Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأطفال المهاجرون في الولايات المتحدة تحت مقصلة كورونا والترحيل

عودة قسرية للمئات بسبب سياسة ترمب الجديدة

السلطات ترحيل الأطفال بغضون ساعات من وصولهم الأراضي الأميركية (غيتي)

على الرغم من الضربات الشرسة التي تتعرض لها الأقليات في الولايات المتحدة بسبب فيروس كورونا، الذي ينتشر بصورة سريعة في بيئاتهم، بعدما كشفت الجائحة أوضاع مساكنهم السيئة، وقصور خدمات المياه والصرف الصحي، فإن المهاجرين يطاردهم شبح آخر، يتمثل في السياسة الجديدة التي تبنتها الإدارة الأميركية لترحيل الأطفال، بموجب قانون يمنح الرئيس هذه الصلاحيات للتصدي لأي تهديد صحي.

تسهيلات من الماضي

وتدفع الحاجة عائلات كثيرة إلى تشجيع أطفالهم على الهجرة للولايات المتحدة هرباً من الفقر المدقع ببلدانهم الأصلية، إذ دأبت الولايات المتحدة، على توفير المأوى، والتعليم، والرعاية الصحية للمهاجرين عند إيجادهم على الحدود من دون أوصياء بالغين، ليدخلوا لاحقاً في عملية إدارية طويلة تتاح خلالها الفرصة لإيضاح أسباب الهجرة، وفي حال رفض الجهات المعنية، لا يعودون إلى ديارهم، حتى يتم التأكد من وجود مكان آمن للعودة إليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن سياسات ترمب الصارمة تجاه الهجرة حوّلت المهمة أكثر صعوبة، على خلفية قرار جديد يخول السلطات ترحيل الأطفال بغضون ساعات من وصولهم الأراضي الأميركية، إذ تفاجأ أطفال كثر بعد بلوغهم الحدود بإجراءات مختلفة، لم يتمكنوا على إثرها من المبيت في الملاجئ التي اعتاد المهاجرون على الإقامة فيها لفترات معينة إلى حين استكمال إجراءاتهم، وتضرر آخرون من انتشالهم من أسرّتهم بالملاجئ الحكومية في منتصف الليل، لترتيب عودتهم في رحلات طيران طويلة، من دون إبلاغ أهاليهم.

هاجس الصحة والترحيل

ولم تشمل السياسة الجديدة الحد من دخول المهاجرين فحسب، بل تضمنت عمليات إجلاء لكثير من الأطفال المقيمين على أراضٍ أميركية، بعد قدومهم من دول مثل هندوراس، وغواتيمالا، إذ جاء ترحيلهم من دون سابق إنذار، أو متابعة وصي بالغ، يقوم على رعاية هؤلاء الأطفال، وينسق عودتهم إلى بلدانهم.

ورحّلت السلطات الأميركية، مئات الأطفال القادمين من هندوراس، من دون منحهم الفرصة للتحدث مع مرشد اجتماعي، أو طلب اللجوء خشية التعرض للعنف في بلدانهم، محدثةً بذلك انقلاباً على الآلية المتبعة، وتكشف الإجراءات الأخيرة التي بانت ملامحها بعد تطبيقها في الحدود الجنوبية خلال الأسابيع الماضية، تحولاً استثنائياً نحو سياسة جديدة، تتخلى عن ضمانات حماية الأطفال المهاجرين، التي أُقرتها منذ عقود، إدارات متعاقبة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وعلى الرغم من أن إخراج بعض المهاجرين حدث بعد أوامر ترحيل سابقة، فإن العادة جرت على منح الأطفال، فرصاً جديدة لطلب اللجوء في حالة دخولهم الولايات المتحدة مرة أخرى، لكن في الآونة الأخيرة، حتى المهاجرين الموجودين داخل البلاد، أصبحوا معرضين للعودة القسرية، وسط قلق الآباء والناشطين الاجتماعيين بشأن ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق والانتحار في أوساط المراهقين، لا سيما في ظل الأوضاع الصعبة التي فاقمها فيروس كورونا.

وتتعرض إدارة ترمب المناهضة لطلبات اللجوء، إلى سيل هائل من الانتقادات بسبب تعاملها مع الأطفال المهاجرين، إحدى أكثر الشرائح ضعفاً، إذا صدمت الحكومة آلاف الأطفال بفصلهم عن آبائهم عند الحدود في عام 2017، كما تُرك مهاجرون شباب في زنزانات حراسة الحدود القذرة دون إشراف بالغين، فيما قال متحدث باسم وكالة الجمارك وحماية الحدود، إن "سياساتها الخاصة بترحيل الأطفال من داخل البلاد لم تتغير".

ويتخذ الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس، موقفاً معارضاً لعمليات الترحيل كونها تنتهك قانون حماية ضحايا الإتجار، الذي يعد قانوناً اتحادياً يبلغ عمره 20 عاماً، ويضع معايير لمعاملة الأطفال الأجانب، الذين يصلون إلى الحدود الأميركية من دون وصي بالغ. وأشارت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، الشهر الماضي، في خطاب إلى وزير الأمن الداخلي، إن هذه التحركات "ليس لها سابقة معروفة أو مبرر قانوني واضح".

"نحمي مواطنينا"

وتبرر الإدارة الأميركية السياسة الجديدة بسلطة الرئيس، منع الأجانب من دخول البلاد، لتجنب أي "تهديد جدي ناتج عن مرض خطير"، استناداً إلى قانون 1944، غير أن مسؤولي الهجرة طردوا في الأسابيع الماضية، دون سابق إنذار، أطفالاً ومراهقين مهاجرين كانوا في الولايات المتحدة عندما جاء القرار المتعلق بالوباء، أواخر مارس (آذار) الماضي.

وأجبرت الظروف مئات المهاجرين اليافعين، ممن يملكون طلبات لجوء معلقة أمام المحاكم على الرحيل لأميركا الوسطى، وسافر آخرون إلى المكسيك، حيث يعيش الآلاف في مخيمات قذرة، وملاجئ مكتظة، وحسب إحصاءات الشهرين الماضيين، فقد بلغ عدد الممنوعين من الدخول 915 شخصاً، كما أعيد 60 شخصاً إلى ديارهم بعد دخولهم الولايات المتحدة.

إلا أن عمليات الترحيل المتزايدة، أثارت استفهامات عديدة حول إدخال 166 شاباً على الأقل، أخذاً بنفس الضمانات المتعارف عليها في السابق، بخلاف غيرهم من المرفوضين، لكن وكالة الجمارك وحماية الحدود، رفضت الكشف عن الطريقة التي تحدد الحكومة من خلالها المعايير القانونية المطبقة على الأطفال، وبرر ماثيو دايمن، أحد متخصصي الوكالة، عدم نشر كيفية تطبيق القوانين، بسبب مخاوف من استغلال مهربي البشر لهذه المعلومات، ونقل المزيد من الناس إلى البلاد.

ومددت الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، تطبيق سياسة الأمن الحدودي المشدد، التي تخول للسلطات إبعاد المهاجرين من على الحدود مباشرة، وأشارت إلى أنها سوف تستمر إلى أجل غير مسمى، مع مراجعتها كل 30 يوماً. وقال تشاد وولف، وزير الأمن الداخلي بالإنابة، إن "السياسة الجديدة تعد واحدة من أهم الأدوات المستخدمة لمنع انتشار الفيروس وحماية الشعب الأميركي".

 

حكايات الترحيل

وكشفت مقابلات أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مع أُسر ومحامين لمهاجرين قصر، ترحيل بعضهم ليلاً على الرغم من قوانين الهجرة التي تقتصر إعادتهم إلى بلدانهم على ساعات النهار، في وقت يطالب النشطاء، بإيجاد أماكن آمنة يلجأ إليها الأطفال بعد تجاهلهم في بلدانهم، وقالت جينيفر ناجدا، مديرة السياسات في مركز الشباب لحقوق الأطفال المهاجرين، إن "حقيقة وجود المئات من هؤلاء الأطفال المجهولين أمر مرعب حقاً".

وعندما كانت ساندرا رودريغيز، تودع ابنها غيرسون، الذي غادر إلى الولايات المتحدة، على متن قارب مسترشداً بأحد الغرباء، أوصته بأن يحسن التصرف أثناء المواجهة مع دوريات حرس الحدود المتمركزة على الجانب الآخر من النهر، وعندما يُلمُّ شمله لاحقاً مع خاله في مدينة هيوستن؛ أومأ ابن العاشرة برأسه، وتبدّت على محياه ابتسامة حذرة أزجاها لوالدته، بينما تنهمر الدموع من عينيه. توقعت الأم بأن ابنها سوف يقع تحت قبضة حرس الحدود لأيام قليلة، ليُنقل بعدها إلى ملجأ حكومي للأطفال المهاجرين، حيث يستطيع لقاء أخيها في هيوستن الذي سيطالب بإخراجه، لكن المفاجئ هو أن غيرسون اختفى دون تواصل، ولم تسمع الأم عن ابنها شيئاً، لمدة ستة أيام محمومة بالترقب والقلق، ولم تتلقَّ إخطاراً يفيد باحتجازه، أو اتصالاً من خاله في الولايات المتحدة.

وبعد انتظار، تلقت الأم اتصالاً من أحد أقربائها في هندوراس، يخبرها أن ابنها لديه، حيث بدا الطفل مشوشاً ومرتبكاً بشأن انتهاء الحال به في المكان الخطير الذي هرب منه. وقال ريكاردو رودريغيز، خال الصبي البالغ من العمر 10 سنوات، إنه صُدم عندما علم أن غيرسون، أعيد إلى هندوراس وحده، مبدياً قلقه بشأن سلامته، "حيث سبق لزوج أخته السابق، أن ضرب الصبي ووالدته ومنعهما من الطعام". واستنكر رودريغيز، قرار السلطات الأميركية، التي اختارت وضع طفل على متن طائرة دون إخطار أفراد عائلته، بمن فيهم أولئك الذين كانوا ينتظرون في الولايات المتحدة لنقل الصبي إلى منزلهم، وأضاف، "لن أخبرك أننا سنغدق عليه بالثروات، فنحن فقراء، لكننا سنقاتل لدعمه. كنا سنرحب به كما يستحق".

أما ببيدرو روميرو، البالغ من العمر 16 عاماً، فقد أخبره موظفو شركة أمنية خاصة، أُوكل لها ترحيله مع اثنين آخرين، بحزم حقيبته لكي يؤخذ للمثول أمام المحكمة في فلوريدا، لكن بدلاً من ذلك، انتهى به الحال إلى استقلال أربع رحلات على مدار يومين، وتقاسم غرفة بأحد فنادق ميامي، مع ثلاثة موظفين، الذين أخبروه قبل الصعود إلى رحلته الأخيرة، أنه يتم ترحيله إلى هندوراس، حيث وصل ولم يكن أحد باستقباله، فاستعار من مسؤول الهجرة هاتفاً محمولاً، ليطلب من أحد أقاربه مكاناً للإقامة فيه، بينما عمل محامو ببيدرو حينها على تحديد مكانه، لكنهم لم يتلقوا أي رد من الحكومة الفيدرالية، وقالت كاتي فيش، مستشارة الهجرة بالجمعيات الخيرية الكاثوليكية في نيويورك، "لم يكن لدينا أي فكرة عن مكانه لمدة يومين أو ثلاثة أيام".

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، يقول المحامون الذين يمثلون الأطفال المهددين بالترحيل، إنهم مضطرون للمشاركة في مناورات قانونية لمدة 11 ساعة لمنع حدوث عمليات الترحيل، وفي الأسبوع الماضي ، كان أمام هانا فلام، محامية هجرة، عدة ساعات فقط لإيقاف إعادة فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، بعدما احتجزتها إحدى وكالات الهجرة التابعة لوزارة الأمن الداخلي، إلى حين إعادتها على متن رحلة الساعة 3 صباحاً إلى هندوراس، لكن المحامية فلام تمكنت من تأمين إقامة طارئة في الساعة 11:47 مساءً، ليسمح بعدها للفتاة بالعودة إلى الملجأ التي تقيم فيه.

ومنذ اكتشاف فيروس كورونا في الولايات المتحدة، أُعيد 239 قاصراً إلى غواتيمالا، 138 آخرين إلى هندوراس، وفقاً للإحصاءات الحكومية، ويعكس ترحيل الأطفال المهاجرين، توجّه الإدارة الأميركية التي واجهت انتقادات تتهمها باستغلال أزمة الفيروس لتعليق الهجرة، غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أوضح في وقت سابق، أن القرار يهدف إلى حماية الوظائف في البلاد، إثر ارتفاع معدلات البطالة بشكل قياسي، وسيسري الأمر التنفيذي لمدة 60 يوماً قابلة للتمديد أو الإلغاء بناء على الظروف الاقتصادية، وقال ترمب، إن "هذا الإجراء يتعلق حصراً بطلبات الإقامة الدائمة، ولا يشمل تأشيرات العمل المؤقتة"، مؤكداً أن وقف الهجرة مؤقتاً سيساعد الأميركيين العاطلين عن العمل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات