دخلت الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران عامها الأول، بعد دخولها حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، مخلّفةً وراءها أضراراً فادحة بالاقتصاد الإيراني ومنظومته الإقليمية، خصوصاً لناحية الإيرادات النفطية، المصدر الرئيسي للاقتصاد، إذ لامس تصديره الصفر في السوق الشرعية، في حين لا تزال سوق التهريب ناشطة سراً مع بعض الدول المجاورة.
تصفير النفط
العقوبات الأميركية على إيران كان لها وقع كبير لناحية التراجع في ضخ الدولار في الأسواق الإيرانية، ما أدى إلى انهيار عملتها المحلية إلى أدنى مستوياتها، وعدم القدرة على استيراد سلع رئيسة ومواد أولية ضرورية للصناعات المحلية، ما دفع بها إلى اللجوء لأذرعها الأمنية المنتشرة في عدد من الدول العربية، لفك الطوق عنها والعمل كوكلاء اقتصاديين إلى جانب الدور الأمني.
وفي هذا الإطار، قال خبراء اقتصاديون إن "الشبكة العنكبوتية المعقدة ساعدت إيران في تجاوز العام الأول من العقوبات، انطلاقاً من دور هذه الشبكات التي تشغّل شركات وهمية ورجال أعمال ذا ارتباطات غير واضحة، لعقد صفقات انطلاقاً من دول أخرى". وأشار هؤلاء إلى دور أساسي لـ"حزب الله" اللبناني، الوكيل الأول لإيران في الشرق الأوسط، الذي استطاع أن يزوّد إيران عبر لبنان بمبالغ ضخمة من الدولارات، سُحبت من الأسواق المالية والبنوك اللبنانية.
وكلاء إيران في لبنان
وأكد هذه المعلومات مصدر دبلوماسي بالقول إن "اختفاء الدولار من البنوك والأسواق في لبنان يعود إلى سحب إيران عن طريق وكلائها، من تجار وأصحاب شركات صيرفة، النقد الأجنبي، خصوصاً الدولار الأميركي".
وأضاف أن "الوجود الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني في لبنان يشكّل خطراً على الاستقرار المالي، ومن ثم الاستقرار السياسي في البلاد"، منوهاً إلى أن "إيران تجيد الاختباء وراء عملائها المحليين، من أحزاب وجماعات سياسية ودينية وشركات تجارية، بيافطات لبنانية وعربية ودولية".
شبكات تهريب
في السياق ذاته، كشفت مصادر مطلعة داخل القطاع المصرفي اللبناني، عن وجود حملة ممنهجة لتهريب الدولارات من السوق اللبنانية إلى دول مجاورة من بينها العراق وسوريا وتركيا وإيران. وقد بدأت الحملة بعد توقف "جمال ترست بنك" بعد إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية، ما نتج منه "شحاً كبيراً" في الدولار في السوق النقدي، وسط معلومات تتحدث عن سحب رجال أعمال مقربين من "حزب الله" أموالهم من المصارف اللبنانية إلى مصارف عراقية تعمل لصالح إيران، وقُدّرت الودائع المسحوبة بهذه الطريقة بحوالى ستة مليارات دولار.
وأضافت المصادر أنّ "شبكات منظمة عمدت خلال ثلاثة أشهر على استغلال خدمة تحويل الأموال عبر الصراف الآلي، لإيداع مبالغ بالعملة المحلية في حسابات خاصة وسحبها بالدولار، وقد قُدرت المبالغ المسحوبة بهذه الطريقة بحوالى مليار دولار".
معابر التهريب الحدودية
وأشارت المصادر إلى أن "رجال أعمال لبنانيين ومؤسسات لبنانية أبرمت عقود استيراد مواد أولية وسلع استهلاكية على أنها للسوق المحلي، ليتبين بأن تلك العقود توازي أضعاف القدرة الاستهلاكية المحلية، وقد جرى استيرادها وتهريبها عن طريق الحدود اللبنانية السورية عبر 136 معبراً غير شرعي، ما سبّب باستهلاك مبالغ كبيرة من احتياطي الدولار لدى المصرف المركزي، الذي بدأ إجراءات قاسية بالتقنين والتشدد بمراقبة فتح اعتمادات بالدولار للتجار".
وأكدت القبض على أحد الصيارفة يحاول تهريب 1.3 مليون دولار أميركي نقداً إلى الخارج كل 48 ساعة، مرجّحةً وجود عشرات الحالات المماثلة التي تتبع النهج، إذ تشير تقارير أمنية إلى أن جزءًا من عمليات تهريب الأموال إلى إيران تحصل عبر إخراجها من عدد من دول العالم، منها لبنان عبر تركيا التي تقايض بعض السلع التركية والإيرانية، ويجري أحد المصارف المقاصة ويدفع الفروقات بالدولار.
شركات إيرانية بواجهة لبنانية
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن طهران ترى في لبنان حديقة خلفية لإدارة نشاطاتها الدولية كون اقتصاده حر وغير خاضع للعقوبات الدولية، كما هي الحال في إيران وسوريا والعراق جزئياً، حيث كشف موقع تتبع الحركة البحرية Tanker Trackers في وقت سابق، عن أن شركتين لبنانيتين تعملان على انتهاك العقوبات الغربية، وتهرّبان النفط الإيراني الخام سراً في البحر الأبيض المتوسط عبر سفن أخرى بالقرب من الساحل السوري، وهو أسلوب تستخدمه إيران للتهرب من العقوبات الأميركية.
ورأى الخبراء أن الودائع الضخمة في المصارف اللبنانية والمقدرة بـ 172 مليار دولار، تعتبر عامل طمع لدى المنظومة الاقتصادية الإيرانية التابعة للحرس الثوري، كونها تمتد ضمن دول عدة منها لبنان، وتعتبر أن هذه المنظومة ضمن إحدى ساحات سيطرتها وهي تسعى بشتى الوسائل إلى الاستفادة منه ولو على حساب تدميره، موضحين أن سياسة "حزب الله" المعادية للقطاع المصرفي ليست مرتبطة فقط بالتزام المصارف تطبيق العقوبات الأميركية، إنما أيضاً إفساح المجال أمام تنامي الاقتصاد الموازي للخارج عن المسار المصرفي الدولي، أي سوق السوداء التي باتت تشكل حوالى ثلث الكتلة النقدية اللبنانية. وأشار الخبراء إلى أنّ خلق "حزب الله" جواً من الذعر لدى المواطنين، ودفعهم إلى سحب إيداعاتهم المقدرة حتى الآن بثلاثة مليارات دولار وتكديسها في بيوتهم خوفاً من المجهول، يخدم إضعاف السوق الشرعية على حساب السوق غير الشرعية النقدي.