ملخص
دخل الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضمّ نحو مليون منخرط من العمال، في خلاف حادّ مع السلطات وصل حدّ تنفيذ إضرابات عامّة شلّت مجالات حيوية سيكون آخرها في الـ 21 من يناير المقبل، ومع ذلك يستبعد كثر ربط استقالة الطبوبي بالخلاف مع الحكومة.
في تطوّر مفاجئ ولافت، قدّم الأمين العام لاتحاد الشغل في تونس، نور الدين الطبوبي، استقالته وسط أزمات تُحاصر النقابة داخلياً وخارجياً، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى فعالية الخطوة في احتواء مشكلات الاتحاد.
وأعلن الأمين العام المساعد، سامي الطاهري، عن تقديم الطبوبي استقالته في تصريحات بثتها وسائل إعلام محليّة الثلاثاء، وذلك قبل أسابيع من إضراب عامّ سيشنه الاتحاد في يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو إضراب سيشلّ قطاعات حيوية مثل الصحة والنقل والتعليم.
وقال الطاهري إن "الاستقالة لا تفعّل بشكل فوري، باعتبار أن القانون الداخلي للاتحاد ينصّ على دعوة المعني بالأمر خلال 15 يوماً للاستفسار عن أسباب استقالته ومحاولة ثنيه عنها، ثم تُصبح نافذة في حال تمسّكه بها".
مشكلة أخرى
وهزت الخلافات الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، عقب مؤتمر استثنائي عُقد في ولاية (محافظة) سوسة شرق البلاد في عام 2021 تمّ فيه تعديل الفصل 20 من النظام الداخلي للاتحاد بشكل يتيح للطبوبي وبقية أعضاء المكتب التنفيذي الترشح لولاية ثالثة لقيادة الاتحاد.
وأفرز ذلك انقساماً حاداً حيث برز شقّ داخل الاتّحاد معارض لهذه الخطوة، ولجأ إلى القضاء واحتجاجات من أجل منع الطبوبي من الترشح.
وعدّ الباحث السياسي، فريد العليبي، أن "الأزمة النقابية الحالية في تونس ليست أزمة الاتّحاد العام التونسي للشغل بقدر ما هي أزمة مكتبه التنفيذي خصوصاً وهي تتصف بعمقها وطولها أيضاً، ومن هنا العجز عن حلها على رغم المحاولات المتتالية، فالانقسام صلب ذلك المكتب وصل حداً لم يعد معه ممكناً التوصل إلى حلول وسطى، ومن هنا استقالة الأمين العام التي لم تكن مفاجئة فقد تم التلويح بها سابقاً".
وتابع العليبي ضمن حديثٍ خاص مع "اندبندنت عربية" أن "هذه الاستقالة ليست حلاً بقدر ما ستكون مشكلة أخرى تُضاف إلى المشكلات السابقة صلب المكتب التنفيذي للاتحاد، وسيكون لذلك كله انعكاس على المنظمة النقابية بأسرها وسيمس تأثيرها البلاد، ومن مكوناتها السلطة نفسها التي ستكون بين حدين، الأول استغلال ضعف الاتحاد للمضي قدماً في برنامجها القاضي بالتصرف في الملفات الاجتماعية طبق أولوياتها والثاني مواجهتها معضلة مطالب اجتماعية لا أحد يوجهها ويتحكم في إيقاعها".
وشدد المتحدّث على أن "الاتحاد يمرّ بحالة ضعف الآن، لكن ذلك لا يعني أنه لن يقوى خلال الفترة المقبلة إذا نجح في حل الكثير من تناقضاته".
اعتراف بعمق الأزمة
وجاءت هذه الاستقالة في وقت يتأهّب الاتحاد العام التونسي للشغل لعقد مؤتمر عام في مارس (آذار) المقبل في محاولة جديدة لحلّ الخلافات داخله خصوصاً مع تصاعد الأزمة أيضاً مع السلطات، ويوجّه اتحاد الشغل انتقادات علنية لطريقة تسيير الرئيس قيس سعيّد للبلاد وتراجع الحقوق والحريات العامة.
واعتبر الباحث السياسي، مراد علالة، أن "هذه الاستقالة تأتي كاعتراف بعمق الأزمة داخل المنظمة الشغيلة لأنه ليس من السهل أن يستقيل الأمين العام للاتحاد وهي أول استقالة في تاريخ المنظمة، ما يعني أنه إقرار بالأزمة وورقة ضغط من الطبوبي ليدفع قادة الاتحاد من أجل إيجاد حلول للأزمة التي يمرّ بها".
ولفت علالة إلى أن "هؤلاء القادة بدا في الآونة الأخيرة وكأنهم توافقوا على حلّ سيتم المضي فيه في المؤتمر المرتقب في مارس المقبل، لكن حسابات البعض منهم ومحاولته الالتفاف على الحلّ جعلت الطبوبي يستقيل وهذا يضع مصداقية الاتحاد على المحك".
وبيّن أن "الطبوبي يُراهن على عودة الوعي لقادة الاتحاد العام التونسي للشغل حيث هناك أزمة قيادة حقيقية للاتحاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستقالة ستؤدي إلى تأجيل المؤتمر الذي قد يفرز مخرجاً من الأزمة التي يعرفها الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويرى علالة أن "الاتحاد لديه من القدرة التنظيمية ما يسمح له بعقد المؤتمر بعيداً من تأثير هذه الاستقالة، خصوصاً أن المؤتمر يتعلّق بحلّ الأزمة والأسلم الذهاب نحو مؤتمر استثنائي يفضي إلى خروج كل القادة الذين كانوا سبباً في الأزمة الراهنة وتصعيد قيادة جديدة".
انقسام داخلي
ودخل الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضمّ نحو مليون منخرط من العمال، في خلاف حادّ مع السلطات وصل حدّ تنفيذ إضرابات عامّة شلّت مجالات حيوية سيكون آخرها في الـ 21 من يناير المقبل، ومع ذلك يستبعد كثر ربط استقالة الطبوبي بالخلاف مع الحكومة.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون النقابية في تونس، سفيان الأسود، إن "استقالة الطبوبي ليست بالأمر الهيّن، لكنها جاءت بسبب وحيد وهو الانقسام داخل المكتب التنفيذي حول تقديم موعد المؤتمر الانتخابي حيث قال الطبوبي مراراً أمام النقابيين إنه لا يمكنه الاستمرار في الأمانة العامة إلى 2027 تاريخ نهاية فترة توليه المنصب".
وأشار الأسود إلى أن "المشكلة تكمُن في أن هذه الاستقالة ستلقي بظلالها على جميع الهياكل النقابية داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، خصوصاً مع بدء العد التنازلي للإضراب العام".
وفي ظلّ عدم صدور تعليقات من السلطات إزاء هذا التطوّر وملازمة الطبوبي نفسه الصمت، تضع هذه الاستقالة الاتحاد العام التونسي للشغل أمام مفترق طرق جديد على وقع الخلافات الداخلية والأزمة الخارجية مع الحكومة بسبب العديد من الملفات أبزرها الزيادة في الرواتب والدور الذي كان يلعبه الاتحاد سابقاً.