Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كشف غاز جديد بالصحراء الغربية فهل يدعم مصر لتقليص الاستيراد؟

بعد تجميد اتفاق توريد من جانب إسرائيل القاهرة تعلن تصدير شحنة غاز مسال إلى اليونان

تستهدف القاهرة إنتاج غاز يومي يصل إلى 6.6 مليار قدم مكعبة خلال 5 أعوام (أ ف ب)

ملخص

من قراءة متأنية لهذه المسارات، يمكن استخلاص نقاط عدة تحليلية مهمة، أولاً هشاشة الطاقة والتوازن الدقيق أن تراجع إنتاج الحقول المصرية الكبرى يجعل البلاد أكثر هشاشة تجاه الاعتماد الخارجي، مما يضعها في موقف تفاوضي ضعيف، لكن في الوقت نفسه يعد الكشف في "بدر–15" خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن حتى تترجم تلك الاكتشافات إلى إنتاج تجاري واسع، ستظل مصر في حاجة إلى أعوام من العمل.

انطلقت آمال كبيرة في مصر بعد اكتشاف حقل ظهر البحري الضخم عام 2015، إذ بدا أن البلاد في طريقها نحو الاكتفاء الذاتي والتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، بيد أن التراجع الملحوظ في الإنتاج المحلي منذ عام 2022 دفع القاهرة إلى اللجوء لاستيراد الغاز من إسرائيل، قبل أن يتجمد عقد توريد كبير الأسبوع الجاري.

في ظل هذه الخلفية، ينبثق الكشف الجديد للغاز في "منطقة بدر–15" بالصحراء الغربية كمحور جديد يعيد النظر في استراتيجيات مصر، إذ إنه يشكل انعطافة محورية بين الاعتماد الخارجي وتعزيز الإنتاج الداخلي.

اكتشاف ظهر: الطموح الكبير في شرق المتوسط

في سبتمبر (أيلول) 2015، أعلنت شركة "Eni" الإيطالية اكتشاف حقل ظهر في المياه المصرية بالبحر الأبيض المتوسط، وقدرت الاحتياط بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، مما جعلها واحدة من أكبر الاكتشافات في المنطقة.

ودخل الحقل الإنتاج عام 2017، ورفعت توقعات الوزارة آنذاك بأن يصبح عاملاً رئيساً في تحويل مصر من مستوردة إلى مصدرة للغاز، مع إمكانات لتصدير فائض الإنتاج للأسواق الأوروبية.

لكن ومع مرور الأعوام، بدأت تظهر مؤشرات ضعف، مثل مشكلات تقنية في الحقل، تراجع الإنتاج، ونقص الاستثمارات الجديدة في استكشاف الآبار.

التراجع في الإنتاج وسيناريوهات النقص

بحسب بيانات تحليلية، انخفض إنتاج مصر من الغاز من ذروات تجاوزت 6 مليارات قدم مكعبة يومياً في أوائل عام 2021 إلى نحو 3.5 مليار قدم مكعبة بحلول أبريل (نيسان) 2025، ويرجع هذا الانخفاض إلى عوامل عدة، أبرزها تراجع إنتاج حقل ظهر نتيجة مشكلات تسرب المياه والشيخوخة الطبيعية للحقل، وضعف أو بطء في استكشاف حقول جديدة بمعدلات تكفي لتعويض التراجع في الحقول القائمة، إضافة إلى زيادة الطلب المحلي على الكهرباء والغاز بفعل النمو السكاني من نحو 100 مليون نسمة عام 2015 إلى نحو 115 مليون نسمة بحلول 2023.

في هذا المناخ، أعلنت مصر أنها عادت للاستيراد من الخارج، بما يشمل الغاز من إسرائيل ومسارات أخرى، بينما توقف تصدير الغاز المسال لفترات بسبب ما وصف بأنه نقص في المعروض المحلي.

الاستيراد من إسرائيل: خيار اضطراري أم استراتيجي؟

مع تراجع الإنتاج المحلي، بدأت مصر في استيراد الغاز من إسرائيل، عبر خطوط أنابيب أو عبر وقود مسال يتم تحويله داخل مصر، مثلاً في 2023 وصلت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر إلى نحو 8.7 مليار متر مكعب، أي ما يعادل نحو سدس استهلاك مصر من الغاز.

لكن هذا الخيار لم يكن خالياً من الأخطار، فكانت هناك توقفات متكررة في الإمدادات من إسرائيل نتيجة صراعات إقليمية أو صيانة الحقول، مثل تعليق الإمداد في يونيو (حزيران) الماضي بعد إغلاق حقل "ليفياثان" الإسرائيلي إثر اشتباكات عسكرية.

وفي مايو (أيار) الماضي اضطرت مصر لقطع موقت في تزويد المصانع بالغاز بسبب انخفاض واردات إسرائيل، وخفضت إمداداتها لصناعات الأسمدة بنحو 50  في المئة.

هذا يجعل الاعتماد على مورد واحد أو بلد واحد خياراً محفوفاً بالأخطار، ويفتح الباب أمام خروج السيناريوهات عن السيطرة في حال حدوث أي اضطراب خارجي.

التجميد الأخير لعقد التوريد: إشارة مضاعفة للقلق

في الأسبوع الماضي، أعلنت إسرائيل تأجيل توقيع العقد النهائي لتصدير الغاز إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار من حقل "ليفياثان"، معللة الأمر بالرغبة في تأمين مصالحها التجارية وضمان الأسعار.

هذا التأجيل أثار تساؤلات عدة، فهل يعني ذلك أن مصر كانت تعتمد بصورة كبيرة على هذا العقد كمكمل للقدرات المحلية أم أن هناك تغييرات في معادلة القوة بين الطرفين مصر وإسرائيل في ملف الغاز، أم يجعل مصر أكثر عرضة للأخطار الجيوسياسية والاقتصادية في قطاع الطاقة؟

من زاوية اقتصادية، فإن هذا التجميد يأتي في لحظة ضعف إنتاج محلي، مما يجعل الدولة أمام خيارين، تسريع الإنتاج الداخلي أو الاعتماد على واردات قد تتعرض للتأجيل أو الشروط الجديدة.

الكشف الجديد في بدر–15: بارقة أمل؟

في سياق هذه الخلفيات، أعلنت وزارة البترول المصرية عن كشف جديد في منطقة "بدر–15" بالصحراء الغربية عبر البئر "BED 15‑31"، بمعدل يومي يبلغ 16 مليون قدم مكعبة من الغاز و750 برميل متكثفات.

وأوضحت الوزارة المصرية بحسب بيان نقلته وكالة "رويترز" أن هذا الكشف قد يضيف نحو 15 مليار قدم مكعبة إلى الاحتياطات، ضمن خزان طبقة البحرية السفلى، وأنها تجري حالياً إعادة تقييم لاختيار مواقع حفر مستقبلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفق محللون تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" هذا الخبر يحمل دلالات مهمة، أولاً، يعكس استمرار جهود البحث والاكتشاف محلياً، مما يبعث الأمل بأن مصر لن تبقى مضطرة بالكامل للاعتماد على التوريدات الخارجية.

ثانياً، يعد إشارة إلى جذب شركاء خارجيين للاستثمار في قطاع الغاز في مصر، مما يوفر دخلاً استثمارياً ويعزز القدرات الفنية.

لكن من جهة ثانية، حذر المحللون من أن هذا الكشف (رغم أهميته)، لا يغطي فجوة الإنتاج الحالية بالكامل، بل هو جزء من الحل طويل الأمد وليس حلاً فورياً كاملاً.

التصدير والإقليمية: مصر تسعى إلى مركزية الطاقة

وعلى رغم التحديات، واصلت مصر خطواتها لتأكيد موقعها في تجارة الغاز الإقليمية، فقد صدرت شحنة من الغاز الطبيعي المسال (LNG) إلى اليونان عبر مجمع "إدكو" للإسالة، بكمية نحو 150 ألف متر مكعب، لمصلحة شركة "شل" وفقاً لـ"رويترز".

هذا يدل على أن مصر لا تفكر فحسب في معالجة الطلب المحلي، بل تطمح لموقع إقليمي كمركز لتداول وتصدير الطاقة، مما يعد جزءاً من استراتيجية وزارة البترول لتعظيم العائدات وتقوية العلاقات الدولية.

لكن، تحقيق هذا الطموح يستلزم أن يكون الإنتاج المحلي والمستقبلي مستقراً ومؤمناً، وإلا فإن المركز الإقليمي سيبقى هشاً أمام التقلبات.

مصر تستهدف إنتاج غاز يومي يصل إلى 6.6 مليار قدم مكعبة خلال 5 أعوام

في المقابل كان رد وزير البترول المصري كريم بدوي حاسماً ومهماً يشير إلى أن بلاده تسعى إلى العودة بقوة إلى التصدير، إذ كشف عن أن مصر تسعى إلى الوصول بإنتاج الغاز الطبيعي إلى ما يراوح ما بين 6.4 و6.6 مليار قدم مكعبة يومياً خلال الأعوام الخمسة المقبلة، مدعوماً باستثمارات كبرى من شركات عالمية، أبرزها 8 مليارات دولار لـ"إيني" و5 مليارات دولار لشركة "بي. بي" البريطانية.

وأوضح بدوي في تصريحات خلال برنامج "بتروكاست" التابع لوزارة البترول المصرية، أن "عام 2026 سيشهد حفر 14 بئراً استكشافية في البحر المتوسط، بهدف اكتشاف نحو 12 تريليون قدم مكعبة من الغاز"، مؤكداً أن "وزارته تسعى إلى تسريع إدخال المشروعات الجديدة إلى مرحلة الإنتاج، بهدف تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز أمن الطاقة الوطني".

وأشار الوزير إلى أن فصل الصيف شهد استقرار منظومة الكهرباء من دون أي انقطاعات، نتيجة جهود فرق العمل في الحد من التناقص الطبيعي للإنتاج، وبناء بنية تحتية قادرة على تأمين الإمدادات لجميع القطاعات، لافتاً إلى أن مصر أصبحت تملك ثلاث سفن "تغييز" (تحويل الغاز إلى سائل) قادرة على ضخ 2250 مليون قدم مكعبة يومياً عبر الأرصفة المصرية في العين السخنة، مع سفينة رابعة في الأردن، مما يضمن استدامة شبكة الغاز القومي.

كما أكد بدوي نجاح الوزارة في تحفيز الشركاء الأجانب من خلال انتظام السداد وخفض المستحقات، مما عزز ثقتهم وزيادة استثماراتهم في أعمال البحث والإنتاج، موضحاً أن الإنتاج المحلي بدأ يعود إلى مسار الصعود بعد التراجع بين 2021 و2024، ليصل إنتاج الغاز إلى 4200 مليون قدم مكعبة في سبتمبر الماضي، فيما يشهد إنتاج الزيت الخام مرحلة استقرار تمهيداً للزيادة مع الاكتشافات الجديدة في الصحراء الغربية وخليج السويس.

وأضاف أن "البحر المتوسط يمثل خزاناً ضخماً للاحتياطات، وأن الشركاء العالميين مثل (إكسون موبيل) و(إيني) و(بي بي) و(شل) يعملون بالتوازي على الاستكشاف والإنتاج لدعم استراتيجية مصر في تعزيز أمن الطاقة وتنويع المصادر.

من قراءة متأنية لهذه المسارات، يمكن استخلاص نقاط عدة تحليلية مهمة، أولاً هشاشة الطاقة والتوازن الدقيق أن تراجع إنتاج الحقول المصرية الكبرى يجعل البلاد أكثر هشاشة تجاه الاعتماد الخارجي، مما يضعها في موقف تفاوضي ضعيف، لكن في الوقت نفسه يعد الكشف في "بدر–15" خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن حتى تترجم تلك الاكتشافات إلى إنتاج تجاري واسع، ستظل مصر في حاجة إلى أعوام من العمل.

المزيد من البترول والغاز