Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هل سيأكلون يا ترى؟" مسرحية خارج كل تصنيف

يوم خلط فيكتور هوغو الأنواع والأساليب في عمل للخشبة لا يشبه إلا ذاته

فيكتور هوغو: دور جديد للمسرح (غيتي)

ملخص

المهم أن هذه المسرحية لا تزال حتى اليوم، المفضلة بين قطع "مسرح الحرية" وهو أمر عاد ليؤكده من جديد، تقديم لها جرى منذ أعوام من قبل "مسرح تولوز الوطني" في المدينة الفرنسية الواقعة إلى الجنوب الغربي من هذا البلد. ولمناسبة هذا التقديم عاد مسرح هوغو إلى الواجهة من جديد ليتذكر كثر أن كاتب الروايات والأشعار الخالدة، كان أيضاً كاتباً مسرحياً مرموقاً.

"إنها لمسرحية رهيبة هذه التي تتحدث أنت عنها بوصفها مسرحية هزلية، التي ينبغي أن نخترع لها صنفاً مسرحياً جديداً يميزها عن كل ما تحقق على الخشبة حتى الآن"، قد يبدو هذا الكلام نابعاً من قدر كبير من حماسة استشعرتها السيدة التي أوردته في رسالة بعثت بها إلى صديق لها، إذ قرأت تعليقه الذي لا يقل حماسة عما استشعرته هي حين سبقته إلى مشاهدة المسرحية نفسها في عروضها الباريسية الأولى، فهذا الكلام، كان في الحقيقة متقاسماً بين كثر من المتفرجين الذين ساورتهم الفكرة نفسها بعدما شاهدوا مسرحية معنونة، بقدر لا بأس به من الغرابة، "هل سيأكلون يا ترى؟" تحمل توقيع الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو. وكان تقديمها عند نهاية عام 1860، بينما نعرف أن صاحب "البؤساء" و"عمال البحر" وغيرهما، قد كتبها إلى جانب مجموعة من مسرحيات أخرى حين كان يعيش في المنفى في غيرنيزي، تلك الجزيرة الواقعة وسط البحر الفاصل بين فرنسا وإنجلترا. أما السيدة التي تحدثت عن المسرحية بهذه الصورة فكانت الأديبة المعروفة جولييت دروي، التي كانت ملء الأسماع والأبصار في الحياة الأدبية وصالوناتها الباريسية في ذلك الحين، وكانت معتادة على أن تزن كلماتها، من ثَم فإنها في قولها الذي افتتحنا به هذا الكلام، إنما كانت تعبر عن آراء كثر من الذين شاهدوا المسرحية. والحال أن المسرحية نفسها لم تكن فريدة نوعها بل كانت واحدة من مسرحيات عديدة كتبها هوغو في المنفى في غيرنيزي، بيد أنها لن تصدر مجموعة في كتاب معنون "مسرح الحرية" إلا بعد رحيل الكاتب. لكنها ستقدم على الخشبات الفرنسية منذ ذلك الحين بصورة متواصلة وقد حازت "هل سيأكلون يا ترى؟" قصب السباق بينها، لأن الجمهور العريض أحبها بل ثمة من بينه من قارنها بمسرحيات لشكسبير، كانت على الموضة حينها في فرنسا خصوصاً، وربما بفضل فيكتور هوغو نفسه.

هكذا تكلم المؤلف

المهم أن هذه المسرحية لا تزال حتى اليوم، المفضلة بين قطع "مسرح الحرية" وهو أمر عاد ليؤكده من جديد، تقديم لها جرى منذ أعوام من قبل "مسرح تولوز الوطني" في المدينة الفرنسية الواقعة إلى الجنوب الغربي من هذا البلد. ولمناسبة هذا التقديم عاد مسرح هوغو إلى الواجهة من جديد ليتذكر كثر أن كاتب الروايات والأشعار الخالدة، كان أيضاً كاتباً مسرحياً مرموقاً. وكيف أنه استخدم مسرحه لدعم مواقفه السياسية والاجتماعية التقدمية عند أواسط القرن الـ19 الذي يعد في فرنسا زمن فيكتور هوغو بامتياز، ويبقى هنا أن نعرف عم تحدثنا هذه المسرحية، فهي بصورة حافلة بضروب الواقعية والسحر، والغرائبية والمغامرات الفريدة من نوعها، تتناول موضوعها في تفاصيل تتأرجح بين المواضيع السياسية الراهنة، والأفكار التي تملأ حياة البشرية منذ أزمنة بعيدة. فإلى جانب أحداثها التي تبدو في نهاية المطاف مسلية يمكنها أن تنال اهتمام الجمهور وإعجابه تبدو موسومة بأسلوب لا يملك سوى هوغو سره، من ثنائيات تدور من حول الحقيقة أو العدالة، من حول السلطة والحكم بالإعدام، والحماقة وكلفة الذكاء الباهظة. أما الأحداث التي تستوعب ذلك كله فتدور في جزيرة مان الواقعة غير بعيد من إنجلترا وإيرلندا في آن معاً. في اختصار ليست المسرحية سوى التعبير العملي بالنسبة إلى فيكتور هوغو عما كان يعده المسرح الشامل، شكلاً ومضموناً، ويراه وسيلة فعالة لإيصال الأفكار، والأفكار العميقة بصورة أكثر تحديداً، إلى الجمهور المعني بها بأنجع الوسائل وأكثرها فعالية، كما سيقول هو نفسه لخلصائه حين سيكشف لهم غايته من كتابة هذه المسرحية ضمن القطع التي سيجمع في ما بينها لتشكل "مسرح الحرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مغامرة بالغة التعقيد

فالأحداث تدور إذاً، في تلك الجزيرة النائية ومن حول رجل وامرأة من النبلاء يعيشون قصة حب مليئة بالشغف هما الليدي جانيت واللورد سلادا. لكن عيشهما ليس هانئاً، بسبب مطاردة ملك البلاد لهما. وفي الحقيقة يبدو أن هذا الأخير مغرم، بدوره بالسيدة الحسناء، وانطلاقاً من كونه طاغية يريد أن يحصل عليها ويتخلص من حبيبها، وهما، إذ يدركان هذا الواقع لا يجدان أمامهما خلال فرارهما من المطاردة، إلا أن يختبآ في كنيسة نائية حيث يلتقيان بساحرة نشيطة تدعى زينب، وهي معروفة بكونها حيزبون مجنونة، لكنها ستبدي تجاه العاشقين قدراً كبيراً من التعاطف، وهو ما يبديه بدوره لص سيئ الخلق يدعى إيرلو، لكنه تجاه العاشقين، ولأنه شاعري ورؤيوي، يجد نفسه، بدوره متورطاً في التعاطف مع العاشقين أنفسهما. وهكذا تدور رحى المغامرة بين هذه الشخصيات الخمس في حلقات تتراكم فوق بعضها بعضاً في لعبة هندسية تنضح بالمرح حيناً، والخداع أحياناً، بالتسامح تارة، وبالغدر في لحظات حاسمة. إننا هنا، كما نحن في الحياة على أية حال، تتنقل بنا الأحوال وأحياناً من دون أدنى تفسير منطقي، فنتنقل من المغامرة إلى عالم الأحلام، ومن الواقع القاسي إلى الحلول العجائبية، ودائماً حتى من دون أن يجد الكاتب نفسه في حاجة إلى أي تفسير أو تبرير، "فهل أن الحياة في تقلباتها وأقدارها تحتاج حين تفعل فعلها إلى أن تعثر على أي تبرير؟" لقد كانت تلك هي الفلسفة التي تختبئ في خلفية هذا العمل الساحر والسحري، إذ لم يجد الكتاب ما يجبره إلى أن يشرح سره في مقدمة رأى بعض المعلقين أنها كانت ضرورية فيما وجد المتفرجون الذي تدافعوا دائماً لمشاهدة المسرحية، أنهم من الفطنة بحيث يدركون بأنفسهم الخيوط الخفية التي تكمن خلف العمل وتبرر له تقلباته.

شكسبير فرنسي

والحقيقة أن كل هذه السمات هي التي عادت لتبرر من جديد ذلك اللقب الذي أسبغ على فيكتور هوغو، ككاتب مسرحي هذه المرة، إذ بات واضحاً، عند ذلك المستوى من تلقي مسرحه، أن من المستحيل عدم المقارنة بينه وبين سلفه الإليزابيثي الكبير أو حتى وسم مسرحه، بصورة أو بأخرى، بكونه ينتمي إلى المسرح الغوطي، بل حتى إلى الحديث عنه بكونه نوعاً من بيان سياسي، ويحول فن المسرح في جوهره إلى فعل سياسي خالص، في حقيقة أمره، هذا إلى جانب الحديث عن تلك اللغة الشعرية التي لجأ إليها هوغو في حوارات ستبدو من منطلق آخر، طويلة في عدد أبياتها إلى درجة تصعب على مخرجي المسرحية، لا سيما في أزمنة البساطة، عملهم "السينوغرافي"، في تحد سافر لقوانين المسرحة المعهودة، تحد ربما كشف في جانب منه عن المكر الذي تتسم به كتابة فيكتور هوغو، لا سيما كتابته المسرحية مهما بلغ بعدها الرومنطيقي من شفافية واعتماداً على اللغة. مما دفع الباحثين، وقد تأخرت مجموعة "مسرح الحرية" عن الصدور ككتاب كل ذلك الوقت، إلى إعادة النظر في تفسيرات لرومنطيقية مسرح هوغو وذلك، هذه المرة، على ضوء تركيبية هذه الأعمال المسرحية التي ستعد جزءاً من حداثة فيكتور هوغو المطلقة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة