Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العمارة الغوطية... روحانية تنضح من الحجر

نمط أوروبي يجمع بين الغموض والعظمة والأصالة

تعتبر فرنسا وإنجلترا وإيطاليا أهم الدول المحتضنة العمارة الغوطية (غيتي)

يعود مصطلح الغوثيك (Gothic) إلى العصور الوسطى، وينسب بحسب بعض الروايات إلى شعوب Goth الجرمانية التي أسست مملكتها في إيطاليا، حيث ظهرت هذه التسمية لتشمل نوعاً خاصاً من الفنون، انتشرت في كل أنحاء أوروبا الغربية.

وفي العمارة استعملت هذه التسمية للدلالة على الحقبة الممتدة بين نهاية القرن الثاني عشر والسادس عشر، وتعتبر فرنسا وإنجلترا وإيطاليا أهم الدول المحتضنة هذه العمارة.

وبسبب ما يوحيه هذا الطراز من إحساس بالهالة والعظمة والفخامة والغموض، فإنه احتاج إلى مجموعة عناصر وألوان تعكس روحه، ولذلك ظلت الألوان الحيادية والداكنة ذات الطابع الأحادي من أبرز ملامحه فترة طويلة من الزمن، كما عدت الإضاءة الخافتة والجو المعتم أمراً طبيعياً، نسبة إلى كم التفاصيل المعمارية وضخامتها ونوعية مواد الإكساء المستخدمة، مثل الحجر والخشب بشكل أساسي، وما تعكسه في المكان، إلى أن طرأت عليه بعض التغييرات والإضافات التي أسهمت في إعطائه طابعاً مختلفاً في الإضاءة والألوان وباقي التفاصيل، إذ مر بمراحل تجديد وتعديلات أساسية، أسهمت في إنتاج ملامح مختلفة تبعاً للمناطق الجغرافية التي طبق فيها.

الطراز الغوطي

يذكر كتاب "تاريخ العمارة عبر العصور"، سبب تسمية العصر الغوطي بعصر الإيمان، فقد مثلت الهياكل المعمارية موضوعاً روحياً، يعكس حضور النور السماوي بأسلوب روحاني خاص، فتحولت الكنيسة إلى فضاء روحي مفعم بالقداسة، ضمن المساحات الواسعة والشاهقة الارتفاع والتفنن بأساليب الإضاءة، عبر توزيع الفتحات بشكل مدروس، لكي يعبر النور الطبيعي من خلالها إلى المكان.

وكان أول من اعتمد مصطلح "الطراز الغوطي" لوصف الطراز الخاص بالفترة الغوطية، السير كريستوفر ورن في القرن السابع عشر، إذ حدد من خلاله نهاية عصر العمارة الكلاسيكية للقرن الثاني عشر، وابتداء الغوطية التي امتدت من القرن الثالث عشر إلى نهاية الخامس عشر.

وقد قسم صالح المعي في كتابه "نظرة إلى العمارة الأوروبية" الطراز الغوطي إلى ثلاث مراحل، وهي "المبكر Early Gothic Style 1135، والكلاسيكي High Gothic Style  1194، والمتأخر Late Gothic Style"، الذي سمي تسميات مختلفة تبعاً لكل بلد.

العمارة الخارجية والكاتدرائيات

انبثق هذا الطراز من تكوينات عمارة الرومانسك، التي تعد مقدمة بسيطة لهذا الطراز، لكنه صنف كأسلوب معماري خالص، وعد من قبل كثير من المؤرخين نمطاً أوروبياً متحرراً من سابقه، فمجموع التفاصيل المعمارية والعناصر الفنية التي أدخلت على الرومانسك، بخاصة التعديلات في النسب الهندسية والتقسيمات الداخلية، أدى تدريجياً إلى الوصول إلى الطراز الغوطي المستقل.

فجاءت الكاتدرائيات على شكل صليب، وتميزت بالضخامة والصلابة والارتفاع الشاهق، وكان أبرز ما يدل عليها استخدام العقد المدبب pointed arch بشكل متطور والأقبية المتقاطعة rib vaults والجدران الساندة، وزيادة عدد الفتحات المشكلة للنوافذ التي جاءت بحجم واستطالة أكبر وزخرفة وألوان مميزة، وكذلك استعمال الدعامات والأعمدة المركبة كعنصر إنشائي حامل للكتلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التصميم الداخلي

عندما نتحدث عن التصميم الداخلي الغوطي، لا نقصد هنا فترة العصور الوسطى كما في العمارة الخارجية، فالغوطية في التصميم الداخلي تعود إلى القرن التاسع عشر، فترة العصر الفيكتوري، حيث أحيا فيه المصممون الزخارف الغوطية، وخلقوا طرازاً جديداً في العمارة سمي Neo-Gothic style، كان يدور موضوعه حول محاكاة الحس الأساسي للعمارة الغوطية فيما يتعلق بالراحة والحداثة، كما كان من الطبيعي أن يعكس التصميم الداخلي نفس الإحساس الغامض الذي تعكسه الكنيسة المبنية بنفس الطراز من خلال الانفتاح على المساحات الداخلية والزخارف العمودية البارزة وطريقة دخول الضوء الطبيعي وتأثيراته.

وحددت مجموعة سمات ملامح هذا الطراز، وكانت بعيدة تماماً عن البساطة، إذ استخدمت الأقواس المدببة في النوافذ والقطع الديكورية والجسور الحاملة، والأشكال اللولبية وتشكيلات الورود حول الأبواب والنوافذ، لإضفاء إحساس بالدقة والدراماتيكية، فالتشكيل الغوطي يحتوي على نسبة عالية من التفاصيل التي تملأ المساحة بالنقوش والمنحوتات، وكذلك استخدام القطع الخشبية مثل أضلاع حاملة للسقف في بعض التصاميم.

ملامح أساسية

واعتمدت قطع أثاث من الخشب المصمت والثقيل، والقطع الضخمة ذات التصميم المقنطر، التي يركز في تصميمها على النحت في كل من القاعدة والظهر والأرجل، بشكل متقن أحياناً وبسيط أحيان أخرى، وأدخلت الأعمال الفنية المعدنية والتماثيل والإكسسوار الذي يوحي بالعظمة والأصالة، كما استخدمت الصور والنقوش والزخارف المتنوعة والنباتية منها بشكل خاص.

أما بالنسبة إلى الألوان، التي لم يشكل اختيارها مشكلة في التصميم الخارجي بسبب الاعتماد على الإكساء بالحجر، فاعتبرت في التصميم الداخلي على عكس ذلك، فشكلت عنصراً مهماً ابتُكرت له طرق متعددة التطبيق، وكان التركيز بشكل أساسي في طريقة اختيار مخطط الألوان على اعتماد الظلال الداكنة والنابضة بالحياة في الوقت نفسه، مثل "البنفسجي والبني والأخضر والمارون (الأحمر الداكن) الأزرق الداكن والعنابي"، حيث تميل هذه الألوان إلى أن تكون أكثر قتامة، بشكل يعزز الطابع الدرامي والجدي في المساحة، وكذلك أكثر عمقاً وغنى لتأكيد إحساس الفخامة.

وتستخدم في بعض الأحيان مواد معينة، مثل الخشب المصقول أو الحجر الذي يعكس جواً مشابهاً للكاتدرائية، وفي النهاية غالباً ما كان يعكس مجموع هذه التفاصيل المعمارية شعور بالروحانية والتصوف في المكان.

يعد هذا الطراز خياراً مثالياً لخلق جو من الغموض والعظمة والأصالة في منزلك، بخاصة للمهتمين بالأثاث القديم والأنيق ذي التاريخ الغني، حيث لا يزال يطبق بنسب معينة في بناء المنازل الحديثة وديكور المساحات الداخلية من خلال مزجه مع الطراز الحديث بشكل متناسق، بخاصة في الغرف الواسعة والأبنية الضخمة، بحيث يجمع بين الأثاث البسيط العصري والظلال الداكنة وستائر المخمل أو الدانتيل والثريات والمرايا الزخرفية والمدافئ والزجاج الملون وعوارض الأسقف الخشبية التي تعكس جميعها الجو الغوطي، لخلق مزيج انتقائي خاص بين القدم والحداثة.

المزيد من منوعات