عاد ملف أجور نواب الشعب في البرلمان الجزائري ليسيطر على المشهد العام في البلاد، بعد أن كشف عضو مجلس الأمة عبد الوهاب بن زعيم، عن تقاضي أعضاء المجلس الانتقالي الذي تم اعتماده خلال الأزمة الأمنية سنوات التسعينيات، مرتبات تصل إلى حدود 400 ألف دينار جزائري، (3000 دولار).
زوبعة
ولم تمر إماطة السيناتور بن زعيم اللثام عن مستحقات النواب مرور الكرام، بل أحدثت زوبعة لا تزال تداعياتها مستمرة، مع تأكيده صحة المعلومات التي أدلى بها، والمتعلقة باستفادة أعضاء المجلس الانتقالي من أجور تصل إلى 400 ألف دينار (3000 دولار) منذ سنة 1994.
وقال، "حينما تتعلق الأمور بحقوق الناس، وجب إعطاء الحقيقة كاملة غير منقوصة، وما دمنا نمثل الشعب أود توضيح الآتي، كل ما صرحت به حول أجور المجلس الانتقالي منذ سنة 1994 إلى يومنا هذا صحيحة مئة في المئة"، وأضاف، "المجلس الانتقالي شرّع قانوناً يتم بموجبه دفع أجرة مدى الحياة لأعضائه منذ 1997 إلى يومنا هذا، وإذا توفى أحد أعضائه فالأجرة تنتقل إلى الزوجة"، ولفت إلى أن هؤلاء "يستفيدون من الزيادة في الأجور مثلهم مثل النائب الحالي".
وأكد بن زعيم أن "الموضوع الذي طرحته لا أقصد به أشخاصاً معينين، وبصفتي عضو مجلس الأمة فمن واجبي الدفاع عن العدالة الاجتماعية لا أكثر ولا أقل، وهناك كثيرون يودون عدم طرح هذه المواضيع التي تمس بمصالحهم، وستكون هناك انتقادات وحتى تهجمات، لكن العبرة أن الشعب هو الحكم، أنا أمثّل الشعب، وأعرض عليه ما تدفعه لي الدولة من خزانة الشعب لتمثيله، وعلى الذين ينشرون التكذيبات أن ينشروا أجورهم، لأنه بكل صراحة لا أخلاقي ولا القانون، يسمحان لي بنشر وثائق لا تخصني، أتمنى أن نناقش هذه المواضيع بموضوعية وبحق وبعدالة".
الجزائر ليست استثناء
وأشار البرلماني السابق والناشط السياسي، عدة فلاحي، إلى أن النيات التي انتقدت راتب النواب ليست كلها سليمة، وقال إنه بغض النظر عن ذلك فالجزائر ليست استثناء في هذا الأمر المعمول به دولياً على الأقل على مستوى جيراننا في الشرق والغرب، مشدداً على أنه ليس هذا هو جوهر المشكلة، وإنما الأساس هو ملفات الفساد والتحايل على قانون الصفقات للحصول على مشاريع الاستثمار بالمليارات، وتبييض الأموال ومنح وتسلم الرشاوى وتضخيم الفواتير وغيرها، وتابع أن من أثار الموضوع لم يأت بجديد، والأمر ليس سراً، مما يعني أن صاحبه له غرض وغاية في نفسه، مضيفاً أن إثارته بهذا الشكل تفتقد لروح المسؤولية، وطرحه كان يمكن أن يكون داخل قبة البرلمان.
احتقان
وسيطرت هذه التصريحات على الصحف ونشرات القنوات، وزادت من احتقان الشارع على اعتبار أن من بين هؤلاء المستفيدين من "يدّعون" اليوم الوقوف إلى جانب الحراك، وبعضهم يخرجون الجمعة للمشاركة في المسيرات المطالبة بالعدالة الاجتماعية والتغيير، في حين أنهم في مقدم من نهبوا أموال الشعب، وتسببوا في الأوضاع المتردية للبلاد، وفي المقابل هناك من يتخندق في صف الموالاة الجديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نيات غامضة
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية مومن عوير، أن الجدل الحاصل بعد تصريحات بن زعيم يعود للمبالغ الخيالية التي يتقاضاها أعضاء المجلس الانتقالي، وأبرز أنها شكلت صدمة لدى الرأي العام باعتبارها شكلاً من أشكال الفساد وتبذيراً لأموال الدولة، موضحاً أنه يمكن أن تكون تصريحات بن زعيم عفوية تهدف لاطلاع الرأي العام على حقائق يجهلها الشعب، كما قد يستهدف إيصال رسالة مفادها بأن كثيرين ممن يتصدرون مشهد الحراك اليوم ويدعون محاربة الفساد هم أصلاً مستفيدون منه.
أعضاء المجلس يهددون بالقضاء
ورد رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان على تصريحات السيناتور بالقول، "من شارك في المجلس الانتقالي لا ذنب له، وقد قام بواجبه فقط في ذلك الوقت، واستفاد من الزيادة كغيره من النواب بعد 2008"، كما فند رئيس حركة البناء عبدالقادر بن قرينة ما جاء على لسان بن زعيم. وقال، "أستغرب التصريح وأكذبه نهائياً، فضلاً أنني لا أتقاضى تقاعداً تحت عنوان عضو بالمجلس الانتقالي". مضيفاً، "أردت توضيح ذلك للرأي العام مع الاحتفاظ بالحق القانوني في المتابعة القضائية بتهمة التشهير".
من جانبها، أعلنت رئيس حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي المحامية زبيدة عسول، رفع دعوى قضائية ضد السيناتور بعد التصريحات "المغلوطة" التي أدلى بها، وأشارت إلى أن أعضاء المجلس الانتقالي لا يتلقون راتباً أو علاوة مدى الحياة، بل يستفيدون من منحة تقاعد خاضعة للتدابير القانونية التي تحكم وظائف الإطارات العليا.
حملة "إحراق الأوراق"
وفي السياق، أبرز الإعلامي المهتم بالشأن السياسي حكيم مسعودي، أن مسألة رواتب البرلمانيين ومنح تقاعدهم كانت تثار دورياً في الشارع ومنابر الصحافة، بشكل يعبّر عن عدم رضا الرأي العام، لكن ظهور المسألة هذه المرة مرتبط بحملة "إحراق الأوراق" من خلال استهداف الصورة السياسية لبعض الوجوه في الحراك مثل القاضية السابقة زبيدة عسول، كما في الموالاة، مثل عبدالقادر بن قرينة، موضحاً أن النقاش اشتعل وقفز إلى الواجهة مباشرة بعد إعلان الرئيس عبدالمجيد تبون حلّ الغرفة السفلى للبرلمان، وأضاف أن البارز هذه المرة الدفع بالوثائق إلى الواجهة في صورة تناظر واحتكام لدى الرأي العام، وختم أن النقاش يعبر بصراحة عن رفض الجزائريين المبالغ المالية التي لا تعكس الأداء النيابي شبه الغائب، بفعل المعايير المعتمدة في الترشيح من قبل الأحزاب، وتغوّل السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وكذلك طبيعة النظام بصورة عامة الذي حوّل النيابة في البرلمان هدفاً في حد ذاته، لا وسيلة لتمثيل إرادة الشعب وسلطته.