Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخوف من الأشباح... هاجس العائدين إلى بيوت الخرطوم

متخصصون يقولون إن موروث الحكايات الشعبية عن الجن والخرافة وراء هلع السكان من المنازل المهجورة

عندما بدأ الناس يعودون إلى الخرطوم تفجرت تلك الهواجس بمزيد من المخاوف بعد أن كانت مجرد تحذيرات (أ ف ب)

ملخص

الخوف المزمن الذي عاشه الناس أيام الحرب، والخراب الذي طاول العاصمة الخرطوم وأفرغها من معظم سكانها، أورث خوفاً مزمناً جعل كل من يدعي أنه رأى شيئاً أو سمع صوتاً تصبح روايته مادة للتضخيم والتداول.

منازل كانت يوماً تضج بالحياة، ولكنها أصبحت خالية ومهجورة لأكثر من عامين، وبات التفكير في العودة إليها يولد مزيجاً من الخوف والقلق والرهبة، بخاصة في ظل تواتر الروايات عن احتلال "الأشباح" للمساكن المهجورة، هواجس كثيرة باتت تسيطر على كثير النازحين واللاجئين الذين يعتزمون العودة إلى الديار.

الخوف المزمن الذي عاشه الناس أيام الحرب، والخراب الذي طاول العاصمة الخرطوم وأفرغها من معظم سكانها، أورث خوفاً مزمناً جعل كل من يدعي أنه رأى شيئاً أو سمع صوتاً تصبح روايته مادة للتضخيم والتداول.

شحنات الخوف

يعتقد الناشط سمير محيي الدين، أن الناس أصبحوا مشحونين بالمخاوف من كل فرقعة أو انفجار حتى لو كانت فرقعة بالون، والهواجس تسكن النفوس بصورة كبيرة، وعندما بدأ الناس يعودون إلى الخرطوم في محاولة لاستعادة حياتهم السابقة، تفجرت تلك الهواجس بمزيد من المخاوف بعدما كانت مجرد تحذيرات، وأصبح حتى الذين لم يعودوا خائفين على مصير بيوتهم الفارغة منذ أكثر من عامين.

ويتابع، "كثير ممن لا تزال بيوتهم فارغة باتوا الآن يبحثون عمن يسكن فيها مجاناً على سبيل الحراسة أو لمجرد ملئها بالحياة. وغير مستبعد أن يكون انتشار الحديث عن قابلية البيوت المهجورة للسكن بواسطة الجن والأشباح في إطار الحملة الهادفة لدفع الناس لاستعجال العودة إلى منازلهم من أجل حمايتها من خطر الأطياف".

 

 

يعتقد محيي الدين، أن انقطاع الكهرباء أكثر من عام في عديد من الأحياء، والشوارع الخاوية الغارقة في الظلام وعواء الكلاب، كان له دور واضح في تعزيز مخاوف الناس من أن تسكن بيوتهم الأشباح، فالبيوت المهجورة والظلام يثيران التهيؤات والهلوسة وينعشان كثيراً من الأساطير والخرافة.

منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) 2023، تعاني مدينة الخرطوم الظلام الدامس جراء انهيار قطاع الكهرباء وتحطم 90 في المئة من شبكة الكهرباء، إذ دفعت العاصمة الخرطوم الثمن الأكبر بتضرر بنيتها التحتية الخدمية نتيجة المعارك وعمليات النهب الواسعة التي طاولت المحطات التحويلية للكهرباء بصفة خاصة، لا سيما في المناطق التي سيطرت عليها قوات "الدعم السريع" قرابة العامين.

العلم والموروث

على الصعيد ذاته، يشير المتخصص في علم النفس الاجتماعي منير عبدالكريم، إلى أنه على رغم عدم وجود دليل علمي يشير إلى أن البيوت الفارغة أو الأماكن المهجورة عرضة لأن تسكنها الأشباح والجن، فإن الموروث الشعبي السوداني ظل حافلاً بقصص عن "الأماكن المسكونة"، وتنتشر بشدة في الأرياف معتقدات بأن البيوت المهجورة غالباً ما تكون مسكونة بكائنات غير مرئية، بل ويتجنب الناس دخول منازل معينة بالليل إذا كانت مهجورة منذ زمن طويل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف عبدالكريم، "بنظرة علمية فإن الأماكن الفارغة لفترات طويلة قد تصدر منها بعض الأصوات نتيجة حركة الرياح عبر الفتحات وتمدد وانكماش الجدران بالحرارة والرطوبة وتآكل الأخشاب والمسامير وغيرها، إلى جانب نشاط بعض الحيوانات الصغيرة مثل الخفافيش والفئران والقطط والزواحف والطيور، وغالباً ما تبدو الأصوات لبعض الناس أكثر وضوحاً في الليل، حيث الهدوء واختفاء كل أنواع الجلبة النهارية من محركات السيارات وأصوات البشر والحيوانات وغيرها".

ويتابع "على رغم أن تلك الظواهر قد تبدو طبيعية، فإن كثيراً من الناس قد يفسرون تلك الأصوات على أنها لأشخاص أو أرواح غير طبيعية، ربما تكون هناك أسباب نفسية وراء مثل ذلك الشعور بوجود شيء في المكان، فإذا كان الشخص خائفاً سيظن أنها الأشباح، ولو أن أحداً أخبرك بأن هذا البيت مسكون، فسيبدأ عقلك بالبحث عن أي دليل يؤكد الفكرة، بعكس ما إذا لم تكن الفكرة موجودة أساساً في ذهنك".

كما أن هناك أيضاً، وفق عبدالكريم، الجانب النفسي المرتبط بالخوف من المجهول، بخاصة أن العقل البشري يكره الأماكن الخالية والظلام، فإذا دخل شخص بيتاً مهجوراً فقد يفسر أي صوت بسيط بأنه وجود لشيء خارق، لأن التوقع يصنع الوهم، والعزلة تجعل الأصوات أوضح، والبيت الفارغ يعكس الأصوات بصورة تبدو أكبر وأغرب.

يرجع عبدالكريم انتشار الاعتقاد بأن البيوت المهجورة ربما تكون مسكونة بالأشباح إلى الخوف النفسي وترسبات من التراث السوداني، لأن الموروث الشعبي يجعل الناس جاهزين لتفسير كل شيء غريب على أنه أمر غير طبيعي، مع أن تلك الأصوات والحركة قد تكون طبيعية ولكنها تصبح أكثر وضوحاً كونها غير ممزوجة بأصوات حركة الحياة البشرية.

البيت المسكون

يرى المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أن هناك أسباباً تاريخية وثقافية ونفسية وراء انتشار هذه الاعتقادات في السودان، كونه بلداً غنياً بالتراث الشفاهي وقصص الخرافات التي تنتقل عبر الأجيال، وارتبط فيها مصطلح "البيت المسكون" بالمنزل الذي تعيش فيه كائنات غير مرئية، لأن البيت عندما يهجر لفترة طويلة، يصبح الحديث عنه أسهل، فلا أحد يدخله أو يعرف حقيقة ما يدور بداخله، فضلاً عن أن كثيراً من الحكايات تحكى لمجرد المتعة أو لخلق الرهبة، وربما يكون كثير من تلك القصص ليس مبنياً على أحداث حقيقية، ولكنها ظلت جزءاً من التراث.

ويتابع، "صحيح أن الإسلام يؤكد وجود الجن، لكن ليس هناك ما يدل على أنه يسكن البيوت الخالية والمهجورة بصورة تلقائية، كما لا يوجد دليل على أن الجن أو الأشباح قد تسكن أو تحتل منزلاً دون الآخر من غير سبب، لذلك يمكن القول إنه من الناحية العلمية فإن البيوت الفارغة ليست بالضرورة عرضة لأن تسكنها الأطياف تلقائياً، كما أن مفهوم السكن بالنسبة إلى الجن والإنس ليس هو نفسه".

 

أما المعالج الروحي أحمد الرشيد عشنوق، فيعتقد أن الجن والأشباح يحاولون فعلاً السكن في البيوت المهجورة، وأحياناً حتى الغرف الفارغة داخل المنزل نفسه لو كان مأهولاً بسكانه". لافتاً إلى أن "هناك ثلاث علامات تدل على سكن الأشباح للمنزل عند دخوله، مثل وجود بقع من الدم وانتشار الحشرات أو الروائح الكريهة، إلى جانب وجود بعض التشققات أو الأصوات الغريبة". لكنه يرى أنها أشياء غير مخيفة ويجب ألا تكون كذلك، لأن الرقية الشرعية كافية للتخلص منها، على حد قوله.

يشير المعالج الروحي، إلى أن "الجن ليسوا كلهم مجرمين أو مضرين، فمنهم من هو مسلم وغير مؤذٍ، لكن واقع الحال يشير إلى أن عناصر "الدعم السريع" الذين استباحوا منازل المواطنين ارتكبوا أفعالاً مشينة وفاحشة داخل المنازل، وحتى في بيوت الله، وكانوا يتعاطون المخدرات والخمر ويقومون بعمليات تعذيب، واتخذوا بعضها أماكن للسجن والتعذيب والإعدام، فكثير من البيوت وجدت بداخلها دماء ضحايا".

فوق كل ذلك، يضيف عشنوق، فقد "كانوا يستخدمون السحر والطلاسم والتمائم بكثافة بزعم درء الرصاص والموت، وكذلك يستحضرون الجن لإرشادهم إلى مكان إخفاء الذهب والمجوهرات داخل المنازل، ويذبحون لذلك القرابين حتى لو كانت من البشر، وكل تلك التصرفات مدعاة لأن يتخذ أولئك النفر من الجن، الذين هم في الغالب غير مسلمين ومضرين، من تلك البيوت سكناً لهم بعد خروج أفراد الميليشيات ومغادرتهم للخرطوم".

الثمن الأكبر

ينصح عشنوق "أصحاب المنازل المهجورة، إذا وجدوا أية أشياء غريبة أو ما يظن أنه عمل من السحر، بمحوها بالماء ثم استخدام الرقية الشرعية بقراءة سورة البقرة على كمية من الماء ورش أركان البيت بماء الرقية، بخاصة أماكن الدماء أو السحر، مع موالاة رفع الآذان داخل المنزل لمدة ثلاثة أيام، وعليهم في جميع الأحوال ألا يحرقوا الأشياء مثل الأوراق والأحجبة (التمائم) التي تدل على السحر، لأن المنزل قد يحترق معها".

كذلك يلفت عشنوق، إلى "ضرورة عدم الخوف، لأن الجن يتسلطون أكثر على من يخافون منهم، ويستغلون حالات الضعف الروحي وعدم الاستعانة بمن يدعون طرد الشياطين والجن، كما أن دبيب الحياة والحركة ووجود الناس بالمنزل يقلل وجودهم".

ويدعو المعالج الروحي المواطنين إلى التحصن وعدم الخوف لأن "كيد الشيطان كان ضعيفاً"، والجن ضعفاء أمام المتحصنين، وفي حال وجودهم فإنهم يهربون من المنزل مع كل أذان ولا يعودون إليه إلا بعد ثلاثة أيام.

وكانت العاصمة الخرطوم دفعت الثمن الأكبر خلال الحرب الراهنة بنزوح أكثر من 80 في المئة من سكانها، وفراغ أحياء بأكملها وتدمير وحرق أسواقها العريقة، ودخلت المدينة خلال الأشهر الأولى من الحرب موجة من النهب والتخريب والفوضى، ولم تعد كما كانت حتى بعدما استعادها الجيش.

وقبل أسبوع أعلنت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم عن تحسن كبير في خدمات المياه والكهرباء بالعاصمة بعد نجاح تشغيل محطات مياه الشرب في كل من الخرطوم والخرطوم بحري، واستبدال الخطوط القديمة للمياه، وتراجع شكاوى المواطنين.

كما أعلنت السلطات المتخصصة بالولاية الشهر الماضي، عن وصول دفعة كبيرة من محولات الكهرباء، على أن تكون الأولوية للمستشفيات والمرافق الحيوية، في وقت تقدر حاجة الولاية الكلية بنحو 14.300 محول كهربائي لإعادة التيار بصورة تامة، وفق اللجنة العليا لاستعادة وتهيئة البيئة بالعاصمة الخرطوم برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق إبراهيم جابر.

وكانت منظمة الهجرة الدولية قالت إن نحو مليون شخص عادوا إلى منازلهم بولاية الخرطوم منذ مطلع العام الحالي، فيما تتوقع منظمات أممية أخرى عودة مزيد من النازحين واللاجئين إلى العاصمة مع تحسن الوضع الأمني والخدمات الأساسية خلال الأشهر المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير