبلوماسي رفيع المستوى، فسّر سرعة الردّ والتفاعل المصري للتأكيد على الوقوف إلى جانب الشعب السوداني و"تدارك أخطاء" الاضطرار إلى التعامل مع البشير سياسياًّ.

أخيرا  وإلى جانب "اتصالات مكثفة بين الجانب المصري والمجلس الانتقالي في السودان"، بحسب وصف دبلوماسي سوداني في القاهرة، نجحت مصر في استضافة قمة أفريقية مصغرة، جمعت 11 رئيس دولة ومسؤولا رفيع المستوى لمناقشة تطورات "الأزمة السودانية"، وأسفر اللقاء عن إقرار التمهل في الضغط على المجلس العسكري الانتقالي في السودان لتسليم السلطة لحكومة مدينة، وتمديد مهلة الاتحاد الأفريقي في ذات الشأن التي كانت 15 يوماً إلى 3 أشهر، تجنبا لانجرار السودان في دوامة الفوضى.

وبين حالة "غير مستقرة" في السودان، وضغوط دولية على القاهرة، باعتبارها رئيس الاتحاد الأفريقي هذا العام، ورؤية مصرية خاصة للتعاطي مع التطورات السودانية، توافقت مصادر دبلوماسية مصرية وسودانية، تحدثت لـ"اندبندنت عربية"، على "زخم الدور الذي تلعبه القاهرة" خلال الأيام الأخيرة، فيما ذكر دبلوماسيون غربيون "أن هناك عزماً غربياً على التواصل عبر القاهرة لتسريع عملية الانتقال السياسي في السودان وتسليم الحكم لسلطة مدنية، وهو ما يختلف قليلا عن رؤية القاهرة" هناك، فما الذي يجري خلف الكواليس؟

كيف رأت القاهرة عزل البشير؟

"كان البشير مراوغاً طوال الوقت، لكننا كنا بحاجة ليس لشخصه، بل لاستقرار السودان، لأن أي اضطراب قد ينشأ يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري على أصعدة عدة"، على هذا النحو تحدثت دبلوماسية رفيعة المستوى، لـ"اندبندنت عربية".

وبحسب الدبلوماسية، التي طلبت عدم ذكر اسمها، فإن "التحرك المصري باتجاه السودان في الأيام الأخيرة، وتحديدا بعد عزل البشير في 11 أبريل (نيسان) الحالي، ينطلق بالأساس في احتواء أي فوضي أو عدم استقرار محتمل بشكل استباقي والضغط لعدم انتقال الأوضاع إلى صورة تخرج عن سيطرة الجميع"، وأوضحت "ومن ثمّ فإن الرؤية المصرية تتلخص في دعم دور محوري للمجلس العسكري الانتقالي السوداني، واستمراره في إدارة شؤون البلاد لفترة تسمح باستقرار السودان، لكن في المقابل تصطدم تلك الرؤية بمواقف غربية مغايرة ضاغطة على القاهرة، واستمرار تصعيد شعبي داخل السودان".

وبحسب مصدر دبلوماسي مصري ثانٍ، فهناك "كثافة في الاتصالات بين المسؤولين المصريين والمجلس الانتقالي في السودان"، وهو ما أكده دبلوماسي سوداني في القاهرة، كاشفا عن تواصل "على مستوى رفيع للغاية"، تم بين القاهرة والخرطوم قبيل القمة الأفريقية المصغرة التي عقدتها مصر الأسبوع الماضي، وتوافق الطرفين بشأن ما طرحته القاهرة يوم القمة".

والثلاثاء الماضي (الموافق 23 أبريل)، استضافت القاهرة قمة أفريقية مصغرة، لمناقشة تطورات الأوضاع في السودان، ونجحت القمة التي حضرها نحو 13 رئيساً ومسؤولاً أفريقياً رفيع المستوي، في مد مهلة الاتحاد الأفريقي لتسليم السلطة لحكومة انتقالية في السودان من 15 يوما إلى 3 أشهر".

وشارك في أعمال القمة التشاورية بالقاهرة رؤساء كل من تشاد، وجيبوتي، ورواندا، والكونغو، والصومال، وجنوب إفريقيا، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وممثلين عن إثيوبيا، وجنوب السودان، وأوغندا، وكينيا، ونيجيريا.

وفي 15 أبريل، أمهل "مجلس السلم والأمن" التابع للاتحاد الأفريقي، "المجلس العسكري الانتقالي" في السودان 15 يوما لتسليم السلطة لحكومة مدنية أو تعليق عضويته، عقب 4 أيام على عزل البشير من الرئاسة، على وقع احتجاجات شعبية متواصلة منذ نهاية العام الماضي.

وفقًا لقواعد الاتحاد الأفريقي، فإن الإقالة القسرية لرئيس دولة من جانب هيئة عسكرية تعد انقلاباً، خاصةً إذا استمر ممثلو القوات المسلحة في إدارة شؤون الدولة، ومن ثمّ تُعلق عضويتها في الاتحاد الأفريقي مؤقتاً، لحين تسليم الحكم لسلطة مدنية.

مصدر دبلوماسي مطلع أوضح أنه "تزامنا مع سرعة التغيرات التي يشهدها السودان ضغطت مصر على أغلب الدول الأفريقية التي اجتمعت في القاهرة باتجاه تمديد فترة إمساك المجلس العسكري الانتقالي في السودان إدارة شؤون البلاد، لحين استقرار الأوضاع، فضلا على التأكيد بعدم إصدار تصريحات تزيد من تعقيد الأوضاع في السودان وتدفع باتجاه مزيد من الاحتجاجات والتصعيد ضد حكم المجلس العسكري الانتقالي"، وهو وفق المصدر، ما "نجحت فيه القاهرة في نهاية المطاف"، حيث "اقتنع الرؤساء الذين حضروا"، وفق تعبير المصدر الدبلوماسي، "أن مدة 15 يوماً غير كافية، ومن ثم تم التوافق على مهلة الثلاثة أشهر لتشكيل الحكومة، وظهور الملامح المدنية للمرحلة الانتقالية".

ويتصاعد التوتر في السودان على وقع مد وجذب بشأن التفاوض بين حركة الاحتجاج المطالبة بسرعة تسليم السلطة للمدنيين، والمجلس العسكري الانتقالي الحاكم الذي يطالب برفع الحواجز التي تغلق الطرق المؤدية إلى مقر قيادته حيث يعتصم آلاف المتظاهرين.

عقبات أمام التحرك المصري

ووفق مصدر دبلوماسي مصري آخر، تحدث إلى "اندبندنت عربية"، فإن الموقف المصري في السودان واجه تحديا خلال الأيام الأولى لعزل البشير، لا سيما بعد أن قدمت القاهرة دعما "مباشرا وغير مباشر" إلى الرئيس المعزول في أيامه الأخيرة، وهو ما أغضب أطرافاً سودانية في الداخل، ومن ثمّ فإن القاهرة تتعامل بحذر وترقب شديدين تجاه السودان، منشدة ألا تخرج الأوضاع عن السيطرة، لما تمثله السودان من أهمية محورية بالنسبة لمصر بالنسبة لأمنها المائي والحدودي"، بحسب تعبير المصدر الدبلوماسي.

المصدر الدبلوماسي أوضح أن "أحد أبرز الأوراق التي مكنت مصر من سرعة استجابتها لتطورات الأوضاع في السودان هي رئاستها للاتحاد الأفريقي هذا العام، وهو ما يسمح لها بدور أكبر في الدول الأفريقية التي تواجه أزمات داخلية"، كاشفاً "كانت هناك نوايا قوية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة السودان باعتباره رئيساً للاتحاد الأفريقي لتفقد الأوضاع عن قرب، إلا أن الزيارة ألغيت لتطورات الأوضاع الميدانية في السودان، فضلا عن نصيحة داخلية بعدم إتمام الزيارة في الوقت الراهن لعدم استقرار الأوضاع السودانية".

ووفق المصدر نفسه، فـإن "ما استقرت عليه الرؤية المصرية هو عقد قمة أفريقية عاجلة في القاهرة، وإصباغ التحرك المصري بالتوجه الإقليمي للتعاطي مع الأزمة، مع مساعٍ مصرية للضغط باتجاه ترجيح خياراتها أو الاقتراب منها في الأزمة السودانية، فضلا عن العمل باتجاه بناء جسور الثقة مع النخبة المسيطرة في الخرطوم، خاصة أن معظم مساعدي البشير، والنخبة التقليدية لنظامه أصبحوا الآن خارج الصورة أو خلف القضبان". مشيرا في الوقت ذاته إلى "امتلاك القاهرة علاقات قوية مع أغلب الزعامات السودانية، إلا أن عدم استقرار الأوضاع دائما ما ينذر بالخطر"، وفق تعبيره.

المصدر الدبلوماسي، أضاف "تحاول القاهرة خلال معالجتها للأزمة السودانية من التأكد من أن البلاد لن تقع في فوضى أو حرب أهلية جديدة. لا سيما أن لها تاريخا من النزاعات العرقية، ويمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة في خضم الصراع على السلطة"، وهو ما تبلغه القاهرة لأغلب عواصم العالم المعنية باستجلاء الموقف المصري في الأزمة السودانية".

في الاتجاه ذاته، يؤكد مصدر دبلوماسي سوداني رفيع، لـ"اندبندنت عربية"، "كثافة وزخم التواصل بين المسؤولين المصريين وأطراف المعادلة السودانية في الوضع الراهن"، مشددا أن "هناك حرصا ورغبة حقيقية وفاعلة من مصر لاحتواء الأوضاع في السودان والضغط لعدم خروجها عن السيطرة".

المصدر السوداني أوضح "كانت هناك نوايا، وربما لا تزال، في المجلس العسكري الانتقالي في السودان، بإجراء رئيسه الفريق عبد الفتاح البرهان، زيارة إلى القاهرة وعواصم أخرى (لم يحددها)، لتوضيح الموقف السوداني وجهود المجلس العسكري الانتقالي في احتواء الأوضاع، إلا أن تصاعد الاحتجاجات بين الحين والآخر، قادت إلى تأجيل زيارات الفريق البرهان، واستعاضة الأمر بالتشاور هاتفيا مع الزعماء والقادة المؤثرين في المشهد السوداني".

وبحسب المصدر السوداني أيضا، فإنه وقبل القمة التشاورية العاجلة التي استضافتها القاهرة، الأسبوع الماضي بشأن السودان، سبقها اتصالات رفيعة المستوى بين الخرطوم والقاهرة، للتوافق بشأن ما يمكن طرحه على القمة الأفريقية المصغرة، وهو ما حدث بالفعل، على حد وصفه، في إشارة للتوافق بين البلدين، وفي إشارة أيضا إلى أحد نتائج القمة والتي اعترفت بدور الجيش السوداني في تلبية مطالب الشعب السوداني والحفاظ على وحدة الشعب السوداني وسلامة أراضيه.

وتابع المصدر السوداني "ما جعل التوافق بين القاهرة والخرطوم قبل القمة المصغرة أن ينجح فيما هدف إليه، هو أن عددا من القادة الذين حضروا القمة كانوا متقبلين فكرة عدم انتقال السلطة فوراً إلى حكومة مدنية في السودان، شريطة أن يتنازل المجلس العسكري عن السلطة في النهاية دون عرقلة استقرار البلاد".

هل تنجح مصر في رؤيتها للسودان؟

ووفق تعبير مصدر دبلوماسي مصري، فإن أبرز عقبة تواجه التحرك المصري الراهن في السودان، هو ما بات يعتقده البعض ولا سيما بين صفوف المواطنين في الشارع السوداني، أن القاهرة كانت تدعم البشير في آخر أيامه، لكن في الواقع، وبالنسبة لمصر الوضع لا يتعلق بشخص بقدر ما يتعلق بالحفاظ على استقرار الأوضاع وعدم سقوط الدول العربية واحدة تلو الأخرى في براثن الفوضى.

خلال الشهور الأخيرة من حكمه، تقارب البشير على نحو أكبر مع وجهة النظر المصرية بشأن سد النهضة المثير للجدل في إثيوبيا، مقابل دعم واضح من قبل الحكومة المصرية لنظام البشير.

ومن بين أمثلة التعاون المثمر بين البلدين في الشهور الأخيرة، إجراء ترتيبات أمنية مشتركة. تتشارك مصر والسودان في حدود ممتدة ومتنازع عليها جزئياً. وفي زيارة البشير الأخيرة إلى القاهرة، أواخر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، وذلك في ذروة تصاعد الاحتجاجات الداخلية ضد حكمه، وضعت مصر والسودان إطاراً للتعاون الأمني لمنع تهريب الأسلحة والمسلحين والمواد المحظورة عبر الحدود.

ووفق مصدر دبلوماسي، "لم يكن هناك اتفاق كامل في القاهرة بشأن المضي قدما في دعم البشير، نظرا لما كان يواجه حكمه من مصاعب داخلية، لكن في النهاية كان هو النظام القائم حينها وعلينا التعاطي مع الأمر وفق ما هو قائم"، بحسب تعبيره.

وتابع المصدر: "في الوقت الراهن أعتقد أن الحكومة المصرية متوافقة على أنه من الضروري إرسال رسائل متواصلة وقوية من القاهرة إلى الشعب السوداني، ترتكز بالأساس على توضيح أن كل ما فعلته مصر خلال الأشهر الماضية، وحتى في الوقت الراهن ينطلق من ثوابت القاهرة الخارجية وحسن نواياها بهدف دعم استقرار وأمن السودان".

الغرب "يضغط بحذر" على القاهرة

وفي الوقت الذي تجاوزت فيه التطورات السودانية محليتها، وباتت ذات اهتمام إقليمي وعالمي، لأهداف عدة، تواجه مصر دعوات دولية بـ"الضغط حينا"، والتشاور حيناً آخر، بهدف الضغط باتجاه سرعة تسليم السلطة للمدنيين في السودان، وبحسب المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أنياس فون دير موهل، فإن بلادها "تتعاون مع مصر في إطار رئاستها الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية، لدعم الوصول إلى مرحلة انتقالية سلمية سريعة في السودان، مؤكدة على ضرورة أن يكتب الشعب السوداني تاريخه بنفسه".

وقالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إنّ "الوضع حاليا في السودان غير مستقر، ونحن مع شركائنا الدوليين والأوروبيين نقيم اتصالات مع الدول الأفريقية وشركائنا بالمنطقة، مثل مصر". وتابعت: "سنفعل كل ما في وسعنا للحديث عن أن تكون عملية الانتقال في إطار سلمي ودون اللجوء إلى العنف من ناحية، واحترام الشعب السوداني من ناحية، لكن في الوقت ذاته نترك المجال للعمل الدبلوماسي والاتحاد الأفريقي، الذي سيكون له دور في هذا الإطار"، في إشارة لرئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.

الموقف ذاته أكده دبلوماسي غربي رفيع المستوي في القاهرة، بأن بلاده تتشاور باستمرار مع القيادة المصرية بشأن تطورات الأوضاع في السودان لعدة اعتبارات "أولها المساحة التي تملكها القاهرة من خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي، والثانية لدور مصر وقربها من الأوضاع ومن ثم إمكانية تسهيل انتقال الحكم إلى سلطة مدنية"، مضيفا "لم ندرك الأوضاع مثل القاهرة، ومن ثم فدور القاهرة محوري، لكن علينا أن نضغط باتجاه سرعة تسليم السلطة في الخرطوم للمدنيين".

الدبلوماسي الغربي، أوضح وفق تعبيره، لـ"اندبندنت عربية"، عدم توافق بلاده وكذلك أطراف أوروبية أخرى، مع "مفهوم الاستقرار الذي تتبناه مصر، والذي يتلخص في دعم النظام القائم دون الالتفات لتطلعات وآمال الشعوب في التحرر".

وتذكر الدبلوماسي الغربي، زيارة البشير الأخيرة للقاهرة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، فضلا عن الجدل الأوروبي خلال القمة الأوروبية العربية بشرم الشيخ فبراير (شباط) الماضي، والتي كانت متحفظة على احتمالية حضور البشير للقمة، قائلاً "دائما ما كانت تحذر القاهرة من خطورة التخلي عن البشير، وهو ما ينطلق من رؤية مصر للاستقرار في المنطقة، وليس مرتبطا بشخص البشير، حيث كانت القاهرة ترى ضرورة عدم تصعيد الأوضاع في السودان لتفادي اضطرابات كل دول المنطقة في حل منها". لكن على أي حال كان دعم البشير حينها ينطوي على خطر الانعزال عن التطورات السودانية، وهو ما أدركته القاهرة في القمة الأوروبية العربية بشرم الشيخ، والتي لم يحضر البشير فيها.

المزيد من سياسة