Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا يتردد صدى تصنيف واشنطن "الإخوان" جماعة إرهابية في الأردن

استبق قرار واشنطن ضد الجماعة بعد تحولها "عبئاً استراتيجياً" يهدد مصالحه وأمنه

مقر حزب "جبهة العمل الإسلامي" بعد ساعات من قرار حظر جماعة "الإخوان المسلمين" (رويترز)

ملخص

هندست عمان ببراعة صيغة "التعايش الحذر" مع الإسلاميين وحاولت "أمننة" ملف "الإخوان" محلياً لتجنب "تدويله" لكن الجماعة لم تلتقط الرسالة. وقبل 7 أشهر من قرار ترمب اتخذت السلطات الأردنية سلسلة إجراءات ضد الجماعة بدت في حينها "تصعيداً مفاجئاً" اتضح لاحقاً أنها "هندسة وقائية" واستجابة لمعلومات استخباراتية مبكرة.

في منعطف مفصلي قد يطاول المشهد السياسي الأردني، دخلت قضية جماعة "الإخوان المسلمين" مرحلة جديدة، بعد تصنيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجماعة منظمة إرهابية. ويتقاطع هذا القرار مع واحدة من أكثر مراحل العلاقة تعقيداً بين الأردن و"الإخوان" خصوصاً بعد قرار عمان حظر الجماعة في أبريل (نيسان) عام 2025 ومصادرة مقارها.

ويرى مراقبون أن من شأن القرار الأميركي أن يعزز موقف الحكومة الأردنية التي قررت إنهاء الوجود "الإخواني"، فيما يعتقد آخرون أنه يعطي غطاء دولياً لتشديد المواقف تجاه الإسلام السياسي في المنطقة، خلافاً لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التي دعمته إبان مرحلة "الربيع العربي".

ووسط مشهد سياسي داخلي يعاد تشكيله، يجد الأردن نفسه أمام معادلة جديدة تتجاوز البعد الأمني إلى حسابات سياسية واجتماعية دقيقة، في وقت تواجه الجماعة مزيداً من الضغوط والتحديات بخاصة ذراعها السياسية حزب "جبهة العمل الإسلامي".

 قرار مستقل

ووُجدت جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن منذ منتصف القرن الـ 20، ولعبت دوراً سياسياً واجتماعياً عبر الجمعيات الخيرية والنقابات المهنية واتحادات الطلبة، بينما تم تمثيلها برلمانياً عبر حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي حقق في انتخابات عام 2024 البرلمانية تقدماً ملموساً بـ31 مقعداً برلمانياً. وسعى الأردن دوماً لسياسة توازن مع "الإخوان" قائمة على السماح بمشاركة سياسية مع التحكم بمدى هذه المشاركة، ومع حل الجماعة رسمياً بحكم قضائي من محكمة التمييز عام 2020، إلا أن واقعها عملياً ظل مختلفاً، فاستمرت في القيام بنشاطات دعوية واجتماعية، والمشاركة السياسية من خلال حزبها. إلا أن هذه المرونة في التعامل بين الدولة و"الإخوان" كانت تمثل توازناً هشاً، ففي 23 أبريل عام 2025 أصدرت السلطات الأردنية قراراً رسمياً بإعلان حظر "الإخوان" في الأردن واعتبارها غير قانونية، وصادرت أصولاً وداهمت مقار واعتقلت عناصر مرتبطة بما وصفته الحكومة بـ"مخططات تخريبية". وبهذا القرار، انتهى عملياً وجود "الإخوان" كمنظمة رسمية في الأردن، بعد نحو 80 سنة من الحضور، ولاحقاً ظهرت مؤشرات إلى انحسار وحل مؤسسات فرعية أو استقالة مجالس جمعيات مرتبطة بالجماعة. وعلى رغم حظر الجماعة ظل الثقل البرلماني لها حاضراً عبر نواب حزب "جبهة العمل الإسلامي" في البرلمان، مع تقييد قدرة هذه الكتلة على الفعل السياسي والضغط والتحشيد.

قرارات متوقعة

في السياق رأى مراقبون أنه على رغم استباق الأردن القرار الأميركي بسلسلة إجراءات منذ العام الحالي، فإن من شأن قرار ترمب أن يسهل تبادل معلومات استخباراتية أو إجراءات مالية ضد شبكات مرتبطة بالجماعة. كما أنه قد يسهم في تجفيف مصادر تمويل أو دعم خارجي لمن يدان بالانتماء أو الدعم لـ"الإخوان"، مما يضعف قدرة التنظيم على العمل حتى وإن انتقل للعمل الخفي أو عبر شبكات مدنية جديدة. إلا أن الأردن اتخذ قراراته السابقة ضد الجماعة، استناداً إلى اعتبارات أمنية وقانونية وإقليمية داخلية، ولذلك يبقى القرار الأميركي منفصلاً قانونياً عن التشريع الأردني. ولذلك فإن من السيناريوهات المطروحة لتبعات القرار الأميركي والتي يتم تداولها محلياً تحول الجماعة إلى نشاط مدني، ولجوء حزب "جبهة العمل الإسلامي" إلى حل نفسه، أو تشكيل حزب سياسي جديد من دون أي تسميات تشير إلى مدلولات إسلامية، مما قد يفتح الباب أمام إجراءات مالية دولية، أو تعاون أمني أوسع، أو تجميد أصول خارجية مرتبطة بشخصيات محسوبة على الجماعة.

عزلة دولية

القرار وفق مراقبين سيعمق العزلة الدولية على الجماعة، ويقلص فرص إعادة تنظيمها أو دعمها مالياً، كما أنه يوفر شرعية دولية لتشديد الرقابة والسياسات الأمنية ضد أية بقايا أو مظاهر للجماعة أو فروع محتملة لها داخل الأردن. وقد استند البيت الأبيض في تبرير استهداف "إخوان" الأردن إلى سردية محددة قوامها الدعم المادي لـ"حماس"، مما يعني تمويل الإرهاب وفق المنظور الأميركي، فضلاً عن التهديد المصالح الأميركية، استناداً لخطابات قادة الجماعة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والتحريض على العنف ضد المصالح الأميركية وشركائها في المنطقة.

ووضع الأمر التنفيذي للرئيس ترمب جدولاً زمنياً صارماً، حيث من المتوقع تقديم تقرير مشترك من وزيري الخارجية ماركو روبيو والخزانة سكوت بيسنت خلال شهر، ومن ثم اتخاذ الإجراءات النهائية وفرض العقوبات بناء على التقرير بعد 45 يوماً، مما يعني أن الأردن سيجد نفسه، مع مطلع عام 2026، أمام واقع قانوني أميركي يعد المكون السياسي الأكبر في برلمانه "منظمة إرهابية".

ويطرح مراقبون ما سموه المأزق الدستوري والبرلماني، وهم يحاولون الإجابة عن سؤال كيف ستتعامل الدولة الأردنية مع كتلة برلمانية مكونة من 31 نائباً ينتمون لكيان مصنف إرهابياً من قبل الحليف الأكبر؟

لذلك يتم الحديث منذ أشهر عن سيناريو حظر حزب "جبهة العمل الإسلامي"، وربما لاحقاً حل البرلمان كمخرج سياسي لهذه المعضلة، فقبل سبعة أشهر من قرار ترمب، وتحديداً في أبريل عام 2025، اتخذت السلطات الأردنية سلسلة إجراءات أمنية وقانونية بدت في حينها "تصعيداً مفاجئاً"، لكنها تبدو الآن كجزء من "هندسة وقائية" أو استجابة لمعلومات استخباراتية مبكرة.

المنطقة بلا إسلام سياسي

في هذا الوقت، أكد عضو مجلس الأعين والنائب السابق في البرلمان عمر عياصرة أن لقرار الرئيس الأميركي تداعيات كبيرة، "من بينها أن الفرصة سانحة لجعل المنطقة خالية من الإسلام السياسي"، وأشار عياصرة إلى خطورة القرار الأميركي في حال وضع أشخاص أردنيين على قوائم الإرهاب مما سيسبب "الحرج" للأردن الرسمي الذي يعد حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، معتبراً أن الدور الوظيفي لـ"الإخوان المسلمين" لدى الولايات المتحدة انتهى. وشدد عياصرة على أن "قرارات الأردن سيادية ولا يتصرف بإملاءات الآخرين، ويتخذ إجراءاته ضد الجماعة قبل القرار الأميركي ووفق تسلسل قانوني قضائي"، وأضاف "في حال اعتبار حزب جبهة العمل الإسلامي جماعة إرهابية، سنقف على أصابع أقدامنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إجراءات ضد الحزب

من جهته، قال المحلل السياسي حاتم النعيمات، إن تنظيم "الإخوان" كان يهادن ويتحالف مع الأنظمة السياسية في بعض الأحيان بسبب براغماتيته العالية، "إلا أنه كشر عن أنيابه إبان الربيع العربي، ودخل في معركة كسر عظم مع هذه الأنظمة"، وأضاف أن مكمن القوة الوحيد اليوم للجماعة هو الأذرع التعبوية التي قد تمكنها من استعادة شعبيتها بسهولة من خلال تغليف خطابها السياسي بغلاف ديني عاطفي، "لا سيما أنها تملك إمبراطورية إعلامية وعدداً هائلاً من النشطاء والحسابات واللجان الإلكترونية وظيفتها تضخيم هذا الخطاب ونشره على أوسع نطاق". ولفت إلى أن "جماعة الإخوان المسلمين لم تعد موجودة بعدما حظرتها الحكومة، لكن في ما يتعلق بحزب جبهة العمل الإسلامي، فالأمر التنفيذي للرئيس الأميركي تحدث عن كيانات وشخصيات، ومن ثم فهو سيعتمد على جداول وبيانات الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأميركية لا على التعريفات القانونية المحلية". وتوقع النعيمات أن يصبح الأردن مطالباً باتخاذ إجراءات ضد الحزب إذا أثبت القضاء الأردني ارتباطه بالجماعة المحظورة، "لذلك فإن الحكومة الأردنية اليوم أمام مهمة معقدة للمواءمة بين إجراءاته القانونية المحلية ضد ما تبقى من التنظيم والحظر الأميركي".

كلفة أردنية

بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة، "إن صلاحية الجماعة، كتنظيم سياسي، انتهت، أو أنها، في الأقل، استنفدت أغراضها ولم تعد مرغوبة"، مضيفاً أن مشروع "فائض القوة" الذي تتوافق عليه واشنطن وتل أبيب يتضمن إنهاء أو إضعاف تنظيمات الإسلام السياسي والمسلح معاً. وشرح الرواشدة القرار بالقول "إنه يعني فرض عقوبات قانونية ومالية وسياسية على شبكة تنظيم الإخوان والمتعاملين معه، دولاً كانت أو جمعيات أو أفراداً، وبموجب هذه العقوبات يصبح تقديم أي دعم مالي أو لوجيستي للجماعة أو فروعها جريمة يعاقب عليها القانون، كما يتم تجميد أصول الأموال والممتلكات التابعة للجماعة وكل من يرتبط بها، وتفرض قيود على حركة المنتسبين لها، ويمكن ملاحقتهم في أي مكان.

 ووفقاً لتقرير صادر عن "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" التي تتبنى الدفاع عن السياسات الخارجية والأمن القومي الأميركي، فإن فرع "جماعة الإخوان" في الأردن من ضمن الجهات المقصودة بتصنيف ترمب.

وختم الرواشدة أن الأردن حظر أنشطة "الإخوان" وعدها جمعية غير مشروعة، والمطلوب من حزب "جبهة العمل الإسلامي" أن يتكيف مع استحقاقات ما بعد الجماعة، وأن يتحرر من تركتها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، خصوصاً أن الأردن "لا يستطيع أن يتحمل كلفة الدفاع عن جماعة أصبحت محظورة، أو عن أي حزب أو مؤسسة أو جمعية تشكل امتداداً له". ووفق هذا المنظور رأى مراقبون أن موقع "الإخوان "في الخريطة السياسية الأردنية تحول من "شريك مشاكس" يمكن احتواؤه إلى "عبء استراتيجي" يهدد مصالح الدولة العليا وأمنها الاقتصادي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير