ملخص
في حال صحة المعلومات الواردة عن استحواذ أميركي على قاعدة في دمشق فإن الأمر لا يتخطى استخدام القاعدة لأغراض لوجيستية ومراقبة، والتزود بالوقود، والعمليات الإنسانية، مع احتفاظ دمشق بالسيادة الكاملة على المنشأة، بينما تشير تقارير إلى تسريع "البنتاغون" من خططه خلال الشهرين الماضيين، وأجرى مهام استطلاعية للقاعدة، وخلص إلى أن مدرجها الطويل جاهز للاستخدام الفوري.
حين ارتطمت عجلات الطائرة الأميركية بمدرج مطار المزة العسكري في العاصمة دمشق كانت هذه الرحلة الجوية الأولى من نوعها، ولم يكن هذا المشهد بمتناول الدمشقيين قبل عقود، في حين اليوم تندفع العلاقات السورية - الأميركية بصورة متسارعة. واعتادت الطائرة الأميركية، من طراز "سي 130" العائدة للقوات الجوية الأميركية، أن تقل دبلوماسيين وكبار القادة العسكريين ومقاتلين، للهبوط في المناطق المضطربة، لكنها في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري وصلت إلى مطار المزة العسكري بعد عقد من الحرب.
ومع وصول الطائرة الأميركية إلى المطار السوري، صاحب السمعة السيئة، كقاعدة جوية كانت تنفذ فيه أعمال تصفية وإعدامات ميدانية في ظل نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أماطت وكالة "رويترز" اللثام عن تخطيط واشنطن للوجود في قاعدة جوية بالجنوب السوري، وتوقع تقرير لها أن تشكل القاعدة منطقة منزوعة السلاح في إطار ما يدور عن اتفاق أمني يلوح بالأفق يهدف إلى إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وذكر مسؤول أميركي أنه لا يمكن الإفصاح عن الموقع لأسباب أمنية.
في الأثناء، نفت وزارة الخارجية السورية صحة الأنباء المتداولة، وجاء في بيان خاص أن "المرحلة الراهنة تشهد تحولاً في الموقف الأميركي باتجاه التعامل المباشر مع الحكومة السورية المركزية، ودعم جهود توحيد البلاد ورفض أي دعوات للتقسيم، ويجرى العمل على نقل الشراكات والتفاهمات التي كانت اضطرارية مع أجسام موقتة إلى دمشق في إطار التنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي المشترك".
أعمال لوجيستية
وفي حال صحة المعلومات الواردة عن استحواذ أميركي على قاعدة في دمشق فإن الأمر لا يتخطى استخدام القاعدة لأغراض لوجيستية ومراقبة، والتزود بالوقود، والعمليات الإنسانية، مع احتفاظ دمشق بالسيادة الكاملة على المنشأة، بينما تشير تقارير إلى تسريع "البنتاغون" من خططه خلال الشهرين الماضيين، وأجرى مهام استطلاعية للقاعدة، وخلص إلى أن مدرجها الطويل جاهز للاستخدام الفوري.
وفي حديث مع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن أكد أن فريق عمل المرصد قد نشر معلومات في وقت سابق عن توسع عسكري أميركي بعد تحركات ميدانية خارج منطقة وجود القوات الأميركية، ولا سيما انتشارها في مطارات البادية السورية، وإنشاء قواعد عسكرية تحت إشرافها بصورة كاملة ومباشرة، بعد زيارات ميدانية أجرتها في السين وتدمر (ريف دمشق) وخارج منطقة تسمى الـ"55 كيلومتراً" وصولاً إلى بادية السويداء.
وتفيد المعلومات بأن خطوة الحضور العسكري الأميركي تأتي ضمن جهود واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وتأمين مواقع استراتيجية بعد بسط نفوذها في البادية، وتهدف واشنطن أيضاً إلى تعزيز قدراتها التشغيلية وتأمين مسارات لوجيستية ونقاط نفوذ استراتيجية في مناطق النفط وخارجها.
وجزم الباحث في العلاقات الدولية فراس بورزان بأن "ما يدور عن وجود عسكري سيكون محدوداً لكنه كثيف الرمزية، ويكشف عن رهان أميركي على رسم قواعد تشكل المشهد الإقليمي، وبداية ستكون واشنطن قادرة بصورة مباشرة على تثبيت سقف الاشتباك، وإدارة التصعيد على خط التماس مع إسرائيل، ونزع فتيل التوتر بين تركيا وإسرائيل وردع إيران"، وأضاف "أما على الصعيد الداخلي فهي تعزز الإشارات الدولية إلى الأطراف السورية وترسل رسالة واضحة أن التحول السياسي في سوريا يمر بدمشق حصراً"، ولفت بورزان الانتباه إلى أن هذه الخطوة "تعزز شرعية الحكومة الانتقالية، وتفتح مجالاً لتدفق أموال استثمارات وتسريع عملية إعادة الإعمار، وطالما ظل الوجود المحتمل محدوداً ومحدد المهمة فسيكون مكسباً تكتيكياً لدمشق، أما في حال توسع الدور الأميركي خارج التفويض الضيق والمهمة المرصودة فإن ذلك بالتأكيد سيقلب المكاسب إلى عبء أمني واستراتيجي على الجميع".
وعن موقف تل أبيب أجاب "تركيا ودول الخليج راضية عن هذا الوجود، في حين أن إسرائيل ستفقد حجتها في البقاء بالمواقع التي تحتلها خارج المنطقة العازلة، لذلك لا أستبعد أن تطالب تل أبيب واشنطن بمراعاة وضمان خطوطها الحمر في سوريا، وإطلاق يديها في تجاوز تلك الخطوط".
زيارة واشنطن
وكانت الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت حسمت الحديث الدائر سابقاً عن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع بتأكيدها اللقاء المرتقب بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبذلك سيكون الشرع أول رئيس سوري يزور الولايات المتحدة، وقالت في إحاطة لها خلال مؤتمر صحافي "تندرج الزيارة في إطار جهود الرئيس ترمب من أجل السلام بالعالم".
وسبق للرئيس الأميركي أن أعلن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا خلال زيارته السعودية في مايو (أيار) الماضي، وستكون مناقشة رفع العقوبات على رأس جدول أعمال الاجتماع المرتقب في الـ10 من نوفمبر الجاري، وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تناول اللقاء ملفات عدة ولا سيما مكافحة تنظيم "داعش" وإعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أنه في الأول من نوفمبر الجاري زارت قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة "التنف" بريف حمص الشرقي، برفقة قوات من أمن البادية أو ما كان يسمى "جيش سوريا الحرة" شريكة التحالف، مطار السين العسكري بمنطقة الضمير بريف دمشق، وبدأت قوات التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، بزعامة الولايات المتحدة، بإنشاء نقطة عسكرية جديدة خارج منطقة الـ"55 كيلومتراً" عند الحدود السورية - العراقية - الأردنية، قرب الطريق الدولي بغداد – دمشق، بهدف تدريب عناصر جدد ضمن القوات، بعد زيادة أعداد المنتسبين تحت إشراف مباشر من قوات التحالف لتعزيز قدرات العناصر الجديدة وتحسين جاهزيتهم العملياتية في المنطقة.
وشهدت مدينة تدمر وصول طائرات ومدرعات أميركية إلى قاعدة "التنف" عند المثلث الحدودي السوري – العراقي – الأردني، وجالت القوات الأميركية في مدينة تدمر وقلعتها الأثرية. وتشير التقارير إلى زيادة "البنتاغون" حجم قواته العسكرية إلى 2000 مقاتل في ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 بعد أيام من سقوط الأسد وهربه إلى موسكو خوفاً من أن يستفيد "داعش" من الفراغ الحاصل ويشن هجمات مركزة.
إيقاف التوغل
في غضون ذلك لم تتوان تل أبيب منذ الأسبوع الأول لسقوط الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، عن زج قواتها بالأراضي السورية، وتوغلت في مساحة تجاوزت 300 كيلومتر مربع، وتوسعت لاحقاً في المحاور الشمالية عقب انسحابها من منطقة حوض اليرموك لتصل المساحة إلى 364 كيلومتراً مربعاً. وعلى رغم المساحة الشاسعة التي توغلت بها خلال هذه المدة الزمنية، مستفيدة من انهيار صفوف الجيش السوري المفاجئ بعد سقوط الأسد، فإن الغنيمة الكبرى بالنسبة إليها هي تمركزها على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية حيث تطل على ثلاث دول سوريا ولبنان وإسرائيل.
في كل الأحوال قد يكون تدخل واشنطن سواء عسكرياً أو سياسياً يكبح اندفاع الجيش الإسرائيلي الذي يواصل تحصين مواقعه، بحسب ما رأى الناشط الحقوقي ياسر الخطيب، مؤكداً أن "دفع تل أبيب قواتها العسكرية يهدف إلى قضم مزيد من الأراضي في القنيطرة ودرعا، مما يخالف اتفاق فض الاشتباك الموقع في الـ31 من مايو (أيار) عام 1974 بين إسرائيل وسوريا بإشراف الأمم المتحدة، إضافة إلى ارتكابها انتهاكات واسعة في حق المدنيين من تفتيش وجرف أراضٍ زراعية وحرجية".