Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين "المؤمن بالتاريخ" يعيد خصومه إلى تراث أسلافه

ترمب يؤكد "أوباما أرغم القيادة الأوكرانية على التخلي عن شبه جزيرة القرم"

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي خطاباً خلال حفل الاحتفال بيوم أبطال الوطن في الكرملين (أ ف ب)

ملخص

ما أعلنه حول تمسكه بمنطقة الدونباس، فقد فسر ذلك بما ذكره خلال الأيام القليلة الماضية حول أن الدونباس "أرض روسية"، وإذ انتقد بوتين قرار لينين زعيم ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917، بهذا الشأن، قال في واحد من أحاديثه التلفزيونية السنوية إن الروس والأوكرانيين شعب واحد ليخلص إلى القول إن "كل أوكرانيا لنا".

من منظور ما سبق وأشار إليه هنري كيسنجر عميد الدبلوماسية الأميركية السابق حول "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ"، عاد الرئيس فلاديمير بوتين ليربط ما تحققه القوات الروسية المسلحة في الحاضر من انتصارات في مواجهة الجيش الأوكراني، مع ما حققته الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية من انتصارات مدوية في حربها من أجل القرم في أواخر القرن الـ18.

وقف بوتين بين رجاله من أبطال قواته المسلحة ليؤكد استمرارية تاريخ بلاده، وهو الذي سبق وتعهد في ذكرى ميلاد بطرس الأعظم، باستعادة ما سبق وحققه مؤسس روسيا الحديثة من أمجاد على طريق بناء الإمبراطورية الروسية منذ 350 عاماً، قال الرئيس الروسي إنه لا ينوي الاستيلاء على أراضي الغير، وإنما يعمل على استعادة ما تمكن منه بطرس الأعظم.

وكان بوتين سبق وتعمد اختيار قاعة "سان جورج" بالكرملين التي يتصدرها تمثال نيكولاي الأول أحد أباطرة روسيا ممن حكموا بولندا وفنلندا خلال تبعيتهما للإمبراطورية الروسية، ليكون شاهداً على اجتماعه الأخير مع مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، وتأكيداً لتمسكه بالتقاليد التاريخية لبلاده، وبما توفر من أراضيها التي تجعلها حتى اليوم أكبر دولة في العالم، واحتراماً لإنجازات وبطولات أبنائها على امتداد ما يزيد على 1000 عام.

بوتين ومرجعية التاريخ

ينطلق الرئيس بوتين ومنذ بداية "العملية العسكرية الروسية" الخاصة في أوكرانيا من ثوابت التاريخ، ومكاسب أسلافه من الأباطرة الروس ممن كانوا وراء قيام الإمبراطورية الروسية، وما تيسر من "لملمة" أراضيها المترامية الأطراف على امتداد قارتي آسيا وأوروبا، وكان هنري كيسنجر عميد الدبلوماسية الأميركية السابق أول من رصد هذا الجانب في سياسات بوتين، وما أعلنه من استراتيجية لبلاده منذ خطابه التاريخي في مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ في فبراير (شباط) 2007، وقد استند بوتين آنذاك إلى ما خلص إليه من محاولات بذلها مع الرئيسين الأميركيين بيل كلينتون وخلفه جورج بوش الابن للتقارب مع أوروبا وحلف "الناتو"، وما لمسه من تعالٍ من جانب الأوروبيين، وغطرسة ورفض من جانب الولايات المتحدة التي استهل رئيسها السابق جورج بوش الابن فترتى رئاسته بالخروج من جانب واحد من معاهدة الحد من الأنظمة الصاروخية المضادة الموقعة مع الاتحاد السوفياتي السابق عام 1972.

وذلك ما أعلنه بوتين في ذلك الخطاب التاريخي، إلى جانب تأكيده رفض عالم القطب الواحد، وانفراد دولة واحدة بعينها بالقرار الدولي بعيداً من الالتزام بشرعية الأمم المتحدة وقراراتها، ومن هنا كان رفضه لتوسع "الناتو" ومطالبه التي أودعها رسالتيه إلى كل من الإدارة الأميركية السابقة وحلف "الناتو" في أواخر عام 2021، ونذكر أنه في هاتين الرسالتين شدد على ضرورة عودة "الناتو" إلى حدود عام 1997 وهو تاريخ ما قبل الموجة الأولى من توسع "الناتو" شرقاً حين جرى ضم ثلاثة من بلدان حلف وارسو هي المجر وبولندا وتشيكيا، وذلك ما يبدو أنه أسقطه إلى حين، من قائمة حساباته التي يواصل العمل في سبيل وضعها حيز التنفيذ.

وما إن طال انتظار الرئيس الروسي لتجاهل الجانبين (أوروبا والناتو) الرد على مطالبه، وفي مقدمها رفضه توسع "الناتو" شرقاً، حتى كان قراره حول حسم الموقف في أوكرانيا بما أعلنه حول أهداف "العملية الروسية العسكرية" التي بدأها في الـ24 من فبراير 2022، وكان في صدارة هذه الأهداف "تخلي أوكرانيا عن طلب الانضمام إلى ’الناتو‘"، أما عما أعلنه حول تمسكه بمنطقة الدونباس فقد فسر ذلك بما ذكره خلال الأيام القليلة الماضية حول أن الدونباس "أرض روسية"، وإذ انتقد بوتين قرار لينين زعيم ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية عام 1917، بهذا الشأن، قال في واحد من أحاديثه التلفزيونية السنوية إن الروس والأوكرانيين شعب واحد ليخلص إلى القول إن "كل أوكرانيا لنا".

 

ولعل الرئيس الروسي انطلق في ذلك من الأصل السلافي والعلاقات العرقية المشتركة التي تجمع بين الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين في الجمهوريات الثلاث التي وقفت مع اتحاد جمهوريات ما وراء القوقاز، وراء تأسيس اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية (الاتحاد السوفياتي السابق) في الـ30 من ديسمبر (كانون الأول) 1922، وكان زعماء الجمهوريات الثلاث وراء انفراط عقد هذا الاتحاد، في اجتماعهم الذي أعلنوا فيه عن قرارهم بالخروج من ذلك الاتحاد، في بيلافجسكويه بوشا في بيلاروس في الثامن من ديسمبر 1991، مستندين في ذلك إلى أن بلدانهم تملك هذا الحق انطلاقاً من كونها التي سبق وبادرت بإعلان تأسيس هذا الاتحاد.

شروط بوتين لقبول "خطة ترمب"

وبعيداً من تعرجات التاريخ، ومن دون التوغل في ما يتباين بين التكتيك والاستراتيجية، نتوقف لنشير إلى ما يعلنه بوتين اليوم حول التسوية السياسية وخطة السلام التي يطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما يطرحه من تنازلات، وما يتمسك به من شروط لإقرار "خطة ترمب"، وكان بوتين أشار في معرض حديثه عما تضمره بعض البلدان الأوروبية من خطط للحرب ضد روسيا، إلى استعداد بلاده لمواجهة هذه البلدان "اعتباراً من الآن"، وهنا كشف بوتين عما تستعد به بلاده لمثل هذه الحرب ضد أوروبا إذا تعرضت بلاده لأي عدوان من جانبها، وقال "إننا نحارب مع أوكرانيا جراحياً"، في إشارة إلى أن قواته تختار المواقع المؤثرة لدى أوكرانيا، وهو ما لن تتبعه مع أوروبا، ومضى ليكشف عما وراء تصريحه، بقوله "إذا بقي من يتفاوض معه لوقف القتال".

وهنا يضع بوتين أحد شروطه غير القابلة للتنازل، ويتمثل في ضرورة اعتراف أوكرانيا والدول الأوروبية بما ضمته روسيا من أراضٍ في منطقة الدونباس (لوغانسك ودونيتسك)، وانسحاب أوكرانيا حتى الحدود الإدارية السوفياتية السابقة لهذين الكيانين، وفي حال عدم الموافقة على هذا الشرط، وما لم تنسحب القوات الأوكرانية من هناك، فإن القوات الروسية ستستمر في زحفها حتى تحرير كل أراضي هاتين "الجمهوريتين".

أما عن شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها من دون "طلقة رصاص واحدة"، في مارس (آذار) 2014، فيبدو أنها صارت أمراً واقعاً غير قابل للنقاش، ومن اللافت أن الرئيس ترمب أشار خلال الأيام القليلة الماضية في حديثه إلى مطبوعة "بوليتيكو" إلى أن "الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أرغمهم (القيادة الأوكرانية) على التخلي عنها"، وخلص إلى قوله إن "هذا ما حدث".

وفي ما يتعلق بمقاطعتي زابوريجيا وخيرسون اللتين لم تحكم القوات الروسية سيطرتها على كامل أراضيهما بعد، فإن هناك من يقول إن موسكو على استعداد للتوقف عن "زحفها" لاستكمال سيطرتها عليهما، شريطة ضمان الحقوق القومية للناطقين بالروسية فيهما، وتعزو موسكو ذلك إلى أنها لا تملك حق التخلي عن الناطقين بالروسية في هذه المناطق ممن شاركوا في الاستفتاء الذي أقر طلبهما حول الانضمام إلى روسيا الاتحادية، وهو طلب يبدو أنه يلقى قبولاً من أوروبيين كثر ومنهم في أوروبا، فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية وروبرت فيتسو رئيس حكومة سلوفاكيا، لما تربطهما من أواصر تاريخية مع المجريين والسلوفاكيين هناك، ممن جرى ضم ما يعيشون عليه من أراضٍ إلى أوكرانيا، بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.

كذلك تبدو حتى اليوم واضحة شروط روسيا تجاه ضرورة التمسك بالتزام أوكرانيا إخلاء أراضيها من القوات الأجنبية، وتخفيض قواتها المسلحة حتى 600 ألف جندي، وذلك في إطار ما يطرحه الجانب الأوكراني من مطالب أمنية تدعمها وتؤيدها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب إيطاليا التي يبدو موقفها أكثر مرونة تجاه ما يطرحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من بنود في خطته للسلام في أوكرانيا.

كيف كانت ألمانيا وفرنسا سبباً في "غزو أوكرانيا"؟

من اللافت في هذا الصدد ما سبق وقاله بوتين حول أنه ما كان ليفكر في بدء "العملية العسكرية الروسية" في أوكرانيا، وأن الأخيرة كان من الممكن أن تحتفظ بكل ما استولت عليه روسيا من أراضٍ، لو كانت التزمت ما سبق وتعهدت به في اتفاقات مينسك التي جرى توقيعها في أواخر عام 2014، وفبراير 2015، تحت رعاية "مجموعة نورماندي" وبمشاركة مباشرة من جانب الرئيس بوتين والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في تقرير سابق لها من موسكو، وكانت ميركل وهولاند سبق واعترفا بأن اتفاقات مينسك لم تكن تستهدف حماية الناطقين بالروسية، بقدر ما كانت تستهدف توفير المساحة الزمنية اللازمة لإعداد وتسليح الجيش الأوكراني لتحرير "جمهوريتي" دونيتسك ولوغانسك بالقوة المسلحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا وبعدما نفد صبر بوتين الذي طال لما يقارب ثمانية أعوام، وما لقيه خلالها شعبا الجمهوريتين اللتين أعلنتا عن انفصالهما من جانب واحد عن أوكرانيا، من تعسف وضغوط بلغت حد استخدام القوة المسلحة ضدهما، اضطرت موسكو معه إلى التدخل لحماية الناطقين بالروسية والاعتراف باستقلالهما، ثم إلى ضمهما بموجب نتائج الاستفتاء الشعبي حول انضمامهما إلى روسيا الاتحادية.

أما عما قاله ترمب حول اعتراف أوباما عملياً بقرار بوتين "ضم القرم" إلى روسيا، فإن كثيراً من الشواهد تشير إلى أن الرئيس الأميركي ماضٍ في طريقه إلى جمع الأدلة التي يمكن أن تساعده في صراعه مع الديمقراطيين وزعيمهم السابق جو بايدن، وكشف الحجم الهائل من الفساد، بما قد يكفي لإدانة بايدن وابنه هانتر وارتباطهما بالفساد، وما كشف عنه "المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا" من جرائم مالية في قطاع الطاقة، والنسق الأعلى للسلطة الأوكرانية، وذلك فضلاً عما أعلن عنه ترمب في شأن ما حصلت عليه أوكرانيا من دعم مالي وعسكري بلغت قيمته زهاء 350 دولاراً في غضون أعوام قليلة، مما وفر التربة المناسبة للفساد الهائل، وهو ما أسفر الكشف عنه عن إقالة وزيرين في أوكرانيا إلى جانب أندريه يرماك رئيس الإدارة الرئاسية وما يلوح به من تهديدات قد تطاول آخرين في النسق الأعلى للقيادة في كييف، وذلك فضلاً عن تفجر فضيحة محاولة اغتيال تيمور مونديتش شريك الرئيس الأوكراني في إسرائيل، بعد نجاحه في الهرب إلى هناك بعد تفجير "فضيحة الـ100 مليون دولار" وهربه تحت جنح الظلام من كييف إلى بولندا ومنها إلى إسرائيل.

ولعل ما قاله بوتين حول عدم شرعية الرئيس الأوكراني زيلينسكي، هو ما دفع نظيره الأميركي ترمب إلى إعلانه ضرورة أن "ينظر زيلينسكي إلى الوضع الراهن للنزاع بواقعية"، وذلك ما يفسر تعجل الأخير إلى إعلان استعداده لإجراء الانتخابات في أوكرانيا بعد مماطلة استمرت لما يقارب عاماً ونصف العام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير