Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاستقلال... أو الموت الزؤام! (1919- 2019م)

"قد يكون الغربيون غادروا مستعمراتهم القديمة في أفريقيا وآسيا فيزيائياً غير أنهم احتفظوا بها كأسواق ومواقع على الخريطة العقائدية والإستراتيجية"

مصريون يتجمعون في ميدان التحرير بالقاهرة في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت مبارك. (غيتي)

حتى ونحن ملزمون بأن نعي ماضوية الماضي وعياً تاماً، لا نملك طريقة عادلة لحجر الماضي عن الحاضر، إن الماضي والحاضر متفاعمان، كلٌّ يشي بالآخر ويوحي به، وكلاً منهما يتعايش مع الآخر.

إدوارد سعيد  

1

الشعار الذي طرحته الثورة المصرية عام 1919م "الاستقلال... أو الموت الزؤام"، ما لم يتحقق حتى قيام الانقلاب العسكري- ما عُرف بثورة 23 يوليو (تموز) 1952م، قرن من رفع هذا الشعار الذي جاء بُعيد الثورة العربية 1916م التي انتهت بتغيير المحتل من العثماني إلى الإمبريالية البريطانية أو الفرنسية، وجاء عقب الحرب الكبرى الأولى ومبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها، الذي طرحه الرئيس الأميركي وودرو ويلسون حينها، وكانت ثورة لينين تفجرت في روسيا ونُشرت وثائق اتفاق سايكس - بيكو، الذي قسّم ما وُرثَ عن الرجل المريض (السلطنة العثمانية) بين الإمبرياليتَين البريطانية والفرنسية.

الشعار بقي شعاراً حتى انتهاء الحرب الكبرى الثانية، عندئذٍ انبثقت حركات التحرر، ودفعت أوروبا، بخاصة بريطانيا وفرنسا، ثمناً باهظاً للحرب، وبدأت الحرب الباردة إثر ظهور الإمبريالية الأميركية والاتحاد السوفياتي. وفي هذا حال، تحوّل الشعار إلى التحقق على الأرض فحصلت مستعمرات وبلدان محتلة عدة على استقلالها وأعلنت الدولة الوطنية فيها، وفي دول كثيرة منها سرعان ما جرت انقلابات عسكرية، لا سيما في البلدان التي أُعلنت كممالك، فوصِمت بالرجعية، واستولى العسكريون على السلطة بحجة أن الاستقلال مزيّف، ما رفعه القادة الجدد على رماحهم.

والحقيقة كما كتب إدوارد سعيد في كتابه "الثقافة والإمبريالية" الصادرة طبعته الأولى سنة 1993م، نقلاً عن المفكر الأميركي آرني تولستوي "قد يكون الغربيون غادروا مستعمراتهم القديمة في أفريقيا وآسيا فيزيائياً، غير أنهم احتفظوا بها، لا كأسواق فقط، بل أيضاً كمواقع على الخريطة العقائدية/الإستراتيجية التي استمروا يمارسون حكمها أخلاقياً وفكرياً". ويبرر إدوارد ذلك بأن "في أيامنا هذه، يكاد يكون الاستعمار المباشر انتهى؛ لكن الإمبريالية، كما نرى، تستمر حيث كانت موجودة دائماً: في مناخ ثقافي عام، وفي ممارسات سياسية وعقائدية/إستراتيجية واقتصادية معينة أيضاً". وهكذا يبدو أن دعاوى الانقلابيين- الذين توالت انقلاباتهم على بعضهم أيضاً- حقائق دامغة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

2

هذه الأيام تتوالى الاهتمامات بمئوية الثورة المصرية 1919- 2019م، وتأتي هذه الذكرى في ظرف تاريخي مماثل، فالمنطقة تعجّ بالثورات، بخاصة في دولها التي نقضت استقلالها وعمّدته بـ(ثورات أُخَر)، من الجزائر حتى اليمن مروراً بليبيا، في إطار ما سُمي بالربيع العربي الذي يبدو وكأنه يستعيد شعار "الاستقلال... أو الموت الزؤام".

في ليبيا مثلاً، كانت القوات المناهضة للعقيد معمر القذافي وكتائبه الأمنية تعتبر أي جزء من ليبيا يتحقق فيه خروج قوات القذافي محرراً، وعُدّ تخليص البلاد من سيطرة القذافي استقلالاً ثانياً. هذا المنحى حين حدث في دول من دول الربيع العربي ملفت للنظر، حيث الملاحظ أيضاً أن دول الاستعمار القديم عادت تتحدث عن أحقيتها في دور مميز في هذه الدول، كما أفصحت إيطاليا بشكل فجّ عن دور خاص في ليبيا بحكم التاريخ، أو كما يدعي اليمين الإيطالي. وفيما يختص بما يحدث في الجزائر كانت فرنسا عبر وزارة خارجيتها أول من أصدر بياناً حول الأوضاع الجزائرية المتفاقمة في هذه اللحظة الاستثنائية، أما عن تونس فحدّث ولا حرج.

الملاحظ أن حال هذه البلدان متشابه والمشترك بينها كثير، وأن تباينها مع الدول الأخرى بيّن، فليبيا والجزائر بلدان نفطيان، عاش شعبيهما فاقة وبطالة، تجاوزت في الجزائر مثلا 20 في المئة، والشباب المتعلم تحت سن الـ 30 قارب 70 في المئة في آخر تعداد للسكان. وقام فيهما نظامان ضد الاستعمار أو الاستقلال المزيّف و ادعيا أنهما جاءا لأجل تحقيق "الاستقلال ... أو الموت الزؤام"، فإذا بالنتائج تبعية وفاقة مضطردة. ويعترف النظام هذا في اللحظات الحرجة بذلك لكن بعد فوات الأوان، أو كما قال الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين "فهمتكم". أما في الجزائر فإن "جبهة تحرير الجزائر" منذ إعلانها الثورة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1954م وحتى الساعة في مهمة واحدة هي تحرير الجزائر!  

الاستقلال أيقونة الشعوب المستعمَرة لحظة التحرير والمحافظة عليه أصعب من نيله، أو كما ردّد الملك الليبي إدريس السنوسي، لكن التفريط فيه متحقق عند هذه الشعوب التي ترى دولاً مماثلة لها تجاوزت هذه المرحلة التي فيها تجاوزت الموت الزؤام بالتنمية المستدامة، وبذلك لم تعد المسألة "الاستقلال".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء