Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني فقاعة الذكاء الاصطناعي وأخطار انفجارها؟

يختلف الاقتصاديون والباحثون حول أسباب التحول في سلوك المستثمرين

تُعرّف الفقاعة بأنها زيادة سريعة ومبالغ فيها لأسعار الأصول (أ ب)

ملخص

من أشهر من درس الفقاعة في الأسواق والاقتصاد، الاقتصادي الأميركي الشهير هايمان مينسكي الذي حدد 5 مراحل للفقاعة.

بعد مرور نحو 10 أعوام على بداية انطلاق التطور التكنولوجي الجديد "الذكاء الاصطناعي" وتأسيس شركة "أوبن أي آي" التي أطلقت تطبيق "تشات جي بي تي"، يتردد كثيراً الآن أن هناك "فقاعة" في قطاع التكنولوجيا سببها الذكاء الاصطناعي.

وأخذ كثيرون يقارنون الوضع الحالي بفقاعة شركات الإنترنت (دوت كوم) بنهاية القرن الماضي والتي انفجرت عام 2000 مسببة انهياراً في الأسواق.

لفهم مسألة فقاعة الذكاء الاصطناعي، من المهم استعراض ماذا تعني "الفقاعة" في الاقتصاد والأسواق وضرب أمثلة عليها، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك عرض يتكرر في الدورات الاقتصادية ودورات الأسواق ما بين الارتفاع والهبوط وليس أمراً استثنائياً يتعلق بهذا التطور التكنولوجي الأخير، الذكاء الاصطناعي.

ببساطة، تُعرّف الفقاعة بأنها زيادة سريعة ومبالغ فيها لأسعار الأصول، أسهم أو غيرها، بشكل يتجاوز بمراحل القيمة الحقيقية لتلك الأصول، وهو ما يؤدي إلى انكماش مفاجئ في السوق يُطلق عليه "انهيار".

وتتكون الفقاعة نتيجة التغيرات والتحولات الكبرى في سلوك المستثمرين، وتنفجر وسط حالة ذعر وعمليات بيع كبيرة.

يختلف الاقتصاديون والباحثون حول أسباب التحول في سلوك المستثمرين، إما نتيجة الخوف من أن "تفوتهم الفرصة" مع ظهور أصل استثماري جديد يُحاط بهالة من الإيجابية وتوقعات النمو الهائل وتحقيق العائدات والأرباح، أو نتيجة المضاربات على أحد الأصول بما يجعل الطلب على شرائه يزيد على المعروض منه أو من أسهمه.

مراحل الفقاعة

في النهاية، يؤدي الإقبال الهائل على الشراء إلى مغالاة في قيمة الأصول، وعند لحظة معينة ينكشف المستثمرون على حقيقة أن ما استثمروا فيه بكلفة عالية جداً قد لا تكون قيمته مساوية لذلك، ومع أول عملية بيع لجني الأرباح تتكاثف عمليات البيع فتهوي قيمة الأصول بشكل سريع – انهيار.

يصعب أيضاً على المحللين والاقتصاديين توقع نقطة "انفجار الفقاعة"، وغالباً لا يُعرف ذلك إلا بعد حدوثها بالفعل وانهيار قيمة الأصول وانكماش الأسواق.

ومن أشهر الفقاعات التي ينطبق عليها ذلك التوصيف التقريبي ما عُرف بفقاعة "جنون الزنبق" في القرن السابع عشر في هولندا، وفقاعة شركات الإنترنت (دوت كوم) بنهاية القرن العشرين.

من أشهر من درس الفقاعة في الأسواق والاقتصاد، الاقتصادي الأميركي الشهير هايمان مينسكي الذي حدد 5 مراحل للفقاعة، أول تلك المراحل هي "التحول"، ويحدث ذلك عندما يلفت انتباه المستثمرين ظهور مشتق استثماري جديد أو منتج تكنولوجي أو حتى نتيجة انخفاض أسعار الفائدة بقوة، وهنا تتحول أموال المستثمرين إلى ذلك المنتج الجديد الذي لفت الانتباه.

المرحلة الثانية هي "الرواج"، حيث تأخذ الأسعار في الارتفاع بشكل مضطرد، ويدخل المزيد من المستثمرين إلى السوق ويرتفع معدل الشراء. وهنا يدفع الخوف من "تفويت الفرصة" المزيد من الناس إلى شراء الأصول.

المرحلة الثالثة هي "الانتشاء"، وخلال تلك المرحلة ترتفع أسعار الأصول بشدة وبشكل مبالغ فيه، ويتخلى المستثمرون عن الحذر التقليدي والاحتياط نحو الأخطار. وتزيد عمليات المضاربة وسط ارتفاع كبير في الطلب مقابل شحّ المعروض.

المرحلة الرابعة للفقاعة هي "جني الأرباح"، ويصعب توقع متى تنفجر الفقاعة، لكنها ما إن تنفجر لن تعود للاستقرار، وإذا كان الانفجار قوياً يؤدي إلى انهيار. ويمكن أن تكون هناك فقاعة أقل حدّة تسمى "فقاعة صدى"، إذ يكون انفجارها تصحيحاً قوياً في الأسعار من دون انهيار كامل.

المرحلة الخامسة والأخيرة هي "الذعر"، وعندها تنهار أسعار الأصول وتأخذ في الانخفاض بحدة، غالباً بالمعدل نفسه الذي ارتفعت به. ويحاول المستثمرون "تسييل" الأصول عبر عمليات بيع كبيرة فتهبط قيمة الأصول أكثر مع ارتفاع العرض بشدة عن الطلب في السوق.

نموذجان للفقاعة

مطلع القرن السابع عشر جاء عالم نباتات هولندي ببذور الزنبق (زهرة التوليب)Tulip من القسطنطينية وزرعها لأغراض بحثية، وسرق بعض جيرانه البذور بغرض بيعها، وبدأ بعض الأثرياء يجمعون عينات نادرة من زهور الزنبق باعتبارها مصدراً للتفاخر بالثروة.

ومع زيادة الطلب على بذور الزنبق ارتفعت أسعارها بقوة حتى إن بعض أنواع الزهور الزنبقية وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية، وبدأ تداول بذور الزنبق على أنها "مخزن للقيمة" مثل الأراضي والعقارات.

عُرفت تلك الظاهرة باسم "جنون الزنبق"، إذ ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتمكن البعض من تحقيق ثروات هائلة من شراء وبيع بذور الزنبق، وأصبحت هناك بورصة لتداول عقود بذور الزنبق المستقبلية مما زاد من المضاربات على تلك الزهرة.

انفجرت الفقاعة حين فشل عقد ما بين بائع ومشترٍ لكمية من بذور الزنبق، إذ تخلف المشتري عن التعاقد، وساد الذعر في السوق الهولندية وامتد إلى أنحاء أخرى من أوروبا ما أدى إلى هبوط أسعار بذور الزنبق إلى الحضيض. تدخلت السلطات الهولندية لتهدئة الذعر في السوق وسهلت تخلص مالكي عقود بذور الزهرة بالحصول على نسبة 10 في المئة فقط من قيمة العقد، وهكذا فقد الأثرياء والمتعاملون العاديون ثروات هائلة مع انفجار فقاعة الزنبق.

النموذج الأقرب تاريخياً هو فقاعة شركات الإنترنت في نصف العقد الأخير من القرن الماضي، والمعروفة باسم "فقاعة دوت كوم" التي انفجرت عام 2000. على مدى عقد التسعينيات من القرن الماضي ضخ المستثمرون أموالاً طائلة في شركات الإنترنت الناشئة على أمل تحقيق عائدات وأرباح سريعة وكبيرة، وحين انفجرت الفقاعة انهارت شركات كثيرة وخسر المستثمرون أموالاً طائلة أيضاً.

مقارنة الوضع الحالي

خلال العقد الأخير من القرن الماضي أقبل المستثمرون على أسهم شركات الإنترنت الجديدة مثل "سيسكو" و"ياهو" وغيرها من الشركات التي ينتهي اسمها بدوت كوم. كان رهان المتعاملين في الأسهم والممولين أن الانتشار الواسع جداً للإنترنت حول العالم سيجعل تلك الشركات عالية الربحية وتنافس الجميع على اغتنام الفرصة.

في الربع الأول من عام 2000 وصل حجم مؤشر "أس أند بي 500" للشركات الأميركية الكبرى إلى نسبة 124 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي كله وقتها. وكان السبب في تلك الزيادة الهائلة هو الارتفاع المبالغ فيه للقيمة السوقية لأكبر 5 شركات تكنولوجية على المؤشر والتي وصلت قيمتها السوقية وقتها إلى 2 تريليون دولار.

ثم انفجرت الفقاعة مع بداية القرن الحالي وانهارت قيمة أسهم شركات التكنولوجيا وفقدت 76 في المئة من قيمتها، وهوت قيمة مؤشر "أس أند بي 500"، التي كانت فاقت حجم الاقتصاد كله، بنسبة 53 في المئة واحتاج المؤشر ما يصل إلى 20 عاماً ليعود إلى قرب مستوياته السابقة.

في وقت سابق من هذا العام، حذر بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) من أن "انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تصحيح حاد في الأسواق سيضر بالاقتصاد البريطاني باعتباره اقتصاداً مفتوحاً على الأسواق العالمية". كان تحذير "المركزي البريطاني" متسقاً مع سلسلة من تحذيرات البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى وشركات الاستشارات والبنوك الاستثمارية في شأن المغالاة في قيمة الأصول وخطرها على الأسواق والاقتصاد.

وأصبح كثيرون يقارنون الوضع الحالي بالوضع السابق على انفجار فقاعة "دوت كوم"، على اعتبار أن شركات الذكاء الاصطناعي هي التي تشهد الفقاعة الحالية. وبحسب ما جاء في تقرير بنك إنجلترا فإن "نصيب أكبر 5 شركات على مؤشر "أس أند بي 500" يقترب حالياً من نسبة 30 في المئة من حجم المؤشر، وذلك أعلى من أي وقت في نصف القرن الماضي... بإضافة ذلك إلى زيادة تركيز القيمة في مؤشرات الأسواق فإن ذلك يجعل أسواق الأسهم أكثر انكشافاً على الأخطار إذا تراجع التفاؤل في شأن تأثير الذكاء الاصطناعي". وحدد البنك الأخطار الأكبر في "العوامل السلبية التي تشمل عدم التقدم في تبني الذكاء الاصطناعي أو زيادة المنافسة ما سيعني إعادة تقييم للعائدات المستقبلية المبالغ فيها حالياً".

نطاق الفقاعة

مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلنت شركة "أوبن أي آي" عن شراء شرائح إلكترونية للذكاء الاصطناعي بما قيمته 10 مليارات دولار من شركة "برود كوم" المنافسة لشركة الإلكترونيات الكبرى "إنفيديا". وبمنتصف الشهر أعلنت الشركة أن "إنفيديا" ستستثمر ما يصل إلى 100 مليار دولار فيها على مدى سنوات. وكانت "أوبن أي آي" أعلنت أيضاً عن صفقة مع شركة "أي أم دي"، وهي شركة شرائح إلكترونية كبرى أخرى. كل هذا في غضون شهر واحد، ويتعلق بالشرائح الإلكترونية فقط، وهناك أيضاً استثمارات ضخمة أخرى تُضخ في شركات بناء مراكز البيانات الكبرى وشركات البنية التحتية التي تخدمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واتفقت "أوبن أي آي" على شراء قدرات سعة حاسوبية بقيمة 300 مليار دولار من شركة "أوراكل" العملاقة في مجال مراكز البيانات، وفي الوقت ذاته أصبحت شركة "أوبن أي آي" أكبر شركة ناشئة متجاوزة شركة "سبيس إكس" لصاحبها الملياردير إيلون ماسك. وفي غضون أقل من 10 أعوام بلغ تقييم السوق للشركة نصف تريليون (500 مليار) دولار تقترض على أساسه مليارات الدولارات أخيراً، ويتردد أن الشركة تنوي طرحاً أولياً للأسهم على أساس تقييم قيمتها بنحو تريليون دولار.

لا يتعلق الأمر إذاً بشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة وحدها والمساهمين فيها أو الشركات المماثلة، بل بشبكة من الشركات المرتبطة بها وبالقطاع، وذلك ما يجعل بعض المحللين يرون أن نطاق فقاعة الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على غليان أسعار أسهم شركات الذكاء الاصطناعي وحدها، بل على شركات أخرى مرتبطة بهذا التطور التكنولوجي.

في الأسابيع الأخيرة، نشرت مجلة "إيكونوميست" عدة تقارير وتحليلات حول الذكاء الاصطناعي واحتمالات أن يكون في طور تكوّن فقاعة. وبحسب مجموعة من الجداول والنماذج التي عرضتها المجلة الرصينة فإن انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى خسائر بعشرات تريليونات الدولارات على أقل تقدير.

تقديرات خسائر الفقاعة

ركزت تحليلات وبيانات تقارير المجلة على السوق الأميركية في تقديراتها لخسائر انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، فالانهيار في السوق سيكون أثره أكبر على المواطنين الأميركيين، إذ على مدى ربع قرن منذ أزمة "دوت كوم" اتسعت قاعدة المستثمرين الأفراد في أسواق الأسهم.

وأصبح من السهل على أي مواطن دخول السوق عبر تطبيقات كثيرة سهلة وسريعة على الهواتف الذكية، وهكذا ارتفع نصيب الأسر العادية في الولايات المتحدة من حجم السوق بشكل كبير.

يضع الأميركيون 42 تريليون دولار، أو نسبة 20 في المئة من إجمالي ثروتهم كلها، في أسواق الأسهم، وذلك بزيادة بنسبة 4 في المئة عما كان عليه نصيب الأسر والأفراد من حجم السوق وقت انهيار "دوت كوم" عام 2000، وبالمقابل، يملك المستثمرون الأجانب نحو 18 تريليون دولار من سوق الأسهم الأميركية.

إذا حدث تصحيح في السوق مثل الذي حدث قبل ربع قرن مع انفجار فقاعة "دوت كوم" فإن ذلك سيمحو ما نسبته 8 في المئة من ثروة الشعب الأميركي.

يشير أحد النماذج في مجلة "إيكونوميست" إلى خسارة الأميركيين المتعاملين في السوق مع انهيار الأسهم ما يصل إلى 16 تريليون دولار. ولا تشمل الخسارة المحتملة الأصول غير المباشرة مثل استثمار الأميركيين في صناديق معاشات التقاعد أو شركات التأمين على الحياة، والتي تصل قيمة استثمارات الأسر والأفراد فيها إلى 20 تريليون دولار.

بينما سيخسر المستثمرون الأجانب في سوق الأسهم الأميركية ما يصل إلى 7 تريليونات دولار مع أي تصحيح كبير أو انهيار، أي أن تصحيحاً في الأسواق شبيه بتصحيح عام 2000 سيعني تبخر 23 تريليون دولار على الأقل من القيمة السوقية للأسهم الأميركية وحدها. فضلاً طبعاً عن أن تردد صدى الانهيار في بقية أسواق العالم سيعني تبخر تريليونات الدولارات الإضافية.

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة