لا تملك إلا أن تُعجب بدور ماركوس راشفورد القيادي الماهر بعيداً عن الملاعب بما يخص فقر الأطفال. فبعدما أرغمت الحكومة على التراجع بشأن الوجبات المجانية في المدارس، هاهو نجم فريق نادي مانشستر بونايتد لكرة القدم يقود فرقة العمل المعنية بقضية (محاربة) جوع الأطفال. وهو يحذر من آثارها "المدمرة" على استقرار البلاد إذا لم تتخذ الإجراءات العملية بالسرعة الكافية. وهو يدرك أن الأمر لايتعلق فقط بضمان توفر الغذاء للعائلات التي لا تستطيع حالياً تحمل تكلفة إطعام أطفالها. وعلى نحو حاسم، فإن الأمر يتصل بالتقليل من شأن وصمة العار التي تمنع الكثيرين من طلب المساعدة.
وهو يعقد المقارنة على نحو فصيح بين الطريقة التي لا يستحي فيها طفل من طلب المساعدة على حل مسألة في الحساب، وبين معرفة الطفل نفسه من عمر مبكر أنه لا يجدر به أن يطلب الطعام حين تكون معدته فارغة، حتى مع أن الجوع يعيق التعلم.
ها نحن، في عام 2020، نجد أنفسنا إزاء مستويات من الجوع بين الأطفال تشبه تلك السائدة في القرن التاسع عشر، التي باتت مضرب مثل بعدما رصدها الروائي تشارلز ديكنز في أعماله. مع ذلك، لدينا حكومة تتباهى على الدوام بكيفية تقليصها التفاوت، وبأنها مصممة على "رفع المستوى" الاقتصادي. ولكن، كان لاعب كرة القدم الشهير هو من أمسك بزمام المبادرة، مرة أخرى، وليس وزيراً في هذه الحكومة. وعول ماركوس على مكانته كي يشكل فرقة عمل بين أعضائها رؤساء تنفيذيون لمخازن سوبرماركت، وذلك لضمان أن المبادرة لم تكن مجرد جعجعة بل جهد من شأنه أن يوفر الطعام على وجه السرعة.
قال نك غيب، وهو وزير الدولة لشؤون المدارس، إن التوصيات التي رفعتها فرقة العمل تلك ستُدرس باهتمام. للأسف، لن يملأ ذلك اليوم أياً من البطون الفارغة، ما يترك الأمر لمبادرة راشفورد كي لتحاول إطعام ما أمكنها من الأطفال.
تستطيع الحكومة أن تتجاوب بخفة وفاعلية كما أثبتت حملة "تناول الطعام في الخارج كي تساعد الآخرين" Eat Out to Help Out (إييت آوت تو هيلب آوت). إلا أن ذلك يزيد فقط من الإحساس بوجود أولويات مشوهة، يتقدم فيها الاقتصاد كل ما عداه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلافاً لكوفيد-19، ليس جوع الأطفال مفاجئاً، لقد أدركت الحكومة منذ بعض الوقت طبيعة المشكلة. ولو كان فعلاً "رفع المستوى" الاقتصادي واحداً من الأولويات، لكانت وزارة المالية قد وضعت برنامجاً نشطاً موضع التطبيق سلفاً، وذلك على أساس المعطيات المتوفرة لديها عن جوع وفقر الطفولة.
ثمة نموذج يتبلور حالياً بوضوح مع هذه الحكومة حين يتصل الأمر بمجموعات تعاني الحرمان. فالمحنة التي يعيشها اللاجئون والمهاجرون، شأنها شأن فقر الأطفال، لاتمثل أنباءً جديدة بالنسبة للحكومة. ومرة أخرى، تُرك الأمر للفنان بانسكي ليستجيب للمحنة بشيء من الإنسانية من خلال تمويل سفينة إنقاذ لانتشال المجموعات التي تقطعت بها السبل في البحر الأبيض المتوسط.
هكذا فيما ينفق فنان من جيبه لإنقاذ الناس، تنبري حكومتنا لإنفاق وقتها ومصادرها في التفكير بكيفية الظهور بمظهر أكثر صرامة في جهودها الرامية إلى حماية حدودنا من اللاجئين. هذا على الرغم من أن في متناولنا أحد أكبر الموارد البحرية في العالم، ومع أننا لم نستقبل حتى الآن سوى النذر اليسير من اللاجئين الهاربين من أتون الحروب، الذين يقل عددهم عمن استقبلتهم أي دولة متقدمة أخرى.
والحق أن ما يجمع قضيتي فقر الأطفال واللاجئين من وجهة نظر الحكومة هو أنها لا ترى أن ثمة اهتمام للناخبين بأي منهما. وبعد كل شيء، هذه حكومة تقودها مجموعات مختارة بهدف استطلاع توجهاتها focus groups ، التي تشتمل على عينات من الفئات المجتمعية المستهدفة، وتوجهها أيضاً استطلاعات الرأي التي تجريها كما لم تفعل أي حكومة سابقة. كن على ثقة، لو كانت أي من القضيتين تتيح كسب المزيد من الأصوات، لكانوا سلطوا الضوء عليها في التلفزيون والقنوات الإخبارية باستمرار.
ربما كان كل ما يوحي به هذا حقيقة، هو أنه لم يعد هناك حتى مجرد محاولة للادعاء بأن لدينا نظام رعاية اجتماعي يتكفل بحماية الأشخاص الأضعف. وبدلاً من ذلك، وكما هو الحال في عديد من مظاهر الحياة، نحن نحذو حذو أميركا حيث يتكفل المحسنون بمعالجة "القضايا" وليست الحكومة. ربما لم نفوض أحداً بذلك حين انتخبنا هذه الحكومة، لكن هذا ما لدينا حالياً، نظراً إلى أنها تعبد القطاع الخاص بدلاً من العام وتؤمن به. وحتى تسنح لنا أي فرصة برفع المستوى الاقتصادي ومعالجة التفاوتات الصارخة في بلادنا، فإننا في حاجة إلى أكثر بكثير من مجرد لاعب كرة قدم وفنان، من أصحاب المبادئ، كي نحقق هذا الطموح.
(إيان هاملتون يحاضر في الصحة العقلية في قسم العلوم الصحية بجامعة يورك البريطانية)
© The Independent