Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون كالجنرال الفاشل هيغ... وعدم كفاءته يوقع 50 ألف ضحية

السلوك الكارثي لهذا القائد العسكري في معركة "سوم" خلال الحرب العالمية الأولى ينافس إخفاقات جونسون أثناء الجائحة وهذا ليس القاسم المشترك الوحيد بينهما

الجنرال باتريك هيغ، قائد القوات البريطانية في فرنسا والفلاندرز خلال الحرب العالمية الأولى (غيتي)

 

شن الجيش البريطاني في 1 يوليو (تموز) 1916 هجوماً كان سيئ التخطيط، ومفرطاً في طموحه، على خط الجبهة الألمانية الواقع في منطقة "سوم" (التي يتوسطها نهر يحمل الاسم نفسه في شمال فرنسا). سقط الجنود المتقدمون برصاص البنادق وقذائف المدفعية في حين كانوا يحاولون التسلل بمشقة عبر الأسلاك الشائكة. استمرت المعركة 141 يوماً، غير أن البريطانيين تكبدوا في اليوم الأول للمواجهة خسائر بشرية فادحة، بلغت 19240 قتيلاً و38230 جريحاً.

وكان الرجل المسؤول في المقام الأول عن تلك الكارثة التي تعتبر الأسوأ في التاريخ العسكري البريطاني، هو الجنرال السير دوغلاس هيغ، الذي قلل من أهمية قوة العدو في سياق تخطيطه المفرط في التفاؤل، كما تجاهل الدروس التي كان من الممكن استخلاصها من الإخفاقات التي شهدتها معارك سابقة. هكذا تصرف هيغ بوحي من تفكيره الرغبوي القائم على أمانيه، وليس على أسس واقعية، وقد أكد لمرؤوسيه المشككين في نجاح خططه، أن البريطانيين سيخرقون قريباً الخط الألماني الأول، وأن لديه خمس فرق من سلاح الفرسان تنتظر اللحظة المناسبة كي تستغل الخرق وتنقض على الأعداء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد ذلك بقرن ونيف من الزمن، كان بوريس جونسون يواجه حرباً مماثلة في إطار مكافحة وباء "كوفيد-19". وكما كان الأمر مع هيغ في معركة "سوم"، بدا جونسون مفرطاً في ثقته بالنجاح كما أساء التقدير خلال المعركة، ما أدى إلى تكبيد بريطانيا خسائر في الأرواح فاقت ما كان يمكن أن تتعرض له في ظل زعيم أكثر كفاءة.

ليس هناك من يعرف كم عدد الجنود البريطانيين الذي كانوا سينجون بحياتهم لو لم يكن الجنرال هيغ هو صانع القرار الرئيس في معركة "سوم". أما في حالة جونسون، فإن بوسع المرء أن يكون أكثر دقة لدى معاينة آثار أدائه وما خلفه من ضحايا.

في 29 مايو (أيار)، قال السير ديفيد كينغ، وهو كبير المستشارين العلميين لدى الحكومة سابقاً إنه "كان من الممكن تفادي 40 ألف حالة وفاة لو أن الحكومة قد تصرفت على نحو مسؤول". فهي طبقت الإغلاق في وقت متأخر، كما رفعت القيود في وقت مبكر أكثر بكثير مما يجب، وتجاهلت بشكل عشوائي نصائح الخبراء، وأخفقت في تعلم الدروس من الأخطاء التي ارتكبت خلال الموجة الأولى لتفشي الوباء في الربيع. وهكذا ضمنت ظهور موجة ثانية من تفشي العدوى ستكون سيئة أو أسوأ مما شهدته البلاد في وقت سابق من السنة.

من جهته، يقول أحد أعضاء لجنة "ساج" الاستشارية في تقرير نشره "فريق التبصر" الاستقصائي التابع لصحيفة "صنداي تايمز"، موضحاً "إنني لا أتعاطف مع الحكومة التي ارتكبت الخطأ نفسها مرتين". ويضيف "لقد قلنا لهم بمنتهى الوضوح ما كان ينبغي لهم أن يفعلوه حتى يكون (الإغلاق) مجدياً... لكنهم لم يفعلوا ذلك. لقد تصرفوا على أساس التفكير الرغبوي على الدوام". ويقدر التقرير أن رفض جونسون تطبيق إجراءات أكثر صرامة في سبتمبر (أيلول)، وذلك خلافاً لآراء كبار أعضاء حكومته، قد أدى سلفاً إلى ما يتراوح بين 7000 و13000 حالة وفاة إضافية بحلول أواسط ديسمبر.

ويتزايد الرقم الأخير يوماً بعد يوم، ومن المرجح أن يقفز بشكل حاد نظراً لخفيف القيود خلال فترة عيد الميلاد (كتب المقال قبل عودة رئيس الوزراء ليل السبت عن قراره بتخفيفها)، وهو أمر كان من الممكن تجنبه لو أن جونسون لم يرفض في اللحظة الأخيرة النصيحة الصارمة التي قدمتها لجنة "ساج" الاستشارية في 21 سبتمبر بشأن إغلاق صارم كوسيلة "للحيلولة دون توسيع رقعة الوباء" من أجل توفير الوقاية للبلاد. ويقدر حالياً عدد الوفيات الإجمالي في بريطانيا الذي تسبب قيه فشل الحكومة خلال الموجتين الأولى والثانية لانتشار الجائحة، بنحو 50 ألف وفاة. وهذا الرقم الذي يضم تقديرات البروفسور ديفيد كينغ وتلك الواردة في تقرير صحيفة "صنداي تايمز" معاً، مرشح للارتفاع حتماً في الأشهر المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن المسارات الوظيفية الممتازة لكلا الرجلين (هيغ وجونسون) نحو المناصب الرفيعة، على الرغم من افتقار كل منهما الملحوظ للقدرات والإنجازات، هي نموذج محزن يظهر قبضة النخبة الاجتماعية البريطانية التي تبقى متمسكة بالسلطة على الدوام. ليس من المستغرب أن جونسون وهيغ يتمتعان بسمات شخصية وأنماط سلوك تشكلت بفضل تربيتهما كما أنها موجهة لتطوير طموحاتهما وتعزيزها. من هذه السمات الثقة الكاملة بالذات النابعة من الإحساس بالاستحقاق والمهارة الكبيرة في اكتساب السلطة والاحتفاظ بها، على الرغم من عدم قدرتهما على استخدامها بشكل فعال، حسب رأيي.

ثمة جزء آخر من مجموعة المهارات هذه، تتمثل في إمكانية السيطرة على مرؤوسين قد يتمتعون بقدرات أكبر من رؤسائهم ويتفوقون عليهم من حيث المعرفة. في معركة "سوم"، كان تنظيم الهجوم في يد الجنرال السير هنري راولينسون، قائد الجيش الرابع الذي كانت لديه شكوك قوية حول خطة هيغ غير الواقعية لتحقيق خرق في الجبهة الألمانية.

لكن راولينسون كان يتهيب بشكل مبالغ فيه من هيغ الذي كان قد أنقذه من الطرد من الجيش بعد أن ارتكب خطأً في معركة سابقة. ولذلك فقد وافق على آراء قائده العام الواهمة، حتى حين كان يدرك أنها ستنتهي بالفشل. من ناحيته، لجونسون علاقات مشابهة مع أعضاء حكومته يسيطر عليهم من خلالها.

في هذا السياق، إن الامتناع عن تسريح وزراء أو مرؤوسين، ممن كانوا سيفقدون عملهم بسبب فضيحة ما تورطوا فيها، أو لعدم كفاءتهم، هو على ما يبدو أداة لتعزيز السلطة التي يحرص جونسون على استخدامها. إلا أن اتباع هذا النهج في فترة أزمات يترتب عنه دفع ثمن باهظ، يتجلى في اتخاذ قرارات ضعيفة، بشكل متكرر، والعجز على المستوى العملي كلما كانت البلاد في أمس الحاجة إلى الكفاءات المطلوبة.

إن الإخفاقات الجسيمة لإدارة جونسون كثيرة إلى حد تستعصي معه على العد، فهي تشتمل على أخطاء بسيطة، من قبيل السماح بتنظيم مناسبات رياضية يحضرها مئات الآلاف من الأشخاص، مثل مهرجان تشيلتنهام، في الوقت الذي كانت فيه باقي الدول الأوروبية تطبق الإغلاق التام. وبين هذه الأخطاء أيضاً إسناد مسؤولية الإشراف على نظام الفحص والتتبع الباهظ الثمن لشخص غير متخصص بالصحة العامة، ما أدى إلى نتائج كارثية. وعلى الرغم من إنفاق 22 مليار جنيه إسترليني على هذا النظام، فإن تقرير لجنة "ساج" الاستشارية يقول إن تأثيره كان هامشياً على معدل الإصابات، ولذلك فهو يبدو عديم الفائدة بقدر ما كانت فرق سلاح الفرسان، التي حضرها هيغ لمعركة سوم، بلا جدوى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل سجل حكومة جونسون يكون من ناحية معينة لها أهميتها، أسوأ من سجل أي حكومة بريطانية أخرى في أوقات الأزمات الخطيرة، لأن رائحة الفساد المزعوم الكريهة تفوح على نطاق آخذ بالاتساع يوماً إثر يوم، وقد وصلت حالياً إلى تعاملات مشبوهة بخصوص عقود شراء مستوى كان في الماضي يعتبر حصراً على منطقة الشرق الأوسط. فقد كشف تحقيق حول هذه العقود نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن أنه من أصل نحو 22 مليار دولار أنفقت في هذا الإطار، فإن عقوداً قيمتها "قرابة 11 مليار دولار قد منحت إما لشركات يديرها أصدقاء لسياسيين في حزب المحافظين وأناس لهم علاقات بهؤلاء السياسيين، أو لأشخاص عديمي الخبرة، أو ممن لهم تاريخ مثير للجدل".

ويبدو أن مساراً سريعاً مخصصاً بشكل استثنائي لكبار الشخصيات، قد استخدمته شركات تتمتع بعلاقات وثيقة مع مسؤولين في الحزب والحكومة، للفوز بعقود مربحة، بينما منعت شركات أخرى من خوض عملية المنافسة من الأساس لأنها لا ترتبط بصلات مشابهة مع أشخاص نافذين. واللافت أن الشركات التي تعمل في بريطانيا سلفاً في مجال صناعة معدات الوقاية الشخصية لم تتلقَ أي رد على مكالماتها بشأن طلبيات هذه المعدات، بينما منحت عقود إنتاج كميات منها بقيمة مئات ملايين الجنيهات الإسترلينية لشركات ليس لها أي خبرة في هذا المجال.

من المرجح أن تشغل مقاعد حزب المحافظين في البرلمانات في المستقبل "من قبل أشخاص من ذوي الوجوه الخالية من الرأفة الذين يظهرون وكأنهم قد استفادوا بشكل جيد من الجائحة"، وهذا التعبير المنقول هنا بتصرف هو في الأصل قول شهير لستانلي بالدوين، زعيم سابق للمحافظين، أطلقه لتوصيف مجلس العموم في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

إن كلاً من هيغ وجونسون قد ألحق، أو يلحق، ضرراً جسيماً ببلاده في الوقت الذي تواجه فيه أزمة مدمرة. كانت الخسائر الفادحة في الأرواح أمراً حتمياً في كل من 1916 و2020، غير أن عدم كفاءة كل منهما كزعيم ضمنت أن تكون الخسائر أعلى، والبؤس أكثر حدة مما يجب. وعليه، ينبغي ألا نغفر لهما.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة