ملخص
هناك مصادر تقول إن الاجتماع المحتمل بين أوربان وبوتين في موسكو يمكن أن يكون محاولة لإطلاق "الصيغة المجرية" لعملية التفاوض.
في الوقت الذي تتداول فيه الأوساط السياسية المحلية والعالمية أخبار الخطة السياسية للرئيس الأميركي دونالد ترمب وما قد يطرأ عليها من تغيرات جوهرية من الجانبين، نشرت صحيفة VSquare الإلكترونية المجرية أخباراً تقول إن فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية يعتزم السفر إلى موسكو يوم الجمعة 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعلى رغم عدم صدور أية أخبار رسمية من بودابست حول هذا الشأن، فقد نشرت وكالة أنباء "تاس" الرسمية الروسية هذا الخبر، من دون الإشارة إلى ماهية الموضوعات التي يمكن أن يناقشها رئيس الحكومة المجرية في العاصمة الروسية، إلى جانب إشارتها إلى "أن رئيس الحكومة المجرية والرئيس الروسي التقيا ثلاث مرات منذ عام 2022، ليصل إجمالي اللقاءات بينهما إلى 14 لقاءً منذ تولي أوربان رئاسة الحكومة، كان آخرها في موسكو في الخامس من يوليو (تموز) 2024، عندما زار أوربان أيضاً من موقعه كرئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي كلاً من أوكرانيا والصين والولايات المتحدة في إطار مهمة لحفظ السلام".
الزيارة "بلا موعد"
وكشف الخبير والمتخصص المجري في الشؤون السياسية غابور ستير لشبكةNNS "أن رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان يرغب في التحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعياً وراء فهم مدى استعداد موسكو في الوقت الراهن للتوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا".
وتجئ هذه "المبادرة" في الوقت الذي يحاول الاتحاد الأوروبي أن يكون طرفاً رئيساً في الحوار الذي يديره الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية، إلى جانب أن موعد الزيارة المحتملة يأتي في وقت سابق للزيارة المقررة لستيفن ويتكوف المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي إلى موسكو التي حدد الجانبان الروسي والأميركي موعدها خلال الأسبوع المقبل، لاستيضاح جوانب الموقف من خطة ترمب بعد تعديلها واختزال بنودها إلى 22 بنداً، بدلاً من الصيغة السابقة التي كانت تتكون من 28 بنداً.
وثمة من يقول إن رئيس الحكومة المجرية سوف يعود إلى اقتراح الرئيس الأميركي حول اجتماعه مع نظيره الروسي في العاصمة بودابست الذي قرر ترمب التراجع عنه، بينما تمسك به نظيره الروسي من خلال ما أعلنه في صيغة تحتمل الخلط بين "التأجيل" و"الإلغاء".
ونذكر بهذا الصدد أن أوربان وعقب إعلان الرئيسين بوتين وترمب عن لقاء القمة في بودابست، سارع إلى الإعلان أن "الاستعدادات للقمة الروسية - الأميركية" تجري على قدم وساق". وما إن عاد ترمب إلى إلغاء الاجتماع مشيراً إلى شعوره بأن ذلك لم يكن مناسباً، وأنه شعر "أنهما لم يصلا إلى حيث كان من المفترض أن يكونا"، حتى انبرى بوتين إلى التخفيف من حدة مثل ذلك الإعلان بقوله "إن الاجتماع مع نظيره الأميركي قد أُجّل، ولم يُلغَ". وذلك ما أعقبه دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين بقوله "إنه من الممكن ترتيبه بسرعة، ولكن لا حاجة له في الوقت الحالي".
لكن ما يثير الدهشة المفعمة بالكثير من الغموض أن طرفي اللقاء المرتقب يبديان الكثير من التحفظ إزاء تأكيد أو دحض ما يقال حول زيارة أوربان "المحتملة" إلى موسكو. فالحكومة المجرية لم تؤكد بعد الاتفاق حول الزيارة، وتكتفي بالقول إنها سوف تبلغ المواطنين برحلات رئيس الحكومة كما المعتاد في مثل هذه الأمور. أما الكرملين فقد اكتفى الناطق باسمه دميتري بيسكوف رداً على سؤال حول هذا الشأن لبافيل زاروبين الإعلامي المتخصص في متابعة أخبار الرئيس بوتين، في برنامجه الأسبوعي "موسكو. الكرملين. بوتين" بإعلان أن "الكرملين سيعلن بقدر الإمكان عن الاتصالات المحتملة بين بوتين وأوربان".
هذا ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية، في الوقت الذي ثمة من يقول إن الزيارة ستكون "فرصة جديدة لرئيس الحكومة المجرية لمناقشة إمدادات النفط والغاز وكيفية حل هذه القضية، في إطار رغبة المجر في تأمين مواردها لأطول فترة ممكنة". وتقول المصادر المجرية إن الزيارة تشكل أهمية خاصة لأوربان تتعلق بالانتخابات المقرر إجراؤها في أبريل (نيسان) من العام المقبل. واستبعدت هذه المصادر احتمالات أن يحمل أوربان أي رسالة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي إلى موسكو. فلم تعد روسيا اليوم بحاجة إلى وسيط في علاقاتها مع الولايات المتحدة منذ بدء حواراتها في الرياض ثم في تركيا مع ممثلي الإدارة الأميركية الجديدة، في وقت سابق من هذا العام.
وكان أوربان سبق وأكد في أكثر من مناسبة موقفه المؤيد للحوار بين روسيا وأوكرانيا، كذلك أعلن عن دعوته للبلدان الغربية والاتحاد الأوروبي لدعم مبادرة السلام الأميركية فوراً ومن دون قيد أو شرط. وذلك في الوقت الذي أكد أن بلاده تقف على طرفي نقيض ضد أي شكل من أشكال المساعدة المالية لأوكرانيا. وقال أوربان أيضاً "إن الاتحاد الأوروبي يريد الاستمرار، لكنه لا يملك قرشاً واحداً لتزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، ولا قرشاً واحداً لتمويل عملياتها، ولا يعرف كيف يحصل على هذه الأموال". ووفقاً لأوربان كذلك، فإن الدول الأوروبية أيضاً لا تنوي المساهمة في تمويل كييف، وتخطط لتركها "من دون قرش واحد". وننقل عن مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" (السياسة المسؤولة) الصادرة في 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، ما كتبته حول "أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتخريب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتسوية السلمية في أوكرانيا بهدف إطالة أمد الصراع". وأشارت المجلة إلى "أن هذه المبادرة ستؤدي إلى عودة أوروبا إلى نمط الصراع الممتد الذي لا نهاية له"، وهو ما وصفته المصادر الروسية بأنه "حرب حتى آخر جندي أوكراني".
لماذا يعتزم أوربان لقاء بوتين في موسكو؟
صرح دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، معلقاً على الزيارة "المرتقبة" لرئيس الحكومة المجرية إلى موسكو، أن الكرملين سيعلن عن اتصالات "محتملة" بين الرئيس فلاديمير بوتين وفيكتور أوربان.
وذكرت صحيفة VSquare المجرية الإلكترونية، نقلاً عن مصادر لم تكشف عنها، أن أوربان يعتزم زيارة موسكو للقاء بوتين يوم الجمعة 28 نوفمبر الجاري، إلا أنها لم تحدد القضايا التي ينوي رئيس الحكومة مناقشتها مع الرئيس الروسي.
وفي مقابلة مع مراسل VFokus Mail، ذكر الخبير السياسي قسطنطين بلوخين، أن أوربان يريد التوسط بين روسيا والولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بينهما. وأضاف "يبدو أن أوربان يعتزم مناقشة مهمة وساطة. ربما يهدف هنا إلى تمهيد الطريق لقمة أميركية - روسية محتملة في المجر".
وهناك مصادر أخرى تقول إن الاجتماع المحتمل بين أوربان وبوتين في موسكو يمكن أن يكون محاولة لإطلاق "الصيغة المجرية" لعملية التفاوض. ومن حيث المبدأ، فإنه يمكن لروسيا دعم صيغتين: صيغة "إسطنبول" لأسباب إنسانية، وصيغة "المجر" لأسباب استراتيجية.
وننقل عن قسطنطين بلوخين ما قاله حول إن "تركيا والمجر ترغبان في استضافة لقاء بوتين وترمب. وهناك أيضاً السعودية والإمارات ودول أخرى. أعتقد أن هناك تنافساً بينها على استضافة القمة الأميركية - الروسية. ستركز جميع وسائل الإعلام العالمية على هذا الحدث، وقد يصبح الحدث السياسي الرئيس في العام الحالي". ووفقاً لخبير العلوم السياسية، إضافة إلى مناقشة الشروط المسبقة للقاء محتمل بين ترمب وبوتين في المجر، قد يناقش أوربان خطة السلام التي وضعها البيت الأبيض مع الزعيم الروسي. وأشار بلوخين إلى أن "أوربان بإمكانه مناقشة خطة ترمب للسلام مع بوتين، ولكن ليس الخطة التي تُتداول في وسائل الإعلام بتسريبات ونظريات مختلفة. من المحتمل جداً أن ينقل رئيس الحكومة المجرية رسالة ما من الرئيس الأميركي إلى نظيره الروسي".
أوربان ليس "حصان طروادة" لبوتين
في مقابلة مع ماتياس دوبفنر، الرئيس والشريك في ملكية مجموعة "أكسل سبرينغر" الإعلامية الألمانية، أكد أوربان أن روسيا، إلى جانب تركيا وألمانيا، تُعدّ من أهم مراكز القوة الثلاثة في أوروبا، وهو أمرٌ يجب على المجريين مراعاته. ورداً على سؤال بأن هناك من يتهمه وكأنه بمثابة "حصان طروادة" لروسيا ورئيسها بوتين، فضلاً عن آخرين يقولون إن "المجريين يكرهون الروس بذكاء أكبر من بقية أوروبا"، أعرب أوربان عن يقينه بأن "السذّج فقط هم من يصفونه بحصان طروادة"، وهو يرى أنه "أمرٌ فظّ وشديد السطحية". واستطرد قائلاً: "أنا لا أكره أحداً عامة، لكن لديّ خبرة. ولدينا خبرة في التعامل مع الروس، لذا نعرف طباعهم. على مدار الأعوام الـ 150 الماضية، هاجمونا مرات عدة. وهاجمناهم مرة واحدة أيضاً. كان الأمر سيئاً، لكننا نفذناه. في الحرب العالمية الثانية، كنا معكم".
وأكد رئيس الحكومة المجرية أن شعبه "يعرف الروس ويعلم أنهم سيبقون" ولن يختفوا من الساحة السياسية الأوروبية. بالنسبة للمجر، هناك ثلاثة مراكز قوة واضحة: ألمانيا وروسيا وتركيا، هذا المثلث "يحدد ما إذا كانت المجر آمنة أم لا".
ومضى أوربان ليقول "لذلك، يجب أن نجد حلاً جيداً مع كل القوى الثلاث، وهو وضع مربح للجانبين. وهذا ما أعمل من أجله. وكما تعلمون، فإن الحديث عن ‘حصان طروادة‘ أمر ساذجٌ وسطحي للغاية. وإذا لم تكن هناك حججٌ جادةٌ لمناقشة الحرب، فما عليكم سوى القول إن لهذا الشخص رأياً مختلفاً، إنه ‘حصان طروادة‘ لبوتين. هذا أمر شديد السطحية". وخلص أوربان إلى القول إنه نظراً لمحدودية نفوذ المجر الاقتصادي والعسكري، فإنها تريد أن تكون مفيدةً للأطراف التي تدعو إلى السلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف روسيا من الاتحاد الأوروبي
كانت روسيا في صدارة البلدان التي نادت بتدخل الدول الأوروبية وأن تكون من الوسطاء لحل الأزمة الأوكرانية. كذلك كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صدارة الداعين إلى تدخل "مجموعة نورماندي" لوقف الصراع الذي اندلع في أوكرانيا في أعقاب الانقلاب الذي أطاح الرئيس الشرعي فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) 2014 تحت رعاية وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا. ولم تكن روسيا آنذاك اعترفت بانفصال مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك (منطقة الدونباس) من جانب واحد عن أوكرانيا. وقد ظلت الحال كذلك لمدة تقترب من ثمانية أعوام منذ توقيع اتفاقيات مينسك 1-2 في ديسمبر (كانون الأول) 2014، وفبراير (شباط) 2015 بمشاركة كل من الرئيس الأوكراني السابق بيتر بوروشينكو والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ممثلي المقاطعتين الأوكرانيتين لوغانسك ودونيتسك. ونذكر أن روسيا طرحت الاتفاقيتين على مجلس الأمن حيث جرى التصديق عليهما من جانب المجلس ليتمتعا بالشرعية الدولية من جانب المنظمة الأممية.
ولكم كان من الممكن أن تسير الأمور في اتجاه بقائها على ما كانت عليه، ولنعمت أوكرانيا بسيادتها ووحدة أراضيها التي منها ما جرى ضمه بغير وجه حق "تاريخي" كما يقولون في موسكو، بعيداً عما آلت إليه البلاد من حروب وخراب ودمار. وقد كان ذلك ممكناً لو أن كلاً من أطراف النزاع التزم بما نصت عليه "اتفاقيات مينسك" من نصوص، بعيداً عما عادت واعترفت به ميركل في مذكراتها التي صدرت في عام 2024 حول أن هذه الاتفاقيات لم تكن تستهدف نزع فتيل المواجهة المسلحة بين الأطراف المتحاربة، بل "استهدفت توفير المساحة الزمنية اللازمة لتسليح وإعداد الجيش الأوكراني لكي يكون قادراً على تحرير المقاطعتين بالقوة المسلحة!". وعاد الرئيس الفرنسي السابق هولاند إلى الاعتراف بما قالته أنجيلا ميركل.
وقد أعاد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي كل ذلك إلى الأذهان، ليؤكد أن روسيا سبق وبادرت بدعوة أوروبا إلى التدخل منذ بداية الأزمة الأوكرانية في عام 2014. كذلك انتقد تصرفاتها مستشهداً بما ذكرته أنجيلا ميركل حول أنهم في الاتحاد الأوروبي لم يكونوا مع تنفيذ اتفاقيات مينسك لوقف المواجهة المسلحة بين المقاطعتين وأوكرانيا.
8 أعوام
وهنا نعيد إلى الأذهان أن روسيا ظلت بعيدة من اتخاذ قرار الاعتراف بالمقاطعتين وانضمامهما إلى روسيا مدة تقترب من ثمانية أعوام، حتى إلى ما بعد "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا في فبراير 2022. وأعلن لافروف أن الاتحاد الأوروبي لم يلتزم بهذه الاتفاقيات، بل وانتهك الشرعية الدولية ممثلة في قرارات الأمم المتحدة التي سبق وصدقت على هذه الاتفاقيات. وها هو (الاتحاد الأوروبي) يعود ثانية للوقوف إلى جانب المواجهة المسلحة واستمرار القتال حتى "آخر جندي أوكراني". وأضاف لافروف "الآن، عندما يُعلن زملاؤنا الأوروبيون بصوت عالٍ أنه لن تكون هناك اتفاقية مينسك جديدة، ولا يُمكن اتخاذ أي قرار من دون أوروبا، فذلك سيؤثر علينا مباشرة. لقد فشلت أوروبا في جميع المجالات منذ عام 2014". كذلك أعاد إلى الأذهان أن أوروبا سبق وأجهضت الاتفاق الذي توصل إليه الجانبان الروسي والأوكراني في إسطنبول تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على يدي رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، وبموافقة غير معلنة من جانب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وكان لافروف وزير الخارجية الروسي خلص في المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده مع نظيره البيلاروسي إلى "أن الأوروبيين أتيحت لهم الفرصة لكنهم أهدروها ولم يستغلوها"، فيما أكد "أن بيلاروس وتركيا يمكن أن تلعبا دور الوسيط في تسوية الصراع في أوكرانيا، في الوقت الذي لا يمكن الحديث عن أي وساطة من جانب فرنسا وألمانيا".