ملخص
مع الحكم عليها بالسجن لـ12 عاماً، طرحت تساؤلات ملحة في الدوائر السياسية بشأن خيارات "الحزب الدستوري الحر" في ما يتعلق بوضعه في ظل غياب موسي، لا سيما أنها تعد رمزاً إعلامياً وسياسياً للحزب.
أثار الحكم بسجن زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، لـ12 عاماً، تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يهدد بتقويض طموحاتها السياسية، خصوصاً أنها تحظى بشعبية كبيرة في تونس.
وجاء الحكم، الذي أثار جدلاً ومخاوف بشأن تقييد العمل السياسي في البلاد، بحق موسي في إطار قضية تعرف محلياً بقضية "مكتب الضبط" حيث اتجهت رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عام 2023 إلى قصر قرطاج الرئاسي لتقديم طعون ضد مراسيم أصدرها الرئيس قيس سعيد.
وحين محاولتها تقديم الطعون، شهد محيط القصر الرئاسي ضجة بسبب رفض دخولها إلى مكتب الضبط مما أدى إلى اعتقالها، ووجهت إليها تهم على غرار "ترويج أخبار كاذبة" و"الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة".
تأثير محتمل
وتعد موسي إحدى أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في تونس، حيث تمسكت بمواقفها المؤيدة لنظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، إثر أحداث الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011.
بعد تلك الأحداث، أسست موسي "الحزب الدستوري الحر" وتزعمته، وفازت رفقة حزبها بـ16 مقعداً في برلمان 2019 الذي حله الرئيس قيس سعيد عام 2021، وفي ذلك البرلمان كرست نفسها رقماً صعباً في المعادلة السياسية بتونس حيث قادت المعارضة ضد "حركة النهضة الإسلامية".
وعد الباحث السياسي هشام الحاجي، أن "هذا الحكم القضائي الصادر في حق رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي هو حكم قاس، وبما أنه قد طاول شخصية سياسية تلعب دوراً متقدماً في المشهد السياسي فإنه لا يمكن الاكتفاء بالتطرق إليه من الجانب القانوني والقضائي، لأن قراءته من الجانب السياسي تفرض نفسها".
وأوضح الحاجي أن "من هذا الجانب يبرز استنتاجان أوليان في الأقل، الأول هو أن هذا الحكم يمثل تكريساً للقطيعة بين الرئيس قيس سعيد والطبقة السياسية التقليدية وأيضاً الهياكل الوسيطة المعارضة من أحزاب ومنظمات، ولا يمكن توقع تغيير في هذا التوجه".
وأردف أن "الاستنتاج الثاني أن هذا الحكم يؤثر موضوعياً في مستقبل عبير موسي السياسي، لأن غياب الشخصية السياسية عن الحياة السياسية، في جانبها المشهدي، يؤثر في علاقتها بالرأي العام، علاوة على أن نسق التحولات سريع والبقاء في قطيعة مع الحياة العادية يقلص من القدرة على التفاعل الإيجابي مع المستجدات".
واستدرك الحاجي بالقول، "لكن الحياة السياسية لا تحركها العوامل الموضوعية فحسب، بل من مفارقاتها أن العوامل النفسية والمعنوية والرمزية تلعب دورها وتهزم أحياناً العوامل الموضوعية، لذلك قد تغادر عبير موسي السجن وقد تزداد شعبيتها وتطور حضورها، وهو ما ينعكس إيجاباً على دورها وموقعها السياسيين".
لا انشقاقات ولا خصوم
وإثر إقرار الرئيس قيس سعيد حالة الاستثناء في الـ25 من يوليو (تموز) من عام 2021، أيدت موسي بشدة المسار الذي دشن في البلاد، لكنها انتقلت لاحقاً إلى معسكر المعارضة، وقاطعت استفتاء على الدستور عام 2022 وانتخابات برلمانية ومحلية.
وقالت موسي، في تصريحات سابقة لها، إن "معارضتي لقيس سعيد فرضها الواقع بعد تعمده المضي قدماً بالبلاد نحو المجهول، وأنه لا يمكن لأحد أن يزايد عليها وحزبها في مواجهة حركة النهضة".
وإلى جانب موسي، أصدر القضاء التونسي حكماً بسجن القيادية بـ"الحزب الدستوري الحر"، مريم ساسي، لعامين وذلك بعد أيام قليلة عن إصدار أحكام قاسية ضد رموز المعارضة في إطار قضية "التآمر على أمن الدولة" التي أثارت جدلاً سياسياً غير مسبوق في البلاد.
وعدّ الباحث السياسي، بوبكر الصغير، أن "الحزب الدستوري الحر يعد حال سياسية فريدة من نوعها في تونس. ففيما أصدرت المحكمة الابتدائية حكماً بحبس رئيسته 12 عاماً، قام الحزب السبت بندوة لمناقشة قانون المالية لعام 2026 وهو أمر يعكس استمرارية الحزب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الصغير، "في اعتقادي، عبير موسي نجحت في إقامة حزب تتوفر فيه كل شروط الأحزاب السياسية الحديثة، وهو يقوم على مؤسسات تضمن بقاءه حتى في غياب قيادته، وموسي ليس لديها خصوم داخل الحزب يمكن أن ينافسوها سواء الآن أو حتى في حال كانت في سراح، وهذا أمر يعكسه غياب انشقاقات في غيابها".
وبين أن "رئيسة ‘الحزب الدستوري الحر‘ لم تتراجع شعبيتها على رغم هذا الحكم بالنظر إلى شخصيتها، وما حدث في الأعوام الماضية يؤكد أن السجن لا يقلص من شعبية أي سياسي أو مسؤول في تونس".
خياران
ومع الحكم عليها بالسجن لـ12 عاماً، طرحت تساؤلات ملحة في الدوائر السياسية بشأن خيارات "الحزب الدستوري الحر" في ما يتعلق بوضعه في ظل غياب موسي، لا سيما أنها تعد رمزاً إعلامياً وسياسياً للحزب.
ويرى هشام الحاجي أن "الحزب حالياً أمام خيارين في ما يتعلق بوضعية عبير موسي، يتمثل الأول في التمسك بها كشكل من صور أشكال التضامن والتعبير عن تبني نهجها السياسي، أما الثاني التخلي عنها كرمز".