Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خلية الزلفي" الانتحارية... الأبناء على خطى الآباء

"فكوا العاني" قصص تقتفي آثار داعش في حي المهاجرين وغيره

صورة من الاستراحة التي اتخذتها خلية الزلفي مكاناً لتصنيع المتفجرات وعقد اجتماعاتها (واس)

أعادت "خلية الزلفي" التي تعاملت معها السلطات الأمنية السعودية أخيراً، أجواء الإرهاب في المنطقة الوسطى إلى الواجهة. يأتي ذلك بعد سنوات من تركز أكثر المواجهات دموية في المنطقة الشرقية، حيث الحقول الغنية بالنفط. أما المواجهات مع المطلوبين أمنياً فتركّزت في العوامية، في حين بقيت ملاحقة عناصر تنظيم داعش في عمليات استباقية متنقّلة.

وأعلنت وزارة الداخلية السعودية، بعد يومين من الحادثة، تنفيذ أحكام الإعدام في حق 37 من المتطرفين السابقين، بعدما أقرها المجلس الأعلى للقضاء. والمحكومون ينتمون إلى تنظيمي القاعدة وداعش وخلايا شيعية. وأرادت الداخلية من خلال تلك الأحكام وتنفيذها، وفق البيان الرسمي، توجيه رسالة تأكيد أن "العقاب الشرعي سيكون مصير من يحاول العبث بأمن البلاد والمقيمين فيها".

أما محافظة الزلفي، التي تقع شمال العاصمة الرياض (260 كم) بالقرب من منطقة القصيم (60 كلم)، فليست اسماً غريباً على المواجهات مع التطرف وتنظيماته المسلحة، منذ وقت مبكر من تاريخ البلاد، حتى اليوم.

ففي حين أن المجموعة التي أعلنت رئاسة أمن الدولة السعودية (المباحث) قتلَ عددٍ من عناصرها والقبض على آخرين في حي الريان جديدة، فإن عدداً من أسمائها وثيق الصلة بمجموعات من القتلى والمطلوبين أمنياً، مثل عضو الخلية الجديدة عبدالله الحميدي، الذي كان أبوه تكفيرياً مشهوراً بالتحريض على العنف وتشكيل بيئة حاضنة للمتطرفين، في حي قصي شمال المدينة، سٌمي بـ"حي المهاجرين"، باعتبار أكثرية سكانه من غير أهالي المدينة وسكانها الأصليين.

أعدم الأب ولم يعتبر الأبناء

والحميدي الأب كان من كبار رجال تنظيم القاعدة والمتطرفين من السنة والشيعة الذين تم إعدامهم في وقت سابق، مثل نمر النمر وفارس الشويل 2016، بعدما دانهم القضاء بالإرهاب والقتل وتهديد الأمن والاستقرار، والخروج على الحاكم.

ولم يكن هذا ابن الحميدي الوحيد الذي يقتفي أثره، فهناك ابنه الآخر محمد، الذي ما زالت محاكمته جارية، على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف جموعاً من المصلين الشيعة في بلدة القديح التابعة للقطيف شرق السعودية، وهو الذي تبناه تنظيم داعش وخلف 22 قتيلاً وجرح 102.

كذلك أمرُ الأخوين سامر وسلمان المديد اللذين قتلا إثر مشاركتهما في تنفيذ الهجوم الذي استهدف مقر المباحث الأمنية في مدينة الزلفي. فوالدهما عبدالعزيز المديد، أحد الموقوفين الخطرين لدى أجهزة الأمن السعودية ممن تجري محاكمتهم، بعدما روّج لأنشطة تنظيم القاعدة، تحت غطاء حملة "فكوا العاني" المواكبة لموجة ما يسمى "الربيع العربي"، بتوظيف من القاعدة، وبعد ذلك داعش، وفقاً لتقديرات السلطات السعودية.

وكان الأخوان المديد، حسب ما أكدت مصادر لـ"اندبندت عربية"، اعتقلا في وقت سابق، حين شاركا في تأجيج مشاعر التطرف ونشرها بين المجاميع، لكنْ أُفرج عنهما في وقت لاحق قبل أن ينفذا عملية ضد الجهاز الذي تخصص بكشف مخططات التنظيمات الإرهابية، في ما يشبه عملية ثأر من أجل تنظيم داعش الذي بايع العناصر زعيمه أبا بكر البغدادي.

"فكو العاني" فخ التجنيد

وكان لافتاً أن نحو 35 عنصراً متطرفاً أعلنوا انتماءهم لداعش أو القاعدة أو قتلوا ضمن خلايا إرهابية، كانوا من مجموعة "فكوا العاني"، التي نظر إليها عدد من سكان الإقليم (القصيم والزلفي) بحسن نية قبل اتضاح مآربها التي هي أبعد من المطالبة بإطلاق سراح موقوفين في سجون المباحث، إذ أغلبية من أطلق منهم عادوا إلى التطرف مجدداً.

ولاحظت دراسة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عن المجندين السعوديين لدى داعش، أن الأخير تبنى عبر أجندته التعبوية "فكوا العاني" بشكل كامل، بوصفها فرصة لا تعوض لتجنيد عناصر جديدة. وقد استغل حساسية مشاركة المرأة، لكن إحدى الناشطات في الحملة هي ريم الجريش قطعت الشك باليقين، إذ أعلنت صراحة تبنّيها أيدولوجية التنظيم، في حين ظل حساب "مناصرون" لدى داعش وقناة "الجزيرة" لسان المشاركين في الحملة، حتى شكلا ما تقول السلطات الأمنية إنه همزة الوصل بين داعش والمطالبين باطلاق سراح الموقوفين في السجون السعودية.

هكذا تعتبر الحملة بين أكثر فخاخ المتطرفين في البلاد، خصوصاً بعدما انضمت إحدى أيقوناتها النسائية ريم الجريش إلى داعش، إذ كانت ذريعتها في التحريض كونها زوجة الموقوف في السجون السعودية محمد الهاملي. غير أنها ما لبثت أن أعلنت في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2015  وصولها برفقة أبنائها الأربعة (مارية 14 عاماً، وعبدالعزيز 13 عاماً، وسارة 8 أعوام، وعمار 6 أعوام) إلى سوريا، وانضمامهم إلى داعش، بعدما سبقها ابنها الأكبر معاذ الهاملي إلى صفوف التنظيم.

واشتهرت الجريش، كما يوثق الصحافي السعودي المتخصص في ملفات داعش عيسى الشاماني، باعتبارها همزة وصل بين القاعدة وداعش من جهة، وبين أسر الموقوفين الآمنين من جهة أخرى، فتصدرت حملات "فكوا العاني" التي استطاعت من خلالها أن تجمع حولها عدداً من النسوة وتتحرك في مواقع عامة في بريدة، شمال السعودية ووسطها، وهي تحمل أطفالها الصغار بالزي الأفغاني.

زوجة رجلين

مع أن الجهات الأمنية قبضت عليها مرات عدة، لم توفِ في أي مرة بتعهدها التزام القوانين المحلية، إلى أن هربت إلى اليمن والتحقت بعناصر تنظيم القاعدة هناك، ثم توارت عن الأنظار قبل أن تظهر مجدداً في 2015 في سوريا وهي تتباهي بمبايعة زعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي.

وأعلنت مصادر عدة مقتلها أكثر من مرة، ولكنها ظهرت مجدداً في 2016، لتؤكد نبأ زواجها من المطلوب الدولي أبي محمد الشمالي الذي رصدت الولايات المتحدة الأميركية ملايين الدولارات مقابل رأسه. وقد تزوجت على الرغم من المعلومات التي تؤكد أنها زوجة الموقوف محمد الهاملي. وهو ما يعتبر من الجنايات الكبرى في أدبيات التنظيم.

وتتردد معلومات بأن أحد الموقوفين في خلية الزلفي الجديدة، ويدعى فيصل الخضير، هو الآخر كان موقوفاً سابقاً في سياق التحقيقات الأمنية مع من تحوم شبهات الإرهاب حولهم. وتعمل السلطات السعودية مع من تسميهم "المغرّر بهم" من المتطرفين، وفق سياسة "الثواب والعقاب". فعلى الرغم من رصد تحركاتهم وميولهم المتطرفة، لم تيأس في محاولة استصلاحهم، مع ردة بعضهم بعد مزاعم التوبة وتصحيح نهجهم الفكري. وفي هذا السياق، أُطلق عدد من الموقوفين وعادوا إلى الإرهاب، مثل الجريش والخضير والأخوين المديد.

في المقابل، زوّجت رئاسة أمن الدولة التي استهدفت الخلية مركزها في المحافظة، سجيناً، داخل أسوار سجونها، وهيّأت ظروف إقامة لائقة للعروسين.

الأحياء الجهادية
يُعيد المحلل الأمني السعودي محمد الملفي بدايات تشكل النسيج المتطرف بين عدد من العائلات في "حي المهاجرين" حاضنة للمتطرفين، إلى هيمنة فكر السوري محمد سرور زين العابدين الذي نشط في قولبة أفكار طلاب المدينة، مثلما كان يفعل في بريدة التي شكلت مرتكزه الأكبر.

ويعتبر الملفي أن ذلك من الأسباب التي حوّلت حي المهاجرين إلى مكان مناسب لمحمد بن شظاف الشهري، الذي كان نشطاً في المدينة، قبل أن يفجر نفسه في مجمع الحمراء بالرياض عام 2003 حيث يقطنه سكان من جنسيات مختلفة بينهم غربيون وأجانب. ثم أُدرج عدد من أبناء الحي على قوائم المطلوبين أمنياً. وكثيرون لا ينسون معاناة مدير مستشفى المدينة الأسبق عبدالله المطير، الذي سرق المتطرفون منه أعز ما يملك، ابنه.

يضم كتاب "حتى لا يعود جهيمان"، "حي المهاجرين" في الزلفي إلى "الأحياء الأولى التي شكلت حاضنات للعزلة ورفض التعليم النظامي والتكنولوجيا، وانتهت ببعض سكانها إلى التطرف.

ويرصد الكتاب تحوّل تلك الأحياء التي نشأ فيها "الرفضيون"، أي من يرفض الحياة المدنية والدولة ونظمها، وفق الباحث، إلى بؤر تطرف. نقرأ:  "في النصف الأول من التسعينات بدأ الجهاديون والرفضيون الاختلاط (...)، وبالرغم من كونهما يمثلان ثقافتين مختلفتين، إذ كان الرفضيون هم رجال التفكير بينما الجهاديون كانوا رجال العضلات والفعل، إلا أن آراءهم تلاقت في العديد من القضايا المهمة، والأهم من ذلك أن كلا منهما أثر في الآخر".

غالبية المجندين من الشباب

ويخلص الباحث السعودي الأمير عبدالله بن خالد الكبير، في دراسة بالأرقام عن المجندين السعوديين في تنظيم داعش، إلى أن غالبية المجندين من المنطقة الوسطى، الرياض والقصيم، إذ وجد أن بين كل 100 ألف من سكان الأخيرة، 10 مجندين في داعش، وفق العينة التي تشمل نحو 700 منخرط سعودي في التنظيم.

ويفسّر الأمير هذا العدد الكبير من منطقة القصيم الجارة للزلفي، في حديثه مع "اندبندنت عربية"، بتوارث التطرف في بعض الأوساط العائلية والأسرية، وهذا ما أوجد بيئة حاضنة.

ويشير بأسى إلى أن أكثرية المجندين السعوديين في التنظيم شبان صغار، بعضهم لا يزال على مقاعد الدراسة الجامعية. وعلى الرغم من أن غالبيتهم عاشت في فترة نشر ثقافة مكافحة الإرهاب بعد 2001، اجتاحها التيار المتطرف.

ومن صدف حظوظ مدينة الزلفي السيئة مع الراديكالية والتطرف، وقوعها بجوار روضة السبلة التي شهدت ما قيل إنه أول معركة ومواجهة مسلحة بين الدولة السعودية، والمحافظين فكريا، الذين قرروا على طريقة ذلك الزمان الخروج على السلطة السياسية في البلاد بالسلاح، قبل أن تسيطر الدولة على المشهد، وتفرض هيمنتها بعد مقتل وفرار مجاميع من يسمون "الاخوان" (غير تنظيم الإخوان المسلمين المصري) في ذلك الوقت.

المزيد من تحقيقات ومطولات