ملخص
كشفت "جيه بي مورغان" عن أن ثلاثة أرباع نمو الناتج المحلي الأميركي في النصف الأول من 2025 مدفوع بالإنفاق على الذكاء الاصطناعي.
شهدت أسواق الأسهم في الأسابيع الأخيرة حالاً من الارتباك المتصاعد، وسط مخاوف من تضخم فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي قد تنعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي ككل.
يقول محللون إن هذا القلق لم يعد مقتصراً على المشككين وحدهم، بل بات يثير هواجس واسعة حول استدامة النمو المدفوع بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
كشفت شركة "جيه بي مورغان" لإدارة الأصول عن أن الإنفاق المتسارع على مشاريع الذكاء الاصطناعي مثَّل نحو ثلثي نمو الناتج المحلي خلال النصف الأول من عام 2025، متجاوزاً مساهمة مئات الملايين من المستهلكين الأميركيين، ويعكس هذا السباق الاستثماري ضخاً هائلاً للأموال من كبريات الشركات في البنى التحتية الرقمية، من رقائق متقدمة إلى مراكز بيانات عملاقة.
وعلى رغم هذه الطفرة يظل السؤال المحوري مطروحاً بإلحاح: هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تحقيق العائدات المتوقعة وتحويل هذا الزخم المالي إلى أرباح حقيقية؟
جني الأرباح المباشرة
يرى المؤيدون أن هناك فجوة زمنية طبيعية بين إنشاء البنية التحتية وحصاد المكاسب، كما حدث بعد ظهور الإنترنت، ويشيرون إلى النجاح الجماهيري السريع لمنتجات مثل "شات جي بي تي"، معتبرين أن الشركات تفضِّل في الوقت الراهن تطوير الخدمات على جني الأرباح المباشرة.
لكن على الجانب الآخر، يحذر المنتقدون من أن الكلفة الضخمة تجاوزت قدرة الشركات أو المستخدمين على تحقيق قيمة موازية، ويقولون إن الذكاء الاصطناعي سيحتاج إلى إثبات جدواه خلال أعوام قليلة، لأن وتيرة الإنفاق الحالية غير قابلة للاستمرار.
الباحث في اقتصادات التكنولوجيا بمعهد "أم آي تي" بول كيدروسكي قال إن "من الطبيعي في المراحل الأولى ألا تظهر الأرباح الكبيرة، لكن الفارق هنا أن الأسواق عادةً لا تنفق تريليون دولار في هذه المرحلة".
هل أسعار الأصول فوق قيمتها الحقيقية؟
ويُجمع المؤيدون والمشككون على حد سواء على وجود أخطار اقتصادية، إذ حذر المستثمر ديفيد ساكس عبر منصة "إكس" قائلاً "التراجع الآن قد يقودنا إلى ركود. لا يمكننا تحمّل ذلك"، بينما كتب الأكاديمي غاري ماركوس "لن يكون المشهد جميلاً عندما تتوقف الموسيقى".
ويستخدم مصطلح "الفقاعة" للإشارة إلى حال ترتفع فيها أسعار الأصول فوق قيمتها الحقيقية بكثير، وفي هذا السياق، تبدو تساؤلات الإنتاجية وربحية الذكاء الاصطناعي حاسمة لفهم حجمه الاقتصادي الحقيقي.
وتُعد شركة "إنفيديا" مثالاً صارخاً على أرباح مرحلة البناء، إذ قفزت قيمتها السوقية لتتربع على عرش أكثر الشركات قيمة عالمياً بفضل الطلب المتزايد على رقائق الذكاء الاصطناعي، غير أن هذا النجاح، كما يشير محللون، يعكس سباق الشركات نحو إنشاء بنى تشغيلية وليس تبنّي استخدامات نهائية مربحة.
هل جنت الشركات أرباحاً؟
وبحسب تقديرات بعض الخبراء، فإن العوائد الحالية لا تزال بعيدة من تغطية الكلفة الضخمة لهذه التقنيات، خصوصاً أن مصادر الإيرادات المباشرة، سواء من المستهلكين أو من الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين خدماتها، ما زالت تواجه تعثراً.
وبيّنت دراسة لمعهد "أم آي تي" في يوليو (تموز) أن نحو 95 في المئة من الشركات التي استثمرت في الذكاء الاصطناعي لم تتمكن من تحقيق أرباح، على رغم إنفاق إجمالي يقدر بـ40 مليار دولار، وجاء في الدراسة "على رغم الاستثمارات الواسعة، فإن التحول على مستوى الصناعة لا يزال محدوداً".
وعلى مستوى التطبيقات الاستهلاكية، لا يزال الطريق طويلاً، فـ"شات جي بي تي" على سبيل المثل، يمتلك نحو 800 مليون مستخدم نشط أسبوعياً، وهو رقم يمثل ربع قاعدة مستخدمي تطبيقات "ميتا" التي تحقق أكثر من 50 مليار دولار في ثلاثة أشهر فقط، لكن إيرادات "أوبن أي آي" لا تقترب من هذا المستوى. أعلنت "أوبن أي آي" أن إيراداتها لعام 2025 تُقدّر بـ13 مليار دولار، على رغم تأكيد مؤسسها ورئيسها التنفيذي سام ألتمان لاحقاً أن النمو متسارع "ويتجاوز التوقعات".
طريق واضح لكسب المال
ويرى محللون أن الانتشار السريع لروبوتات الدردشة يشير إلى قيمة مستقبلية ضخمة، سواء عبر الإعلانات أو الخدمات المدفوعة، فيقول إيثان موليك من جامعة بنسلفانيا، "إنها أسرع تقنية استهلاكية عرفناها. هناك طريق واضح لكسب المال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره، يرى أرون سونداراراجان من جامعة نيويورك أن غياب مكاسب إنتاجية واضحة أمر متوقع في المراحل الأولى، مشيراً إلى أن الشركات لا تزال تتعلم كيفية دمج التقنية في عملياتها بصورة جذرية.
لكن بعض المحللين، كما تنقل شبكة "أي بي سي نيوز" الأميركية، يشككون أيضاً في القدرة على تحقيق الأرباح بالاعتماد على نموذج الذكاء الاصطناعي الحالي، بخاصة بسبب ارتفاع كلفة التشغيل، فالتقنيات الرقمية التقليدية - كالبرامج والمواقع - تتميز بخفض كلفة تقديم الخدمة لعدد كبير من المستخدمين بعد تطويرها، أما الذكاء الاصطناعي فيتطلّب طاقة ضخمة وحسابات متصاعدة مع كل عملية استخدام، ما يجعل كلفته التوسعية أعلى بكثير.
تحقيق أرباح ضخمة
وفي كل مرة يجري تشغيل نموذج ذكاء اصطناعي، يُستهلك قدر من التبريد والطاقة والصيانة تتزايد بتزايد المستخدمين، وهو ما يشكل، بحسب كيدروسكي، "مشكلة جوهرية" تهدد ربحية التقنية.
من جانبه، يرى أندرو أودليزكو من جامعة مينيسوتا أن حجم الاستثمارات الحالي يضع ضغطاً خانقاً على الشركات لتحقيق أرباح ضخمة خلال فترة قصيرة، ويقول "عندما تتحدث عن استثمارات بالتريليونات في مراكز البيانات، فإن الحسابات تظهر أن العائد المطلوب لتبرير هذا الإنفاق أكبر من إجمال إيرادات (غوغل)".
ومع ذلك، يؤكد محللون آخرون أن الذكاء الاصطناعي ما زال في بداياته، وأن الحكم النهائي سابق لأوانه، من بينهم فاسانت دار من جامعة نيويورك، قائلاً "نحن ما زلنا في المراحل الأولى. والنتيجة لم تتضح بعد، لكنني أعتقد أنه سيحقق أرباحاً كبيرة في النهاية".
في ظل هذه الأخطار الاقتصادية والضغط الناتج عن التريليونات التي تُستثمر سنوياً، يظل السؤال الأكبر مطروحاً: هل سيؤتي الذكاء الاصطناعي ثماره ويحول هذه الاستثمارات الطائلة إلى أرباح ملموسة، أم أن الفقاعة تتنامى في صمت، تاركة الاقتصاد الأميركي يواجه احتمالات الركود؟