يشير عديد من التقارير والمصادر إلى أن المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية، لا سيما مناطق القلمون والقصير باتت عبارة عن "سوق حرة" للتهريب والتجارات غير الشرعية خصوصاً المخدرات وزراعة الحشيش، وأن معظم معامل تصنيع المخدرات ومستودعات التوضيب، التي طالما اشتهر بها البقاع اللبناني انتقلت خلال السنوات الماضية إلى تلك المناطق.
وتشير المعلومات إلى أن تجارة المخدرات هي مصدر أساس لتمويل المليشيات المتواجدة في سوريا وأن "حزب الله" أعطى الضوء الأخضر لعصابات صناعة وتجارة المخدرات للانتقال إلى مناطق سيطرته في الداخل السوري لتخفيف الإحراج في لبنان، لا سيما مع انتشار كثير من المصانع في مختلف مناطق البقاع.
الكابتاغون والقنب الهندي
ويقول الناشط السياسي حسين عطايا إنه في "الرابع من أبريل (نيسان) من العام 2013 شن "حزب الله" اللبناني هجوماً على بلدة القصير ومحيطها وأخضعها لسيطرته بموافقة النظام السوري، حيث تم أيضاً تهجير سكان المدينة إلى لبنان وحتى الآن يمنعون من العودة إلى مدينتهم"، ويوضح أن أراضي القصير الزراعية هي بمثابة توأم للأراضي اللبنانية وامتداد طبيعي لسهل البقاع، حيث تتمتع بخصوبة عالية لزراعة المخدرات، لا سيما حشيشة الكيف، مؤكداً أن "حزب الله" الذي يمنع سكان المنطقة من استغلال أرضهم يدفع لزراعتها بالحشيشة المعروفة بـ"القنب الهندي".
ويضيف عطايا بأن لديه معلومات عن "إنشاء عديد من معامل حبوب المخدرات بخاصة "الكبتاغون" المخدرة التي أيضاً تستعمل كجزء من العتاد العسكري لمقاتلي حزب الله"، ويقول إن "هذه المعامل، حسب المصادر يُحدد عددها بنحو سبع عشرة ورشة صغيرة موزعة في منطقة القصير والقلمون الغربي، وهي على النحو التالي، ثلاثة معامل في سرغايا، ومعملان في عسال الورد، ومعملان في رنكوس، ومعمل واحد في كل من تلفيتا، وبخعة، والطفيل، ومضايا، والصبورة، وثلاثة معامل في جرود بلدة فليطة المتداخلة مع الأراضي اللبنانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير إلى أن هذه المعامل تدار مباشرة من قبل "حزب الله" أو أشخاص مقربين منه، "كذلك بعض الورش لا سيما رنكوس وسرغايا هي في حماية وإشراف ضباط من الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد". معتبراً أن القصير ومحيطها عبر المعابر التي تصلها بمنطقة الهرمل اللبنانية التي يسيطر عليها الحزب هي مقر عسكري ومنها يُوزّع المقاتلون على كامل الجبهات السورية، تضم معسكرات لتدريب المقاتلين، بالإضافة إلى أنها تمثل ممراً لتهريب كافة أنواع المخدرات ونقلها من وعبر سوريا إلى لبنان وبعض الدول العربية أو عبر ميناء اللاذقية في سوريا أو مرفأ بيروت حيث السيطرة لـ"حزب الله"، وكان آخرها تلك الشحنة التي ضبطت في مرفأ بورسعيد المصري في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي.
مثلث التهريب
في المقابل يرى رئيس تحرير مجلة الشراع الصحافي حسن صبرا، أن البحث في قضية حدود لبنان الواسعة والمفتوحة مع سوريا يعود إلى مرحلة ما قبل احتلال فلسطين عام 1948 ضمن مثلث يجمع حدود البلاد الثلاثة، ما دفع السلطات السورية عام 1955 في عهد حكومة خالد العظم إلى إقامة مواقع عسكرية لمحاولة منع التهريب، موضحاً "أن حكومة العظم نفسه كانت أقفلت الحدود بين لبنان وسوريا وألغت اتفاقية الوحدة الاقتصادية التي كانت قائمة بين البلدين وأنزلت الخشبة تعبيراً عن إقفال الحدود، وقرار العظم الرسمي كان فرصة لتنشيط عمليات التهريب لجني الأرباح على حساب المزارعين اللبنانيين والتجار الذين كانوا يرسلون بضائعهم إلى دول الخليج العربي عبر سوريا".
ويروي صبرا أن "كل من يعبر الحدود اللبنانية نحو سوريا عبر سيارات الأجرة كان يرى كيف يحمل سائقو هذه السيارات ركابهم الموز والخبز وعلب المناديل والأدوية، ويطلبون من الركاب إذا سألتهم السلطات الأمنية السورية على الحواجز المختلفة على طول الطريق بين الحدود مع دمشق أو حلب أو اللاذقية أن يقولوا إن هذه الأغراض لهم، وفي الوقت نفسه كان السائق يجيب العناصر الأمنية على الحواجز بأن هذه البضائع المهربة هي هدايا للضباط الفلانيين أو المسؤول الفلاني حتى يتوقف عن طلب الرشاوي".
خرائط التهريب المنظم
ويؤكد وجود أكثر من 132 معبراً غير شرعي على طول الحدود اللبنانية السورية، مشيراً إلى أن كثيراً من الطرق غير الشرعية متواجدة في قرى وبلدات لبنانية داخل الأراضي السورية (الطفيل) أو بعضها مشترك بين سوريا ولبنان (دير العشائر)، ولكن "الأهم يكاد يكون من المستحيل مرور طائر بين البلدين من دون معرفة أجهزة الأمن السورية".
ولفت إلى أن معظم الحدود المشتركة بين البلدين باتت محطات للتهريب تبدأ من مزارع شبعا في الجنوب إلى جبل أكروم في عكار في الشمال، بحيث يقابل كل نقطة تهريب من الجانب اللبناني أخرى من الناحية السورية، شارحاً بأن "دير العشائر" المشتركة بين لبنان وسوريا يقابلها خربة روما وحلوة ومدوخه وينطا، حيث تُهرّب عبرها المواشي، أما الزبداني في سوريا وتشمل مضايا وسرغايا وبلدة بلودان يقابلها الصويري ومجدل عنجر في البقاع الغربي، تُهرّب عبرها المواد الغذائية، أما عرسال في البقاع يقابلها جبال القلمون التي تضم نحو 80 قرية سورية، وكان الجنرال غورو يطمح لإقامة دولة القلمون فيها للإشراف على كل المناطق بين لبنان وسوريا.
ويتابع، "التهريب فيها يتم من طريق نهر العاصي وما يسميه أهل المنطقة بالعبّارة حين يصفون البضائع في النهر الذي يحملها إلى الأراضي السورية ويتلقاها المهربون"، مضيفاً بأن عديداً من المعابر الأخرى تمتد على الحدود الشمالية منها معبر نهر الكبير الشمالي بيت الجمل في سوريا ويشرف على هذا المعبر نافذ من بيت آل العلي، ومعبر العبوسية ووادي خالد مقابل تلكلخ في سوريا ويخضع لعشائر معروفة من المنطقة، إضافة إلى معبر العريضة الداخلي - طرطوس وهو من أهم معابر الشمال، حيث استخدم خلال السنوات الأولى من الثورة السورية لتمرير الأسلحة والمسلحين.
الفرقة الرابعة لماهر الأسد
ويوضح صبرا بأنه "مضى الزمن الذي كانت فيه الحدود بين لبنان سوريا متروكة لحراسة الهجانة والجمارك من الناحية السورية، وأصبح لبنان الرئة الوحيدة التي يتنفس من خلالها النظام السوري، وأصبحت الحدود هي منفذ الهواء الوحيد لهذه الرئة، وكان من الطبيعي أن يشرف عليه ماهر الأسد شخصياً عبر فرقته الرابعة وهي الفرقة التي تتمتع بمواصفات جيش بأكمله من حيث العدد (40 ألف جندي وضابط) والتسلح، فهو لا ينقصه سوى الطيران، والنوعية في المعاملة المادية والصلاحيات، حيث ينتشر على حدود لبنان مع فلسطين ومع الأردن وتركيا حيث المعارضة المسلحة، وكذلك بين الحدود مع الأكراد وفي مينائي طرطوس واللاذقية. وإذا كان لفرقة ماهر الأسد 40 ألف عسكري نظامي، فإنه يستتبع أيضاً قوى مسلحة يصل عددها إلى 60 ألفاً، وكل هؤلاء يحتاجون إلى مصاريف باهظة، "ويقدر مطلعون كمية المبالغ التي تستوفيها هذه الفرقة من التهريب بنحو 4 مليارات دولار سنوياً".
ويشير صبرا إلى أن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد تمسك الحدود رسمياً، حدود سوريا مع لبنان وتسيطر على عمليات التهريب بالشراكة مع العشائر التي تشكل عمليات التهريب مورداً رئيساً لها، ويقول إنه "ليس لهذه المحاولة سوى تفسير واحد تحت عنوان وقف التهريب وضبط الحدود وهو مد الحصار الذي بدا أنه يتوسع على "حزب الله" من مرفأ بيروت إلى المطار والحدود البرية مع سوريا"، معتبراً أن الهدف هو السباق بين "الحصار والتهريب والتدويل وإعادة العلاقات".
كيف يرد "حزب الله"؟
في المقابل رفض مصدر مسؤول في "حزب الله" التعليق على الاتهامات بشأن استغلال تواجد عناصر الحزب لتسهيل التهريب ومنها المخدرات وقال، إن "الاتهامات لا أساس لها في الواقع"، وشدد على القول، إن حزب الله مستهدف بسيل من "الأخبار الزائفة"، مشيراً إلى أن الدعاية الغربية تقف وراء هذه المزاعم.
وفي السياق أكد مصدر آخر قريب من الحزب أن مسألة تواجد "حزب الله" في مناطق حدودية بين سوريا ولبنان، لا سيما في منطقة القصير والقلمون وريف دمشق هي قضية أمنية بحتة منسقة بشكل كامل مع الحكومة السورية ولها بعد أمني يتعلق بحماية الحدود اللبنانية من أي هجمات محتملة "للتكفيريين" الذين يهددون الأمن والاستقرار في لبنان.
وأشار إلى أن مسألة التهريب على الحدود بين لبنان وسوريا هي قضية تتعلق بالحكومتين اللبنانية والسورية، مشدداً على ضرورة التنسيق المشترك لإيجاد الآلية المناسبة لضبطها، وأن الحزب لا يتدخل نهائياً في هذه المسألة وأن منع التهريب هو مسؤولية الدولة اللبنانية التي تتقاعس عن دورها تاركة المجال لاتهام الحزب، "وهذا الأمر مرفوض وسيكون له مواقف لرفع الظلم الدعائي ضده".
14 معملاً للمخدرات
وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، قد أشار في بيان له في 16 فبراير (شباط) 2021 إلى أن مادة الحشيش والحبوب المخدرة تنتشر بين أوساط السوريين بشكل علني وبأسعار رخيصة، مقارنة مع أسعارها في باقي دول العالم، لافتاً إلى مشاركة حزب الله اللبناني وميليشيات سورية بالترويج للمخدرات التي تنتج في 14 مصنعاً في ريف العاصمة السورية.
ونقل "المرصد السوري" عن مصادر في منطقة القلمون الحدودية مع لبنان بريف دمشق قولها إن تجارة "الحشيش والحبوب المخدرة" تتصاعد في عموم المنطقة، وذلك من قبل مسؤولين وعناصر في "حزب الله" بمشاركة ميليشيات محلية موالية، حيث يتم الترويج للحبوب المخدرة بشكل كبير، في وقت تنتج في معامل موجودة في المنطقة.
وكان "المرصد السوري" أشار في 16 يناير الماضي إلى أن "مجموعات عسكرية موالية لحزب الله، هي المسؤولة عن انتشار مادة الحشيش والحبوب المخدرة بكثافة في مناطق النظام، حيث لا تزال شحنات الحشيش تدخل من لبنان عبر المعابر غير الرسمية التي يسيطر عليها الحزب في ريف دمشق، ومنطقة سرغايا الحدودية مع لبنان وعسال الورد التي تعد من أبرز المناطق التي يتم إدخال شحنات الحشيش منها إلى الأراضي السورية، بالإضافة إلى المعابر غير الرسمية مع القصير في ريف حمص، بإشراف ضباط وعناصر من قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري". وأكد أنه في التاسع من أبريل 2020، داهمت "الشرطة العسكرية" الروسية مستودعاً يحوي مواد مخدرة في منطقة معربا في ريف دمشق الغربي، حيث تعود وصاية المستودع لشخص سوري مقرب من "حزب الله"، كما أن اقتتالاً مسلحاً عنيفاً شهدته بلدة فليطة في القلمون الغربي، بين عناصر مسلحة تابعة لـ حزب الله" من جهة، و"قوات الدفاع الوطني" من جهة أُخرى، بسبب وجود خلافات على أرباح مالية في تجارة المخدرات بين قياداتهم.