Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريوهات أميركية للقضاء على "داعش" من دون زعزعة الحكومة السورية

تساؤلات حول أسباب انتظار واشنطن مقتل جنودها لشن هجوم على التنظيم المتطرف

ترى الإدارة الأميركية أن دمج قوات سوريا الديمقراطية بالكامل في مؤسسات الدولة السورية الجديدة سيكون من أهم الخطوات لجعل الحرب ضد "داعش" وطنية وشاملة (أ ف ب)

ملخص

من المحتمل أن تحجم الولايات المتحدة عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، خشية من أن تقع معلومات حساسة للغاية في شأن أهداف تنظيم "داعش" في أيدي العناصر المتطرفة التي تسللت إلى قوات الأمن السورية.

رغم قوة الضربات العسكرية الأميركية ضد فلول "داعش" في سوريا واستخدام أنواع مختلفة من الطائرات المقاتلة والمروحيات والصواريخ الدقيقة الموجهة، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة يمكن أن تحقق هدفها المنشود.

لكن استعراض القوة الأميركية واستمرار الإشادة برد فعل الحكومة السورية على هجوم تدمر السبت الماضي، يثيران أسئلة حول ما إذا كان ترمب سيجدد عزمه سحب جميع القوات الأميركية من سوريا والذي سعى إليه في الماضي، أم سيبقي على حجم هذه القوات ويرفع من سقف تعاونه مع الحكومة السورية، ويعمل على إزالة الخلافات بين "قسد" ودمشق بهدف دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري لسد الثغرات التي تنفذ منها "داعش".

إعلان انتقام أم ردع؟

رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب "نصراً كاملاً" على تنظيم "داعش" خلال عام 2019، فإن الواقع الذي جسدته الضربات الأميركية الجوية والصاروخية على 70 هدفاً شمال شرقي سوريا يروي قصة مختلفة. فبعد مقتل الآلاف من عناصر "داعش"، واعتقال عشرات الآلاف خلال حملات التحرير في العراق وسوريا، لا يزال نحو 2500 مسلح متمرس في القتال نشطين داخل مناطق البادية الصحراوية الشاسعة في محافظتي دير الزور والرقة.

وعلى رغم ضعفهم الشديد فإنهم ما زالوا ينشطون في خلايا نائمة سرية هاجم أحد عناصرها وحدة حراسة أميركية داخل مدينة تدمر التاريخية خلال الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، مما أسفر عن مقتل جنديين ومترجم، في ما يمثل أولى حالات الوفاة لقوات أميركية منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض.

أجبر هذا الهجوم إدارة ترمب على توجيه ضربة انتقامية عنيفة تستهدف ردع عناصر تنظيم "داعش" كي يمتنعوا عن استهداف القوات الأميركية، وهو ما يفسّر السبب وراء تنفيذ رد واسع على مدى ساعات عدة باستخدام طائرات أف-15 إيغل وطائرات أف-16 أردنية، وطائرات الهجوم الأرضي الأميركية آي-10 ثندربولت ومروحيات أباتشي، و100 من صواريخ منظومة هيمارس دقيقة التوجيه.

لكن الرد الأميركي الذي وصفه وزير الحرب بيت هيغسيث بأنه "إعلان انتقام"، استهدف أيضاً الردع بحسب قائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، الذي عدَّ هذه العملية حاسمة لمنع تنظيم "داعش" من التحريض على مخططات وهجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة متعهداً بملاحقة الإرهابيين، مما يسلط الضوء على التحدي المستمر المتمثل في التهديد الداخلي ضمن بيئات قوات الدول الشريكة.

غير أن الرد الأميركي لم يبدأ مساء الجمعة، فمنذ هجوم الـ13 من ديسمبر الحالي نفذت القوات الأميركية وقوات الدول الشريكة 10 عمليات في سوريا والعراق أسفرت عن مقتل أو اعتقال 23 عنصراً متطرفاً. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية نفذت القوات الأميركية وقوات الدول الشريكة أكثر من 80 عملية لمكافحة الإرهاب في سوريا للتصدي للتهديدات التي تواجه المصالح الأميركية والأمن الإقليمي.

هل حققت أهدافها؟

استهدفت الغارات الجوية البنية التحتية لـ"داعش" ومواقع الأسلحة كنقاط انطلاق لعملياتها داخل المناطق الصحراوية والريفية من محافظتي دير الزور والرقة وفي منطقة جبل العمور قرب مدينة تدمر، وأتاحت أيضاً للولايات المتحدة فرصة لاستعراض القوة النارية التي يمتلكها التحالف الذي تقوده أميركا.

لكن حتى الآن وعلى رغم توقع مقتل العشرات من عناصر "داعش" فإن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الضربة حققت أثرها المنشود، لأن التنظيم أضعف بكثير في سوريا مقارنة بما كان عليه خلال الماضي، ولا يسيطر على أي أراض وتعمل شبكته الإرهابية ضمن خلايا غير معلوم عددها، ولهذا من الصعب جداً الانتقام من جماعة إرهابية لم تعد موجودة منذ أكثر من خمسة أعوام، وفقاً لمديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز أولويات الدفاع بالعاصمة واشنطن روزماري كيلانيك.

غير أن كبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أندرو تابلر والذي شغل منصب مدير ملف سوريا في البيت الأبيض خلال إدارة ترمب الأولى، يرى أن عدد الضربات يظهر أن وجود "داعش" لا يزال أقوى مما كان يعتقد سابقاً.

غير أن غالبية المحللين في مجال مكافحة الإرهاب فوجئوا وشككوا في العدد الكبير من أهداف "داعش" التي جرى استهدافها، إذ يستفسر المدير التنفيذي لمركز صوفان (شركة استخبارات واستشارات) كولين كلارك عن سبب انتظار الولايات المتحدة حتى يُقتل ثلاثة أميركيين كي تبدأ في شن هجمات واسعة، مما يدفع كثراً إلى التشكيك في رد الفعل الأميركي الذي يصفه بعض بأنه مجرد استعراض.

دعم الشرع

ومع ذلك تبرز سلسلة الغارات الجوية مدى التزام الولايات المتحدة بدعم دمشق في منعطف حاسم من تاريخ سوريا، إذ يعد استعراض القوة الجوية الأميركية وسيلة للتأكيد أن الولايات المتحدة باقية في المنطقة بينما تريد حكومة الشرع فرض سيطرتها على شؤون سوريا، مع الاستمرار في التعاون مع شركائها الدوليين، بخاصة أن هجوم الـ13 من ديسمبر الجاري الذي أدى إلى مقتل جنود أميركيين وسوريين، شكل اختباراً رئيساً للعلاقات المتنامية بين الولايات المتحدة وسوريا منذ إطاحة نظام بشار الأسد قبل عام.

ويبدو أن ردة الفعل الأميركية تجنبت زعزعة استقرار الحكومة الجديدة الهشة للرئيس الشرع، الذي قام الشهر الماضي بأول زيارة تاريخية له إلى البيت الأبيض كزعيم سوري، وأرسى بداية شراكة جديدة مع واشنطن.

ولهذا شدد ترمب على أن سوريا تقاتل إلى جانب القوات الأميركية في إشارة إلى انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لهزيمة "داعش" الشهر الماضي مما أدى إلى تكثيف التنظيم هجماته داخل سوريا، خلال وقت يواجه فيه الشرع مهمة صعبة تتمثل في توحيد مجموعات مختلفة وأقليات دينية تحت قيادته، تشمل فصائل تحمل آراء متشددة، وكانت في السابق تابعة لتنظيم "القاعدة".

ولا شك أن بعض أنصار الرئيس الشرع الأكثر تشدداً ربما ينزعجون من الضربات التي تشنها دولة غربية على وطنهم، بينما تسير الحكومة جاهدة على خط رفيع وينتظر الأميركيون منها تكثيف عملياتها العسكرية والأمنية لشن غارات على عناصر "داعش"، وقطع تدفق الأسلحة إلى التنظيم بدعم من الاستخبارات الأميركية.

وفي حين تخطط الإدارة الأميركية لعمليات عسكرية إضافية قد تحدث خلال الأيام المقبلة، يؤكد مسؤولون أميركيون أن التعاون والتنسيق الأخيرين مع الحكومة السورية وفرا فهماً أفضل لبنية تنظيم "داعش"، وأن مناقشة هذا الأمر كانت جزءاً من أجندة لقاء قائد عسكري أميركي مع مسؤول كبير في وزارة الداخلية السورية، خلال اليوم الذي تعرضت فيه القوات الأميركية لمكمن في تدمر.

توتر وتحد

لكن حتى مع تأكيدات ترمب بدعم سوريا والرئيس الشرع، من المرجح أن يتسبب هجوم "داعش" خلال الـ13 من ديسمبر الجاري في إدخال توترات جديدة في شراكة مكافحة الإرهاب، بعدما أوضح مسؤولون سوريون أن المسلح الذي قام بالهجوم كان عضواً في قوات الأمن السورية وكان من المقرر فصله بسبب معتقداته المتطرفة، مما كشف عن نقاط ضعف مستمرة داخل بنية الأمن السورية، وحفز بعض أنصار ترمب إلى المطالبة بسحب القوات الأميركية من سوريا.

ومن المحتمل أن تحجم الولايات المتحدة عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، خشية من أن تقع معلومات حساسة للغاية في شأن أهداف تنظيم "داعش" في أيدي العناصر المتطرفة التي تسللت إلى قوات الأمن السورية، إذ يشير منتقدون لدمشق إلى هذه الحادثة كدليل على أن قواتها الأمنية ليست شريكاً موثوقاً به تماماً للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة في سوريا، وأنه يجب مراقبتها من كثب.

ويعد تعاون الحكومة السورية الجديدة في مكافحة تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا أحد المعايير الثمانية المنصوص عليها في قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي الذي اشتمل على رفع عقوبات قانون "قيصر"، والتي يجب على البيت الأبيض التأكد من استيفائها لتجنب فرض عقوبات جديدة، إذ يمنح القانون الحكومة السورية مجالاً واسعاً لإثبات امتثالها قبل التعرض لأية عقوبات، ويمنح الرئيس ترمب صلاحية واسعة في تحديد ما إذا كان سيفرض هذه العقوبات أم لا.

لكن القيادة المركزية الأميركية لا تبدي مخاوف من عدم امتثال الحكومة السورية حتى الآن، إذ أشارت إلى أن القوات الأميركية والسورية نفذت 10 عمليات في سوريا والعراق منذ الـ13 من ديسمبر الجاري، أسفرت عن مقتل أو أسر 23 إرهابياً، ونفذت القوات الأميركية وقوات الشركاء في سوريا 80 عملية خلال الأشهر الستة الماضية للقضاء على الإرهابيين. ولدورها المتعاون والمنسق مع التحالف الدولي لهزيمة "داعش"، دفعت الحكومة أثماناً إذ ادعى تنظيم "داعش" الشهر الجاري أنه قتل أربعة ضباط في الحكومة السورية داخل محافظة إدلب شمال غربي البلاد.

كذلك ادعى مسؤوليته عن هجومين في محافظة دير الزور شرق البلاد، استهدف أحدهما مركبة عسكرية بعبوة ناسفة بينما قالت السلطات السورية إنها اعتقلت أشخاصاً عدة ينتمون إلى خلية تابعة لتنظيم "داعش" في إدلب، وعضواً آخر ضمن التنظيم في العاصمة دمشق عثر بحوزته على مواد متفجرة وطائرات مسيرة انتحارية.

هل تبقى القوات الأميركية؟

يعد استعراض القوة الجوية الأميركية فوق سوريا وسيلة لتطمين جميع الأطراف بأن الولايات المتحدة باقية في سوريا، في الأقل خلال الوقت الحالي، إذ من المتوقع أن تندمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن قوات الأمن السورية الجديدة، ويراهن الطرفان على أن الولايات المتحدة ستسهم في نجاح هذه العملية.

لكن الولايات المتحدة التي كانت تحتفظ بنحو 2000 جندي في سوريا لمنع عودة ظهور "داعش" يتمركزون داخل شمال شرقي سوريا وفي قاعدة التنف (جنوب شرقي)، خفضت هذا العدد إلى النصف منذ أبريل (نيسان) الماضي. وهذا الإجراء وصفه البنتاغون بأنه إعادة تنظيم يعكس البيئة الأمنية المتغيرة في البلاد، وربما يدفع الهجوم الذي أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين وجرح ثلاثة آخرين الرئيس ترمب إلى سحب جميع القوات من هذا البلد الذي مزقته الحرب، وهو ما سعى إليه خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019 خلال ولايته الأولى حين أمر بسحب نحو 1000 جندي أميركي من شمال سوريا، بعدما أعلن هزيمة تنظيم "داعش" في البلاد.

 

ويعتقد أن الهجوم سيزود المقربين من ترمب الذين يضغطون من أجل انسحاب كامل للقوات الأميركية بمزيد من الحجج لدعم موقفهم، لأنه إذا استمرت الهجمات على القوات الأميركية قد يتبلور وضع مشابه لما حدث في أفغانستان، إذ تصبح هذه الهجمات نقطة تحول تؤدي إلى انسحاب أميركي، وبخاصة أن التردد الأميركي في الانسحاب كان يعود إلى أن كلفة بقائها هناك قليلة جداً، والآن يبدو هذا غير صحيح، وقد تدفع الحادثة المسؤولين الأميركيين إلى وضع معايير محددة للانسحاب في الأقل.

وما يزيد من الضغط نحو الانسحاب أن العملية العسكرية الجديدة في سوريا تأتي خلال وقت قالت فيه إدارة ترمب إنها تسعى إلى التركيز بصورة أكبر على منطقة أميركا اللاتينية، إذ تقوم بحشد 12 في المئة من القوات البحرية الأميركية في البحر الكاريبي لاستهداف قوارب تهريب المخدرات، وتتعهد إدارة ترمب بمواصلة مصادرة ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات كجزء من حملة الضغط على رئيس فنزويلا.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة حولت قطعاً عسكرية ضخمة من الشرق الأوسط والبحر المتوسط إلى المياه الأميركية الجنوبية بما في ذلك حاملة طائراتها الأكثر تطوراً "جيرالد فورد"، لا يزال ترمب خلال الوقت الحالي راغباً في إبقاء القوات الأميركية في سوريا، ودافع عن قراره قائلاً إن الجنود موجودون هناك لأننا نحاول ضمان تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وسوريا جزء كبير من ذلك.

حماية مكاسب أميركا

ويعود قرار الرئيس ترمب الحالي إلى اقتناعه بأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا سيهدد بعكس المكاسب التي تحققت بشق الأنفس ضد تنظيم "داعش" الذي لم يقض على عناصره، بل يُكبح بفضل الضغط المشترك للقوات الأميركية في العراق وسوريا وحلفائها الأكراد، وأن أي انسحاب للقوات الأميركية سيؤدي إلى إزالة هذا الضغط مما سيسمح لـ"داعش" بإعادة تنظيم صفوفه بسرعة إلى مستويات خطرة، وإنشاء ملاذات آمنة في سوريا. وهذا بدوره سيسمح للتنظيم بتهديد العراق والتخطيط لهجمات إرهابية في الغرب، مما سيفرض عبئاً إضافياً على صانعي السياسات الأميركية من حيث الاهتمام والموارد، وفق مدير الأبحاث في مشروع التهديدات الحرجة بمعهد أميركان إنتربرايز بريان كارتر.

ولا يستطيع تنظيم "داعش" تحقيق نجاحات كبيرة بسهولة ما دامت الولايات المتحدة موجودة في سوريا، فالقوات الأميركية في سوريا تقدم دعماً استخباراتياً ولوجيستياً بالغ الأهمية لقوات "قسد"، التي بدورها تبقي "داعش" محصوراً ومعزولاً نسبياً في الصحراء، وستكون عملية جمع المعلومات الاستخباراتية من بعد أقل فاعلية بكثير في حال انسحاب الولايات المتحدة.

لا تزال الولايات المتحدة و"قسد" في حاجة إلى إعادة مقاتلي "داعش" المحتجزين في مراكز الاعتقال إلى أوطانهم، وهو ما سيصبح أكثر صعوبة بكثير في حال انسحاب الولايات المتحدة. فقوات سوريا الديمقراطية تسيطر على 28 مركز احتجاز تضم 10 آلاف مقاتل من "داعش" ونحو 46 ألفاً من أنصار "داعش" واللاجئين في مخيمات النازحين شمال شرقي سوريا. وحاولت الإدارات الأميركية المتعاقبة إعادة كل من مقاتلي "داعش" وسكان مخيمات النازحين إلى أوطانهم، لكنها لم تنجح إلا قليلاً بسبب تردد الدول الأخرى في استعادة مواطنيها.

 

هل يعود تنظيم "داعش"؟

تعود أصول "داعش" إلى تنظيم "القاعدة" في العراق، الذي ظهر في أعقاب الغزو الأميركي للعراق خلال عام 2003 الذي أطاح بنظام صدام حسين. وتحت قيادة زعيمه السابق أبو بكر البغدادي توسع تنظيم "داعش" بسرعة، مستغلاً عدم الاستقرار في العراق والحرب الأهلية السورية. وبحلول صيف عام 2014، كان اجتاح قوات الحكومتين العراقية والسورية واستولى على ما يقارب ثلث مساحة البلدين (وهي مساحة تعادل تقريباً مساحة إنجلترا). وخلال الـ29 من يونيو (حزيران) 2014، أعلنت الجماعة قيام "خلافة عالمية" ونصب البغدادي نفسه خليفة، أو زعيماً للمسلمين في جميع أنحاء العالم.

وأثناء الأعوام التي تلت ذلك، أصبح "داعش" أخطر تنظيم إرهابي في العالم، إذ فرض تفسيراً متشدداً للشريعة الإسلامية وارتكب مجازر جماعية وشرد الملايين، ومثال على ذلك ارتكابه خلال أغسطس (آب) 2014، إبادة جماعية ضد الأقلية الإيزيدية في العراق، حيث أُعدم آلاف الرجال واستُعبد الأطفال، ولاقت النساء عنفاً جنسياً ممنهجاً.

خلال هذه الفترة، حكم "داعش" نحو 12 مليون نسمة وبنى هياكل عسكرية مستخدماً مزيجاً من تكتيكات حرب العصابات والحرب التقليدية، وقدر عدد مقاتليه بأكثر من 50 ألف مقاتل من أكثر من 100 دولة. لكن بحلول ديسمبر 2017، استعاد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد "داعش" 95 في المئة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، وسقط آخر معاقله (الباغوز) في أيدي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة عام 2019، مما مثل انهيار الخلافة المزعومة.

وعلى رغم ذلك، لا يزال تنظيم "داعش" يشكل تهديداً مستمراً في سوريا. فوفقاً للتقديرات الأميركية لا يزال هناك خلال العام الحالي أكثر من 2500 مقاتل نشط يعملون في سوريا والعراق، بينما يحتجز الآلاف من مقاتلي "داعش" المتمرسين داخل السجون السورية، مما يشكل خطراً جسيماً في حال إطلاق سراحهم، لا سيما من خلال عمليات هرب منظمة من السجون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين لا يزال "داعش" غير قادر على السيطرة على المدن والقرى، فإنه يستطيع إجبار السكان على تقديم الدعم والاستيلاء على المناطق غير المأهولة موقتاً. وإذا ترك "داعش" من دون رادع، فسيفرض تدريجاً سيطرة أكبر على السكان ويحاول الاستيلاء على المناطق المأهولة في الصحراء السورية الوسطى، إذ ينشط بصورة أساس، ويجد البيئة المناسبة تماماً لإيواء وتدريب وتنظيم قواته الحالية.

إضافة إلى أن عودة التنظيم الإرهابي بقوة ستدفعه إلى محاولة السيطرة على المراكز السكانية للوصول إلى الموارد المالية والعسكرية وإيجاد مجندين جدد واستعادة اتصالات موثوقة للعمليات في جميع أنحاء سوريا وخارجها. ومن شبه المؤكد أن "داعش" سيستغل هذا الزخم لمهاجمة مراكز الاحتجاز بالتالي تحرير مزيد من أعضائه، وبهذا المسار سيستعيد في نهاية المطاف القدرة على التخطيط وتنفيذ هجمات داخل سوريا وخارجها.

عوامل مهددة

ومن العوامل الرئيسة الأخرى التي تبقي على تهديد "داعش" في سوريا، البيئة السياسية الهشة التي أعقبت سقوط الأسد، والتي تفاقمت بسبب المنافسة والصراعات المسلحة المتقطعة بين الفصائل المتناحرة ذات الخلفيات السياسية والعرقية والدينية المختلفة، إلى جانب تأثير الجهات الفاعلة الخارجية في البلاد. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، أن القوات الكردية، وبخاصة من خلال قوات سوريا الديمقراطية، تواصل القتال من أجل الحكم الذاتي والسيطرة في شمال شرقي البلاد الذي تطلق عليه اسم (روج آفا)، وهي منطقة تتمتع بحكم ذاتي فعلي بقيادة كردية في الغالب، بينما تواجه ضغوطاً مستمرة من تركيا وحلفائها مثل الجيش الوطني السوري.

وعلى رغم الاتفاق التاريخي الذي وقع خلال الـ10 من مارس (آذار) 2025 بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع، والذي ينص على دمج المؤسسات والقوات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية مقابل الحقوق الدستورية، فإن مدى هذا الاندماج لا يزال غير مؤكد، ولا يزال النقاش حول حوكمة سوريا كدولة مركزية أم لا مركزية قضية خلافية.

ومع عدم وجود اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، سيكون من الصعب بمكان تنفيذ عمليات منفصلة وإجراء تنسيق متعدد المستويات مع قوات مختلفة تعاني توترات وتعمل ضمن مناطق جغرافية متداخلة. ولهذا ترى الإدارة الأميركية أن دمج قوات سوريا الديمقراطية بالكامل في مؤسسات الدولة السورية الجديدة، سيكون من أهم الخطوات لجعل الحرب ضد "داعش" وطنية وشاملة.

المزيد من تقارير