Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دفتر عزاء مبارك على "تويتر"... لا سياسة في الموت عدا الإخوان

موت الرئيس الأسبق سلَّط الضوء على جوانب خفية لدى المصريين باختلاف أطيافهم وانتماءاتهم

حتى المشاهير بفعل أحداث يناير (كانون الثاني)، والمعروفين بفضل تغريداتهم، والمحبوبين بسبب مواقفهم، والمنتشرين على أثير الـ"فيسبوك" بحسب تدويناتهم، والنجوم بناء على قدراتهم الكروية، والسياسيين مَنْ بزغ نجمه ثم خفت، ومَنْ كان نجمه خافتاً ثم بزغ، جميعهم استغرقوا بعضاً من الوقت وكثيراً من الفكر قبل أن يتيقنوا من حقيقة مشاعرهم تجاه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك ووفاته، ومن ثم التعبير عنها لجماهيرهم العريضة المتناقضة والواقفة على أطراف نقيض.

نقيض صارخ

النقيض الصارخ الذي اعتاده جمهور الناشط السياسي العريض والمتفتت أخيراً بفعل تصرفاته الغريبة، جعل من تغريدته المتغنية بوطنية مبارك إحدى أبرز تغريدات المواساة المثيرة للجدل وما أكثرها. وائل غنيم أحد أبرز مفجري أحداث يناير 2011 والمقيم في الولايات المتحدة حالياً غرّد متغنياً بوطنية الرئيس الراحل، ما دعا المتابعين إلى ضرب أخماس في أسداس.

كتب غنيم، صاحب المواقف النارية والتحركات العنكبوتية التي أدت في نهاية الأمر إلى إسقاط نظام مبارك "رحمة الله على الرئيس حسني مبارك، كلُ نفسٍ بما كسبت رهينة وكلنا رايحين لربنا اللي أحسن من البشر كلهم، ربنا يصبر أهله ومحبيه ويبارك في عمر أحفاده، كان محباً ومخلصاً لمصر، تحمل مسؤولية ضخمة تجاه الشعب المصري فأصاب كثيراً وأخطأ كثيراً وصبر على كثير من الأذى في نهاية عمره، وسيحكم التاريخ"، مذيلاً كلماته بقلب أحمر وصورة لمبارك ببذلته العسكرية.

البذلة العسكرية

ويبدو أن البذلة العسكرية كانت من أكبر العوامل التي أدت إلى التفكير والتمحيص والتدبير قبل رصّ الكلمات واختيار التعبيرات، حتى ملك التغريدات الذي عرفه جمهوره بكثرة التغريد وانفض عنه متابعوه بعدما اختفى عن الساحة في وقت بالغ الصعوبة مكتفياً بوجوده التغريدي بمناسبة ومن دونها، محمد البرادعي، كتب معزياً ومواسياً "رحم الله الرئيس محمد حسني مبارك وألهم آله وذويه الصبر والسلوان".

ولأن البرادعي له بدلاً عن العين المراقبة ألف، وبدلاً عن المراقب ملايين، فقد انكبّ أنصار الرئيس الأسبق الراحل أيضاً محمد مرسي على تغريدته معترضين ومندّدين بعدما أعادوا استخراج تغريدته المطابقة وقت وفاة مرسي في 17 يونيو (حزيران) عام 2019، وسبب الغضب هو أن البرادعي نزع عن مرسي صفة "الرئيس"، بينما سبغها على مبارك!

 

وفي السياق المتنازع عليه نفسه، فاجأ نجم الكرة المصري المعتزل والمثير للجدل أيضاً بسبب تعاطفه مع جماعة الإخوان المسلمين وتأييده المعلن للرئيس الأسبق محمد مرسي والمقيم في قطر حالياً، محمد أبو تريكة، المتابعين بتغريدة نصها "رحم الله رئيس مصر الأسبق حسني مبارك وغفر الله له وتجاوز عن سيئاته وخالص التعازي للأسرة ورحم الله الجميع".

يشار إلى أن نجل مبارك، علاء، قدّم واجب العزاء في وفاة والد أبو تريكة في مايو (أيار) عام 2017، وقال وقتها معلقاً على الجدل الذي ثار إنه يقدم واجب العزاء، "ولا سياسة في الموت".

لكن أرض السياسة تؤكد أنه حتى الموت مفعم بالسياسة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نعى مبارك وعزّى الشعب المصري وأثنى كثيراً على الرئيس الراحل وحرصه على إتمام عملية السلام، وهما الثناء والعزاء اللذان فجرا ينابيع التغريد المضاد من قبل معارضي مبارك، لا سيما في ما يختص بالتقارب مع إسرائيل.

وقد دقّ على هذا الوتر العديد من "أذناب الجماعة" المنتشرين في عدد من الدول، أبرزها قطر وبريطانيا وتركيا، لا سيما المتصلين بالوسط الإعلامي، حيث انتهزوا الفرصة وغرّدوا ودوّنوا بعد طول غياب وخفوت، فمن سرد لذكرياتهم القاتمة أثناء حكم الرئيس الراحل، إلى تذكرة بما سموه "خيانات" و"إخفاقات" و"مآسي" حاول الرئيس الراحل محمد مرسي أن يصححها لولا "الانقلاب".

"نازلين الجنازة"

"الانقلاب الغاشم" على حكم الإخوان عاد مجدداً إلى منصات التواصل الاجتماعي بعد أشهر طويلة من الاختفاء، ويبدو أن أتباع الإخوان وجدوا في الوفاة فرصة لمعاودة الظهور، فدشنوا هاشتاغ "نازلين الجنازة" للدعوة إلى النزول للميادين والشوارع لقلب النظام، وهي الدعوات التي كانت تتواتر على مدار سنوات ما بعد انقلاب الإرادة الشعبية على حكم الإخوان، لكن من دون مجيب.

 

ومن دون جدل يذكر، غردت شخصية أخرى مثيرة للجدل والقيل والقال على مدار السنوات التسع الماضية ناعية مبارك بكلمات غير مستغربة. وزير الطيران السابق ورئيس الورزاء السابق في أعقاب أحداث يناير والمرشح الرئاسي الخاسر أمام مرسي والمرشح الذي أجهضت محاولته في الترشح للرئاسة في عام 2017 الفريق أحمد شفيق، كتب معزياً ومواسياً "فقدت مصر اليوم زعيماً حكيماً، أثبتت كافة الظروف والأحداث مدى قدرته على المواجهة والنجاح، عزائي لأبناء مصر، عزائي للأسرة الكريمة في مصابها الأليم، عزائي لنفسي فقد القائد والمعلم".

مرشحو الرئاسة

مرشح رئاسي آخر خاسر ومعارض لنظام مبارك على مدى عقود طويلة نعاه بكلمات مقتضبة، السياسي المعارض حمدين صباحي، والذي حصل على 3.09 في المئة من أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة في عام 2014 "في حضرة الموت لا أجد في نفسي إلا الدعاء بالرحمة لمن رحل وحسن العظة لمن سيرحلون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى النهج نفسه، سار مرشح رئاسي آخر خاسر ووزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى، مغرداً "رحم الله حسني مبارك، بدأ حكمه بمجتمع متوتر واقتصاد متراجع وانتهى بمجتمع يرنو نحو الاستقرار ويطالب بالإصلاح وباقتصاد ذي فرص تقدم واضحة، فكان حكمه فردياً ولكنه كان رئيساً وطنياً وشريكاً موثوقاً في قيادة العالم العربي".

الأزهر والكنيسة

رسمياً، ظلت مواقف المسؤولين الحاليين تجاه وفاة مبارك أكثر محافظة، فالوضع بالغ الحساسية، وأي تعاطف تجاه الرجل سيقابل بآلاف المتربصين يفسرونه باعتباره استمرارية للنظام القديم، لكن تظل هناك استثناءات، فشيخ الأزهر أحمد الطيب أشاد بمسيرته الوطنية ودوره الكبير في نصر أكتوبر الذي أعاد العزة والكرامة، داعياً الله سبحانه وتعالى أن يسكنه الله فسيح جناته، وكذلك فعلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي أصدرت بياناً ناعية أحد أبطال وقادة حرب أكتوبر، ذاكرة الكلمات التي قالها الراحل قبل تنحيه "هذا الوطن العزيز هو وطني، فيه عشت وحاربت من أجله وعلى أرضه أموت".

جوانب خفية

موت مبارك سلط الضوء على جوانب خفية لدى المصريين باختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، وهو ضوء ظهر جلياً عبر تغريدات عِدة نأت بنفسها عن العصبية، وارتقت فوق أعاصير الآراء والآراء والمضادة واختفاء نقاط الالتقاء التي غابت عن الساحة المصرية على مدار سنوات.

المؤكد أن "تويتر" قال الكثير عما يدور في أروقة المصريين وأدمغتهم وقلوبهم في أعقاب وفاة الرئيس الأطول حكماً لهم. ثلاثة عقود لا يمكن اختزالها في تغريدة أو اثنتين. موقفه في رفض ترك مصر عقب تنحيه مع خلفيته العسكرية ودوره في حرب أكتوبر دفعت الكثيرين إلى التزام مواقف بعيدة عن الشماتة أو حتى تجديد المعارضة، وذلك بالطبع باستثناء أتباع وأنصار جماعة الإخوان التي وجدتها فرصة لتجديد الشماتة وتأجيج المعارضة أملاً في استعادة فرصة هنا أو قفزة هناك.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات