ملخص
غيّر ترمب موقفه فجأة ووافق على نشر ملفات إبستين بعدما خلص إلى أن كلفة الرفض باتت أعلى سياسياً، في خطوة تعكس إما رهانه على أن الوثائق ستبرئه، أو أنه قادر على النجاة مهما تكشف. وبين سيناريوهات تبرئته، أو توريط بعض المقربين منه، أو ظهور دلائل على علاقة أعمق بإبستين، يظل ترمب، بفضل قدرته الثابتة على المناورة، مرشحاً للصمود ما لم تظهر أدلة قاطعة تقلب المشهد.
أفاق الأوروبيون على خبر قيام دونالد ترمب بأحد أعنف الانعطافات السياسية في رئاسته، إذ بدأ يحث الجمهوريين على التصويت لمصلحة نشر ما يُعرف بـ"ملفات إبستين".
ويأتي قراره بعد أشهر من مقاومته مطالبات نشر هذه الملفات الموجودة بعهدة وزارة العدل، وعقب أسبوع شهد انقلابه على واحدة من أقرب حلفائه الجمهوريين سابقاً، النائبة عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين، إذ وصفها بـ"المجنونة" و"الخائنة" لأنها طالبت بنشر الملفات نفسها.
وقد برّر التغيير في موقفه بقوله إن الموضوع قد شتت انتباه الحزب الجمهوري عن عمله (وهذا حقيقي) ولأنه "ليس لدينا ما نخفيه" (وهذا الموضوع لا يزال غير مؤكد).
ليست الانعطافات السياسية أمراً نادراً في عالم ترمب، وأيضاً تنفيذها بجرأة ومن دون أي اعتذار ليس مفاجئاً. ومن أمثلتها الأخيرة موقفه من أوكرانيا وتقلباته المستمرة بشأن الرسوم الجمركية، وسط حديثٍ عن أنه يتبنّى غالباً رأي آخر شخص يتحدث إليه.
لكن السؤالين الجوهريين المطروحين هذا الصباح، عقب تبدل موقفه الأخير، هما: لماذا؟ ولماذا الآن؟ فلو لم يكن لدى ترمب ما يخفيه، لماذا لم يدعم نشر الملفات قبل أن تتحول القضية إلى سلاح بيد الديمقراطيين في الكونغرس وتكتسب زخماً سياسياً؟ كان بإمكانه أن يجنب نفسه - وأنصاراً أوفياء تحولوا لاحقاً إلى خصوم مثل تايلور غرين - الكثير من المتاعب.
يُعد ترمب نموذجاً للبراغماتية السياسية؛ إذ يبدو أنه درس الكلفة السياسية المترتبة على مواصلة معارضة نشر ملفات إبستين - عليه شخصياً، وعلى رئاسته وحزبه - وخلص إلى أن ضرر الاستمرار في الرفض بات يفوق أي فائدة محتملة. وهذا التحول إما أنه يعكس مقامرة كبيرة من جانبه، وإما ثقة في أن الوثائق لن تُدينه.
إن كانت آخر ثلاث رسائل إلكترونية منشورة أكثر الرسائل التي يمكن أن تضرّ به من بين ما وجده أعداؤه السياسيون، فإن أي ضرر منها قد يكون محدوداً. لم تكن أي من هذه الرسائل مُرسلة من ترمب أو موجهة إليه. أشارت إحدى الرسائل إلى أن ترمب ربما أمضى بعض الوقت مع امرأة، تم تحديد هويتها على أنها فيرجينيا جوفري التي ادعت سابقاً على الأمير أندرو، في منزل إبستين في نيويورك. فيما أشارت رسالة أخرى إلى أن ترمب "كان على علم بهؤلاء النساء". ومع ذلك، لا يوجد أي دليل حتى الآن على أن الرجل، الذي أصبح لاحقاً رئيساً، كان مقرباً من إبستين أو حافظ على علاقة به بعد إدانته.
ومن غير الواقعي أيضاً افتراض أن ترمب، الذي كان أحد أبرز رجال الأعمال في نيويورك لعقود، لم تربطه أي صلة بإبستين قبل دخوله المعترك السياسي.
وإذا انطلقنا من فرضية أن نشر الملفات الكاملة بات وشيكاً - وهو أمر غير محسوم، إذ لا يزال مجلس الشيوخ قادراً على عرقلته، حتى لو مرّ بسهولة في مجلس النواب - فإن السؤال المطروح يصبح: ماذا بعد؟
الاحتمال الأول هو أن يكون غياب اسم ترمب عن الوثائق، كما يزعم، أمراً دقيقاً، وألا تتضمن أي شيء ذي قيمة تُذكر. عندها يكون قد نال ما يشبه التبرئة الضمنية، وإن كان خصومه سيواصلون الادعاء بأن الملفات نُقحت أو اختيرت بعناية لتجنيبه أي شبهة.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن يكون ترمب شخصياً في منأى عن أي تورط، بينما لا يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى بعض معاونيه أو حلفائه السياسيين، بما قد يعرض فريقه المباشر - أو الجمهوريين ككل - لضرر سياسي في انتخابات الكونغرس النصفية العام المقبل أو في الانتخابات الرئاسية عام 2028. وربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعت ترمب إلى مقاومة نشر الملفات طوال الفترة الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حتى الآن، الاسم الوحيد المتداول هو الرئيس السابق بيل كلينتون. لكن هذا الاسم لا يشكل أي تهديد فعلي لترمب أو للجمهوريين، ولا حتى للديمقراطيين، نظراً إلى مرور زمن طويل على انتهاء دور كلينتون السياسي وإلى المعطيات المعروفة عنه أصلاً.
ويبقى الاحتمال الثالث: أن تحتوي الملفات بالفعل على أدلة أو على الأقل مؤشرات قوية تفيد بأن علاقة ترمب بإبستين كانت أوثق وأطول مما هو معلن حتى الآن. مثل هذا السيناريو سيعزز بصورة كبيرة مطالب مجموعات النساء والضحايا التي قادت التحركات الداعية إلى نشر الملفات، وقد يشتد الضغط السياسي إلى حدّ يجبر ترمب على الاستقالة أو يفتح الباب أمام مساءلته وعزله.
غير أنه لا ينبغي الاستهانة بقدرة ترمب على عزل سلوكه الشخصي عن مصيره السياسي. ففي غياب أدلّة قاطعة تُظهر أن علاقته بإبستين كانت أوثق وأحدث مما كُشف حتى الآن، يرجح كثيراً أن يتمكن من المناورة والخروج من المأزق.
خلال حملته الرئاسية الأولى، حاول خصومه النيل منه عبر علاقاته بالنساء واللغة التي كان يستخدمها، لكنهم أخفقوا إلى حد كبير؛ إذ جادلت بعض مؤيداته الأكبر سناً بأن ما قاله أو فعله لا يختلف عما كان يعتبر "عادياً" بين رجال جيله.
ربما تغيّر الزمن- بعض الشيء، خصوصاً بعدما أصبح جيفري إبستين رمزاً للإجرام في عصرنا وباتت مجموعات الضحايا والناجيات - ليس في قضية إبستين وحسب - أكثر قوة ونفوذاً. لكن من المبكر جداً الجزم بأن هذه الملفات ستُسقط رئيساً. فخصائص ترمب السياسية التي تشبه "التفلون" (اسم تجاري لمركب كيميائي يتميز بمقاومته العالية للحرارة وبعدم الالتصاق) وقِصر المدة المتبقية له في البيت الأبيض، والبطء الذي تتحرك به عجلة السياسة والعدالة في الولايات المتحدة، كلها عوامل ترجّح أن الرئيس السابع والأربعين سيكمل ولايته حتى النهاية.
© The Independent