ملخص
من المرجح أن تظل صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر رهينة التوازنات السياسية والضغوط الأميركية خلال الأشهر المقبلة
أعاد قرار وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين تجميد المصادقة على اتفاق تصدير الغاز إلى مصر التوتر إلى واجهة العلاقات بين تل أبيب وواشنطن وألقى بظلاله على سوق الطاقة في شرق المتوسط.
الاتفاق الذي تصل قيمته إلى 35 مليار دولار كان سيعزز موقع مصر كمركز إقليمي للطاقة، إلا أن الموقف الإسرائيلي الجديد يهدد بتعطيل ترتيبات تصديرية واستثمارات مشتركة وسط ضغوط أميركية متزايدة وواقع طاقوي مضطرب في المنطقة.
خلافات على الأسعار وضغوط أميركية
في غضون ذلك ألغى وزير الطاقة الأميركي كريس رايت الجمعة الماضي زيارته إلى إسرائيل التي كانت مقررة لمدة ستة أيام، بعدما رفض نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين المصادقة على الاتفاق التاريخي لتصدير الغاز الطبيعي من حقل "ليفياثان" إلى مصر.
وأوضح مكتب كوهين في بيان الجمعة الماضي أن "الوزير اشترط التوصل إلى أسعار عادلة للسوق الإسرائيلية قبل إقرار الصفقة"، مشيراً إلى ضغوط من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإتمام الاتفاق في أقرب وقت.
وبحسب تسريبات إسرائيلية فإن رفض كوهين جاء أيضاً نتيجة "استياء سياسي" من القاهرة بزعم وجود ما تعده إسرائيل "انتهاكات لاتفاقية السلام"، مما زاد التوتر بين الطرفين في لحظة حساسة من العلاقات الثنائية، وفقاً لصحيفة "معاريف".
ما يدعو إلى الغرابة أن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين كان من بين المتحمسين للصفقة مع مصر بعد الإعلان عنها في أغسطس (آب) 2025، بل كتب على حسابه في موقع "إكس" قائلاً "تعد أكبر صفقة غاز في التاريخ، تظل خبراً مهماً على الصعيد الأمني والدبلوماسي والاقتصادي، إذ هي ترسخ مكانتنا كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، ويعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إليها، وتمثل خبراً ساراً للاقتصاد الإسرائيلي، إذ ستدر مليارات الدولارات على خزانة الدولة، وتوفر فرص عمل، وتعزز الاقتصاد، وسنواصل تعزيز قطاع الغاز الطبيعي، وهو رصيد استراتيجي لإسرائيل".
اتفاق تاريخي بقيمة 35 مليار دولار
كانت شركة "نيوميد" الشريك الرئيس في حقل "ليفياثان" أعلنت في أغسطس الماضي عن توقيع اتفاق لتزويد مصر بنحو 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، في صفقة تعد الأكبر في تاريخ إسرائيل بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار.
ويقع الحقل في البحر المتوسط وتقدر احتياطاته بنحو 600 مليار متر مكعب، وقد بدأ فعلياً تصدير الغاز إلى مصر منذ عام 2020، بعد توقيع اتفاق أولي لتوريد نحو 60 مليار متر مكعب بمعدل سنوي يبلغ 4.5 مليار متر مكعب.
حتى الآن، تم تصدير نحو 23.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى القاهرة، وتصف الشركة الاتفاق بأنه "أهم صفقة تصدير استراتيجية في شرق المتوسط"، لما يحمله من فرص لتعزيز التكامل الإقليمي في مجال الطاقة.
مصر بين ضغط الطلب المحلي وتحديات الطاقة
تواجه مصر ضغوطاً متزايدة على صعيد الطاقة مع استمرار انقطاعات الكهرباء في ظل ارتفاع الاستهلاك المحلي وتراجع الإمدادات.
وقد دفعت هذه الأوضاع القاهرة إلى التراجع عن هدفها السابق في أن تصبح مركزاً إقليمياً لتزويد أوروبا بالغاز، لتعود إلى موقع المستورد الصافي، بعدما تعاقدت على شراء نحو 150 إلى 160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتغطية الطلب الداخلي.
تسارع التنقيب في المتوسط
في موازاة تعثر صفقة "ليفياثان" أعلنت وزارة البترول المصرية الأربعاء الماضي عن حفر بئر جديدة في حقل "ظهر" العملاق بالبحر المتوسط، مما يضيف نحو 70 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً إلى الإنتاج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أيضاً، بدأت الوزارة أعمال حفر بئر استكشافية جديدة في منطقة تنمية "دنيس" قبالة سواحل بورسعيد، ضمن خطة توسعية تهدف إلى زيادة إنتاج الغاز وتقليل الاعتماد على الاستيراد خلال العامين المقبلين.
ويأتي ذلك في سياق تسابق إقليمي محموم على تطوير الحقول البحرية الممتدة من دلتا النيل إلى شرق المتوسط.
توترات دبلوماسية وملفات سياسية
رفض إسرائيل المصادقة على الصفقة لم يكن اقتصادياً فحسب، بل له أبعاد سياسية متشابكة تتعلق بمواقف القاهرة من ملفات إقليمية، أبرزها التصعيد في غزة والعلاقات مع طهران.
وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن تل أبيب تخشى منح القاهرة نفوذاً أكبر في ملف الغاز في ظل تراجع دورها الإقليمي، بينما ترى واشنطن أن تعطيل الاتفاق يضعف خططها لإرساء محور طاقة مستقر يربط شرق المتوسط بالأسواق الأوروبية.
وفق الاتفاق المجمد من المقرر أن يبدأ توريد 20 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر في المرحلة الأولى مطلع 2026، بعد استكمال خطوط الأنابيب الإضافية.
أما الكميات المتبقية البالغة 110 مليارات متر مكعب فسيجري تصديرها في مرحلة ثانية عقب توسعة الحقل وإنشاء خط جديد عبر معبر "نيتسانا" الحدودي.
وذكرت شركة "نيوميد" أن مشروع التوسعة سيضمن استمرار الإنتاج وتلبية حاجات السوقين المحلية والإقليمية حتى عام 2064.
على أية حال من المرجح أن تظل صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر رهينة التوازنات السياسية والضغوط الأميركية خلال الأشهر المقبلة، إذ إن أي تأخير إضافي قد ينعكس على خطط الطاقة الإقليمية برمتها. ومع ذلك فإن مساعي القاهرة لتوسيع إنتاجها البحري قد تخفف جزئياً من تداعيات التوتر وتمنحها مرونة تفاوضية أوسع.
خلال العقد الماضي عاشت مصر واحدة من أكثر المراحل تقلباً في تاريخها الطاقوي، فبعد اكتشاف حقل "ظهر" العملاق عام 2015، تحولت البلاد سريعاً من مستورد صافٍ إلى مصدر رئيس للغاز في شرق المتوسط، لتبدأ في تصدير الشحنات المسالة من محطتي "إدكو" و"دمياط" إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، لكن الطفرة لم تدم طويلاً، إذ بدأ الإنتاج في التراجع منذ عام 2023 بسبب انخفاض الضغوط في الحقول القديمة وتباطؤ الاستثمار في التنقيب، ومع ارتفاع الطلب المحلي على الكهرباء والمصانع، اضطرت القاهرة خلال عام 2024 إلى استيراد الغاز من الخارج لتلبية حاجاتها، في مشهد يعيد للأذهان سنوات العجز السابقة.
وبحسب بيانات رسمية بلغ إنتاج مصر من الغاز الطبيعي في ذروته نحو 7.2 مليار قدم مكعبة يومياً عام 2021، قبل أن يتراجع إلى نحو 5.6 مليار قدم مكعبة في منتصف 2024، مما أدى إلى انكماش الفائض القابل للتصدير.
وفي إسرائيل ثلاثة حقول غاز طبيعي عاملة: حقل "تمار" الذي يحوي نحو 300 مليار متر مكعب، وتمتلك شركة "شيفرون"، مشغلة الحقل، حصة 25 في المئة منه، وحقل "ليفياثان"، الذي يحوي نحو 600 مليار متر مكعب، وتشارك فيه "شيفرون" أيضاً بحصة 40 في المئة، أما الحقل الثالث، "كاريش"، فيحوي نحو 100 مليار متر مكعب، وتملكه وتشغله شركة "إنرجي"، وهذا يعني أن "شيفرون" تدير ما يقارب 90 في المئة من احتياطات الغاز في إسرائيل، مما يمنحها نفوذاً كبيراً في سوق الغاز الطبيعي الإسرائيلية.
ووفقاً لبيانات من الشركات الإسرائيلية توجد احتياطات غاز تبلغ نحو 1027 مليار متر مكعب، وتقدر وزارة الطاقة بناءً على عمل مستشارين خارجيين أن هناك احتياطات تبلغ 850 مليار متر مكعب فقط.
ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة "موديز" سيزداد الطلب على الكهرباء إسرائيل بنسبة 9.9 في المئة سنوياً حتى عام 2028، مما يعني زيادة في الطلب بنسبة 3 -3.5 في المئة سنوياً، وسيتعين بناء 7 محطات طاقة جديدة بحلول عام 2035 لتلبية الزيادة في الطلب، وهو ما سيعني زيادة استهلاك الغاز الطبيعي محلياً، وفقاً لصحيفة "معاريف".