ملخص
تباطأ نمو اقتصاد روسيا إلى 0.6 في المئة في الربع الثالث، وتوقعات بتفاقم العجز المالي إلى 2.6 في المئة بنهاية العام من 1.9 في المئة في أكتوبر.
مع دخول حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا شتاءها الرابع، يجد الروس أنفسهم مضطرين للتعامل مع تأثيراتها المتنامية على مختلف جوانب حياتهم اليومية.
تقول "بلومبيرغ" في تقرير لها إن العشرات من المناطق في وسط وجنوب روسيا باتت تشعر اليوم بقرب الحرب، مع تكرار هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ التي تستهدف منشآت للطاقة ومباني سكنية، وصفارات الإنذار تدوي ليلاً بشكل شبه يومي، لتقدّم تذكيراً دائماً وعلنياً بكيفية اقتراب الصراع من الداخل الروسي.
وتضيف، "بعيداً من خطوط الجبهة، بدأت بقية أنحاء روسيا، بما فيها موسكو، تلمس الكلفة الاقتصادية للحرب، فمن الأسر التي تقلّص إنفاقها على الغذاء إلى شركات الصلب والتعدين والطاقة التي تواجه صعوبات متزايدة، يبدو أن محرّك الاقتصاد الروسي يتعرض لتشققات متعددة، بعدما تراجعت قدرة البلاد على الحفاظ على الزخم الذي وفّره الإنفاق الحكومي الضخم وإيرادات الطاقة القياسية في المراحل الأولى من الحرب".
وتشير "بلومبيرغ" إلى إنه لا يمكن مقارنة حجم المعاناة بما تتحمّله أوكرانيا، وذلك لا يبدو كافياً لدفع بوتين إلى إنهاء الحرب، لكنه يبرز الثمن المتزايد لقراره إطلاق الهجوم الشامل في فبراير (شباط) 2022.
وتأتي هذه التداعيات في وقت تضغط الولايات المتحدة لتقييد إيرادات النفط والغاز المتدفقة إلى موسكو، ضمن سلسلة تحركات سريعة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يهدف للوصول إلى وقف لإطلاق النار.
ويبدو أن الزخم يتزايد، مع انتقال المحادثات إلى موسكو واستمرار المفاوضات الأميركية – الروسية خلف الكواليس على حزمة تمنح الكرملين تخفيفاً للعقوبات التي يسعى إليها.
وقف الحرب الآن
وقال مدير "مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا" في برلين، ألكسندر غابوييف، "استناداً إلى المؤشرات الاقتصادية العامة، سيكون من مصلحة روسيا وقف الحرب الآن. لكن لكي ترغب في إنهاء الحرب، عليك أن ترى حافة الهاوية، وروسيا ليست هناك بعد".
وفي غياب هذا الإدراك، تبدو أوضاع الروس مرشحة للتدهور قبل أن تلوح أي فرصة للتحسن، إذ تقول إيلينا، 27 سنة، وتعمل مديرة في شركة فعاليات بمنطقة موسكو، إن "الأسعار ترتفع الآن بوتيرة أسرع من الأجور"، وغيّرت عاداتها الشرائية، فباتت تشتري ملابس أقل وتميل إلى العلامات المحلية بعدما أصبحت المستوردات مرتفعة الكلفة.
وذلك يناقض ما كان عليه الوضع في بداية الحرب، عندما كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو مدفوعاً بالاستثمارات المرتبطة بالقطاع العسكري، والتي رفعت الأجور نحو 20 في المئة في عام 2024، مما عزز الطلب الاستهلاكي وأجّج التضخم.
ورفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة إلى 21 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لتهدئة التضخم وكبح اقتصاد محموم، لكن على رغم تراجع كلفة الاقتراض لاحقاً، بدأت آثار التشديد النقدي تتضح، كاشفة اختلالات أعمق في اقتصاد أعيد توجيهه نحو الحرب بينما يستمر في دعم القطاع المدني.
وتراجع التضخم إلى نحو 6.8 في المئة في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لكن السبب الرئيس هو ضعف الطلب الاستهلاكي، وفق مركز التحليل الكلي والتنبؤات قصيرة الأجل. ولاحظ مؤشر "سبير إندكس" التابع لمصرف "سبيربنك" أن الروس يخفضون إنفاقهم على الغذاء.
وقال دينيس، 40 سنة، وهو مدير من مدينة تامبوف في وسط روسيا، "متوسط فاتورة التسوق الأسبوعية تضاعف أكثر من مرة خلال الأعوام الأخيرة"، إذ باتت أسرته تشتري كميات أقل من الفواكه والخضروات.
تجارة التجزئة تمر بهزة كبيرة
أظهرت تحليلات نشرتها صحيفة "كوميرسانت" تراجع مبيعات الحليب ولحم الخنزير والحنطة السوداء والرز بنسبة 8 إلى 10 في المئة في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر الماضيين.
وعلى رغم أن مجموعة "أكس 5" - أكبر سلسلة متاجر غذائية في روسيا - أعلنت ارتفاع إيراداتها في الربع الثالث من العام نتيجة التضخم، فإن صافي أرباحها تراجع بنحو 20 في المئة جراء ضعف الطلب وارتفاع الكلفة.
وتمر تجارة التجزئة بهزة كبيرة، إذ شكّلت متاجر الأزياء 45 في المئة من عمليات الإغلاق في الربع الثالث من العام، فيما تشير وسائل إعلام محلية إلى أن سوق الإلكترونيات تشهد أكبر تراجع في الطلب منذ 30 عاماً، مع تأجيل المستهلكين أي مشتريات كبيرة.
وانخفضت مبيعات السيارات بنحو الربع في الأشهر التسعة الأولى من العام، متأثرة بارتفاع كلفة الاقتراض وزيادة رسوم إعادة التدوير التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع، بخاصة للسيارات المستوردة والكهربائية.
الهجمات تفاقم أزمة سوق الوقود المحلية
إلى جانب ذلك، تتعرض روسيا مباشرة لهجمات أوكرانية، إذ تضرب الطائرات المسيّرة الأوكرانية مصافي النفط والموانئ من البحر الأسود إلى ساحل البلطيق، وتصل أحياناً إلى عمق 3000 كيلومتر داخل الأراضي الروسية وصولاً إلى سيبيريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسببت تلك الهجمات في تفاقم أزمة سوق الوقود المحلية، ما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار منذ أواخر أغسطس (آب) الماضي، وعلى رغم تراجع طفيف في نوفمبر الجاري، لا تزال الأسعار مرتفعة وتستمر النقصات في بعض المناطق.
ويتوقع بعض المحللين استمرار نمو محدود هذا العام والعام المقبل، لكن مركز الأبحاث الاستراتيجية في موسكو خلص إلى أن "الفرص لتجنب الركود باتت شبه معدومة"، مع تراجع الإنتاج في أكثر من نصف الصناعات الروسية.
الصلب يعيش أزمة
يعيش قطاع الصلب أزمة حادة، إذ تراجع الاستهلاك 14 في المئة هذا العام، بحسب شركة "سيفرستال"، بعدما انخفض الطلب على الصلب في قطاع البناء 10 في المئة، بينما تراجع في قطاع الآلات 32 في المئة، أما قطاع الفحم فهو في أسوأ حالاته منذ عقد، مع خفض الشركات الكبرى للإنتاج.
ولا يبدو القطاع المصرفي أفضل حالاً، إذ ارتفعت نسبة الديون المتعثرة لدى الشركات إلى 10.4 في المئة في الربع الثاني من العام، بينما بلغت في قطاع التجزئة 12 في المئة، وفق تقرير البنك المركزي الروسي.
تباطؤ الاقتصاد الروسي
تباطأ نمو الاقتصاد إلى 0.6 في المئة في الربع الثالث من العام، بينما ارتفع العجز المالي إلى 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أكتوبر الماضي، مع توقعات وزارة المالية بتفاقمه إلى 2.6 في المئة بنهاية العام.
وتراجعت إيرادات النفط والغاز، شريان الاقتصاد الروسي، بأكثر من الخُمس بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتبلغ 7.5 تريليون روبل (95.3 مليار دولار). وأسهمت الأسعار العالمية المنخفضة والعقوبات وقوة الروبل في تقليص العائدات، وجاء ذلك قبل أن تفرض الولايات المتحدة في أكتوبر عقوبات جديدة على عملاقي النفط "روسنفت" و"لوك أويل".
ومع أن تلك الضغوط لن تدفع بوتين على الأرجح إلى تغيير أهدافه في الحرب، فقد سعى إلى منع واشنطن من تشديد الضغط الاقتصادي، فعندما كان ترمب يدرس إرسال صواريخ "توماهوك" طويلة المدى إلى كييف ويعبّر عن إحباطه من الرئيس الروسي، بادر بوتين إلى طرح إمكانية استئناف المفاوضات، وشجّعه على ذلك مبعوث ترمب نفسه، ستيف ويتكوف.
وفي غياب اتفاق، تراجعت صادرات الوقود الروسية في النصف الأول من نوفمبر الجاري إلى أدنى مستوى منذ بدء الحرب، كذلك تباطأت تجارة روسيا مع الصين.
وقال مدير مركز أبحاث السياسة الاقتصادية بجامعة "موسكو" الحكومية، أوليغ بوكليميشيف "مناعة الاقتصاد الروسي تعرضت لضعف شديد. قد لا تحدث أزمة شاملة في 2026، لكن التدهور المستمر في الظروف الاقتصادية سيستمر".
ومع اتساع العجز، تزيد الحكومة الاقتراض الداخلي المكلف، ومن المقرر رفع ضريبة القيمة المضافة العام المقبل وتوسيع نطاقها، ما سيؤثر على الشركات الصغيرة والمستهلكين، ويضيف 1.2 تريليون روبل (15.2 مليار دولار) للخزينة، كذلك يُتوقع فرض رسم تكنولوجي على المكوّنات والأجهزة الإلكترونية، وزيادة الرسوم عند شراء السيارات.
وبعدما وعد بوتين الروس في 2023 بعدم فرض ضرائب جديدة، وجّه الكرملين وسائل الإعلام إلى عدم ذكر اسمه عند الحديث عن هذه الرسوم، وفق تقرير لموقع "ميديوزا" المعارض.
وقال بوكليميشيف "إذا أرادت السلطات الروسية أن يستمر الاقتصاد بالعمل بشكل طبيعي، فلا بد من إنهاء العملية العسكرية الخاصة... ربما لم تدرك القيادة الروسية هذا بالكامل بعد، لكن أجراس الإنذار بدأت تقرع".