Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مئات المصانع السورية سُرقت وفُككت... ووجدت طريقها إلى تركيا

بعثت السلطات السورية برسالتين إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة تتهم تركيا بممارسة أعمال قرصنة وجرائم عابرة للحدود.

لم تتوقف المحاولات التركية للسيطرة على حلب لموقعها الجغرافي والإستراتيجي والصناعي (اندبندنت عربية) 

عادت ذاكرة السوريين في مدينة حلب الواقعة في الشمال سوريا، إلى الوراء بعد مشاهدتهم منشآت وخطوط سكك حديد تمرّ بريف حلب الشمالي، لبيعها كخردة. ومع هذه الحادثة، يستذكر السوريون، ومنهم أصحاب معامل ضخمة في المدينة، السنوات الأولى للحرب بحسرة، وما آلت إليه أمور مدينة الصناعة السورية الأولى ودرّتها، بعد تفكيك مصانعها مع معدات ووسائل نقل أُرسلت إلى تركيا.

وتحركت دمشق حينها عبر وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، لتشكّل لائحة سوداء بأسماء الشركات التجارية التركية المتورطة في السرقة والفساد لتحظرها من الاستثمار في سورية، واستُحدث مكتب خاص لمقاطعة المنتجات التركية على غرار مكتب مقاطعة إسرائيل.

في هذه الأثناء، تنظّم مديريات الجمارك السورية وغرف الصناعة والجهات الرقابية حملات واسعة، خصوصاً على المنافذ الشمالية، لمكافحة التهريب ووقف تدفق البضائع التركية التي أغرقت الأسواق في سنوات الحرب في ظل تراجع الإنتاج الصناعي السوري والحصار المفروض على حلب. 

محاكمة دولية واتهامات

قبل الحرب السورية ليس كما بعدها، فالجارة أنقرة صديقة الأمس، كسبت قبل العام 2010 اقتصادياً فاجتاحت الأسواق السورية خلال "شهر عسل" في العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين. إلا أنها بعد أن أصبحت العدو اللدود، لم تشح بنظرها عن عاصمة الصناعة السورية.

ووصلت ذروة عدد المصانع المسروقة في العام 2013 إلى نحو ألف معمل، وفق اتحاد غرف الصناعة السورية. وأرسلت دمشق حينها رسالتين إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، واعتبرت تصرف تركيا من "أعمال القرصنة والجرائم العابرة للحدود" تستوجب رد فعل دولي، وطالبت بإلزامها إعادة المعامل إلى أصحابها ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم.

وقبلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ شكوى مقدمة ضد رئيس الحكومة التركية في 22 أبريل (نيسان) 2014، بتهمٍ، من بينها التورّط في تيسير سرقة معامل حلب والضلوع في تدمير البنية التحتية للاقتصاد السوري. وتفاءل صناعيو المدينة وتجارها بعد إدانة المحكمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (كان رئيساً للوزراء حينها)، وفق ما ذكره رجل الأعمال ليون زكي، رئيس مجلس الأعمال السوري - الأرمني.

المحكمة الأوروبية التي استقبلت الوثائق اللازمة من تسجيلات صوتية ومرئية ووثائق وأعطيت الرقم قبول 61869/13، تنسق مع منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب، مقرها برشلونة. ووفق مذكرة وزارة الصناعة السورية، فإن عدد المنشآت المتضررة من حالات السرقة وصل إلى 720 وتقدّر قيمة إجمالي المبالغ المفقودة بـ 196 مليار ليرة سورية.

جراح الصناعة

"ضجيج آلات النسيج أشبه بموسيقى يومية، ورائحة الزيت التي تفوح من الآلة في معمل النسيج في المدينة الصناعية كأنها عطر" هكذا يصف صناعيٌ من حلب عمله اليومي في معمله قبل الحرب في مدينة النسيج وطريق الحرير. ولا يتردد في التعبير عن أمل يلوح في الأفق على الرغم من دمار منشآته الصناعية التي أنتجت للأسواق المحلية وساهمت في تصدير منتجات إلى أسواق عربية وأوروبية في قطاع الغزل والنسيج. 

وتقف اليوم تلك المصانع عاجزة بعد دمارها مع جهود ذاتية لإعادة تشغيلها بعدما نهشتها السرقات وأعمال التخريب. إلا أن هناك محاولات لتحريك عجلة الإنتاج في نحو 500 منشأة في مختلف الصناعات، تؤمن نحو 15 ألف فرصة عمل وفق مصدر في المدينة الصناعية. وبلغت خسائر القطاع الصناعي حوالي 100 مليار دولار تكبدت الجزء الكبير منه الصناعة في حلب، وفق إحصاءات غرفة الصناعة، لذلك يطالب الصناعيون بمنحهم محفزات مالية لتأهيل المنشآت وقروضاً بفوائد ميسرة وتسجيل العمالة في التأمينات وتشغيلها. 

ولم تنجُ المدينة الصناعية أيضاً مما يصفه أحد الصناعيين بـ "البلطجة التركية". ويستند في وصفه هذا إلى واقعة شهدتها منطقة تسمى "الشيخ نجار"، أكبر تجمع للصناعات في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة حلب، إذ تم تهريب معاملها إلى تركيا. وتبلغ مساحة المدينة الصناعية 4412 هكتاراً، في وقت تتفاءل إدارة المنطقة الصناعية بارتفاع الطاقة الإنتاجية من نسبة 25 في المئة إلى 75 في المئة في معظم المنشآت التي عادت إلى الإنتاج، إذ زادت الاستثمارات بقيمة 220 مليار ليرة سورية، أي نحو 416 مليون دولار، وفق بيانات المدينة الصناعية. 

تكاليف الإنتاج 

أغلبية المعامل التي بدأت تتعافى هي معامل أعادت إنتاج نفسها بقدراتٍ وأيدٍ وخبراتٍ وطنية. ومع تعافي هذه المعامل يتقبل الصناعيون على مضض الأعباء المالية المتراكمة التي تنعكس على تكاليف الإنتاج، وتضاف إلى سعر المنتج من الموردين والعملاء. وبالنتيجة، المتضرر هو المستهلك في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة. 

على الضفة الأخرى، واقع الحال في المعامل التي ما زالت تعمل في ريف حلب في مناطق تحت سيطرة فصائل المعارضة، تضطر إلى دفع ضرائب منتظمة إلى هذه الفصائل، لضمان سير العمل وتسهيل دخول المواد الأولية وخروج المواد المصنعة وحركة العمال مع امتلاكها القدرة على تغطية السوق المحلية والتصدير.

وتعد محافظة حلب أكبر المحافظات السورية من حيث عدد السكان، وأهم مركز صناعي في سوريا، إضافة إلى أهميتها التجارية والزراعية، وهي معروفة منذ القدم بصناعاتها التقليدية كالنسيج وحلج القطن والصابون والمواد الغذائية.

المزيد من اقتصاد